طباعة

خطاب السلام المهرجاني من ثورة 26 سبتمبر 1962م إلى الحرب الجارية (1-4)

الخميس, 12 تشرين1/أكتوير 2017 16:47 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

الاهداء: الى الزعيم جمال عبدالناصر، البطل العربي القومي الخالد، الشريك الفعلي في الثورة اليمنية، كنا نحبك، واليوم نحبك اكثر واعظم، كم افتقدتك الامة العربية.

والى الشهيد البطل/ عبدالرقيب عبدالوهاب نعمان، رمزا لفك حصار السبعين يوماً، الذي كوفئ بالقتل والسحل في شوارع المدينة التي دافع عنها.

إن نوستالجيا (الإمامية/السلالية) هي من ستقودهم إلى حتفهم الأخلاقي والوطني (سياسيين ،ومثقفين) حنين مكبوت ومجنون لممارسة السياسة والسلطة بعبثية ولا معقولية ضداً على حقائق الواقع ومنطق التاريخ .

دقت ثورة  26سبتمبر 1962م ، أول مسمار في نعش الأيديولوجية السياسية للإمامة ورمت بأول حجر في بركة المياه الآسنة لعصر الإمامة (المركز السياسي العصبوي المقدس) وبقيت الإمامة وفلو لها الملكية (بدعم خارجي) تقاتل الجمهورية والثورة بإرثها التاريخي الإستبدادي ومخزونها من التخلف الثيوقراطي (الحق الإلهي) وبتراكم غبارها التاريخي الآثم تاريخ من الجمود والانحطاط حافظت عليه الإمامة بمزيد من فرض العزلة على الشعب و البلاد (المجتمع/النظام/الدولة) عزلة الداخل عن بعضه البعض، وعزلة عن الخارج وهو التاريخ الآثم ، حسب تعبير الأستاذ الشهيد محمد أحمد نعمان، الذي ما تزال امتداداته السلبية حاضرة وفاعلة في كل ما يحصل اليوم والآن، تاريخ فاجع ومأسوي تكرس في واقع شمال البلاد لقرون سحيقة، فلم يقل الإمام أحمد قولته المشهورة من أنه سيحكم اليمن واليمنيين أربعين سنة من قبره اعتباطاً كان يدرك ما تركته الإمامة من بنية معرفية وفقهية وتشريعية وقضائية وثقافية متخلفة ومن أوهام انتشرت في وعي ووجدان قطاع واسع من قبائل منطقة (الهضبة) الشمالية الذين استثمرتهم  الإمامه كمحاربين (مجاهدون) في معاركها  الداخلية التوسعية على قاعدة الغنيمة والفيد والجباية ، حروب الإمامة المجنونة التي نظرت لها أيديولوجيا وفقهياً وشرعياً باسم (الجهاد) ضد الكفار والعصاة والبغاة...، وكتب الإمام الهادي إلى الحق يحيي بن الحسين القاسم  الرسي - التي لايتسع المقام للاستشهاد ببعضها- مدججة بذلك الخطاب التكفيري والحربجي (الجهاد) ومن بعده ورثته : العياني ، وأحمد بن سليمان وبيت شرف الدين (الأب، وإبنه) والمتوكل على الله إسماعيل وقبله الإمام عبدالله بن الحمزة الذي قتل ونهب وسلب وسبى من أبناء الطائفة  الزيدية الإسلامية "المطرفية" الآلاف منهم فقط لمعارضتهم له في مسألة وقضية حصر الحكم في البطنيين- مع أن د. علي محمد زيد له رأي آخر حول قضية اعتراضهم على مسألة البطنيين ومن انهم معها- وصولاً لبيت حميد الدين ، وحتى الطبعة الحوثية الراهنة ..، خيط من الدم والقتل والجهاد والتكفير  عطل تنمية الانسان ، وتطور البلاد ومنع ظهور الدولة الوطنية الحديثة ، خيط من الدم والقتل ،ما يزال مستمراً من الهادي إلى (حروب /الفتح والتوحيد) في عشرينيات القرن الماضي ضد أبناء تعز والتهائم (الزرانيق) و(البيضاء) حروب الفتح والتوحيد – كما أسموها- التي تزعمتها الإمامة المتوكلية الحميدية تحت القيادة العسكرية لبيت الوزير (عبدالله الوزير الإمام الدستوري وإبن عمه على الوزير رئيس وزراء الحكومة الدستورية عام 1948م) قبل أن ينقلب  عليهما الإمام  يحيي بتنصب أولاده بدلاً  عنهما وفي محلهما تمهيداً للتأسيس لفرض قضية (ولاية العهد) والانتقال من الإمامة ، إلى الملكية، وهي واحدة من عوامل  ساهمت في توسيع قاعدة المعارضة ضد الإمامة الحميدية إلى جانب عوامل سياسية أخرى ، وما يزال خيط دم التكفير (كفار التأويل)  والجهاد والحرب  قائماً حتى اللحظة في صورة  ما يجرى  اليوم من انقلاب وحرب يديرها ثنائي الانقلاب والحرب ، الحوثي /صالح وهو ما يدافع عنه بعض تجار الحروب وبعض السلاليين والمتحوثين على قاعدة المصالح الصغيرة ، وهو كذلك ما يتخفى البعض في الدفاع عنه أو تبريره أو التخفيف من وطأته تحت عناوين وشعارات سلاموية تريد بالحق باطلا تحت شعار (السلام وايقاف الحرب ) بعد أن تحول شعار السلام إلى أزعومة ومطية لشرعنة الانقلاب الذي فجر كل الحرب التي نراها ..، وهم صامتون ولا يقولون شيئاً حول معنى ومضمون الحرب الأيديولوجية (العنصرية /السلالية) ولا عن الحرب السياسية والعسكرية، والمضمون الاجتماعي والسياسي للحرب ، وتجلياتها الطائفية  ، يصمتون  عن كل ذلك مع أنها تعلن عن نفسها رغماً عنهم وعن تجاهلهم وإنكارهم لها.. هي حرب في أحد أبعادها عنصرية وتقول ذلك يوضوح ودون "تقية" أو مواربة ، أن لابد من عودة (الحق الآلهي) لأصحابه (البطنين) فقط هم (دعاة السلام وإيقاف الحرب) ولا شيئ يعنيهم بعد ذلك ، لا يريدون أن يروا الحقائق التي تعلنها وقائع الانقلاب والحرب.

وقائع وحقائق تدهمنا وتصدمنا عناوينها في كل الشوارع والطرقات في شعارات أيديولوجية علنية فاضحة (المسيرة القرآنية) (الشهيد قرآن ناطق) (حماة المسيرة القرآنية) وأيديولوجية "الولاية" ومن أن القرآن رحل برحيل القائد المؤسس (استغفرا لله) ومن أن السلالة (العترة الشريفة) نجباء أخيار  اصطفاهم الله، وموكول إليهم وحدهم أمر الولاية العامة ، فضلاً عن تصفية حساب أيديولوجي ثأري انتقامي  مع تاريخ الدولة والحضارة العربية الإسلامية ، بل وتاريخ الثورة اليمنية ، شعارات ولا فتات غطت وملئت جدران مساحة الأرض، وفضاءات مؤسسات الدولة المنهوبة وصولاً لتغيير المناهج التعليمية واستبدالها بخطاب (غدير/خم) و(الولاية) و(صراع علي ، والحسين ، ومعاوية) ومع كل ذلك لا يريد دعاة أوهام السلام وايقاف الحرب فتح عقولهم على كل ذلك بعد أن تسمرت أنظارهم وتحجرت  بصائرهم الداخلية فقط على  محاولة إنتاج أوهام سراب سلام لن يتحقق إلا بإزالة أسباب وجذر الانقلاب والحرب. حقاً لم يقل الإمام أحمد حميد الدين قولته  الشائعة من أنه سيحكم اليمنيين من قبره من فراغ واعتباطاً ولغوا كلامياً ، فقد قالها وهو يدرك ماذا ترك في بنية المجتمع والدولة العميقة (البنية الفوقية) ، تحديداً من إرث أيديولوجي /ثقافي وسيكولوجي تعايش وتواءم مع أيديولوجية الحق الإلهي ضمن معادلة ثنائية (الإمامه /والمشيخة القبلية).. لقد أستمرت الإمامة الملكية بالتحالف مع العدوان الخارجي تحارب الثورة والجمهورية ، بتاريخ أسطورة حقها الإلهي وبتحالفها مع المشيخة القبلية ، وبتاريخ الأمية وبركام التجهيل المنظم والممنهج ، تاريخ  قروسطى مكثف هي عدتهم وعتادهم في حربهم على جمهورية 26 سبتمبر 1962م طيلة سنوات 62-1970م وحتى اليوم في صورة الانبعاث الجديد للمشروع العنصري /السلالي تحت غطاء الولي الفقيه الإيراني.

إن ثورة 26 سبتمبر 1962م التي بدأت في صورة انقلاب عسكري ولكنها ما أن بدأت تؤسس لفعلها في الواقع  حتى تحولت في مجرى الثورة إلى حالة وعملية ثورية شعبية وجماهرية واسعة، التحق  بها جميع  فئات وشرائح وطبقات المجتمع ، ثورة لم تقرع الجرس فحسب ، بل وأعلنت بداية انعطافة نوعية في التاريخ الوطني المعاصر لليمنين جميعاً شمالاً وجنوباً ، ثورة لم تؤثر على محيط حدودها الجغرافية الوطنية ، بل امتد أثرها الإيجابي العظيم إلى المستوى الإقليمي والدولي ، وإلا كيف نفسر التدخل الرجعي والاستعماري ضد الثورة بما فيه مشاركة إسرائيل (المحدود) في الحرب على ثورة 26 سبتمبر 1962م وهو ما تقوله التقارير والوثائق الأجنبية بما فيها التقارير  الصحافية الإسرائيلية (معاريف) فضلاً عما أشار إليه الاستاذ محمد حسنين هيكل رحمه الله في كتابه (خريف الغضب) . ولذلك نرى بيقين حلم الناس في ضرورة التغيير وأهمية وضرورة ضرب وتحجيم المشروع الأيديولوجي / السياسي (العنصري) وإزاحته من طريق اليمنيين  وحقهم في بناء دولتهم الوطنية الحديثة.. ، إن الإمامة الملكية مشروع ورؤية ، كما هي الجمهورية مشروع ورؤية ، ولا يمكن لهما أن يتعايشا أو يسيرا في خط مستقيم واحد، وعلى أرض واحدة وضمن دولة وطنية واحدة مثل اليمن ، ومن هنا قولنا أن الثورة اليمنية : ثورة 26سبتمبر 1962م وثورة 14 أكتوبر 1963م وثورة الشباب والشعب فبراير 2011م لم تك ولم تقم ضد الإمامة والتوريث الملكية ، وفي مواجهة الإمامية الجديدة لكونها فقط شكل للحكم ، وإنما هي ثورات ضد الإمامة والاستعمار، والجملكية، والامامية الحوثية باعتبار كل ذلك  مشروعاً ورؤية ومنظومة معرفية وأيديولوجية ونظام حكم بليد وآثم عفى عليه الزمن ، ومن  أنه اليوم يمنع تقدمنا الوطني ،نحو المدنية ، والحداثة والتحديث. ومن هنا نؤكد أن الجمهورية هي مشروع ورؤية بديلان لمشروع الانقلاب والحرب التي فجرها الحوثي وصالح تحت وهم إمكانية استعادة قضية توريث الحكم الجمهوري (كفرع/لصاحبه علي عبدالله صالح وأولاده) وعلى قاعدة استراتيجية استعادة وهم سلطة الحق الإلهي (كأصل لصاحبة عبدالملك الحوثي /والعترة الشريفة) إعادة تدوير وإنتاج لثنائية ، الأصل (البطنين) والفرع (المشيخة القبلية /والعكفي الجديد ) وهو مالم يستوعبه ويفهمه جيداً علي صالح في مناوشاته الأخيرة مع الميليشيا الحوثية في سياق حربهما  الإستراتيجية ضد المجتمع والدولة الوطنية الحديثة المنشودة ،  ومن أن صالح ليس أكثر من تابع وهامش على متن الأصل الذي عليه أن يقبل به طوعاً وكرها.ً وهنا نؤكد أنه ورغم الحرب الغاشمة والمنازع الفاشية الدينية السلالية والعنصرية ضد الثورة اليمنية فإن معنى الجمهورية يتعمق اليوم بمضامين فكرية وسياسية وثقافية ووطنية  جديدة ويتسع فضاء ومساحة حضور المعنى الجمهوري، والهوية الوطنية اليمنية ، والدولة الحديثة الاتحادية في وعي قطاع واسع من أبناء المجتمع في وجه مشروع السلالة ، مهما تذرعوا بدعاوى واحاجيج تكذبها وقائع الحياة في كل لحظة  ، اليوم سبتمبر واكتوبر ضرورتان وطنيتان ، وحاجة سياسية تاريخية ،أكثر مما كانتاه لحظة انطلاقتيهما في صورة ما يجرى اليوم والآن من انقلاب وحرب على الثورة اليمنية ، وهو ما يرفضه دعاة نداءات السلام والتي تطورت إلى محاولة الدعوة لعقد مؤتمرات للسلام ..، مؤتمرات هي ليست أكثر من امتداد متطور لمؤتمرات (عمران ،خمر، الطائف ، الجند ) في اردية جديدة ، حديثة وكأن التاريخ يعيد إنتاج نفسه في صورة ملهاة ومأساة معاً . لقد كان جيلي شاهداً حياًً على جزء من تلك التراجيدية الإمامية وعلى الوجه المقاوم المضاد لها  على الأقل خلال أعوام 66-1970م وهي الفترة التي  تمثل الاختصار المكثف والعميق لمعنى الثورة والجمهورية وأبناء  جيلي والجيل الأسبق علينا مباشرة يتذكرون كيف كان البعض من دعاة أوهام السلام وإيقاف الحرب يرددون هذه النغمة والعبارات المكرورة الفارغة من المعنى حول السلام ، مساويين بين الثورة والجمهورية ، وبين الإمامة الملكية ، ويحملون الطرفين مسؤولية الحرب وعدم إيقافها وانعدام السلام ،...، فقط عودوا إلى قراءة مؤتمرات (خمر الذي أسمي بأنه مؤتمراً للسلام زوراً وبهتاناً ، ومؤتمر الطائف الذي فرط بالثورة وبالخيار الجمهوري وذهب إلى الدولة العدو لعقد مؤتمره فيها ، بأسم السلام وايقاف الحرب وكذا مؤتمر الجند ..إلخ) وإلى وثيقة الطائف تحديداً وخمر وسترون وتقرؤون  نفس النغمة الشعاراتية حول السلام وإيقاف الحرب ، والدعوة المساواتية بين طرفي الحرب –بالحرف- وكأن التاريخ – مع دعاة السلام اليوم – يعيد نفسه في صورة تراجو /كوميدية ، تاريخ يعيد مكره ، حين نجد ذات العقلية تطالعنا اليوم وباسم السلام.

كما يمكنكم العودة إلى مؤتمرات الإسكندرية 1964م وأركويت (السودان) 1964م، ومؤتمر جدة 1965م والتي قادتنا سياسياً وعملياً  – تدريجياً – إلى  ما يسمى السلام والمصالحة مع الإمامة والملكيين في إتفاق جدة مارس 1970م  للسلام، والمصالحة بعد أن جرى إفراغ الجمهورية من مضمونها السياسي و الاجتماعي والوطني ، وبعد أن تم تصفية وسجن وتشريد أبطال الدفاع عن صنعاء وكسر الحصار والذي  ما تزال ذيوله السلبية تسحب نفسها على اليمنيين في صورة الحرب الجارية.

د. علي عبدالرحمن الخليدي / القاهرة

قراءة 4596 مرات

من أحدث د. علي عبدالرحمن الخليدي