طباعة

ورحل نقاش حجر العصر عبد الرحمن فخري مميز

  • الاشتراكي نت/ خاص - كتبه عبد الباري طاهر

الثلاثاء, 13 أيلول/سبتمبر 2016 18:11
قيم الموضوع
(0 أصوات)

رحل المثقف العضوي الشاعر والناقد الكبير عبد الرحمن فخري في صمت أفجع من صمت القبور..

لهذا الشاعر الحداثي المبدع الذي صدح بالشعر عدة عقود، وكان كوكبا في سماء اليمن والعرب في الستينات والسبعينات والثمانينات  أثر عميق على الإبداع والمبدعين في اليمن.

 استوعب شروط القصيدة الحديثة «قصيدة النثر» ؛ فهو أيضا ناقد مهم درس فقه القصيدة الحديثة، مكنة اطلاعه العميق والواسع بثقافة العصر وتيارات الحداثة الفكرية والأدبية من نقد «القصيدة الحداثية»، وتقديم فاكهة جديدة للإبداع الشعري والنقدي.

 خاض معارك مجيدة مع معاصريه من كبار الأدباء والمثقفين، وترك إرثا مجيدا وزاهيا في الشعر والنقد نتمنى أن يجد الطريق الآمن للحفظ أولاً، ومن ثَمَّ عند توفر الظروف الملائمة إعادة تجميع أعماله الكاملة شعرا ونقدا .

قبل عدة أعوام كتبت مقاله متواضعة عن الفقيد الكبير عبد الرحمن فخري أحد أهم رواد القصيدة الحديثة والنقد والمثقف والأديب الرائد .كان للفقيد فخري دور رائع ورائد في التأسيس للأدب الجديد والحداثة الفكرية والسياسية في يمن سبتمبر وأكتوبر ومايو، وكان -يرحمه الله- مثالا وقدوة لجيل الحداثة الإبداعية والفكرية في اليمن.

 نقاش حجر العصر

الكتابة عن مبدع كبير مبحر أبداً باتجاه الآتي أمر عسير، أما إذا كان هذا المبدع متعدد المواهب، ويمتلك أسرار التجديد كعبد الرحمن فخري فإن الكتابة تصبح بمثابة السباحة في محيط متلاطم الأمواج.

عبد الرحمن فخري واحد من المبدعين الكبار أتقن بمهارة أسرار صناعة الكلمة المبدعة، وكان منذ الستينات في طليعة كتاب القصيدة الحديثة، وقصيدة النثر.

وفخري يتعامل مع الكلمة المبدعة بتأنٍ وتدقيق؛ فهو مثقف عميق التفكير، واسع الاطلاع، يمتلك خبرة حياتية ومعرفة نظرية متعددة الروافد والمآتي.

يمتشق جملته الأنيقة من عمق الحياة وبصيرة نافذة باللغة؛ فصوره الشعرية تخرج طازجة كالخبز ذي النكهة الشعبية، والرائحة الزاكية.

وهو متفرد بحق في صوغ قصائده بعيداً عن المعتاد والنمطي والسائد، ذائقته الفنية والإبداعية تجنح دائماً إلى الابتكار والإبحار منجرداً كعصى موسى.

 بهذه الجملة يبتدئ فخري ديوانه الأول «نقوش على حجر العصر»... نقش أشعاراً خالدة لا تمحى ولا تنسى ولا تبلى.

يمتح فخري من بئر المورث الشعبي اليمني والعربي، ويغترف من بحار ومحيطات وأنهار العصر وتجارب العالم؛ فهو مثقف موسوعي، يمتزج (في إبداعه) المثل والأغنية الشعبية والحكاية، ويوصلها إلى البحار والمحيطات البعيدة لتأخذ المدى.

حبيبي وياهلي ويا جيد

 ليلة وصولك مثل ليلة العيد

حبيبتي

أعطيك من شموعي

نار الضلوع

أو حرقة الدموع..

يدعمها بـ :

عن ساكني صنعاء حديثك هات

وافواج النسيم

وخفف المسعى وقف ؛ كي يفهم القلب الكليم

 من أغنية مشهورة للآنسي- عبد الرحمن

 يتكئ الفخري على إرث الأغنية الشعبية والحمينية ليبحر بعيداً

يهرب من ظلي قدري

 وعيون الدهر فالسر على شفتي أفعى

 تتلظى جمر

من قبل أبوابي السبعة

 يفتقد العمر

 خبرة فخري بإرث وتقاليد وقيم القصيدة القديمة كناقد وكشاعر مكنّه من التجاوز، أليس الجديد قتل القديم بحثاً؟ ولا يستطيع الإبحار بعيداً من لم يعرف السباحة، ويتدرب منذ الطفولة على حب البحر والغوص في أعماقه وإدراك أسراره كفخري... من قصيدة «بلقيس تبكي بدمعي»- ديوان نقوش على حجر العصر ص 9.

للنقش بعد عميق في الحضارة والموروث اليمني، فجانب مهم منها أو أن الجانب الأكبر في حضارتها القديمة: السبئية، المعينية، الحميرية، قد ارتبطت بالنحت والنقش على الحجارة، وجانب مهم من تاريخ اليمن السعيد لا تقرؤه إلا في خط المسند الحميري الذي لم يكتشف منه إلا النزر، وكثيراً ما أشارت إليه آي الذكر الحكيم والشعر الجاهلي.

 تطول معاناة ومكابدة المبدع؛ فهو ينقش والنقش على الحجر حرفة تحتاج إلى دربة ومهارة وإتقان، فما بالكم إن كان النقش على حجر العصر.

النقش على حجر العصر إعجاز إنساني لا يصل إليه إلا مبدع بقامة فخري

 مبحرا كعصى موسى

 أشرب البحر قبلكم

 كي أغسل ألواحكم المحفوظة

 وهي النقوش التي سبقت وأسست للنقوش في شمال الجزيرة: الثمودية واللحيانية والنبطية في القرن الثالث الميلادي، وهي النقوش التي أسست للغة العربية.

قرأ الناقد الكبير أستاذنا الدكتور عبد العزيز المقالح نماذج من ديوان «نقوش على حجر العصر». قرأ اللوحة الأكثر ارتباطاً بالقصيدة النثرية، الابتعاد عن الإيقاع النبري، والارتباط بإيقاع الموجة، وعدم الاستسلام للذوق السائد، واعتبر الناقد النسيان أول مراتب الشعر وبداية التجاوز والتأسيس. كما قرأ الإيقاع الداخلي بديلاً عن الإيقاع المباشر، وقدم نماذج من القصائد الخمس تعزز الرؤية النقدية وتبرهن عليها.

في حين أن الناقد المهم الدكتورحاتم الصكر قد قرأ جانباً آخر من اللوحة، قرأ المشاكسة والمفارقة والاختلاف على صعيد المحتوى الثوري والمشاكس الصادم، والشكل الذي يمزج فيه بين القصائد الموزونة والنثرية.

ويقرأ في قصيدته الشهيرة «رسالة إلى العالم»: يقرأ فيها الخبيئ من الأدلجة، وحتى الشطحات الثورية والتركيب النثري الجبراني. (قصيدة النثر في اليمن: أجيال وأصوات صـ31 و 32 مع بعض التصرف). ويرى أن بعض نصوص فخري تعتمد على تشبيهات تقريرية مرتكزة إلى تقنية بلاغية شائعة هي التشبيه مستشهدا ببعض المقاطع (نفس المصدر).

 ربما كان الدكتور عبد العزيز المقالح والدكتور حاتم الصكر أهم ناقدين اهتما بديوان فخري، وقرأا بعمق تجربته النثرية.

وفخري كرائد من رواد التجربة النثرية في اليمن قد زاوج ومزج بين أكثر من أنموذج شعري، وحتى القصيدة العمودية لم يخل منها ديوان (من جعبة الفراسة)، والديوان يضم نماذج يعود بعضها إلى العام 65، ففي هذه المرحلة الباكرة زاوج الفخري بين أكثر من أنموذج شعري، بل إن الاتكاء على الأغنية الشعبية والحمينية - وإن عبر عن احتفائه بالغنائية والوزن والقافية -إلا أنه أيضاً قد تجاوز ذلك إلى النثرية بخصائصها وقيمها المختلفة.

التجاور بين أكثر من شكل في دواوين الفخري الثلاثة «نقوش على حجر العصر»، و«من الأغاني ما أحزن الأصفهاني»، و«من جعبة الفراشة»، وأحياناً داخل القصيدة الواحدة.

قراءة الناقد المهم والمتابع لقصيدة النثر العربية رغم واقعيتها لا تشمل أولا تحيط بتجربة فخري الغنية والمتنوعة والممتدة لما يصل لأكثر من ثلث قرن, إنه يتناول لحظة أو جانباً معيناً من هذه التجربة.

ورغم نقده لجوانب معينة خصوصاً قصيدة (بابلو نيرودا أيها الرفيق) ومأخذه عليه بعض التشبيهات التقريرية والمنضبطة في الإطار التقليدي إلا أنه يرى أيضا الاستفزاز الواضح والمقصود لأفق توقع القارئ بالمفارقات الصارخة المعبرة عن المسافة بين الواقع والحلم, كقوله متى نجد البيض في القنابل؟.. والعرائس في الأحلام؟ نفس المصدر ص 33.

نثرية الفخري خصوصاً في نقوش على حجر العصر وهي القصائد التي يعود أغلبها إلى مطلع السبعينات تحمل آثار قصيدة التفعيلة، وربما كان الشاعر الكبير محمد سعيد جرادة من أوائل من لاحظ الحضور القوي للإيقاع في نثريات فخري، ولكن جرادة -يرحمه الله- يورد الملاحظة في سياق السخرية.

مَزجُ الناثر والشاعر الكبير بين الأغنية الشعبية والحمينية له دلالة أيضا، وربما أن إلقاء فخري المجلجل والمدوي لقصائده النثرية شاهد عميق لكثافة الغنائية وشد المخاطب -بفتح الخاء-.

إن اثر الموروث عميق جداً في ذائقة الرائد, فرغم اطلاعه الواسع على تجارب قصيدة النثر في البلاد العربية وفي الشعر الأجنبي: الفرنسي, الاسباني, الانجليزي, وتجربة طاغور الهندية التي طالما تغنى بها، وذخيرته النقدية الرفيعة إلا أنه -وكما أشار الناقدان الكبيران: د. المقالح ود. الصكر - لم يتخلص من أثر قصيدة التفعيلة.

أصدر الشاعر عبد الرحمن فخري ديوانه الثاني (من الأغاني ما أحزن الأصفهاني) عام 2000،وقد تضمن الديوان قصائد ونثريات الثمانينات، وللأسف لم يُقرأ الديوان كما ينبغي، فنثرياته تبتعد كثيراً عن النبرة المرتفعة التي لاحظها المقالح والصكر، واقتربت إلى حد بعيد من النزول إلى ميدان التفاصيل الصغيرة والتي لا أهمية لها, فلم تعد القضايا الكبرى موضع اهتمام وعناية صاحب (ما أحزن الأصفهاني).

مالت النثريات الخالصة للنثر كأنموذج مؤسس، وإذا ما استثنينا قصيدة القردعي (نخب على شرف القردعي) فإن القصائد جلها أميل للتركيز على «الصخب الداخلي», وعدم الانجرار للتفاصيل الفائضة، بينما يحتفظ بمقدرته الفائقة على المفارقة في صدم الذهنية النمطية والجاهزة:

 ورأيت رجلاً يطير الدخان

كان على اعتراف

أهارب من ظله, إلى الرماد؟

أمن الحاكم بأمره؟

أمن السيد الأنيق, رئيس النقابة؟

أمن نفايات البيوت الراقية؟

أمن جلده الضيق كخاتم الزواج؟

أمن السوق «البيضاء » والمزادات  «السرية».

عبد الرحمن فخري إنسان مثقف من أهم المثقفين العرب، وهو كفاءة إدارية كبيرة عمل طويلاً في اليونسكو كممثل لليمن الديمقراطية سابقاً، وكان مثالاً وقدوة في النزاهة ونظافة اليد ونقاء الضمير.

 لعبد الرحمن فخري كتاب نقدي (الكلمة والكلمة الأخرى) إضاءة نقدية على الأدب اليمني المعاصر، والكتاب بالغ الأهمية في قراءة الإنتاج الأدبي بأفق ورؤية عميقة ومفتوحة وخالية من الأدلجة والتسيس.

 دواوين الفخري عبد الرحمن فخري بحاجة إلى قراءة معمقة, فهي من العلامات الكبيرة على طريق تبدلات القصيدة الحديثة في اليمن, فعبد الرحمن رائد ومؤسس مهم في النثر والنقد معاً والكلمة والكلمة الأخرى، نحن كقراء في أمس الاحتياج لقراءته والتماس عوائده وفوائده.

علامة اليمن الكبير محمد بن محمد المنصور

اليمن البلد المنكوب بداء الحروب ووباء الفتن والصراعات الكالحة غني أيضا بعلمائه وأدبائه ومثقفيه، ولعل قسوة الحياة والاحتراب قد خلفت في البيئة القاسية والشموس -كوصف الشاعر الكبير محمد محمود الزبيري -شكلا من ألوان التحدي لمواجهة الموت وتحديه: (فاخرج له موتا لموت، أيّ من الموتين يغلب من يذود عن الديار). كإبداع الشاعر الكبير عبد المعطي حجازي.

العلامة الكبير محمد بن محمد المنصور من آخر وأهم علماء العرب والمسلمين وأهم رموز أصول الفقه الزيدي وعلم الكلام المعتزلي، يُروى أن الإمام يحيى كثيرا ما كان يحث أبناءه للاقتداء بالعلامة المنصور.

عرفته في الخمسينات، كان عمه عاملا في المراوعة؛ فتعرفت عليه ودرست عليه في متن «جمع الجوامع» لتاج الدين عبد الوهاب السبكي وفي «الغاية» في أصول الفقه الزيدي  للحسين بن القاسم .

عمل في مصر لمدة قصيرة، واهتم بتجميع ديواني الخفنجي والقارة، وهما شاعران شعبيان، والأخير ساخر من بيئته ومن الأتراك ومن الإمامة، وهو من بيت الإمامة، وسخر من الفقه والنحو والصرف وكتبها .

لعل النسخة التي قام عالمنا الفاضل بطباعتها بالآلة الكاتبة في مصر هي النسخة الأولى والأتم، وكانت تصحيحاته وتعليقاته تنم عن معرفة بالأدب الشعبي وبالعامية في مناطق صنعاء .

تولى بعد الثورة منصب الوصي على ممتلكات بيت حميد الدين، وتولى وزارة العدل، وكان -يرحمه الله- أنموذجا رائعا في عمق المعرفة والاستقامة والصلاح وحسن السيرة والتواضع كقدوة حسنة ومثلا أعلى لأبناء شبعه.

رصد أحد تلاميذه: الأستاذ والأديب البارع حسن الدولة مسيرة حياته ودراسات المجتهد المنصور على علماء اليمن في صنعاء وشهارة وعدن وبيت الفقيه والمراوعة وحجة وذمار والبيضاء، ودرس علمي الكلام المعتزلي والأشعري، كما درس الفقه الإسلامي وكتب السنة: البخاري ومسلم وكتب السنن.

عمل مساعدا لوالده في أعمال بيت الفقيه، ومساعد وزير الخارجية (راغب)، وناظر الوصايا والأوقاف، ووزيرا من وزراء الاتحاد في مصر، وبعد الثورة سبتمبر عضوا في مجلس السيادة، ووزيرا للعدل، ثم وزيرا للأوقاف وعضوا في المجلس التأسيسي، وغيرها من المناصب العديدة.

مطهر الناظر

من أوائل الطلاب المبتعثين أواخر الخمسينات وأوائل الستينات، تولى بعد الثورة عدة مناصب منها: وزير الزراعة والبلدية والإسكان، وكان -يرحمه الله- على جانب من الحصافة والطهر والنزاهة والإخلاص، ورغم المناصب الكبيرة التي تقلدها إلا أنه رحل وهو في بيت الإيجار بصنعاء، إنما اهتم بتربية وتعليم أبنائه، مورثا لهم المعرفة والسمعة الحسنة والطيبة.

أحمد الرحومي أحد فرسان الثورة السبتمبرية

رحل قائد من أهم القيادات الثورية في تنظيم الضباط الأحرار«الضباط الصغار» خريجي مدرسة الأيتام في خمسينيات القرن الماضي .

كان أحمد الرحومي من خريجي كلية الشرطة في تعز، وأحد رموز التنظيم الضباط الذي اضطلع بصنع الحدث الوطني الكبير (ثورة ال26 من سبتمبر 62) .

الضابط الشجاع ارتبط بالخلية التي حَضَّرتْ للثورة، وكان ليلة ال26 من سبتمبر في غرفة القيادة إلى جانب الفقيدين الكبيرين: عبد اللطيف ضيف الله، وعبد الله جزيلان إلى جانب رفاقهم في قيادة الثورة والتنظيم .

تبوأ بعد الثورة عدة مناصب منها : وزارة المالية، وأخيرا مصنع الغزل والنسيج .

جسد في مراحل حياته العملية والنضالية الطهر الثوري، وابتعد عن الصراعات الكالحة التي شهدتها مسيرة الثورة السبتمبرية، وكان المناضل الفادي في سلوكه والتزامه.

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

قراءة 2035 مرات

من أحدث