طباعة

موقع الثورة وخطابها المفترض

الجمعة, 10 تشرين2/نوفمبر 2017 22:27 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

"لن يكون هناك انجاز إنساني ما لم تتضح الأهداف، كما ولن يكون هناك عالم متحرر ما لم يواجه الإنسان مسئولية التحدي" (باولو فرايري – تعليم المقهورين)

عند الحديث عن خطاب الثورة السائد أو المفترض، علينا أن ننطلق من حقيقة أننا لا نزال أمام وضع ثوري تفجر في فبراير من العام 2011، ليتواصل بأكثر من طريقة حتى لحظتنا الراهنة.

جميع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وأيضا السياسية التي دفعت الجماهير إلى اجتراح الفعل الثوري لا تزال قائمة إلى اليوم بل وتضاعفت. فالثورة ليست مؤامرة ولا من فعل حزب أو أحزاب بعينها، لأنها تحدث فقط عندما يفقد الناس قدرتهم على العيش تحت وطأة الظروف التي يواجهونها، وعندما يبلغ الانقسام الاجتماعي ذروته.

أن أول قضية ثورية، كما نرى لا تزال مطروحة على قائمة جدول أعمال اللحظة الراهنة، وهذه القضية هي معرفة الظروف التي أدت إلى تفجر الثورة. فهناك عوامل رئيسية تؤدي لاندلاع الثورة وهناك عوامل ثانوية ورياح ثورية مساعدة.

تأتي أهمية إدراك حقيقة المشاكل التي يعاني منها قطاع واسع من اليمنيين، ليس فقط لجهة أن مهام القوى الثورية تبني برنامج واضح حول عملية التصدي لهذه المشاكل من منظور ثوري وإيجاد حلول جذرية لها كثمن مستحق لتضحيات الجماهير وأيضا كهدف سامي لأية ثورة عظيمة، الأمر الذي يفترض أن يكون هناك تصور شامل حول هذه المشاكل وكيف وجدت وتراكمت ثم بعد ذلك البحث حول سبل مواجهتها. أمر كهذا هو بمثابة عمل روتيني لأي قوى ثورية، وبانعدامه لا يصح لأي قوى ومهما كانت الأسباب أن تدعي أنها ثورية.

الأهمية الحاسمة لمعرفة الظروف التي أدت إلى تفجر الثورة، أصبحت نابعة من تعقد المشهد الحالي وشتات القوى الثورية والقطاعات صاحبة المصلحة في انتصارها. أولا من أجل إعادة ضبط الخطاب الثوري وجعله ملامس لواقع حياة الناس بما يضمن إعادة توحيدهم من جديد، وثانيا، لكي نمتلك الإيمان الكافي أنه لا مناص أمامنا سوى بالمضي قدما، فرغم كل التكالب الذي تبديه قوى داخلية وخارجية أو حتى بسبب انتهازية القوى السياسية التقليدية وقصر نظرها، بالرغم من كل هذه المساعي التي تريد معاقبة الشعب على خلفية مطالبته بالحرية وبحياة عادلة أقل وطأة، فإنه بمعرفة الظروف التي أدت إلى اشتعال الثورة كظروف سيئة ولا تطاق زادت الحرب من استفحالها ومضاعفتها، لعل هذا كفيلا بوضع القوى الثورية أمام حقيقة أن مختلف القوى الفاعلة اليوم لا تمتلك حلولا لتلك المشاكل أو لمواجهة تلك الظروف، ما يعني أن الكرة لا تزال بملعب القوى الثورية وهي وحدها من عليها أن تبادر إلى فهم واقع الحال وبناء برنامج واضح على أساس ذلك، لكي ينبثق خطاب ثوري يحاكي الواقع لا الخيالات، يخاطب الجماهير لا رجال الصالونات وأرباب الحروب، يضع مصلحة الفقراء في مقدمة كل شيء لا مصلحة الأغنياء وناهبي الأموال، يتوجه بالحديث لأبناء المدن والأرياف، للجنود في جبهات الحرب والمقاتلين، للموظفين والطلاب، للنساء والرجال، للفلاحين والعمال. بكلمة لكل من يشعر أن لا مستقبل مضمون يمكنه الاطمئنان إليه أو الحديث عن ذلك في ظل ما يجري اليوم.

خطاب يصارح الجميع على السواء بحقيقة مصادر الشرور التي يواجهونها، بمنابعها الأساسية، لكن الأهم بأن انتصارهم في المعركة التي قبلوا أصلا خوضها ليس مسألة مستحيلة.

أن هذا الخطاب من الضروري أن يتغلغل بين الجماهير ويمنحهم معنى لصمودهم في وجه أعتى الظروف، فهو المقدمة الحقيقية لتبلور أي تيار أو تنظيم سياسي يحمل هم الانتصار لأهداف ثورة فبراير. بل والضامن الوحيد لتخلق تيار أو تنظيم يقف على أرضية صلبة بحيث يكون قادرا على التطور والاستمرار. ولأجل البدء في السير بهذا الاتجاه على القوى الثورية أن تنبذ كل تلك الطرق البائسة التي جرى العمل بموجبها طوال السنوات الماضية منذ اندلاع ثورة فبراير وحتى اليوم، أي التوهم أنه يمكن التأسيس لعمل سياسي واستعادة زمام المبادرة من خلال سلق الرؤى والبرامج التي تكتب في جلسة واحدة أو في مكاتب فخمة لم يعرف أصحابها لفحة الشمس وأبجدية العمل بين الجماهير عوضا عن فهم مشاكلها ولو بالحد الأدنى وفهم طريقة مواجهة هذه المشاكل وإيجاد الحلول لها.

أن تحرير الجماهير لن يكون إلا بفضل جهودها الواعية، فالحلول لا تأتي من الخارج، لكن علينا أن نعرف لماذا يصبح دور طليعة القوى الثورية بتلك الأهمية: أن الجماهير التي تظل ترزح تحت وطأة ظروف معيشية صعبة، لا يمكن لها أن تفهم واقعها حتى تبدأ في البحث عن حلول لها. لكنها عندما تجد أنها لم تعد قادرة على العيش في ظل مشاكلها المستفحلة، أو عند استشعارها أن هناك مشاريع تسعى لتعقيد حياتها ومصادرة مكتسباتها التي تحققت بفضل جهود وتضحيات عزيزة فإنها تسارع إلى الانفجار كقنبلة انشطارية في وجه الجميع حتى وان بدا أنها تثور ضد أعدائها فقط. من طبيعة الثورات أن تندلع بشكل عفوي، ليأتي دور القوى الثورية المنظمة لتمنح هذا الانفجار البرنامج المعبر عن مصالح غالبية أبناء الشعب سواء ممن اشتركوا في الثورة أو ممن تلكئوا طالما أنهم يواجهون نفس شروط الحياة المعقدة والتي لا تطاق، أو حتى أولئك الذين يقفون في صف أعداء الثورة دون أن يكون لهم مصلحة مباشرة في ذلك.

إذن مهمة القوى الثورية المنظمة أو التي تعمل جاهدة لكي تخلق تنظيمها الثوري والسياسي المعبر عن مصالح أوسع القوى، تتمثل بترجمة تطلعات الجماهير في برنامج واضح ودقيق قائم على أساس دراسة وفهم الواقع. وإذا كان لا يمكن الحديث عن وجود قوى ثورية دون أن يكون لها صلات حقيقية ومتينة بكفاحية الجماهير وحركتها اليومية، فإن كلمة السر الوحيدة لتحقيق هذه الصلات هي البرنامج الثوري المعكوس على هيئة خطاب وتحريض واعي ومنظم في أوساط الجماهير. البرنامج الذي يستطيع أن يوضح معالم النضال ويتطور في خضمه ليغدوا بمثابة دليل الانتقال إلى المستقبل ومصدر الأمل المشع.

الآن هل يستطيع أحدنا، نحن الذين ندعي أننا ثورين، تقديم إجابة لجندي يقاتل في صحراء بعيدة لماذا عليه أن يقوم بذلك وإلى أي مدى عمله هذا مهم؟

هذا الجندي يقاتل لأن لديه حدس لا يخطئ بأنه يخوض المعركة الصحيحة، غير أن رياح الشكوك تهب إليه على هيئة فساد وتلاعب، على هيئة انعدام في المسئولية، على هيئة سياسات غير مفهومة وخطط غامضة، الأمر الذي يجعل يقين هذا الجندي يهتز وإنسانيته تسحق، فيقبل أن يستمر بالقتال لأن هذا هو العمل الوحيد الذي كان حدسه محقا بشأنه لكن أيضا لأنه السبيل الوحيد الذي يجعله وأسرته يحافظون على الحد الأدنى من العيش والبقاء أحياء. بعد أن تكون الحرب قد فعلت فعلها ووضعته أمام حقيقة الاستمرار في القتال بدون هدف واضح وكيف ما أتفق أو الموت جوعا.

ماذا لو أن لدينا إجابة واضحة؟

بالطبع سيتحول هذا الجندي إلى قنبلة مولوتوف، فهو لن يكون مقاتلا وحسب، ولكن قائدا ومحرضا وشخص بوسعه إيجاد الحلول لأعقد المشاكل، أما الأهم فهو إيمانه الذي لا يضاهى بجدوى خوض المعركة وبأهمية الانتصار الحتمي فيها. وعندما يصادف قادة فاسدون ومتلاعبون، فلن يرضخ بل سيواجه وسيجد الدعم من زملائه ومن مجتمعه المحلي الذي يشاركه نفس المصير ونفس الرغبة في الانعتاق. ستكون النتيجة هي ردع هؤلاء المتلاعبون الذين ينبتون كالفطر على كل رقعة غموض تتاح أمامهم أو في كل مرة يكون ثمة إجابة ناقصة عندما يتعلق الأمر بأكثر الأسئلة وضوحا وكمالا.

قراءة 22660 مرات

من أحدث وسام محمد