طباعة

الدكتور ياسين: ذكرى الاستقلال قيمة انسانية.. والجنوب يبحث عن طريق الخروج من المتاهة مميز

  • الاشتراكي نت/ حاوره - خليل الزكري

الخميس, 30 تشرين2/نوفمبر 2017 17:38
قيم الموضوع
(0 أصوات)

ونحن نحتفي بالذكرى الـ"50" لاستقلال جنوب الوطن من الاحتلال البريطاني يتحدث الدكتور ياسين سعيد نعمان سفير بلادنا في لندن في هذا الحوار الذي اجرته معه صحيفة "26سبتمبر" التابعة للجيش الوطني عن قضايا عديدة وملاحظات هامة وأفكار في غاية الأهمية. يستحضر فيها الحديث عن ارهاصات الثورة ومآلاتها مروراً بالوضع الراهن الذي يمر به البلد في ظرف حرب توشك أن تأكل الأخضر واليابس.. فالمشروع العائلي الذي ألتهم الجمهورية والوحدة والشمال والجنوب كرس هذا الوضع المأساوي وقاد إلى كل هذه الكوارث..

فإلى نص الحوار:

حاوره/ خليل الزكري

- بداية دكتور ياسين مع احتفالنا بعيد الاستقلال المجيد.. ما الذي يمكن قوله عن القيمة التاريخية لاستقلال جنوب الوطن في ظل الأوضاع الراهنة في اليمن؟

لا تقتصر ذكرى الاستقلال في عامها الخمسين على القيمة التاريخية فقط ، فإلى جانب ذلك هناك ما سيظل يرحل معنا كقيمة من قيم النضال الانساني وهي أنه حيثما تكون هناك إرادة فلا مكان للمستحيل.. وهذه المسألة كامنة فيما يتمتع بِه الانسان اليمني من قدرات في مواجهة التحديات وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمسائل المتعلقة بتنظيم حياته.. فقد كانت تجربته في بناء دولة بمشروعها الاجتماعي الذي انتظم فيه الشعب في الجنوب من أكثر التحديات حيوية قبل أن يتحول فائض التحدي النخبوي إلى رهان غير مدروس إنتهى إلى قرطسة التجربة في لفافة المشروع الكبير ، وقذف بها إلى المجهول باعتقاد أن -المشروع- الحلم كفيل بحمايتها دون إدراك لحقيقة التعقيدات التي كانت تنتظر هذه المخاطرة.

- القيم التي ترسخت بفعل ثورة اكتوبر أسست لحالة فريدة في المنطقة في بناء دولة وطنية نموذجية كيف يمكن استعادة تلك الانجازات للبناء عليها اليوم؟

يتداخل الوضع المأساوي الذي تمر به البلاد اليوم مع احلام المناضلين الاوائل ممن تصدوا لعملية انجاز مهمة التحرير ثم بناء الدولة الوطنية، حيث يصبح الحديث عن القيم والمنجزات كمن يتقب عن آثار تاريخية وسط صحراء قاسية جرداء.. فالأثار لا تعني للجائع والمشرد والخائف شيئاً سوى أنها شيء من الماضي.. فإذا لم تكن هذه الأوابد دلالة لحاضر مزدهر فإن استحضارها يتحول الى استعراض لا تاريخي، وهو ما يجب أن نتحاشاه في الوقت الحاضر، وسيأتي بكل تأكيد الزمن الذي سيجد فيه هذا الماضي الجميل الوعي اللائق باستيعابه وتكريمه وإعادة الاعتبار له.

- بعد مضي أكثر من نصف قرن على الثورة اليمنية ماتزال البلاد تشهد انقسامات وتصدعات  في كثير من البنى وحربا انقلابية ضاعفت تلك التصدعات.. أين تكمن المشكلة؟

لم تستقر الامور لصالح الثورة وأهدافها ، فإلى جانب الثورة كانت دائماً هناك القوى المعادية للثورة وأهدافها.. لا تعفى الثورة ولا أهدافها النبيلة من مسئولية أن النخب التي تصدت للقيادة قد عطلت مسارات كثيرة لأسباب موضوعية أحياناً وذات علاقة بضرورات التحول من الأدوات الثورية الى الأدوات السياسية والاقتصادية والإدارية في قيادة الدولة.. لم تحسن في كثير من الأحيان عملية الانتقال من الثورة إلى الدولة مع ما يتطلبه ذلك من استخدام الأدوات المناسبة لادارة الدولة.

استخدم القمع السياسي في كثير من الأحيان لحماية الثورة ، والثورة التي تحمي نفسها بكثير من الممنوعات تستولد أعداء كثيرين على هذا الطريق.. ناهيك عن أن الاعتماد على التحول الاجتماعي بنزعة ارادوية في ظل تخلف الاقتصاد الذي يعول عليه في الاساس لإنجاز عملية التحول ظلت عملية مشكوكة في نتائجها، ولذلك ظلت العلاقات الاجتماعية في كثير من الأحيان محاصرة في وضع ما قبل الدولة، الامر الذي سهل تفكيك البنية الاجتماعية مع كل عملية صراع سياسي.. وهذه بكل تأكيد ليس لها علاقة بأصالة الثور ة وانما بأسلوب إدارتها.

- اين يقف الجنوب اليوم في ظل هذه الأوضاع المتصدعة والانقسامات الحادة؟

الجنوب يبحث عن طريق الخروج من المتاهة التي وصل لها الجميع منذ حرب ١٩٩٤. تعددت الاجتهادات بسبب ما أسفرت عنه السياسات الخاطئة التي أعقبت هذه الحرب، أستفز بتطبيق سياسة الضم والالحاق بعد أن ذهب الى الوحدة بقناعة كاملة. المراجعة التي يتوقف عليها استقرار الجنوب واليمن بشكل عام لا بد أن تستند الى حقيقتين متلازمتين الاولى هي أن الجنوب جزء من عملية المواجهة التي تتم مع الانقلابيين لاستعادة العملية السياسية التي ستوفر مناخات مناسبة للوقوف أمام إشكالات بناء الدولة، والثاني إعطاء ضمانات للجنوبيين بتقرير مصيرهم ..وكل ذلك بالاستناد الى دعم الخيارات الشعبية ومغادرة عبثية النخب التي لم يعد مقبولاً تفردها بالقرارات المصيرية بعيداً عن إرادة الشعب.

- كيف يمكن للمشروع الوطني أن يقف اليوم في وجه كل هذه المشاريع الصغيرة التي تذهب بالبلاد إلى مزيد من التمزق والصراعات؟

لم يكن هناك مشروع اصغر من المشروع العائلي الذي التهم الجمهورية والوحدة والشمال والجنوب.. هذا المشروع الذي كرس هذا الوضع المأساوي وسبب الحرب وَقّاد الى كل هذه الكوارث.

المشروع الوطني كان أكبر من القيادة التي حملته، ولا يمكن أن ينضج بدون حامل اجتماعي وسياسي. المجازفة به بدون ضمانات حقيقية لنجاحه ستؤدي الى خسائر اكثر فداحة. سترتب الحياة بطريقتها وبالاستناد الى العامل الموضوعي الشروط لنجاح هذا المشروع.. على العامل الذاتي والإرادية أن لا يتعسف هذا العامل الموضوعي.. اذا هناك من نجاح للعامل الذاتي في هذه العملية فذلك يكمن في قدرته على إدراك اللحظة التي ينضج فيها العامل الموضوعي الشروط الضرورية لهذا المشروع. خسرنا الفرصة التاريخية، وتعويضها لن يتم بالمزيد من معاندة الواقع المعاكس.

- السياسة تصنع الدولة.. لكن الانقلاب صادر هذا المجال الحيوي وعطل العملية السياسية واحدث كوارث جمة.. بتقديرك إلى أي مدى سيستمر هذا الانقلاب متصدرا هذا الوضع الكارثي؟

السياسة قد تصنع الدولة وقد تمنع قيامها. في اليمن استخدمت السياسة لمنع قيام الدولة وغلبت السلطة على الدولة. لكن النتيجة كانت هي إغراق البلد في الحرب. عندما حاولت السياسة أن تعدل من وظيفتها التخريبية لتصبح وظيفة بنائية في مؤتمر الحوار ووجهت بالحرب. السياسة المعطلة للدولة أداتها الحرب.. وهذا ما أقدمت عليه القوى التي ترفض الدولة.

الانقلاب يستند على قاعدة تقليدية واسعة ترفض الدولة، دولة المواطنة ونظامها المدني، وحالة الميوعة الناشئة في هذا الوضع العام هو أن كثيرين لم يحسموا أمرهم بشأن هذه الدولة..

- منذ أن ثبتت الشرعية موطئ قدم لها في المناطق المحررة لم تتمكن من استعادة المجال السياسي بكل حيويته وتتهم بعدم القدرة على الاستجابة لاحتياجات المواطنين.. اين تكمن المشكلة في هذا الجانب؟

المشكلة في تقديري مركبة وأسبابها كثيرة، لكن العنصر الحاسم فيها هو غياب خارطة العمل الاستراتيجية للأطراف الفاعلة في معادلة المناطق المحررة. استقرت الأمور للقيادات الميدانية التي ظلت تتحرك في اطار المصالح المكانية غير قادرة على تجاوزها إلى حاجة المعركة الرئيسية، ثم تراكمت المشاكل الصغيرة لتنتج المشاكل الأكثر تعقيداً. وفي تقديري أن نقطة البداية تكمن في تصحيح العلاقة بين هذه المكونات على أساس الادارة بالشراكة وبأدوات سياسية إلى جانب الإدارية. وعلى الجميع أن يقدموا تنازلات من أجل المعركة الاساسية.

- مؤخرا جرى الإعلان من الرياض عن تحالف سياسي وقبله من القاهرة وكلها في إطار الشرعية لكنها حسب قراءات ناقدة ليست اكثر من اعلانات شكلية.. ما الذي تحتاجه الاحزاب والتنظيمات السياسية لاستعادة دورها الفاعل في العودة للعملية السياسية في طريق استعادة الدولة؟

لا يمكن لمعركة كبرى بهذا الشكل أن تدار بدون أدوات سياسية.. في هذا الجانب يمكن أن نقول أشياء كثيرة، لكن أهم ما يمكن أن يقال في هذا الصدد هو أن التعبئة السياسية أهملت ربما لأن التجربة التاريخية الطاغية لبعض القوى كانت  هي التعبئة بالمنصب الوظيفي وقد استأثرت بالمشهد، ولذلك نتائجه السلبية في هذه الظروف المختلفة التي لم يدرك فيها الجميع حساسية السير في هذا الطريق..

- كيف تعمل الدبلوماسية اليمنية اليوم في مواجهة الانقلاب وما هو تقييمكم لها.. هناك كثير ملفات مثل ملف حقوق الإنسان وغيرها من الملفات التي لم تستطع الحكومة الظهور فيها كما ينبغي بعكس الطرف الانقلابي؟

تعمل الدبلوماسية جهدها وحققت نتائج غاية في الأهمية.. حافظت على تماسك المجتمع الدولي في الموقف من الانقلاب. قضايا الحرب والمدنيين قضية تدار على الصعيد الدولي من قنوات عدة، لا أحد من هؤلاء الذي يتولون الشأن الانساني يأخذ ما تقوله الحكومة على نحو جاد في كثير من الأحيان، المنظمات المدنية اليمنية كلمتها أقوى والعمل معها مهم حينما يتعلق الامر بالوضع الانساني. بقدر ما تكسب الموقف على الارض عبر هذه المنظمات يصل صوتك الى المنظمات الدولية.

لم يحقق الطرف الانقلابي أي شيء على هذا الصعيد سوى أنه مستفيد من بعض الأخطاء التي تتضخم مع الزمن وتضع المجتمع الدولي في احراج بسبب ضغط المنظمات الحقوقية والمدنية.

- تتعالى الأصوات الداعية للحل في اليمن من خلال عملية سلمية وكانت آخرها المبادرة التي تقدمت بها إيران للأمم المتحدة وهي في نفس الوقت داعم اساسي للقوى الانقلابية كيف ينظر الدكتور ياسين لموضوع السلام في اليمن في ظل المشاورات غير الفاعلة حتى الان؟

الذين انقلبوا على السلام يستحيل أن يعودوا إلى السلام بدون قوة تجبرهم على ذلك.

اليمن يريد إنهاء الحرب لتحقيق سلام دائم ومستقر يتفرغ فيه اليمنيون لمعالجة قضاياهم المعلقة وبناء بلدهم. لا بد من التفكير في هذه المسألة بجدية والتفريق بين وقف الحرب وانهاء الحرب. ممكن تتوقف الحرب بدون ان تكون هناك إرادة حقيقية لسلام دائم.. فبدون المرجعيات التي تضمن هذا السلام الدائم والمتعلق ببناء الدولة الوطنية ونظامها المدني وفقاً لمخرجات الحوار فان فتح حوار جديد حول الموضوع سيبقي البلد في حالة حرب ويصبح الحديث عن وقف الحرب مجرد تسلية لا أقل ولا أكثر.

المصدر - "سبتمبر نت"

قراءة 10370 مرات آخر تعديل على الخميس, 30 تشرين2/نوفمبر 2017 18:56

من أحدث