طباعة

عن تعز مرة أخرى وليست أخيرة مميز

  • الاشتراكي نت / المحرر السياسي

الثلاثاء, 24 آب/أغسطس 2021 16:19 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

نهضت تعز من بين ركام المأساة لتؤكد انها تملك القدرة على الدفاع عن مدنيتها وعن احلام الناس بالأمن والسلام ، رافضة للاغتيالات والفساد والفوضى والقتل وكل اشكال الموت الرابضة على صدرها ، قالت كلمتها الفصل على لسان حراك شعبي زاخم خرج ليعبر عن ماهية المدينة وقطيعتها الكاملة مع عدمية العنف والجريمة وتغييب الدولة ، ورفض سياسات الاستحواذ والهيمنة والسجون السرية والاختطافات والاخفاء القسري والاستقواء بأدوات الدولة للنهب والسطو وعسكرة الحياة المدنية وشل القضاء ، وكانت المطالب واضحة وغير قابلة للتسويف ، فتح جميع ملفات التصفيات والمقابر الجماعية والقبض على القتلة وتقديمهم للعدالة ، ورفع الحصانة والغطاء عن القيادات العسكرية الضالعة بجرائم القتل والإخفاء القسري، ووقف هيمنة الجيش على المؤسسات المدنية ، وإعادة تموضع الجيش خارج المناطق السكنية ، وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية بقالب وطني.

 تعز التي أطاحت بأحلام الاستبداد في ٢٠١١ بثورة فبراير السلمية ومسيرة الحياة ، هي ذاتها (تعز) التي كانت جزء من المشروع الوطني الذي فجر ثورة سبتمبر واكتوبر وأطاح بالإمامة والاستعمار ، كما وهي اليوم من ضمن الفعل الوطني المقاوم لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة ، وهي ايضا بكل حضورها الكبير ، شكلت الوعاء المدني والثقافي والسياسي لكثير من الاحداث والتحولات ، ولم تتخلف في كل المحطات المصيرية عن الصمود في وجه كل البؤس الذي يراد منه إطفاء وهجها ، وخرجت من تضاعيف الجور اكثرا اصرارا على هزيمة اشكال الموت والفساد والفوضى وفلترة المسار الوطني من الشوائب والادران التي علقت في جسده في لحظة زمنية غادرة ، ولا تزال الحالمة تتصدر الفعل الثوري انتصارا لقيم الدولة المدنية الحديثة والمواطنة والعدالة الاجتماعية والنظام والقانون ، ولم يزدها الحصار المفروض عليها اليوم سوى جسارة المقاومة الى اخر رمق عن القيم التي تحترم الإنسان وتحفظ كرامته ، ولم يلهمها الدمار سوى بدء جولة اخرى من اجل البناء والحياة ، ولذلك لن تجد المليشيات المسلحة مكانا لها في تعز الا بالطريقة التي تمارس اليوم من تنكيل وتعسفات ولصوصية وجبايات وعلى ضفتيها ، تلك التي تجثم عليها براثن مليشيات الحوثي او تلك التي تجثم عليها مليشيات مسلحة تستقوي بمؤسسات الجيش والامن وتحتمي بالحرب والتمزيق الكارثي، وكليهما على السواء خصمان لدودين لماهية المدينة ، لثقلها الثقافي الوازن ولمدنيتها المتجذرة في اعماق التاريخ.

ان ما يحدث في تعز الشرعية من جرائم قتل وسحل وتصفية واغتيالات وارهاب واقتحام منازل وبسط على الاراضي بقوة السلاح لهو امر مخجل ومعيب ، وان الصمت حياله لهو كارثة بكل المقاييس خاصة وهو  يحدث ممن يفترض بهم توفير الحماية وتقديم الامان وتحقيق الامن ، وهو بهذه الصورة القاتمة انما يشير الى ضرب مشروع استعادة الدولة في صميمه ، طالما وقد اصبح العنوان بهذه الدموية وصارت الادوات التي يفترض بها تقديم النموذج الايجابي اسوأ الف مرة في ممارساتها من افعال قطاع الطرق وغاراتهم في زمن الجاهلية ، لا يقيمون وزنا لأي قيم ولا يراعون امرأة أو طفل ولا  يكترثون لحرمة المنازل ولا يحترمون حياة الانسان وحرمة سفك دمه ، وما تحدثه تداعيات تلك التشوهات الخطيرة على السلم المجتمعي وانفراط عقد الولاء للمشروع الوطني في محافظة هي الاكبر سكانا والاكثر تمدنا والاكثر تضحية في مسار الثورة والجمهورية.

لقد وصلت الحالة في تعز إلى الدرجة التي لم تعد مقبولة مطلقا واضحت ممارسات مليشيات الفيد المسلحة هي الفعل الأكثر حدوثا ، فهم السلطة وهم الأمن وهم المؤسسات وهم الحاكمين لكل التراجيديا التي أحالت تعز إلى كومة من الأنين والوجع ، المدينة التي فقدت الشعور بالامان وفقدت الإحساس بالحياة بعد أن صيرتها تلك العصابات إلى غابة موحشة يفترس بها القوي الضعيف وأمام مسمع ومرأى كل اجهزة الجيش والأمن والسلطة المحلية التي افرغت بفعل هيمنة القوة من كل مهامها وغدت مجرد مسميات باهتة تتخندق ورائها مليشيات السطو والقتل.

ان الأحداث الدامية التي شهدتها وتشهدها تعز لهي وصمة عار سوداء في جبين الممسكين بخيوط اللعبة القذرة التي تمارس هناك ، وفي جبين الشرعية التي لم تستطع ايقاف توحش ادواتها ، وفي جبين كل المؤسسات الرسمية التي تقف موقف المتفرج على كل المآسي التي تعانيها تعز وابناءها ، ولعل اثخنها جرحا واكبرها توحشا جريمة إبادة أسرة وحرق منزلها واختطاف أطفالها وترويع نساءها واحتجاز وتصفية جرحاها ومن قبل عصابات تستخدم اطقم وسلاح وأفراد الجيش والأمن ، في صورة مسيئة لهاتين المؤسستين وكل من ينتسب لهما ، وكيفية استغلالهما بكل مقت للتدمير والنهب والقتل بدلا من القيام بمهامها في تحرير المحافظة ومواجهة مليشيات الحوثي.

لقد آن الاوآن بضرورة الوقوف على كل الاختلالات التي تنهش مؤسستي الجيش والأمن والعمل الفوري على إقالة القيادات العسكرية والأمنية الخائبة واحالتهم إلى القضاء جراء الغطاء المستمر الذي يمنحونه لمرتكبي الجرائم والفضائع ، كما وتقديم المطلوبين امنيا لينالوا جزائهم الرادع ، وأنه لم يعد من الاخلاقي الصمت أكثر على كل هذا العبث الذي يحدث لتعز وابناءها ، وعلى كل الثارات التي بلغت اوجها ، مع مدنيتها ومشروعها النهضوي الثقافي والمدني ومع سلامها واستقرارها ، وهي ثارات قبيحة قادمة من بين أضابير التاريخ ، وتلك الخصومة الفجة ، خصومة التفكير والتقدير لشكل الحياة ولحضرية المدن ولمعنى السلام.

كل التحايا للمسيرة الحاشدة التي خرجت من بين الحطام لتقول للقاصي والداني أن تعز كانت وستظل مشعلا ينير الطريق بالأمل الكبير الذي يختزنه ابناؤها ومعهم كل اليمنيين بوطن آمن سعيد ، والتحية للحركة المدنية الشعبية " يكفي " على تبنيها هذا الفعل المدني المشروع ووقوفها في طليعة الحشد الجماهيري الذي أثبت أن تعز لا تزال نابضة بقيمها الأصيلة وبأنها رقم صعب لا يمكن لأدوات العنف والتخلف والظلام شطبها من المعادلة..

قراءة 1526 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 24 آب/أغسطس 2021 16:25

من أحدث المحرر السياسي