طباعة

إلى روحِ العزيزِ الراحل مُحمَّد طربوش سلام

الإثنين, 24 نيسان/أبريل 2017 19:20 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

قال تعالى (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ) صدق اللهُ العظيم.

أجدُ نفسي -وأنا أرثي المرحومَ الأستاذَ مُحمَّد طربوش سلام، وأحاولُ التحدثَ عنه – مُحتاراً من أينَ أبدأ ؟! وكيفَ يمكنني الإلمامَ بكلِّ جوانبِ شخصيته؟ وهي شخصيةٌ بالغةُ الثراء .. وكيفَ لي أن أوفيه حقَّه في هذه السُّطورِ البسيطة. حينَ تودُّ أن تتحدثَ عنِ المرحُوم، افتحْ قلبَكَ فقط ودعْه يتدفق بالحب .. وانسَ كلَّ الألقابِ والأوصاف  ..كلماتٌ بديهيةٌ نعرفُها عنه جيداً، هو شخصياً في تواضعِه وزهدِه .. هو في غنىً عن هذا كله .. يبقى لقبٌ واحدٌ خليقٌ به هو الضمير. فقدْ مثل ضميراً حياً للكثيرينَ، مانحاً الحبَّ لكلِّ مَن حوله، من خلالِ حضورِه الإيجابيّ، وابتسامتِه المُشرقةِ، التي تزيلُ عنكَ أيَّ إحساسٍ بالظلمِ أوِ الإحباطِ أوِ التعثرِ أوِ الضيق .. فيأخذُ بيدِك ويرفعُكَ برفقٍ الى الأمام، إذْ مثل للكثيرِ المُوجهَ والمُرشدَ والأبَ والأخَ الأكبر. ومن ثمّ أيّ حديثٍ عنُ المرحُومِ يجبُ أن يبدأ منَ القلبِ وينتهي فيه.

لقد كان المرحُومُ من طلائعِ الجيلِ الذي أرسى مداميكَ العملِ التعاونيّ في إطارِ هيئاتِ تطويرِ "الحُجرية " وممّن حملوا أمانةَ المسؤوليةِ بكلّ اقتدار، وكان له دورٌ مضيئٌ ومُميزٌ في العملِ السياسيّ، وممّن أثروا النشاطَ الحزبيَّ وأضافوا إليه الكثير.

وفي جوٍّ عامٍّ يسودُه التنافسُ والطموحُ تجدُه مُتألقاً بالأملِ والتفهم، يجعلكَ تتصالحُ معَ نفسِكَ .. ومعَ مَن حولكَ، وتضعُ طاقاتك كلها في خدمةِ الدورِ المنوطِ بك.

 وإذا كنتُ أتناولُ الفقيدَ العزيزَ من منظورٍ شخصيّ؛ لأن تأثيرَه في جيلي كان إيجابياً وعميقاً، بلْ نحنُ جيلٌ نعتزّ أننا عشنا في زمنِ المرحُوم .. وكثيراً ما أتخيلُ ضحكته الرائعةَ التي تشرحُ النفس .. يأتي من ذلكَ الماضي الجميلُ الذي نجح خلالَه في أن يحافظَ على توازنه .. في زمنٍ فقد البعضُ توازنهم لضيقِ مساحةِ السّلطةِ، وكثرة طلابِ الوصولِ إليها.

فالعملُ العامّ عندَه عطاءٌ ورسالةٌ، ولم يكنْ يهتمُّ بالوصُولِ إلى المواقعِ المُتقدمةِ بالرغمِ من أنه كان يمتلكُ كلَّ القدراتِ التي تؤهله لشغلِ أعلى المناصب .. فقدْ كان رجلاً زاهداً، مُتواضعاً. رقيقَ المشاعرِ، ومثالاً للإنسانِ المُتألقِ بعمله وثقافته وقدرته الفذةِ على التواصلِ الإنسانيّ معَ الجميع.

وكان الفقيدُ ـ رحمة الله عليه – مُتسامحاً معَ كلّ مَن أذاه، مُثبتاً بالفعلِ أن التسامحَ فعلٌ ينتمي إلى صميمِ الإرادةِ الإنسانيةِ، عندما تريدُ أن تتحررَ من ضغينةِ الحقدِ والتشفي والرغبةِ في الانتقام. فقدْ كانتْ ابتسامته الدائمةُ وضحكته الصّافية علاماتٍ تكشفُ عن شخصيةٍ فريدةٍ في تصالحها معَ الحياة.

وكان صاحبَ موقفٍ لا يتراجعُ عنه تحتَ أيّ ظرفٍ منَ الظروفِ، لكن بهدوءٍ واتزان، وكان استعدادُه الدائمُ لخسارةِ كلِّ شيءٍ والبدءِ من جديد يُضفي عليه لمسةً أسطوريةً ما زلتُ أشعرُ بها كلما تحدثتُ عنه. فقدْ كان عصياً على الانكسار .. ولم يتوانَ عن دفعِ ثمنِ العيشِ بكرامةٍ .. رافضاً أن يكونَ حلقةً صدئةً في سلسلةِ القهرِ والتسلط.

حمل في قلبه أحلامَ البسطاء .. ودافع عنهم وواجه تصحّرَ العقولِ وجفافَ الأرواحِ .. لا ينافقُ ولا يحابي، قنوعٌ إلى درجةِ اهمالِ حقوقِه، كلّ شيءٍ عندَه ملفوفٌ بالترفعِ والتقشّفِ ونكرانِ الذات.

يتعايشُ معَ نفسِه، ومعَ مَن حوله بتراضٍ مُشبعٍ بالقناعةِ والعفوِ الجميلِ، وتتجلى انسانيته في قمةِ تسامحِه  .. عندَما ينقلُ إليه أحدٌ راياً سلبياً قيل عنه، فهو لا ينفعلُ ولا يغضب، انسانٌ رائعٌ، واسعُ الصدرِ عزيزُ النفس .. مُعتدلُ المِزاجِ والتفكيرِ يتحدثُ ببساطةٍ وعُمق. . مُمتلئٌ بالدفءِ الإنسانيّ.

واسمحوا لي في الأخيرِ أوجه بعضَ الكلماتِ لروحِ فقيدنا الكبيرِ لأقولَ:

"أيها الرائدُ بدورِكَ وخلقك .. أنتَ لم تفارقْنا .. فدورُكَ باقٍ، ومثلكَ لا ينتهي بالموت .. وسنظلّ في حاجةٍ دائمةٍ إليك .. إلى قيمِكَ .. وخلقِكَ الرفيع .. لابتسامتِكَ تطلُّ علينا فتحلَّ فينا السكينةُ والطمأنينةُ من جديد."

الى جنةِ الخُلد .. معَ الأنبياءِ والشهداءِ والصديقين.

 

*أمينُ عام جمعيةِ شرجبِ الخيرية – تعز 

 

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

قراءة 4756 مرات