طباعة

اليمن بين الثورة والثورة المضادة (الحلقة السادسة) مميز

الجمعة, 14 تشرين1/أكتوير 2016 18:53 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

اليمن بين الثورة والثورة المضادة (الحلقة السادسة)

الثورة المضادة ونجاحها في إشعال الحرب الأهلية

اتكأت الثورة المضادة على تحالف قوى النظام القديم والبائد، وهو تحالف عماده التحالف العائلي وغطاؤه العصبية الجيوسياسية، ووسيلته تنظيم ما قبل الدولة الذي يتسم بسمتين رئيسيتين:

الأولى-المقاومة والتغلب بالحيلة: المكر والخديعة.

الثانية-الحدود المقدسة: القبيلة وما زاد عليها فهو غنيمة.

    لقد كشفت الثورة المضادة عن تحالفها بالاستيلاء على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014م والاستيلاء التدريجي على اجهزة الدولة حتى 21 يناير 2015م عندما تم الاستيلاء على دار الرئاسة، والقصر الجمهوري، ورئاسة الحكومة، بعد منع اجتماع الهيئة الوطنية للرقابة على مخرجات الحوار الوطني مخصص لاستلام مسودة الدستور وتدشين مناقشته. وكانت هذه الخطوة اغتصاباً للسلطة بوضع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وعدد من الوزراء تحت الإقامة الجبرية. وكان ذلك سلوكاً واضحاً يحمل سمات تنظيم ما قبل الدولة، وعدم اكتراث بوحدة الدولة وسلامة أراضيها. وتكشف هذا السلوك بصورة جلية بعد أن تمكن رئيس الجمهورية من مغادرة صنعاء الى عدن وإعلان عدن عاصمة مؤقتة للبلاد. وحينما أعلن قائد تحالف النظام القديم والبائد علي عبدالله صالح الحرب على الجنوب بتاريخ 9 مارس2015م توجهت المليشيات الى تعز لمهاجمة الجنوب وظهر أن الحرب ضد الجنوب، وتعرضت عدن ولحج وأبين والضالع للهجوم باستخدام الوسائل غير الإنسانية، القصف العشوائي للأحياء السكنية وتدمير الأعيان الضرورية للحياة التي لا يجوز المساس بها ومنها الكهرباء والمياه والطواقم الطبية وحرمان سكان هذه المحافظات من مقومات الحياة، لإيجاد حالة تجعل إمكان حل القضية الجنوبية وتنفيذ مخرجات الحوار أمر لا يتأتى تحقيقه بفعل ذلك السلوك وغرس كراهية ونوازع جهوية وطائفية يكون من العسير في المستقبل تجاوزها ومن غير الميسور ازالة آثارها الاجتماعية والنفسية. ولذلك كرر علي عبدالله صالح عام 2015م حربه على الجنوب وعدن بالذات بنفس الأساليب التي أتبعها عام 1994م من خلال شن حرب بشعة وقذرة وإظهارها وكأنها حرب بين الشمال والجنوب، وأستخدم نفس السلوك الإجرامي ضد تعز وسكانها، وهو الأمر الذي أثر كثيراً على مقومات الوحدة الوطنية والوحدة اليمنية وأستوجب أن يكرس الجزء الأهم من مخرجات الحوار الوطني لمعالجة القضية الجنوبية، ومن ذلك تغيير شكل الدولة من الدولة البسيطة الى دولة مركبة. والفرق بين شن علي عبدالله صالح للحربين أنه قاد الحرب الأولى بصفته رئيساً للدولة يقود الجيش وأجهزة الأمن التي خاضت الحرب بصفته القائد الأعلى، أما الحرب الثانية فلا صفة قانونية له، ويعد في هذه الحالة رئيس مليشيات وصفها قانون الجرائم والعقوبات باعتبارها عصابات مسلحة لا تطبق قواعد الحرب القانونية ولا تنطبق عليها. ويوجد اختلاف آخر، أنه قاد حرب 94م بتحالف سياسي انضوت تحته التنظيمات الإرهابية دون أن يعلن ذلك، أما حرب 2015م فيقودها بتحالف عائلي كهنوتي تلعب فيه التنظيمات الإرهابية دور حليف المستقبل وتعمل لحسابها ولحساب التحالف العائلي الكهنوتي معاً. لكن هذه الصفة لا تغير من طبيعة المساءلة على الجرائم التي ارتكبها التحالف العائلي في كل أرجاء اليمن، وخاصة ضد سكان مدينتي عدن وتعز، وعلى الأخص جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

لقد أدت عدة عوامل لتنفيذ الثورة المضادة وزج البلاد في حرب أهلية. وأهم تلك العوامل:

موقف الخذلان الذي مارسته القوى الداعمة لثورة 11 فبراير-قوى التغيير-اللقاء المشترك وشركاؤه.

عدم نقل السلطة والحفاظ على مكونات الجيش والأمن بأوضاعها السابقة، خاصة الحرس الجمهوري والأمن المركزي، وهما قوتان لهما تكوين جيوسياسي وارتبطاً بالرئيس السابق وعائلته، وارتبط قادتها بالفساد الذي مارسته العائلة من خلال الاستحواذ على جزء من الميزانية العامة للدولة، بحيث كانت الموازنة العسكرية الأكثر فساداً بين موازنات قطاعات الدولة الأخرى. ومثلت هذه القوة مكوناً رئيسياً من مكونات نظام الفساد والإفساد بعد الانقلاب على نحو أكثر وقاحة ووحشية.

 استغلال الصعوبات التي سببتها مضامين التسوية السياسية، كمنح الحصانة لرئيس النظام القديم ومن عمل معه، واستمرارهم في العمل السياسي وشغلهم مناصب في السلطة، بل احتفاظهم بجل مراكز السلطة، وتمكنهم من إحباط تحقيق العدالة الانتقالية بعدم اصدار قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وعدم تسمية أعضاء لجنة التحقيق المستقلة بانتهاكات عام 2011م. وفي الوقت نفسه تمكن النظام القديم من منع إنجاز مهام نقل السلطة وعرقلة إنجاز المرحلة الانتقالية. وعملت عناصره المتخفية بين صفوف الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني غير السياسية ونشطاء حقوق الإنسان والأدباء والكتاب من استخدام ذلك للتحريض على قوى التغيير، وعلى الجزء الممثل لها في الحكومة بحجة أنها تتساهل مع النظام القديم ولم تنجز الثورة بقوة السلاح.

وحاولت الحكومة التخفيف من المعاناة الاقتصادية واستعادة التنمية والعمل على تهيئة الشروط القانونية بالشروع في إعداد القوانين ذات العلاقة، كمشروع قانون جديد لتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي المباشر الذي أعدت مسودته الأولى، وإقرار قانون شراكة القطاع الخاص، والشروع في إعداد قانون لشراكة مؤسسات المجتمع المدني، وإعداد مشروع قانون انشاء الشركة الوطنية للنفط والمعادن، وإعداد مشروع قانون لاسترداد الاموال المنهوبة، وتثبيت سعر العملة الوطنية، وتحسين بعض الخدمات في مجال الطاقة مقارنة مع الأعوام السابقة. غير أن استعادة التنمية ومواجهة تحديات الفقر والبطالة واستعادة حالة الأمن والاستقرار مهام يتطلب إنجازها وقت وإمكانيات مادية زادت من صعوبتها تلكؤ الداعمين في تقديم الدعم الاقتصادي، بما في ذلك تردد دول الجوار وعدم إقدامها على تقديم الدعم الكافي لمواجهة التحديات الاقتصادية الماثلة أمام الدولة. فاستغلت قوى التحالف العائلي عدم توفر فرص عمل لائق واستعادة التنمية والاستقرار للتحرك العلني للثورة المضادة تحت يافطة مموهة ادعت السعي لتخفيف معاناة الشعب ومحاربة الفساد. فانطلت الحيلة على بعض قطاعات المجتمع التي لم تدرك الخدعة إلاًّ بعد فوات الأوان وبعد أن ألتهم الإنقلابيون الأخضر واليابس، بما في ذلك الاستيلاء على المال العام والخاص والوظيفة العامة وممارسة التمييز العنصري ضد الأغلبية الساحقة من أبناء اليمن والمتاجرة بالاحتياجات الأساسية والضرورية للإنسان في السوق السوداء والاستيلاء على كل مال يضعون يدهم عليه.

    لقد كان انقلاب 21سبتمبر 2014م مقدمة سياسية، وعملية لثورة مضادة شاملة، كان من شأنها تفجير مشروع حرب أهلية، تمددت رقعتها إلى كل الجغرافيا اليمنية (شمالاً وجنوباً)، قاد موضوعياً إلى تعميق الانقسام السياسي والاجتماعي والوطني بدافع أساس انقاد له تحالف النظام القديم والبائد، وهو ما جعل الحوار الوطني عاجزاً عن حل الانقسامات الجهوية واستمرار فشل الدولة لتحل محلها تنظيمات ما قبل الدولة، وهي غاية قد تتحقق في ظل غياب الكتلة التاريخية للتغيير وحماية الوطن.  وفي تقديرنا أن هذا الغياب قد لا يطول، ولكن ثمة نتائج مترتبة متحققة الوقوع تتمثل في الاتي:

فقدان اليمن لاستقلال قراره السياسي والتنموي.

 سعي تحالف الثورة المضادة وهو التحالف العائلي-الكهنوتي (تحالف النظام القديم والبائد) لنفي من يختلفون معه من أبناء اليمن. ولكي يتمكن من ذلك لجأ الى الاستعانة بالدولة الإيرانية، وتم تسليمها مؤسسات الدولة التي استولت المليشيات المسلحة عليها، كالموانئ البحرية والجوية. وتم الاستعانة بالأجنبي الإيراني لإخراج من يعتبرون خصوماً لتحالف الانقلاب. وباستيلاء هذا التحالف على السطلة تكون اغلبية اليمنيين أُخرجت من العملية السياسية، بل فتحت أبواب البلاد لإخراجهم منها برميهم الى البحر، وهذا ما أعلنه قائد تحالف الانقلاب[1]. 

وبهذا السلوك فتح تحالف الانقلاب أبواب اليمن على مصراعيها للتدخل الأجنبي، وجعل دول الجوار تعلن ذلك التدخل بالحرب دفاعاً عن النفس.

إخراج البلاد من العملية السياسية وعملية الانتقال الديمقراطي والعودة بها الى مرحلة الصراع والحروب.

إيقاف تنفيذ مخرجات الحوار الوطني المتمثلة في المهام العاجلة المتعلقة بالقضية الجنوبية وصعده ومنها:

تنفيذ النقاط العشرين التي كانت الحكومة بصدد اجراءات تنفيذها.

المهام الرئيسية المتعلقة بالفترة الانتقالية والتي كانت ماثلة للتنفيذ، ومناقشة الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني والمجتمع للدستور وإقرار الهيئة له والاستفتاء عليه.

جـ-- إيقاف تنفيذ مهام رئيسية للفترة الانتقالية: إصدار قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وإصدار قانون استرداد الاموال المنهوبة، والإعداد التشريعي والمؤسسي للانتقال الى الدولة الاتحادية، والإعداد للانتخابات، بإصدار قانون الانتخابات وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات وإعداد السجل الانتخابي وإجراء الانتخابات.

 

 


[1]- انظر خطاب علي عبدالله صالح المنشور في موقع المؤتمر نت الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر الشعبي العام.

قراءة 2904 مرات آخر تعديل على الخميس, 20 تشرين1/أكتوير 2016 18:02

من أحدث أ.د. محمد أحمد علي المخلافي