طباعة

من تعز المقاومة، والحصار..المثقف والقائد السياسي في الحرب الجارية مميز

الخميس, 04 كانون2/يناير 2018 16:35 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

من تعز المقاومة، والحصار

المثقف والقائد السياسي في الحرب الجارية.

الإهداء : إلى المفكر والمناضل، والقائد الاشتراكي النبيل/ عبدالله باذيب، الذي سيبقى أبداً نبراساً مضيئاً في صفحة الوطن، ونموذجاً للمثقف العضوي والقائد المحب لرفاقه ولشعبه .

1-2

هناك من يعيش بدون إحساس بمعنى الوجود السياسي في عمقه الاجتماعي، والثقافي، والوطني التاريخي، وكأنه مستشرق، أو مثقف نخبوي يتحرك فوق مستوى الواقع، والسياسة الواقعية، ولذلك فالأمور عنده سيان.

زمن الدعة، والاستقرار والهدوء، ورفاهية الوقت، وطبيعية الحياة العادية تفترض خطاباً، وموقفاً، يناسبهما، وفي زمن الانقلاب والحرب..، الانقلاب الذي يتحول في كل ثانية إلى ثورة مضادة ممتدة وشاملة، تخرجنا من تاريخنا وتنتزعنا من دمنا، ومن إرثنا السياسي والوطني..، إنقلاب يحول شباب، وصبية (اطفال) إلى مجرد ركام من جثث، وقتلى لا أسماء لها، ومن تراب الوطن جغرافية من المقابر، موزعة على كل ارض البلاد. 

إن ما يحصل اليوم في بلادنا بالتعريف الدقيق هو ثورة مضادة شاملة، تطال الأخضر واليابس، ثورة مضادة  تقول لنا انسوا أنكم يمنيين، وعرباً، أنسوا تاريخكم الذي كان.

ما يحصل ليس مجرد اختطاف دولة، واغتصاب وإنتهاب مؤسساتها، إنه انقلاب استثنائي (فوق العادة) لم تستوعبه، وتستغرقه بعد، قواميس ومعاجم اللغة العربية، انقلاب قروسطي كهنوتي يقول لنا اشطبوا ذاكراتكم التاريخية واحذفوا ما علق بها من سيرة، وحكايات، وذكريات، وشجون..، ولا تحلموا بدولة وطنية بعمق قومي عربي، فلم يعد اليوم  لمعنى الثورة، والدولة، والجمهورية، والحرية، والكرامة الإنسانية، أي معنى في حياة الناس، كل القيم والمبادئ والمثل والمعاني الكبرى التي جعلنا لها الارض مهاد ، لتكون لنا ولأحفادنا، يجري إخراجنا منها. ما يتحقق في الممارسة الواقعية محو بالدم، وبسيف التخلف، لكل ما كان، وتدمير بالحرب الطائفية/السلالية، من دعاة (الدوحة الشريفة) لكل ما سلف..، ثم يأتي من يقول لنا في خطاب مطول تجريدي حول موقفه السياسي المتميز من الحرب ومن الأطراف المتصارعة (أطراف الصراع) التي أرتفع فوقها جميعاً معلنا بيانه العظيم وموقفه الخالد المايز.

اليمنيون اليوم يعيشون حاله فقدان لجميع الأشياء النبيلة والجميلة، التي حلموا بها وكافحوا من أجلها (الإمامة /الاستعمار): من الوطن المعافى، إلى الحرية، حتى الراتب، بعد أن تباعدت المسافة بينهم وبين مفاهيم وقيم ومبادئ مثل: الدولة، والجمهورية، والوطن، والمساواة، والكرامة الإنسانية، والعدل الاجتماعي، وبعد أن أصبح الإفقار المنظم والممنهج، والنهب العام والمعمم لكل الثروة الوطنية للشعب قانون أساس، ونظام حياة، في (ملازم) الميليشيات، بدأ معه قطاع واسع من الناس، وكأنهم يتعرفون على انفسهم، ويكتشفون، لأول مرة هوياتهم، حتى صدرت كتابات تقول وتعلن، أنها ولأول مرة -بعد ثلاث سنوات من الإنقلاب- يستوعبون ويدركون، معنى وقيمة الثورة اليمنية، بعد أن استعيض عنها بثورة 21 سبتمبر 2014م (تاريخ جديد)، واستبدلت الجمهورية، بالولي الفقيه القابع في مران، ومعنى اليمن والعروبة، صارتا فائضتان عن الحاجة، بعد أن وجد البديل لهما (إيران) قلعة الثورة، والدين، بعد إستدخالها إلى بلادنا، ثم يأتي لنا من يتكلم مفاخراً، ومتباهياً بموقفة السياسي المايز والمتميز عن أقرانه من المكونات السياسية، مؤصلاً الحديث عن موقفه ألتكتيكي، والإستراتيجي، من الحرب..،  التكتيك ، والإستراتيجية،اللتان لم نر لهما أثراً في الممارسة السياسية الواقعية، سوى سراب محشور في زاوية عتيقة من مخيلة هذا البعض.

إن مفردات ومفاهيم ،وكلمات، مثل الدولة، والوطن، والجمهورية، واليمن، والديمقراطية،والحرية، وهي القيم الكبرى والعظمى التي لم يرها البعض ولم يدرك معناها ودلالاتها..، هي التي اغتالها ودمرها الانقلاب..،  باجتياحاته الحربية، لكل الجغرافيا، والتاريخ (الشمال والجنوب)، تحت وهم إستعادة تاريخ ماضوي،  فقد كل صلة له بالحياة والعصر، ويتحرك خارج شرط التاريخ الحي للشعب، تاريخ (الإمامة /السلالة /الولي الفقيه في تعريفاته الخمينية الجديدة).

إن القيم، والمثل، والمبادئ الكبرى، والآواصر والوشائج الثقافية، والنفسية، والروحية، هي التي نحرها، ويسحقها يومياً الانقلاب، وهو الأخطر والأبشع، بعد أن حول الأرض إلى كومة محشوة بالمتفجرات،  بعد أن زرع هداياه من الألغام في كل شبر ومنعطف، وهي التي تحصد يوميا العشرات، بما يعكس روحية، ونفسية حاقدة ضد السكان العاديين الذين لا صلة لهم بالسياسة، ولا بالحرب.

إن الانقلاب (الحوثي/صالح) مشروع سياسي معاند ومضاد لحركة التاريخ، مشروع حركته وحفزته  -بدرجات مختلفة- نوازع ودواعي ثأرية وانتقامية، لكلاً منهما اجنداته  الخاصة به، تجاه تاريخ الوطن والشعب،  انقلاب، وحرب وحشية وعبثية، أرادت إيقاف  التاريخ عند لحظة كانت، رغماً عن الإرادة الشعبية، وبأثر رجعي، في محاولة لإعادتنا، القهقرى لقرون خلت (الإمامة/الجملكية ) كما حلم به، طرفي الانقلاب، والحرب، (صالح/الحوثي)، ثم يأتي بعد ذلك  البعض ليتحفنا بتنظيرات مستهلكة (نخبوية) حول موقفة السياسي المتميز من الحرب ومن أطرافها، وضرورة ايقافها..، حرب كان جذرها وأساسها "انقلاب"  لا مثيل له في تاريخ عالم الانقلابات في كل الدنيا.

إنهم يرون التعبيرات الشكلية للإنقلاب، ولا يبصرون جوهر سؤال الإنقلاب، وتلك مشكلتهم الخاصة.

اليوم تتعرض كل القيم النبيلة والجميلة ومستودع أشواق الناس وافراحهم، وأحلامهم إلى الخراب العظيم، (حسب تعبير الشاعر أدونيس)، ونلمس لمس اليد تحولها جميعاً إلى رماد، وإلى منتديات ندب، وإتراح  وبكائيات..، على إفتراض نسياننا،  لتاريخنا المجيد القريب، بفعل هول صدمة المشروع القادم من غبار التاريخ، ومع ذلك تأتينا بعض الكائنات من ابراجهم النخبوية العاجية، ليعلمونا أصول الفلسفة الماركسية، في حديث تنظيري حول جدلية فلسفة الزمان، والمكان..، في حزب مشبع حتى قمة عظم الرأس بالمنظرين والمفكرين، والمشتغلين، بالبحث العلمي والأكاديمي..، حزب فيه من المنظرين ما يكافئ، ويعادل ما فيه من المكافحين  السياسيين في واقع الممارسة الثورية، وليس من هواة التنظير، والدرس الأكاديمي عن بعد.

 لسنا في أحوال عادية بل في سدرة منتهي الاستثنائية..، التي لا نحتاج معها للوقوف والانتظار في المنطقة الرمادية القاتلة، التي ما يزال البعض يداوم على تثبيت حضوره فيها.

 نحن اليوم يراد لنا بفعل المشروع الانقلابي (السلالي العنصري) الذي لا يقبل بالتعدد، والاختلاف، والتنوع، والوحيد دون شريك، وبصك إلهي..، الذي لم يقبل حتى بحليفة وشريكه الذي أوصله للسلطة، وهما من ذات الطين والعجين، مع إختلاف في الدرجة، وليس في النوع، بعد أن توهم علي عبدالله صالح، على خلفية رؤيته لنفسه بأنه مهندس اللعب على رؤوس  الثعابين، من أنه سيلعب بالحوثيين كرتاً، ثم يرميهم، كما كان يقول بعد فك علاقته مع الإصلاح، فكان حضه وافراً، بلدغة قاتلة من سم الثعابين،  بعد أن أنقلب السحر على الساحر، وهو الراقص على إيقاع أوجاع الشعب، والخائض تقتيلاً في أرواح معارضيه، وحتى حلفائه، بعد أن توهم أن دم حسين بدر الدين الحوثي، طواه النسيان، ودخل دائرة المحاصصة السياسية، للسلطة، فيما بين طرفي الانقلاب، وفوجئ الجميع بمقتله، والتمثيل بجثته على الملأ..، ويأتي بعد كل ذلك من يتحدث لنا عن تسوية سياسية، على قاعدة ايقاف الحرب..، ما نحتاجه فقط، جملة سياسية عربية مفيدة  تتلخص في: موقف  نضالي/مقاوم، ورؤية سياسية تجاه الانقلاب وما أنتجه الانقلاب من حرب استغرقت في داخلها كل حاضر ومستقبل الوطن.

 علينا اليوم أن نتحرك خارج المنطقة الرمادية، ونقول كل شيء دفعة واحدة وبدون تقسيط.

2-2

إن البعض حين يتحدث عن جريمة الانقلاب السياسي،  والعسكري، يمر عليهما نقدياً بصورة عابرة دون تفكيك للمضمون السياسي والاجتماعي والأيديولوجي للانقلاب، ودون تشريح لواقع مضمون الحرب التي شنها تحالف الانقلاب في صورة الأهداف السياسية المباشرة، والبعيدة، يمر على جريمة الانقلاب في صياغات نظرية تجريدية عمومية، وفي إدانة ناعمة رقيقة الملمس لا تصل إلى جوهر سؤال الانقلاب السياسي، وتداعياته الجهنمية، في صورة الحرب الجارية، بأبعادها الداخلية، والإقليمية، ليصل بعدها ومعها، هذا البعض، حد مقايضة الإدانة العابرة المريحة للانقلاب، بالمساواة بينه، وبين الشرعية، باعتبارهما أطراف صراع، أو طرفي صراع انتجا الحرب الجارية، ومطلوب منا كمكونات سياسية فقط إيقافها، دون الوقوف على أسبابها وخلفياتها،  فما أفرزته من نتائج مآسوية على الصعيد الانساني كافية لتجعلنا نتجاهل علل وأسباب الحرب..،  كما يرى البعض دون اعتبار لما أنتجه الانقلاب من خراب، ومن دمار ودماء تغطي جغرافيا الوطن كله، وكأنه لم تصدر قرارات إدانة دولية (أممية) وعربية، وإسلامية للانقلاب، وقبلها إدانة جميع المكونات السياسية،  نجد أنفسنا مع هكذا قضية في غاية الحساسية، والخطورة، أمام خطاب مرواغ ، ملتبس،  يقول الشيء، ونقيضه في نفس الوقت، إدانة ناعمة عابرة للانقلاب لا تقول شيئاً سياسياً ملموساً يعتد به، والأخطر، مع مساواة سياسية واقعية بين الانقلاب، وبين الشرعية، في إنتاج الحرب الجارية، معادلة يحكمها  ويتحكم بها منطق شكلي، أرسطي، في قراءة  مشهد الانقلاب، والحرب، بعيداً عن الأسباب السياسية الواقعية للحرب، وتلكم هي المشكلة مع مثل هكذا خطاب مناور، مراوغ،  ملتبس، خائف، وحذر، من الاقتراب  من الشرط السياسي الواقعي كما هو.

إن شرط وجود الفعل السياسي للقائد (أي قائد سياسي) إنما يتحدد في دوره، ومكانته، في قلب الفعل السياسي الواقعي (في الميدان وبين الناس) وليس في  القول الكلامي (التنظيري)، شرط القائد السياسي الثوري غير شرط أمين المؤسسة الثقافية، أو رئيس منظمة مجتمع مدني،  أو رئيس نادي رياضي، إن شرط وجود القائد السياسي، الأول والحاسم،  هو الفعل المقاوم، والتضحية، والأقدام، وهو ما يعجز عن ادائه المثقف النخبوي (المنتج للمعرفة والفكر)، بل وليس مطلوباً من المثقف النخبوي ما هو مطلوب من القائد السياسي المقاوم للاستبداد، والفساد، والناشد التغيير في بنية النظام، عبر الأدوات السياسية، حتى الوصول إلى السلطة.

يمكننا القول وباختصار مكثف أن شرط القائد الثوري، والمناضل السياسي، في أبسط تجلياته وتجسيداته، السياسية والعملية هو الجمع الخلاق بين القول، والفعل، بين النظرية، والتطبيق، فلم يصل المفكر والمناضل الاشتراكي العظيم/ عبدالله عبدالرزاق باذيب إلى قيادة حزبه وإلى مصاف القائد الوطني الكبير، سوى بذلك الدور السياسي الكفاحي في الميدان وسط شعبه، وبإسهامه المعرفي، والفكري، والسياسي، والثقافي،  من "المسيح الذي يتكلم العربية" الذي اوصله للمحاكمة، التي عبرها قدم مرافعة، قانونية، وسياسية، لمحاكمة المستعمر، إلى إنتاجه المعرفي/الفكري العميق (نظرياً، وسياسياً) الذي ما يزال معيناً لا ينضب تتشربه الأجيال، وتستلهم من خياراته ، القدوة والمثال..، وعلى نفس الطريق كان عبدالفتاح اسماعيل،  من قائد سياسي وعسكري للعمل الفدائي في رأس الجبهة القومية (عدن) (1965م) إلى إنتاجه الفكري والثقافي والسياسي، والأدبي، وإلى على صالح عباد "مقبل" القائد الفذ، وإلى الشهيد والقائد سالم  ربيع على، وهنا  يحضرني بقوة  اسم الرمز الثقافي والسياسي، عمر بن عبدالله الجاوي السقاف..،  الذي تجسد في سلوكه اليومي صورة المثقف العضوي من خلال رئاسته للأمانة العامة لإتحاد  الأدباء والكتاب اليمنيين، حتى انسحابه من قيادة الإتحاد الثقافي، ليؤسس حزب "التجمع الوحدوي"، وصولاً للدكتور ياسين سعيد نعمان، كنموذج حي، للجمع،بين المثقف، والقائد السياسي..، وقبله: إدريس حنبلة ، وعيسى محمد سيف، وعبدالسلام الدميني، وعبدالله البردوني، واحمد قاسم دماج، ويوسف الشحاري الخ.

 كانوا جميعاً قادة فكر، وادبً وسياسة، قادة بحجم وطن ممتلئين بروح الفداء والتضحية والكفاح السياسي مع الشعب، منهمكين ومنغمسين بالهم اليومي للناس، وكانوا بذلك نموذجاً فريداً، للجمع الخلاق بين الفكري، والسياسي، بين الثقافي، والنضالي، صلتهم الانسانية بالناس، هي الأساس، وهو ما تفتقده بعض القيادات التي أوجدها، وصنعها،  شرط الصدفة الذاتية التاريخية.

 كانت نصيحة الزعيم البلشفي لينين، في وصيته الأخيرة حول جوزيف ستالين، من أنه ليس حنوناً و لا رفيقاً، برفاقه، وإحساسه بمن حوله ضعيف..، مشيراً إلى نزعته الفردية، وهي آفة "نرجس" الذي ما أن رأى صورته على صفحة الماء، حتى انبهر بها معظماً جلالها وروعتها، وهو مدخل موت القائد، الذي لا يرى  في المرآة، سوى صورته،  وهو ما سيترك آثاره السلبية على ذات ذلك القائد (مجازاً)، وعلى مستقبل حزبه، وهو الأخطر.

قراءة 6072 مرات

من أحدث د. علي عبدالرحمن الخليدي