طباعة

اليمن بين الثورة والثورة المضادة (الحلقة الرابعة عشر) مميز

الجمعة, 03 شباط/فبراير 2017 17:39 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

اليمن بين الثورة والثورة المضادة (الحلقة الرابعة عشر)

خطة السلام (خارطة الطريق لليمن)*

أ.د.محمد أحمد علي المخلافي

   لقد أدى تعثر جهود الوسيط الدولي في إقناع الانقلابيين بالتوقيع على الاتفاق إلى جعل مجموعة الرباعية ودول مجلس التعاون الخليجي تتبنى خطة للسلام (خارطة الطريق لليمن) أواخر شهر أكتوبر، يستأنف بموجبها المبعوث الخاص للأمم المتحدة المشاورات أو التفاوض مع الأطراف للتوصل إلى اتفاقية كاملة وشاملة للسلام، تشمل الترتيبات السياسية والأمنية لفترة انتقالية مؤقتة تبدأ من يوم توقيع الاتفاقية وتنتهي بمباشرة العودة إلى إنجاز مهام المرحلة الانتقالية المتبقية، والمتمثلة في مناقشة الدستور الجديد والإعداد للانتخابات العامة وإجرائها: النيابية والرئاسية والانتقال إلى الدولة الاتحادية، وتمتد الفترة الانتقالية المؤقتة والمرحلة الانتقالية معاً لمدة عام واحد.

    بحسب الخطة سيتم الإعداد للاتفاقية الشاملة والكاملة عبر التشاور والتفاوض بوساطة المبعوث الخاص للأمم المتحدة، وبدعم من الأمم المتحدة ومجموعة الدول الثمانية عشر، وتلتقي الأطراف على مائدة الحوار لأسبوع واحد فقط لوضع اللمسات الأخيرة على نصوص الاتفاقية والتوقيع عليها.

    لم تتخل خطة السلام عن شرعية الفترة الانتقالية، إذ نصت على أن يكون التشاور والتوصل إلى سلام على أساس:

المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها، ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات العلاقة، بما في ذلك القرار رقم (2216).

   المختلف في خطة السلام لمجموعة الرباعية ودول مجلس التعاون الخليجي أن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية سيتم من قبل رئيس الوزراء الجديد الذي سُيتفق عليه، وبتكليف من نائب رئيس الجمهورية الذي سُيتفق عليه أيضاً، بعد تخلي رئيس الجمهورية عن مهامه وصلاحياته لنائبه؛ وذلك بعد انسحاب مليشيات صالح والحوثي من صنعاء العاصمة ومحيطها الأمني، وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة. ولكي يصير نقل السلطة إلى هذه الحكومة مسئولية وطنية ودولية سوف تعلن الأمم المتحدة عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية خلال مدة أقصاها 30 يوماً من تاريخ التوقيع الرسمي على اتفاق السلام، وبعد أن تكون كل الأطراف قد نفذت التزاماتها. وهذا يعني أن الأمم المتحدة سوف تشرف مباشرة على تنفيذ الأطراف للالتزامات الواردة في اتفاق السلام.

   من هنا، يتبين أن خطة السلام قد سجلت نقطتين لصالح الانقلاب: الأولى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية قبل انسحاب المليشيات من تعز والحديدة، وتسليم السلاح هناك، والذي سوف يبدأ تحت إشراف الحكومة في اليوم الخامس والأربعين من توقيع اتفاقية السلام. والأمر الثاني أو النقطة الثانية، تتمثل بتخلي رئيس الجمهورية عن صلاحياته لنائب رئيس الجمهورية المتفق عليه. والنقطة الأولى لا تعد خروجاً كلياً عن قرار مجلس الأمن، وإنما تأخير في تراتب المهام، واعتبار الانسحاب من صنعاء إنهاءً للانقلاب، وهو ليس كذلك في حقيقة الأمر، أما النقطة الثانية فهي تكرار لما حدث في مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية فيما يتعلق بالرئيس السابق، مع الاختلاف في الإبقاء على الرئيس الحالي مع سحب صلاحياته، دون مراعاة لاختلاف الظرفين.

    بيد أن كل ما ورد في الخطة عدا ما تقدم يصب في مصلحة شرعية الدولة وتحقيق سلام شامل ودائم، من حيث استكمال مهمة نقل السلطة بحل مجلس النواب ومنح صلاحياته للهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وبالقياس يجب أن يرد في الاتفاق النص على حل المجالس المحلية لإنهاء الانقلاب، ومن حيث العودة إلى العملية السياسية وتنفيذ ما تبقى من مهام المرحلة الانتقالية: مناقشة مسودة الدستور والاستفتاء عليه، وتحقيق العدالة الانتقالية، والإعداد لإجراء الانتخابات العامة والانتقال إلى الدولة الاتحادية، أو من حيث تحمل المجتمع الدولي مسئولية توفير الاحتياجات الإنسانية العاجلة، واستعادة العملية الاقتصادية والتنمية وإعادة البناء والاعمار.

   والنتيجة التي تترتب على اعتماد هذه الخطة؛ ستكون حتماً القبول بالعنف أسلوباً وطريقاً للاستيلاء على السلطة، وبذلك تقوض شرعية الدولة والعملية السياسية ومن ثم الانتقال الديمقراطي، مالم يتم تجاوز ثغرات الخطة المتمثلة بجعل شرعية الدولة محل نزاع بسحب شرعية الرئيس المنتخب، وإخراج تعز والحديدة من الخطة الأمنية (أ) واستبعاد الأحزاب السياسية من المشاورات والتوقيع على اتفاقية السلام وحكومة الوحدة الوطنية، وعدم وضوح دور الدول الضامنة لاتفاقية السلام بصورة كاملة.

   من أجل أن توفر خطة السلام (خارطة الطريق في اليمن) أرضية لاتفاقية سلام دائم وحقيقي، فهي بحاجة إلى تجنب الثغرات التي تمثل مخاطر كبيرة أو نواقص تشجع على المزيد من التمترس وراء السلاح. وبصيغتها الحالية تعاني من نواقص رئيسية خمس، هي:

الأولى-تشتمل الخطة أسس اتفاق السلام بمساريه السياسي والعسكري، لكنها تقتصر على اتفاق بين القوى التي تحمل السلاح ومراعية توازن القوى العسكرية، ومستبعدة أطراف التوازن السياسي وهي الأحزاب السياسية التي تمثل جزءً لا يتجزأ من شرعية الفترة الانتقالية ومرجعياتها، فهي موقعة على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها، فهي الطرف الرئيس في مؤتمر الحوار الوطني والتي أقرت مخرجاته، وبالتالي هي شريك أصيل في السلطة الانتقالية. فكيف يتم الاتفاق على ترتيبات السلطة الانتقالية بدونها؟ وخطر هذا الأمر، هو أن المستقبل سيتحكم به من يحتكم إلى السلاح، وسوف يؤسس لحروب جديدة وليس للانتقال الديمقراطي، وفي نهاية المطاف، يكون المجتمع الدولي قدم هدم إمكانية الانتقال الديمقراطي بدلاً من دعمه.

الثانية-خطة السلام تسقط رابط شرعية الدولة، وما تبقى من رمزيتها، وهو رئيس الدولة، دون أن توجد ضمانات حقيقية تبقي على شرعية الدولة وحماية وحدتها وسلامة أراضيها.

الثالثة-استبعدت خطة السلام محافظتي تعز والحديدة من الخطة الأمنية للمنطقة (أ) وهو أمر يترتب عليه استمرار الانقلاب في منطقتين من أهم مناطق البلاد، مما يجعل مشروع الانقلاب قائماً وعلى الأقل من الناحية المعنوية، وترك أكثر من ربع السكان في ظروف تحقق هلاكهم لمدة إضافية يصعب التكهم بنهايتها.

الرابعة-عدم التحديد المباشر لمسئولية الدول الضامنة في تحقيق السلام ومنع انهياره.

الخامسة-تشكيل حكومة وحدة وطنية من الأطراف المحتكمة إلى السلاح، وهي أطراف تستطيع أن تفشل الحكومة وتستمر في الحرب.

   والنتيجة الحتمية لهذا المسار هي تصويغ العنف وسيلة للاستيلاء على السلطة وتقويض العملية السياسية والانتقال الديمقراطي وشرعية الدولة.

   لذلك، خطة السلام (خارطة الطريق في اليمن) بحاجة إلى أن تشتمل جملة من التدابير والإجراءات والآليات، مثل:

1-    تدابير استكمال نقل السلطة التي كان عدم تحققه من العوامل التي مكنت الثورة المضادة من تقويض السلام ويشمل ذلك: إلغاء التوافق على استمرار مجلس النواب الذي شارك أعضاءه الموالين للرئيس السابق في الثورة المضادة والانقلاب، وذلك بحل مجلس النواب وحل المجالس المحلية التي مارست نفس الدور ووجودها غير قانوني، وإيجاد هيكلة جديدة لمؤسستي الجيش والأمن واستبعاد كل من تم تعيينهم من قبل الانقلابيين في مؤسسات الدولة وأجهزتها.

2-    تحديد تدابير إعادة الإعمار واستعادة التنمية وتحديد مسئولية المجتمع الدولي، وفي المقدمة، دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

3-    تشكيل هيئة العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وتحديد مهامها واختصاصاتها بمرسوم رئاسي طبقاً لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وتفعيل صندوق جبر الضرر وتمكينه من تنفيذ مهامه وتعويض الضحايا، وتحديد التزامات المجتمع الدولي في تحقيق استرداد الأموال المنهوبة المتواجدة خارج البلاد. ويعمل بهذه المراسيم حتى تتوفر الظروف الدستورية لإصدارها كقوانين من الهيئة التشريعية.

4-    وفيما يتعلق بأطراف التفاوض فقد فضلت الحكومة والأحزاب الداعمة للشرعية في بداية عملية التفاوض، أن تكون على مرحلتين، الأولى-المشاورات التي تؤدي إلى إنهاء الحرب وأن تتم بين وفد من الحكومة وآخر من الانقلابيين، وعند العودة إلى العملية السياسية تبدأ المرحلة الثانية كحوار تشارك فيه كافة الأحزاب السياسية. ولما صار الآن الاتجاه وفقاً لخطط مشاريع السلام إلغاء الفوارق بين مرحلتي التفاوض والجمع بين المسارين الأمني والسياسي، يكون من الواجب إنهاء استبعاد الأحزاب السياسية؛ لأن تشكيل حكومة وحدة وطنية والعودة إلى العملية السياسية والسير في تنفيذ مهام الفترة الانتقالية يعني الجميع، وفي المقدمة، الأحزاب السياسية، الأمر الذي يستوجب أن تحدد اتفاقية السلام الأطراف وتشمل الأحزاب السياسية في المقدمة.

5-    توفير الضمانات الكافية للحفاظ على وحدة البلاد وسلامة أراضيها، وتجنب مخاطر جعل الشرعية محل نزاع.

6-    تشكيل الحكومة طبقاً للشراكة المتوازنة بين الأحزاب السياسية الشريكة في سلطة الفترة الانتقالية، طبقاً للقاعدة التي وضعتها المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها وضمانات تنفيذ مخرجات الحوار الوطني.

7-    تحديد دور واضح للمجتمع المدني: أحزاب سياسية، نقابات، منظمات غير حكومية وإعلام حر، وطرق دعمه لكي يقوم بنشر ثقافة التسامح وتجاوز الانقسامات.

      أتت ردود الأفعال متباينة من قبل الأطراف المعنية، فكان رد الانقلابيين موارباً بالقبول اللفظي والرفض الجوهري، إذ رحب بالخطة لكنه تحفظ على جوهرها[1]، وبذلك تمكن من التملص من الضغوط بتكتيك لا يخلو من الذكاء السياسي، غير أن هذا التكتيك لم يصمد طويلاً بإعلان رفض كافة مرجعيات الفترة الانتقالية التي لا يمكن تحقيق السلام بدونها[2].

   أما رد الحكومة الشرعية فقد أتسم بالتعجل وعدم الاتزان برفض التعامل مع الخطة، ثم التخلي عن هذا الموقف غير الصائب والقبول بالتعامل معها، مع تقديم الملاحظات عليها لتصويب بعض من نواقصها وثغراتها الناجمة عن خروجها على المرجعيات التي تمثل مصدراً لشرعية الفترة الانتقالية[3].

   كان أول حزب من الأحزاب الداعمة للشرعية تتخذ موقفاً ايجابياً من خارطة الطريق، هو الحزب الاشتراكي اليمني، إذ أصدرت أمانته العامة بتاريخ 22 نوفمبر 2016م بياناً أعربت فيه عن: ((دعمها الكامل لجهود الأمم المتحدة والرباعية الدولية وجهود المبعوث الدولي ولد الشيخ أحمد من أجل الوصول إلى اتفاق سلام دائم وشامل ينهي الحرب ويرفع معاناة الشعب ويزيل مظاهر الانقلاب ويستعيد العملية السياسية ومؤسسات الشرعية التوافقية، ويستكمل المرحلة الانتقالية وصولاً إلى الانتخابات)). وفي ذات الوقت وقف البيان أمام نواقص وثغرات خارطة الطريق، وأقترح التدابير والإجراءات التي يجب أن تتضمنها اتفاقية السلام الشاملة، وكان ضمن ذلك المطالبة بالشراكة الفاعلة للأحزاب السياسية في التفاوض والحوار على المسار السياسي والتوقيع على اتفاقية السلام.

   ثم أتى البيان المشترك الصادر بتاريخ 4يناير2017م عن الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، ليؤكد أهمية مشاركة القوى السياسية في أي مفاوضات قادمة، مبيناً سبب الطلب بصورة واضحة، وهو أن المسارين الأمني والسياسي معاً مطروحين على طاولة البحث والتفاوض.

   إذن سبب تخلي الحزبين عن موقفهما السابق الذي تمثل بتفضيل أن يقتصر التفاوض على ممثلي الحكومة وممثلي الانقلابيين في المرحلة الأولى؛ هو أن هذه المرحلة لم تكن تشمل المسار السياسي وإنما تقتصر على المسار العسكري-الأمني.

   وفي كل الأحوال، فإن عملية السلام وتحقيق سلام مستدام تتطلب قوى سلام قادرة على تعبئة المجتمع باتجاه مناهضة العنف والحروب، قوى عابرة للعصبيات القبلية والمناطقية والمذهبية والسلالية، وهي القوى القادرة على حشد الجماهير برابطة سياسية وليس عصبية، هذه القوى تتمثل بالأحزاب السياسية، الأمر الذي يتطلب إدراكه من كل الأطراف المعنية بتحقيق السلام وفي مقدمتها الحكومة اليمنية والوسيط الدولي.

هوامش


[1]- صدر بيان عن وفد الانقلابيين بتاريخ 30أكتوبر2016م، ومضمونه أن الجانب الإيجابي الوحيد هو: ((تقديم الأمم المتحدة رسمياً مقترحاً مكتوباً تضمن لأول مرة الجانب السياسي...)). ويرفض البيان كل مضامين خارطة الطريق لأن معظم (تفاصيلها وترتيباتها الزمنية مستوعبة لرؤية طرف واحد) أي أنها لصالح الحكومة الشرعية حسب زعم البيان.

[2]- تصريح زعيم الانقلابيين علي عبدالله صالح يقول فيه: ((لم يعد مقبولاً ولا من المنطق(...) الحديث عن ما يسمى (الدولة الاتحادية) أو (مخرجات الحوار) أو (الأقاليم) أو ما يسمى أيضاً (المبادرة الخليجية) والقرار (2216) فكل هذه المسميات والمصطلحات لم يعد الحديث عنها أو المطالبة بتحقيقها سوى استفزاز...)).

[3]- تقدم الفريق الحكومي المفاوض بملاحظاته على خارطة الطريق في وقت متأخر، وهو الإجراء الذي كان يجب أن تقوم به الحكومة بدون تردد.

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

@aleshterakiNet

قراءة 3569 مرات آخر تعديل على الأحد, 05 شباط/فبراير 2017 17:47

من أحدث أ.د. محمد أحمد علي المخلافي