طباعة

من أين يأتي الاحباط؟

الأحد, 19 تشرين2/نوفمبر 2017 16:05 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

لا أعرف ما ان كان أحدهم قد سبق وقال أن الوعي يولد الاحباط في بعض الاحيان. وما ان كانت المعرفة وادراك بعض الأمور قد يدفعان بالمرء إلى الكآبة.

ما كنت أعرفه حتى وقت قريب, هو أن أحد أهم منابع الاحباط والكآبة وربما "الاغتراب" لو انه يحق لنا استخدام هذا المصطلح,  يكون سببه عدم وعي الانسان بمصادر الشرور التي يعيشها. عدم قدرته على فهم كيف تتولد التعاسة. فالوعي هو شرط أساسي للانتصار على الواقع. بتعبير آخر: فهم الواقع مقدمة ضرورية لتغييره. حسب تعبير ماركس.

لكن الوعي يولد الاحباط فعلا عندما يكون ناقصا او مفتقدا لأدوات التغير. والافتقاد هنا بمعنى النقص. أي أن وعي الظلم دون وعي شروط وظروف الانتصار عليه, يصبح مبعث للتعاسة.

خلال هذا الاسبوع عشت ثلاث لحظات محبطة. كانت الأولى عند قراءتي لبيان الاحزاب السياسية التي قالت انها بصدد الاستعداد لاشهار تحالف سياسي عريض. بينما الثانية عندما تم ضرب موقع العروس من قبل الطيران. اما الاحباط الثالث فيتعلق باستقالة المفلحي. بحسب علمي لا توجد طريقة لمقاومة الاحباط عندما يتكاثف بهذا الشكل سوى بالحديث عنه. وهو ما سنقوم به هنا وبحسب التسلسل.

الاحباط الأول:

بعد ثلاثة أعوام من الحرب, ومن بقاء أزمة الثقة بين الاحزاب السياسية قائمة كشاهد حي على بؤس الفترة الانتقالية وبؤس هذه الاحزاب, فإن الحديث عن بدء ذوبان الجليد يصبح امر باعث على الامل. خصوصا وقد رأينا وتابعنا كيف انهارت كل الامال الشحيحة الواحدة تلو الأخرى. مثلا الامل في ان التحالف سيغدو منقذا لليمنين كما اعتقد البعض, ثم في أن تدرك الحكومة الشرعية لطبيعة المرحلة وتبدأ في وضع استراتيجية واضحة من شأنها استعادة الدولة. أمال كثيرة بالطبع وتفتقد للأساس المادي والشروط الموضوعية, باستثناء الأمل بأن يتخلق مشروع سياسي من رحم المقاومة الشعبية وفقا لاستراتيجية ثورة فبراير. هذا الامل رغم انه يحافظ على الحد الادنى من الحياة, إلا أننا نعرف انه كان قد آخذ ينهار منذ وقت مبكر. فالأزمة كما يبدو أصبحت تعصف بالجميع بلا استثناء.

غير أن مبعث الاحباط على خلفية تحرك القوى السياسية بعد طول انتظار, هو أن هذه الاحزاب لم تعد تمتلك أي فاعلية, فهي لم تتحرك من تلقاء ذاتها كما تابعنا. حتى نقول انها اصبحت تعكس حاجة موضوعية. بل تحركت بناء على دعوة من الرئيس هادي وربما السعودية. فلقاء محمد بن سلمان بقيادة الاصلاح في الرياض مطلع الاسبوع حمل مؤشر ان هناك توجه لانعاش السياسة بعد ان وصلت الى مأزق نهائي في تحالفها الحربي في اليمن.

بالطبع ان تتحرك الاحزاب بناء على دعوة من يحتكر أدوات التأثير والقرار, فالأمر ليس محبطا لطالما ان هذه الاحزاب تستطيع التذرع بأنه جرى استبعادها طوال الفترة الماضية.

المحبط فعلا أن هذه الأحزاب لم تستعد لمثل هذه اللحظة, فهي لا تزال تعيش بؤسها القديم وعجزها المستشري. حتى أنها لا تمتلك تصور واضح حول كيف من الممكن ان يغدو لها دور حقيقي بناء على الفرصة المتاحة أمامها. ليس لديها رؤية حقيقية حول مسألة انشاء تحالف سياسي واسع كما تحب أن تقول. لهذا سمعت ان الشرعية والتحالف وجهوا مذكرة قبل ثلاثة ايام الى قيادة التحالف السياسي لدعم الشرعية في تعز تطالبهم بأن يبعثوا بثلاثة أشخاص لكي يشرحوا لهم رؤيتهم التي بموجبها تم انشاء التحالف في تعز حتى يستفيدوا منها في مسألة انشاء تحالف اوسع.

كان ذلك بالتزامن مع ضرب طيران التحالف لموقع العروس, وعدم قدرة تحالف تعز على بلورة موقف محترم ازاء هذا التجاوز الخطير. ما يتعلق بضرب موقع العروس هو مصدر الاحباط الثاني خلال هذا الاسبوع.

لكن تبقت فقرة قبل الانتقال. وهي كيف ان الاحزاب القائمة لا تمتلك رؤية ولو بسيطة لكيفية مجابهة الواقع. وهذا ما يفسر كيف انها لا تعرف ماذا يعني انها تتحالف أو بأي تصور يمكن تحقيق ذلك. بربكم أليس الأمر محبطا؟

الاحباط الثاني:

بالنسبة للاحباط الثاني, لا يرتبط بالتحالف السياسي في تعز وبقاءه كشكل خالي من المضمون. هذا أمر طبيعي لطالما كانت السياسة تغرد في مكان بينما الواقع وما يدور فيه في مكان آخر. ولن تكون تعز استثناء لمجرد ان هناك نوايا طيبة او جسارة في امتهان الخفة واشهارها بينما لا يعدو الامر عن كونه ذر الرماد على العيون.

مصدر الاحباط هذه المرة يتعلق بالفاعلين الحقيقين على الأرض. نحن نعرف ان الاستقطابات في تعز بلغت حدتها مستوى غير مسبوق. وأن الامارات كما كان الوضع قبل اجتياح صنعاء بالنسبة للحوثين, تستهدف بداية اطراف بعينها. او هكذا تصور الامر. وهذه الاطراف ليس لديها فكرة عن كيفية المجابهة او حتى الحد من عملية الاستقطاب من خلال حل المشاكل القائمة. كل ما يجري هو تهرب من المسئولية واستمرار في عملية تخزين الاسلحة واستنساخ الوية عسكرية سرعان ما ستنهار في حال اكتملت شروط الاستهداف وتوفرت البيئة المناسبة.

بالطبع الاصلاح هو أول المستهدفين من محاولة الامارات انشاء حزام أمني في تعز. لكن تعالوا وانظروا كيف يتصرف الاصلاح لمواجهة ذلك.

الناس تشتكي من عدم صرف مرتاباتها العسكرية ومن الخصميات غير القانونية التي يقوم بها قادة الألوية وقيادة المحور, ما يعني ان هناك مساحة واسعة للاستقطاب الاماراتي. الا ان الاصلاح كعادته يتهرب من هذه الشكاوي ملقيا بالمسئولية على قادة الالوية الذين يأتمرون بأوامر مدرسين اصلاحين. يلقي بالمسئولية على خالد فاضل الذي نعرف انه مجرد قفاز بيد الاصلاح ومن خلاله يتم ترتيب بعض الامور ومقابل ذلك يتاح له سرقة رواتب الجنود. يلقي باللوم على الحكومة الشرعية بينما لا يستطيع مناصرة هؤلاء المحتجين ببيان من خمس كلمات. يقول ان التحالف هو المسئول ويشتكي من ان الامارات تسعى الى تأسيس حزام أمني. أما تحريضه ضد الحزام الامني فيتعلق بكونها قوات غير نظامية. نحن نعرف انها قوات غير نظامية لكننا نرفضها لهذا السبب ولغيره.

ثم تلك النقطة التي يعرفها الاصلاح اكثر من اي طرف آخر. فبينما تسعى الامارات جاهدة لاستقطاب قادة بعض الالوية ومجاميع عسكرية حتى تضفي ربما شرعية على حزامها الامني, نرى الاصلاح يذهب في اتجاه انشاء ألوية غير شرعية.

 بمعنى انها ألوية لم يصدر بها قرار رسمي من رئيس الجمهورية كما هو الحال مع ألوية سابقة, بينما جنود هذه الألوية يتسلمون مرتباتهم من ميزانية الجيش. ما يعني انها جريمة مزدوجة. من جهة لا وجود قانوني لهذه الالوية ومن جهة أخرى يصرف عليها من اموال الشعب وعلى حساب مرتبات جنود كان قد جرى ضمهم الى الالوية المشكلة بناء على قرار جمهوري. هذا مجرد مثال فقط يوضح اعتباطية الاصلاح وكيفية استخفافه بالناس في الوقت الذي هو في أمس الحاجة لهم وفي أمس الحاجة لأن يغدو واضحا وشفافا. حتى الاذاعة التي جرى ضرب برج البث التابع لها, فيقال ان اجهزتها في الاساس تابعة للدولة وقدمها المحافظ المعمري لكن لأن الاصلاح يخشى من المنافسة جعلها اذاعة خاصة به, ونصب برجها في موقع عسكري دون ان يكون لديه ترخيص بذلك. هذا ليس مبرر لضرب البرج ولكن مجرد مثال على طريقة الاصلاح في كيفية ادارة الأمور التي يقول دائما انه لا علاقة له بها.

الأمر محبط فعلا. واذا لم يتعلم الاصلاح من تجاربه التي ساهمت في جلب الويل له فمن يا ترى بوسعه ان يتعلم؟

الاحباط الثالث:

الاحباط الثالث كان مبعثه استقالة محافظ عدن المفلحي. سواء من خلال النقاش المثار حولها او من خلال طريقة تقديم الاستقالة. ثم هناك الغموض الذي يلف كل هذه التفاصيل.

تقريبا تمحور النقاش بين طرفين: طرف المبتهجين بالاستقالة لكونها تحقق لهم بعض الاهداف, وطرف المشنعين بالمفلحي لأنها بحسب وجهة نظرهم قالت نصف الحقيقة. او غطت على حقيقة العراقيل التي واجهته ومنعته من تأدية مهامه.

بالنسبة لي مصدر الاحباط الى جانب هذا الجدال العقيم, يتعلق بذلك الغموض الذي يلف الاستقالة وما سيترتب عليه مستقبلا, لكن ايضا بسبب الخفة التي يمكن استشعارها عند النظر الى حيثيات الاستقالة. وكيف ان رجال الدولة في هذا البلد محكوم عليهم بالسقوط في وحل التفاهة والتناقض.

اذن ليست مشكلة ان المفلحي لم يذكر الامارات وعراقيلها لطالما كان قد ذكر ذلك في وقت سابق. فلو انه استقال عقب ظهور تلك العراقيل وتكشفها للراي العام وحاول ان يتجاهلها كان سيغدو الامر مختلفا. لكن ايضا محاولة اظهار ان بن دغر هو كل المشكلة بينما كان قد تحدث عن ذلك في رسالة سابقة للرئيس هادي فهذا ما يشير تماما إلى منطق الخفة.

لو ان المفلحي نزيها حقا, فإنه كان بوسعه ان يقدم استقالته احتجاجا على عدم تعامل الرئيس مع الشكوى التي تقدم بها إليه ضد بن دغر, احتجاجا على عدم تجاوب الرئيس مع مضمونها وايجاد حل للمشاكل التي طرحتها.

ما الذي كان سيحدث؟

هذا النقاش الدائر منذ يومين وعلى نحو ممجوج لن يكون له معنى وربما لن يوجد. فالمسألة تتعلق بين موظف حكومي معين بقرار جمهوري, وبين من يمتلك الحق في تذليل العراقيل. بين المحافظ والرئيس. وكانت استقالة المفلحي على هذا الاساس ربما تساهم في ايقاظ الرئيس.

اذن لا شيء محبط أكثر من اكتشاف انه حتى الذين ظلوا بعيدين عن تفاهات السياسة ومنطقها العاجز, كما هو عليه الحال في بلادنا, مصابين بلوثتها. فالاصلاح مثلا يواجه حربا مع الامارات وبدلا من ان يوضح ذلك رأينا كيف خرج لنا ببيان يشيد بالأمارات. الاشتراكي بينما يستشهد اعضائه في الجبهات ويقتلون في ظروف غامضة ويواجه استبعاد ممنهج من قبل الشرعية والتحالف العربي إلا انه غير قادر على الخروج بموقف صريح وشجاع يعيد ترتيب اوراق اللعب. لكن لاواحد يريد اغضاب الرئيس. وليس هناك من يجرؤ على الحديث في وجه السعودية.

انه البؤس والاحباط والكآبة. غير ان السبب الجوهري يظل يتعلق بكوننا نعرف ان هذا الوضع خاطئا برمته, ولا نعرف كيف يمكننا تجاوزه ولو على المدى الطويل. او ربما اننا لا نثق بأنه باستطاعتنا القيام بذلك. ليبقى تعاطينا مع السياسة كفاعلين من الدرجة الخامسة. أما الكارثة فهي اعتقادنا اننا بذلك نساهم في تغيير العالم. ولعل هذا هو المصدر الرابع والدائم للاحباط.

قراءة 5422 مرات

من أحدث وسام محمد