طباعة

أزمة عدن.. اشتباك علني بين الوصاية والقرار الداخلي

  • الاشتراكي نت/ خاص - خالد عبدالهادي

الأربعاء, 07 حزيران/يونيو 2017 02:24
قيم الموضوع
(0 أصوات)

حين امتلك الإرهاب الكلمة العليا في عدن وأردى محافظها السابق جعفر سعد أواخر 2015, تعين على الرئيس عبدربه منصور هادي أن يختار بين الإقرار بالهزيمة أمام هذا الغول أو الاستعانة بقائد عسكري من المستبعد جهل الرئيس بأنه من نوعية الرجال غير المفضلين للعمل معه, لكنه كان خياراً لا مفر منه.

مع مرور الأيام, اتضح أن كلا الرجلين قد تورط في خيارات الآخر واستدرجه إلى الاشتباك على أرضية أهدافه, حتى بدا العمل المشترك متعذرا.

ولما أقال الرئيس محافظ عدن اللواء عيدروس قاسم الزبيدي وقائد قوات حزام عدن الأمني هاني بن بريك من منصبيهما في مايو الماضي, خرج القرار من طبيعته الإدارية إلى مغزاه السياسي على نحو مكثف, لأسباب مختلفة.

تكمن أبرز الأسباب في وصاية العامل الخارجي متمثلاً في دولة الإمارات العربية المتحدة التي أدارت معارك طرد قوات صالح والحوثي من محافظات الجنوب لتكتسب دوراً غير مكتوب يمنحها أحقية الإشراف على إدارة تلك المحافظات, إضافة إلى مكانة عيدروس في الحراك الجنوبي بوصفه أحد رموزه البارزين مما رقّى تعيينه محافظاً, كما إقالته, إلى مسألة سياسية تتجاوز المنصب التنفيذي وترمز إلى الشراكة السياسية.

عقب إقالة عيدروس وابن بريك, تلاقى اعتراض الحراك الذي قرأ القرار بأنه إقصاء له وإخلال بالشراكة السياسية مع اعتراض الإمارات التي رأت فيه انقضاضاً على أحقيتها بالإشراف على إدارة المحافظات الجنوبية.

ولترجمة هذا الاعتراض إلى خطوة عملية, جرى التعجيل بإخراج المجلس الانتقالي الجنوبي بتلك الطريقة العجولة والناقصة التي أظهرته كأداة وظيفية للاعتراض على القرار الرئاسي مع أنه مشروع قديم, نادى به الحراك.

في المقابل, صاغ هادي بقراره احتجاجاً ضمنياً وقذف الكرة إلى ميدان حلفائه الخليجيين إثر تمادي الإماراتيين في إظهار عدم اللياقة والغطرسة في التعامل مع رئيس دولة, بعدما أوعزوا بمنع هبوط طائرته في مطار عدن خلال فبراير 2017 قبل أن يتكرر السلوك ذاته مع مهران قباطي قائد أحد ألوية الحماية الرئاسية في مايو الماضي.

وبصرف النظر عن هشاشة قدرات هادي الرئاسية, فهو واقع بين سندان مراكز ضغط داخلية جشعة تطمع في الاستحواذ على أكبر قدر من المكاسب الخاصة تحت يافطة دعم "الشرعية" وبين مطرقة خليجية يريد أربابها تصميم ساحة يمنية تستجيب لمصالح الخليج ومخاوفه قبل الالتفات إلى أي أغراض أخرى.

بدأ اشتباك الرئيس مع أغراض عيدروس منذ اختاره محافظاً تركزت مهمته الملحة حينذاك في تأمين عدن بما تطلبته هذه المهمة من استقدام قوات عسكرية وشبه عسكرية موالية للأخير وكانت قد أحرزت نصراً فريداً على قوات صالح والحوثي في الضالع واكتسبت سمعة مهيبة مما جعل من تأمين العاصمة المؤقتة تحدياً مرتبطاً بتلك السمعة وبرغبة الجنوبيين في إثبات قدرتهم على تأمين المدينة ذات الرمزية المكانية البالغة لديهم.

ولعل نقل تلك القوات إلى عدن والانحياز الإماراتي قد شجعا المحافظ على التعامل مع إدارة الرئيس والحكومة من موقع الأقوى, إلى حد أن بدا هادي وحكومته حبيسي مقريهما وغريبين داخل العاصمة المؤقتة أشد من غربتهما في المنفى.

ساعد عيدروس في ذلك, هزال إرادة الرئيس وحكومته وانخفاض طموح معظم المسؤولين الحكوميين إلى تحقيق غايات خاصة صغيرة, فضلاً عن حالة الجفاء وعدم الثقة بين هادي والإمارات المرتابة من حزب الإصلاح و توجسها من تأثيره في بعض القرارات الرئاسية.

وفي حين انصرف عيدروس الموكل إليه تهيئة عدن لتمكين نشاط الحكومة وإدارة المناطق المحررة نحو رعاية أهدافه السياسية, أشاح هادي عن كل من بوسعهم تأليف فريق عمل قادر على إنتاج خطاب وأداء مختلفين لإقناع العالم بالقضية اليمنية وإطلاق أداء الحكومة, وبدلاً من ذلك أغلق اختياراته على دائرة ضيقة تضم أردأ الوصوليين؛ نهازي الفرص ومشلولي الإمكانات من الأحزاب والجماعات المدنية والقبلية ورجالات صالح, باستثناء قليلين من الطبيعي اختفاء تأثيرهم وسط هذا الخليط الانتهازي الفاسد.

وفي الوقت الذي وجب عليه تركيز جهوده وسلطاته في معالجة مسؤولياته العامة, صرف هادي على مدار العامين الأخيرين اهتمامه إلى إدارة خصوماته وتسييج منصبه بحيل شتى, محيلاً إدارة الشأن العام إلى أسوأ المتحلقين حوله وعاجزاً عن تقديم حد مقبول من الأداء, وأبقى تدابيره السياسية عند حدود طموحاته وأدنى بكثير من مستوى القضية الوطنية واستعادة الدولة.

كذلك حافظ الرئيس على أسلوبه الخاص في التلاعب بالمتناقضات؛ ذلك الأسلوب الذي أظهره في كل مرة لاعباً نصف استراتيجي؛ يفتتح اللعبة ممسكاً ببدايتها ثم لا يلبث أن يفقد السيطرة على نهاياتها.

وتخصيص اللوم لطريقة هادي في إدارته لمسؤولياته هنا, لأنه يشغل موقع القائد لهذه المرحلة المصيرية أما حجم الحدث ومسؤولياته فيتجاوزانه إلى القوى السياسية والاجتماعية المعنية التي انقسمت إلى قوى انتهازية, تفتش عن فتات الربح وقوى تائهة مستكينة, أبت التقاط الفرصة في الوقت المناسب ففاتها مساعدة نفسها ومساعدة الآخرين.

عيدروس الذي لهج الجنوب باسمه خلال الأسابيع الأخيرة أكثر من أي اسم آخر وذاق طعم الزعامة بعد سنوات قضاها في الظل هو أيضاً مرشح لخسارة مزيد من نفوذه المعنوي والعملي, خصوصاً مع ما في صيغة إعلان المجلس الانتقالي من إسناد إدارة الجنوب وتمثيله في الخارج إلى المجلس.

فاللعبة ستنتهي حتماً إلى طاولة السعوديين الذين وإن أفسحوا لدور إماراتي كبير يقاسمهم عبء الملف اليمني, لكنهم لن يسمحوا بانقلابات جذرية على طريقة عملهم, بما في ذلك نزع سلطات الرئيس أو إبقاء وضعه في حالة اللايقين إلى ما لانهاية.

ومن المتوقع أن أي عملية احتواء لأزمة عدن ستسفر عن تقليص المجلس الانتقالي إلى إطار سياسي مجرد, مما سيظهره أنه كان جزءاً من مناورة للضغط على هادي, الأمر الذي سيضع قيادة الحراك مجسدة بعيدروس في حرج أمام شعبية لا تكل عن تنصيب أبطال وخلع آخرين لمجرد حدة نبرتهم أو انخفاضها بشأن القضية الجنوبية.

وإذا قرر الحراك المضي قدماً في ما بدأه يوم الرابع من مايو 2017 سيكون عليه خوض مواجهة شبه مستحيلة لخلق واقع يستوعب بنود إعلانه الموصوف بالتاريخي.

كانت ورطة عيدروس بدأت لدى تعيينه محافظاً لعدن, إذ بقبوله شغل المنصب وضع تاريخه الكفاحي على المحك وهو الذي لم يخلع بزته العسكرية منذ الهزيمة أمام معسكر علي عبدالله صالح في 1994 بل وظف عسكريته في خدمة قناعته التي اختارت العمل المسلح سبيلاً وحيداً لرد تلك الهزيمة, إلى أن فعلها في صيف 2015 وقاد المعركة التي ألحقت الهزيمة بقوات صالح والحوثي في الضالع.

وبينما كان عليه التسلح بمتطلبات الانتقال من جبهة المناضل إلى موقع رجل الدولة إلا أنه صمم على الخلط بينهما, غير مقدر أن ذلك سيقوده إلى التشتت بين الدوغمائي والواقعي.

إثر ذلك, بدا المقاتل الذي قاد هجمات متفرقة على القوات النظامية بين 1996 و1999 واستأنفها في 2013 مثقلاً بتوزيع نفسه بين رجل الدولة المسؤول وبين القائد الدوغمائي المضطر إلى إنتاج خطاب متناغم مع رغبات أنصاره مهما تناقضت مع مسؤولياته.

ويسهل ضبط صور عدة أنتجتها حالة عيدروس الازدواجية, فبعد ساعات من أدائه القسم الدستوري؛ أحد ضوابط العمل بالقانون والبروتوكول الرسميين بالعمل سيظهر في تصريح متلفز وإلى يمينه علم الدولة الجنوبية التي دمجتها اتفاقية الوحدة مع الجمهورية في الشمال ويكافح الحراك الجنوبي لاستردادها منذ بدأ احتجاجات عام 2007.

الصورة الثانية من عدن كذلك؛ إذ في الوقت الذي لم يستطع اختراق ما ترسم على الأرض من تقسيم مديريات المدينة بين الفصائل السلفية المسلحة أو فرض سلطة الأمن فيها, هرب عيدروس وفريقه الأمني في منتصف 2016 إلى عمليات ترحيل لعمال بسطاء يتحدرون من محافظات شمالية بدعوى السيطرة على الهجمات الإرهابية.

على أن من غير الدقة تأطير ردة فعل الحراك على إقالة عيدروس في أنها احتجاج مجرد على خسارة هذا الموقع التنفيذي, إذ هي امتداد لمسار علاقة غير صافية بين الرئيس والحراك. 

فالذاكرة الحراكية تختزن إدانات وملامات كثيرة موجهة لهادي؛ إذ هو قائد جبهة عدن الذي اقتحمت جيوشه هذه المدينة إبان حرب 1994 قبل أن يقضي نحو عقدين ممثلاً للجنوب في فريق علي صالح ورمزاً للجنوب المنتصر في مواجهة الجنوب المهزوم.

وهادي – عند الحراكيين- هو الذي اشتق حراكاً موالياً له في 2013 للاشتراك في أعمال مؤتمر الحوار الوطني على الرغم من رفض فصائل عدة, لكنه في نهاية المطاف أزاح قيادة فريق ذلك الحراك المشارك في الحوار بعدما شعر بصعوبة ترويض مواقفها ونصب له قيادة بديلة طيعة, وافقته على ما أراد.

ومثلما لا ينسى الحراك, كذلك لا ينسى هادي الذي يكتنز خصومات وذكريات غير مريحة حيال عدد غير قليل من قادة الحراك ومناسباته, فضلاً أن الأخيرين لم يلينوا موقفهم من الرئيس الذي مد يده للحراك منذ تقلد الرئاسة في 2012 وشرع في إقرار معالجات للقضية الجنوبية, وإن كانت منقوصة.

منذ انتهاء العمليات العسكرية في محافظات الجنوب في صيف 2015, أخذ الحراك يتعامل مع هادي والقوى السياسية في الجنوب من موقع المنتصر الوحيد واحتفظ بنظرته إلى الرئيس على أنه ذلك الجنوبي الضال الذي كان لا بد من التعاون معه خلال معارك طرد قوات صالح والحوثي من الجنوب وقد زالت الحاجة إلى استمرار التعاون.

والأدهى, أنه يفصل النصر على مقاسه ويكاد يعتقد أن هذا النصر صُنع لأجل تمكين أهدافه, واضعاً قوى جنوبية خاضت معركة التحرير في خانة المهزومين. وإذا ترسخ هذا الفرز وترتب عليه سياسات عملية فسينطوي على تجربة جديدة من ثنائية جنوب منتصر يعاقب جنوباً مهزوماً مثلما حدث بعد حرب 1994 و بعد صراع يناير 1986.

لهذا, ينبغي للحراك أن يقتصد في تشرب نشوة النصر التي تغويه عن الإحساس بضخامة التعقيدات المنتصبة في المجال الجنوبي واليمني إجمالاً وعن تقدير موازين القوى وكذا, تحليل سياسات القوى الإقليمية واتجاهات مصالحها التي حتى مع تلاقيها معه في بغض حزب الإصلاح, على الأقل, لكنها تضع ثقتها في الجماعات السلفية بوصفها نداً عقيدياً لتنظيم الإخوان ومكافئاً تنظيمياً له بخلاف الحراك الذي لا يتوافر على ذلك.

وسيكون أمراً ساذجاً الاعتقاد أن ترتيبات المرحلة قد انتهت إلى وضعيتها الحالية في الجنوب أو أن حظوظ القوى قد استوت عند هذه القسمة التي حتى إن بدا الحراك فيها أصخب صوتاً وأكثر دأباً على استعراض شعبيته غير أن معايير قياس مختلفة وعملية ستضعه في خانة القوى الأقل تنظيماً وجاهزية في الجنوب.

ربما يعرف قادة الحراك وناشطوه هذه الحقيقة, لكنهم بدلاً من تقييم حال حركتهم بموضوعية يستعيضون بمواصلة الاستمتاع بمشهد شعبيتها في ساحة العروض ويرون فيها ثمرة باهرة لعدالة القضية الجنوبية وصبرهم خلال سني التمييز والقهر بحقهم, غير مدركين أن هذه الثمرة قد تكون خادعة إذا قورنت بما لدى القوى الأخرى من التنظيم والجاهزية.. والشعبية أيضا.

أما إذا انطلقت فكرة المجلس الانتقالي من اعتقاد بأن الوقت قد حان للشروع في ترتيبات فصل الجنوب بالقوة أو المناورة بذلك ففي هذا قفزة تستبق أوانها, أولاً, ثم هي قفزة إلى أرضية مجهولة ومدى أبعد مما ينبغي أن تكون خطوة الحراك التالية, سواء أكانت لحل القضية الجنوبية وفق قرارات الحوار الوطني أو حتى في سبيل "فك الارتباط" الذي ينشده الحراك.

والمؤكد تماماً بين تفاصيل هذه الأزمة أن أطرافها السياسية ستفقد من سلطاتها وحجمها لمصلحة الوصاية الخارجية.. وقوى الداخل اللاسياسية.

قراءة 9704 مرات آخر تعديل على الجمعة, 09 حزيران/يونيو 2017 02:17

من أحدث