طباعة

خطاب السلام المهرجاني من ثورة 26 سبتمبر 1962م إلى الحرب الجارية (2-4)

السبت, 14 تشرين1/أكتوير 2017 16:30 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

الإهداء: إلى جمال عبدالناصر البطل القومي الخالد

الشريك الفعلي في الثورة اليمنية . كنا نحبك واليوم نحبك أكثر واعظم ،

كم افتقدتك الأمة العربية .

وإلي البطل الشهيد /عبدالرقيب عبدالوهاب نعمان ،رمزاً لفك حصار السبعين يوماً.

الذي كوفئ بالقتل والسحل في شوارع المدينة التي دافع عنها.

كان شعار السلام وإيقاف الحرب والبكاء بدموع التماسيح على أطلال الحرب التي فجرتها الإمامة والقوى الرجعية والاستعمارية هي الأيقونة والتيمة الوحيدة التي يرددها البعض في قلب حصار الثورة والحرب على الجمهورية الوليدة، وكأن من فجر الحرب هي الثورة والجيش والشعب الثائر الذي حلم بعد قرون من حكم السلالة بأن يشهد يوم ممارسته حريته وانعتاقه من طغيان الكهنوت وفك اشتباكه بأيديولوجية الحق الإلهي...، الشعب الذي وجد نفسه مدافعاً عن نفسه وعن خياره الجمهوري، وكان الحزن عظيماً  وكارثياً حين كان البعض  يرى من يساوي بين المدافعين عن الثورة، وبين من فجر الحرب عليها بعدوانهم على خيارهم بالتحرر وبناء نظامهم الجمهوري. وقد أوصلنا بالتجربة السياسية الملموسة خيار  خطاب دعاة السلام الكاذب في قلب الحرب على جمهورية سبتمبر 1962م إلى تسوية سياسية ناقصة، تسوية سياسية كان هدفها السياسي الأول إفراغ الثورة من مضمونها  السياسي والاجتماعي في 5 نوفمبر 1967م في صيغة أهل الحل والعقد (المجلس الجمهوري) الذي كان مقدمة عملية وسياسية لتصفية الطابع الوطني والتحرري القومي للجمهورية من خلال تصفية الجيش الوطني السبتمبري الحديث والمقاومة الشعبية في 23/24 أغسطس 1968م والذي كان  مقدمة لما أُسمى الوصول للسلام بدون مقاومة ، وبلا حرب تدافع عن الثورة ،بل عبر تعبيد الأرضية السياسية والعسكرية للمصالحة مع الملكيين الذين عادوا  إلى صنعاء ، كفاتحين ، في الوقت الذي كان يتم فيه تصفية أبطال فك الحصار عن صنعاء في السبعين يوماً -جسدياً- ووضع من تبقى منهم في السجون وتشريد المئات بل الآلاف منهم . وكل ذلك كان واحدا من مقدماته أزعومه السلام ، وإيقاف الحرب التي كان يرفعها زعماء مؤتمرات خمر والطائف والجند, ودعوات البعض للسلام بدون رؤية ولا موقف سياسي وطني واضح من الخيار الجمهوري ، ومن المضمون السياسي والاجتماعي والوطني للثورة...، وهناك اليوم من يريدنا تحت دعاوى سلاموية أخلاقية مجردة الذهاب المهرجاني والمؤتمراتي إلى فنتازيا سلام هو أقرب للعمل الإعلامي الدعائي ليس إلاَّ ،  لطمس البعد والمضمون السياسي والاجتماعي والعنصري للحرب ...، عمل خطابي مهرجاني لصنع  حالة نجومية معينة للبعض لا أكثر ولا أقل وليذهب بعدها اليمن  وكل مستقبله الآتي إلى الجحيم ،  وكأن لسان حالهم يقول"فنحن قد قلنا  وناضلنا بما يكفي دفاعاً عن السلام وضد الحرب"!!

إن ابتعاد دعاة مهرجانات السلام وإيقاف الحرب عن أسباب الحرب وخلفيات الحرب هو ما يجعلهم يعيشون حالة إنكار للواقع وحقائقه الصلبة ، ما يعني- مع افتراض حسن النية - انعدام القدرة للتشخيص السليم للواقع وبالنتيجة ابتعادهم عن أي إمكانية  لتقديم حلول واقعية للمشاكل الراهنة، ولا فضيلة لهم سوى مراكمة أرض الواقع الحقيقية وجعلها طي الكبت والكتمان حتى تنفجر مرة وعشر بصورة راعبة ووحشية في وجه الجميع، وهو ما نخشاه من خلال تحركات إقليمية ودولية مشبوهة حاضرة من كردستان  العراق، إلى فلسطين حتى سوريا واليمن ، تحركات يراد منها جعل القضية اليمنية تدار بأرباع وأنصاف الحلول لإيصالنا إلى خيار حل "الأقليات" العرقية /المذهبية الذي تقدم به جون كيري وصفق له البعض من مدعي "اليسارية". وفي هذا السياق تلعب بعض البيانات والنداءات والخطابات المراوغة والملتبسة والمناورة حول قضية السلام والحرب دوراً في حرف مسار الحل  عن سياقه الواقعي والموضوعي التاريخي الصحيح ، الذي يضع الأزمة والقضية اليمنية على سكة الحل السياسي الواقعي الذي وافق عليه معظم الداخل اليمني والمجتمع الدولي وترفضه الجماعة الانقلابية. إن السلام وإيقاف الحرب حلم جميع الناس الأسوياء وليس الأدعياء الذين يشتغلون على قضية السلام كورقة رابحة غير مكلفة ، أو كلعبة سياسية استثمارية (معنوية/ سياسية ) لصنع أمجاد شخصية ليس إلا،  ولا صلة لها حقيقة بقضية السلام وإيقاف الحرب..، السلام حلم الجميع شريطة أن يقوم ويتحقق على قواعد وأسس صحيحة وسليمة وواضحة وليس لتكون مقدمة لإنتاج حروب مستدامة.

لقد جسدت ثورة 26سبتمبر 1962م في حربها ضد الامامة طيلة سنوات 62-1968م روح المقاومة الشعبية , والوطنية اليمنية ولم تلفت لأوهام دعاة السلام والخطاب المراوغ حول إيقاف الحرب محققة النصر المبين في انتصار السبعين يوماً على الإمامة والعدوان الخارجي بقوة وطنية رمزية لا يتجاوز عددهم أربعة الآف من الجيش والمقاومة ، في حين كانت صنعاء محاصرة بأكثر من (50ألف)إمامي ومرتزق واستعماري وبأحدث الأسلحة . وفي مواجهة كل ذلك انتصرت إرادة اليمنيين التي وحدها التناقض الرئيس...، وهو النصر الذي يعود فضله إلى وحدة ثلاثية: الجيش والمقاومة والشعب بعد أن فروا هاربين جميع دعاة السلام وايقاف الحرب إلى الخارج (عسكرين ،مدنين)  بما فيهم قيادات عسكرية كبرى ليعودوا بعدها ليقتلوا ويسحلوا أبطال الحصار وفي قلب المدينة صنعاء التي دافعوا عن بكارتها  الثورية والوطنية.

أقول (نسامح ،ولكننا لا ننسى) (نعفوا ولكن نتذكر) وما تزال الذاكرة الوطنية اليمنية المجروحة زاخرة بحكايات عديدة حول دعاة السلام المراوغ والملتبس  ( من الكتلة الثالثة في منتصف ستينيات القرن الماضي  إلى من أطلق عليهم "الجمهوريين المنشقين"، إلى دعاة "طرفي الحرب" و"الأطراف المتقاتلة" اليوم).. خطاب مراوغ يقول كل شيء حول نظرية  وفلسفة السلام في الكون ولا يقول شيئاً له معنى حول حقيقة قضية السلام والحرب الدائرة اليوم في البلاد. وفي هذا المقام يحضرني ما كتبه الباحث خيري منصور في احدى يومياته (افق اخر) في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 15/5/2016م قائلا: هناك من يكتبون الاف الصفحات عن كل شيء في هذا الكون، لكن لديهم من المهارة وطاقية الاخفاء ما يحول دون ابداء رأي وموقف من اية قضية، سواء تعلقت بالاستبداد او الفساد او الحرب والسلام، انهم كما وصفهم سعد زغلول ساخرا(اصحاب المبادئ النظيفة)..اما ادق وصف قرأته عن هذه الظاهرة فهو ما كتبه الفرنسي مكسيم رودنسون يقول: ما أسوأ اللغة التي لا فعل لها سوى فعل التوابل والبهارات التي تساعدنا على ابتلاع الاطعمة الفاسدة والمتعفنة).

لقد تجسد في حرب

 الثورة والجمهورية كأروع ما يكون جدل الوطني والقومي التحرري في الثورة اليمنية : ثورة 26 سبتمبر 1962م وثورة 14 أكتوبر 1963م "وانجاز وتحقيق" الاستقلال الوطني في 30نوفمبر 1967م حيث كانت مصر عبدالناصر حاضرة في كل ذلك الفعل الوطني والقومي المقاوم في الشمال ، والجنوب ، رغماً عن إرادة البيروقراطية السياسية والمخابراتية المصرية  (من تاجروا بالحرب سياسياً ومالياً ضمن لعبة الفساد العام) في سياق مجرى الثورة، البيروقراطية، والمخابرات، التي وقفت مع شعارات التسوية السياسية باسم السلام ومع شعار المساواة بين الخيار الثوري الجمهوري، وبين الخيار الإمامي والرجعي الاستعماري تحت شعارات السلام وايقاف الحرب، والمصالحة مع الملكيين بعد ذلك، وهي البيروقراطية المصرية الرجعية التي كانت طرفاً سياسياً في صناعة وإنتاج هزيمة 5يونيو 1967م، التي لم يتأخر الرد اليمني الوطني المزدوج عليها في الشمال، والجنوب، بإعلان انتصار الاستقلال الوطني 30نوفمبر 1967م وفي صورة الرد السياسي الوطني المقاوم في كسر وهزيمة حصار صنعاء في السبعين يوماً ، مؤكدين أن إرادة الشعوب لا تقهر وهي وحدها من كانت قادرة على صناعه سلام الأبطال، ومن بيدها إيقاف الحرب عليها وضدها (ضد الثورة).

إن عظمة وأهمية الثورة اليمنية (ثورة 26سبتمبر 1962م وثورة 14أكتوبر 1963م) أنهما معاً كانتا فتحاً سياسياً واجتماعياً ووطنياً،  كانتا فاصلاً سياسياً بين زمنيين ، وتاريخيين : بين تاريخ الإمامة ، والجمهورية ، وبين الاستعمار الأنجلوسلاطيني، وتاريخ الثورة والتحرر منه وليس عبر مزاعم الاستقلال بالمفاوضات والحوارات والتسويات السياسية مع الاستعمار في الغرف المغلقة ، كشكل وحيد لنيل لاستقلال الوطني من الاستعمار.

قراءة 2780 مرات

من أحدث د. علي عبدالرحمن الخليدي