طباعة

عدن وإذ هي زهرة بين المدائن لكنها اليوم جوهرة في يد فحام مميز

  • الاشتراكي نت / المحرر السياسي

الخميس, 29 نيسان/أبريل 2021 00:23 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

تعيش العاصمة عدن وضعا غير مسبوق من تردي الخدمات لم تعرفه في كل مراحلها ، وتعيش حالة لم تعد خافية على احد من جائحة البسط على اراضيها ومتنفساتها وسواحلها ومنشأتها ومعالمها التاريخية  وعلى كل المستويات الخدمية والامنية والاقتصادية ، وحتى اللحظة لا تزال تقبع في اتون اوضاع ومآسي الحرب رغم مرور ست سنوات على تحريرها ، ويكابد ابناءها جحيم متعدد من الألم والمعاناة وشظف العيش بطريقة لم يعهدوها ولم تخطر لهم على بال ، ولا تزال تعيش مفارقات كبرى من سوء خدمات الكهرباء والمياه والنظافة بعد ان كبلت انتصاراتها موجات الظلام والحر ، وغرقت شوارعها بالمجاري والقذارة ، وأضحت تفتقر الى ابسط مقومات ما يؤهلها لأن تكون فعليا عاصمة الدولة المؤقتة والمدينة التي اعلن عن تحريرها منذ ست سنوات مضت.

لقد عقد الناس امالا عريضة على اتفاق الرياض وما حمله من مؤشرات انقاذية في تحقيق الامن والاستقرار والتنمية وتحسين الخدمات لعدن وبقية المحافظات المحررة ، وفتح الباب واسعا لانقلاب الاوضاع الكارثية التي اثقلت كاهل المواطن نحو الافضل ، غير ان الاتفاق بكل أسف وحتى الان لم يحقق هدفه ولم يسعى المعنيون به بإي مسئولية سياسية وقانونية وادبية بالخطوات العملية الضرورية بحسب الاولويات الملحة لتيسير الظروف برفع معاناة الناس والإمعان بإهمال مدينة بكل تفاصيلها وتأريخها وجمالها ، ولا زال الاتفاق يراوح مكانه في حين ان جميع اطرافه لا يأبهون للعذابات المريرة التي يتجرعها الناس صباحا ويضمدون على جراحاتهم مساء.

لماذا عدن ياترى تحصد البؤس عند نقطة تقاطعات الصراعات السياسية الداخلية الانانية ، ولماذا تدفع ثمن الجفوة بين الشركاء الاقليميين ، ولماذا غدت ساحة للصراع والاختطافات المتبادلة والتفجيرات والفوضى والارهاب والاوبئة وتصفية الحسابات .؟

هذه العدن التي كانت موئلا للتعايش والثقافة والسلام ، وقبلة يؤمها الادباء والمثقفين والسياسيين والهاربين من الظلم والباحثين عن الحرية والتي نقشت على فسيفسائها لوحة انسانية بهية الحضور في مسارات الفعل التطوري الحضاري ، وكانت درة المدن بموروثها الثقافي واشعاعها كمدينة قطعت صلتها منذ ازمان بعيدة بكل ما يمت الى التخلف ومظاهره بصلة ، ونفضت من على حلتها اتربة التاريخ وشكلت ظاهرة فريدة من الوعي القيمي الانساني ، فلماذا تعاقب اليوم بدلا من ان تكافأ ، ولماذا يصر جميع المتصارعين على خنقها بكل الوسائل وبمختلف الطرق .؟، وغدت جوهرة بيد فحام ، فأي فحام هو؟!

لقد اخفق اتفاق الرياض في اهم المواضيع التي يجب ان يحقق بها عديد نجاحات ، وتسربت الحكومة من بنوده لتذوب كفص ملح ، ولم يكن هناك مايستوجب ذكره من دعم يساعدها على النهوض بالاوضاع الاقتصادية والخدمية والامنية ، وتركت في العراء مجردة من اي وسيلة تجابه بها التحديات القائمة ، تخبط عشوائي وتكتيكات وفشل ذريع في تقديم النموذج الجاذب في عدن والمناطق المحررة الذي كان يفترض ان يوازي دعم المعركة ، ذلك ان المعركة لاتتجزأ سواء في جبهات المواجهة او في جبهات الخدمات ، ودمرت الحرب طيلة الست السنوات النظام المؤسسي والاداري والقانوني وحل امراء الحرب بديلا عن الدولة ، ولم يأبه اطراف الحرب الا لمصالحهم السياسية والاقتصادية ، وحصدت عدن ازاء كل ذلك الاهمال المتعمد ضريبة عالية دفعتها بكل اسى من تنميتها وامنها واستقرارها.

لقد واجهت الحكومة تحديات كبيرة منذ ان تم استهدافها حال وصولها إلى عدن بعمل ارهابي جبان تعاطت معه برباطة جأش ، واستنفدت كل المتاح في تعاطيها مع الاوضاع القائمة ، وفي الوقت الذي تمتنع به المحافظات ذات الموارد الكبيرة من التوريد الى البنك المركزي الذي يشهد تعثرا كبيرا في تحقيق التزامه الكامل بصرف كل نفقات الدولة، وفي مقدمتها المرتبات نتيجة عدم توفر السيولة الكافية من موارد الدولة ، بسبب عجز أجهزة الحكومة عن تفعيل إجراءات تحصيل إيراداتها السيادية، وامتناع كثير من مؤسسات الدولة العميقة في مختلف المحافظات عن توريد متحصلاتها إلى حساب الحكومة العامة لدى البنك المركزي ، في ذات الوقت الذي يتعرض البنك لضغوطات نافذين في وزارتين كبيرتين ارغامه على دفع مرتبات منتسبيها وموازنتها التشغيلية دون اي غطاء مالي ، فيما تتم كثير من النفقات من ايرادات عدن التي تترك هي بلا ادنى خدمات.

 انه يتحتم على الاشقاء ضرورة دعم الحكومة ، الدعم الذي ينطلق من مفهوم جيو سياسي واستراتيجي لاتفاق الرياض وإبعاد هذا الاتفاق في مساعي تنفيذه عن الأساليب التكنوقراطية التي تركز على الأبعاد التقنية وحسب وتجنب قذف الاتفاق في أحضان البيروقراطيين الذين يميتون كل شئ بعد وضعه في ملف مكتبي ليدخل في النسيان ، وانه للغز عجيب أن تقرر منحة نفطية لكهرباء المدينة ولا تصل ابدا إلى ميناء عدن ، حتى اصبحت مجالا للتندر وانقلبت الصورة عنها في مخيلة الشعب ، إذ أصبحت تعبيرا عن كارثة في لحظة إنقاذ ضرورية ، وقيل عنها أنها ثالثة ثلاثه من أشهر السفن في التاريخ الإنساني إلى جانب سفينة نوح وسفينة التايتانك!.

ستنهض عدن لا محالة وتلك طبيعة المدن العظيمة التي تنهض من بين الركام ، سيكون ميراثها الثقافي والحضاري والمدني كفيل بتغيير وجهها القاتم وغسل غبار الزمن الذي علق باشراقها وبهائها فتلك عدالة النهايات الكبرى التي يفرزها التاريخ.

قراءة 1523 مرات آخر تعديل على الخميس, 29 نيسان/أبريل 2021 01:08

من أحدث المحرر السياسي