طباعة

الانقلاب والحرب بين الوطني والإقليمي والدولي(1-2 )

الإثنين, 15 كانون2/يناير 2018 17:35 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

العالم اليوم كله يتحرك باتجاه صيرورة صنع، وصياغة حضارة عالمية إنسانية واحدة بروافد ثقافية وفكرية، وروحية متعددة ومتنوعة، يتوقف معه تاريخ تعدد الحضارات القديم، ويتنامى ويتصاعد تاريخ تعدد المستويات الثقافية في خصوصياته الوطنية والقومية والإنسانية، في مجرى تشكل حضارة كونية انسانية واحدة، وكلما أسرعت البشرية –الإنسانية، الخطى صوب تجاوز وتفكيك مقومات وأركان الشمولية العولمية /بقايا القرن الأمريكي، الذي تواصل لعقدين من الزمن من بعد نهاية الحرب الباردة الكلاسيكية "نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات"، وما تزال أمريكا تقاوم وتعاند حركة التاريخ لفرض نمطها السياسي والأيديولوجي، والمصالحي الخاص بها، بالقوة العسكرية، وهو ما يفسر التوترات والحروب الجارية في العالم، وفي الشرق الأوسط، والمنطقة العربية، التي مضمونها اقتصادي -مالي "مصادر الثروة/والموقع الجيو/ استراتيجي" من غزو واحتلال العراق ابريل 2003م، وبالنتيجة في ما يحصل في العراق اليوم من حرب "طائفية -وقومية- كردية- ومن حرب على الإرهاب" إلى ما يجري في سوريا، وليبيا، واليمن، ولبنان، والسودان، وفي الصراع الخفي على مشروع طريق الحرير "الصين" وصولاً للصراع في شرق أوروبا، وآسيا، وأفريقيا، جميعها اعتمالات واختمارات لولادة عالم كوني جديد متعدد القطبية، وليس استعادة الحضور القومي الروسي الصاعد سوى عنوان لذلك الميلاد من خلال القوة العسكرية في حدودها الإقليمية "القرم /أوكرانيا" والمنطقة العربية هي واحدة من هذه المؤثرات والمؤشرات السياسية والعسكرية والاقتصادية لفرض التحول إلى نظام عالمي جديد، "متعدد القطبية" مرحلة انتقالية يجري فيها إعادة اقتسام المصالح وفقاً لمنطق القوة العسكرية، والمصالح الاقتصادية والمالية.

 إذن نحن أمام بانوراما لمصالح دولية، وإقليمية جديدة تتشكل في العالم ، وفي منطقتنا العربية، كل منها يشتغل على مصالحه بطريقته الخاصة -إلا نحن العرب- وما يحصل في سوريا هو نموذج واقعي لذلك، ولا يمكننا عزل وفصل الحروب الجارية في منطقتنا من حسابات هذه المصالح وارتداداتها على منطقتنا العربية، من سوريا، والعراق ،واليمن، وليبيا، إلى السودان، وصولاً إلى منطقة الخليج التي بدأ الفرز والاستقطاب السياسي والاقتصادي الدولي يطالها وبقوة "العلاقات والاتفاقات الروسية –الصينية-السعودية" "والعلاقات التركية/الإيرانية/ القطرية "اقتصادياً وعسكرياً، في واقع اضطراب واهتزاز العلاقات العربية –العربية، والخليجية/الخليجية "السعودية-قطر"، وما يصاحب ذلك من اشتباك، وتؤثر علاقات الأنظمة سلباً على شعوب المنطقة، وهو ما وسع من حاله الفراغ السياسي الذي وجد من يملؤه وينفذ منه إلى داخلنا، لأننا منذ عقود طويلة كأنظمة عربية نعيش في دوامة دور التابع والمتلقي، وفي أحسن لأحوال من يستقبل الفعل، بردود فعل سلبية وخائبة، ومن ذلك الفراغ الذي صنعناه بإرادتنا السيئة للسياسة، والاقتصاد، ينفذ ويتسلل الخارج إلى داخلنا.

  والسؤال اليوم: هل المستعمر هو من صنع وفجر هذه الحروب /الحرب في اليمن، وسوريا، أو ليبيا؟! أم أنه من يستثمرها في اتجاه مصالحه الخاصة !! هل يريد البعض من خلال تحليلاته  الأيديولوجية، السياسية المعلبة أن يقول لنا إن الاستعمار هو من فجرها؟ وفي ذلك تبرئة مباشرة لساحة الطغم الاستبدادية والمالية، أو الطائفية، والسلالية الفاسدة!! صحيح أن الاستعمار له يد طولى في تقسيم المنطقة منذ وعد بلفور، وسايكس بيكو، حتى مشاريعه التفتيتية التقسيمية للمنطقة، لصالح فرض إسرائيل اليهودية –الصهيونية، قائدة للمنطقة التي توجه ترامب بقراره بجعل القدس عاصمة أبدية لإسرائيل رغماً عن قرارات الشرعية الدولية، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن.

 وصحيح أكثر أن الاستعمار بتسمياته المختلفة لاعب وفاعل أساس، وفي فترات معينة قد يكون محدداً لاتجاهات مسارات الصراع والحرب ولمآلاتها في أكثر من مكان عربي وعالمي، وكل ذلك ممكن، لأننا سلمنا في المنطقة العربية، قيادنا له سياسياً، واقتصادياً، وهنا تظهر مسؤوليتنا في الحالين :تهميش وقمع ومصادرة الإرادة الشعبية، ثم الالتحاق بالتبعية للخارج الاستعماري، وليس من حقنا بعد ذلك تعليق مشاكلنا الداخلية بما فيها حروبنا الخاصة "الطائفية-السلالية" على مشجب الخارج، وهي الحروب التي جذرها وسببها كامن في عجزنا وفشلنا كأنظمة سياسية (على صعيد الديمقراطية، والتنمية) وكذلك كقوى سياسية، واجتماعية "مكونات سياسية استقالت وتقاعدت عن دورها"، فالخارج لا يستطيع أن ينفذ ويدخل إليك بهذه القوة والتأثير إلاَّ حين يسمح له أداؤك الناقص والعاجز بذلك "الحبة لا تؤكل ولا تسوس إلا من داخلها" فالطغاة والبغاة تاريخياً، هم من يستقدمون الغزاة، وتاريخ اليمن القديم والإسلامي والوسيط والإمامي "تحديداً" من "سيف بن ذي يزن" إلى أئمة "الإمامة"، بيت المتوكل، وآل شرف الدين "المطهر" يقول ذلك بوضوح، والحديث حول ذلك يطول، شخصياً لا أحب ولا أميل إلى التغطي بنظرية المؤامرة، ولا كذلك إنكار أن هناك مؤامرات في السياسة، ولأهداف اقتصادية، وسياسية استعمارية، تحيكها بعض الدول ضدنا، ولكن كل ذلك يتحقق بعلمنا "كأنظمة –حكاماً-وحتى قوى سياسية" وضمن جدلية ثنائية: الاستبداد الداخلي والتبعية، التي تقاومها دول وشعوب، وترضخ لها أخرى.

الخارج الاستعماري لا يستطيع أن ينفذ إلى داخلك السياسي، والمجتمعي، إلاَّ حين تعجز وتفشل في إدارة شأنك الوطني، وهو منفذه ومدخله إلى داخلك السياسي، وداخلك المجتمعي، عبر أدواته ووكلائه المعتمدين في الداخل، والانقلاب في الحالة اليمنية "21 سبتمبر 2014م" لم يأت فجأة، ولا اعتباطاً ولا هو نتاج قرار سياسي داخلي صرف، بل ضمن تفاهمات وترتيبات وتوافقات خارجية داعمة ومساندة لإنجاحه "إيران" ،وهو ما تقوله مقدمات الانقلاب "جيهان (1)- وجيهان (2)، ومجموعة الخبراء الإيرانيين "الذين أفرج عنهم بعد الانقلاب مباشرة" ،وكذا الاعلان عن مشاريع الدعم الاقتصادية، أو المالية المتنوعة للانقلاب "من رحلات الطيران اليومية الإيرانية لليمن ،إلى تسليم المطارات والمواني، للشركات الإيرانية" والحديث عن محطة كهربائية، وعن وديعة نقدية بعدة مليارات من الدولارات، وهي التي أغرت تحالف ثنائي الانقلاب بمد  الحرب جغرافياً، إلى كل الديمغرافيا الوطنية اليمنية "شمالاً /وجنوباً"،  والذي ترافق مع إنجاز حققه الملف النووي الإيراني، الذي توحى بعض بنوده غير المعلنة، والمسربة، باعتبار إيران حامية للشيعة في المنطقة، والسؤال الجوهري لماذا يقفز بعض دعاة السلام وإيقاف الحرب، على كل هذه المقدمات والأسباب، والحيثيات والإصرار المستميت الوقوف عند نتائج الحرب الكارثية، متوسلين خطاب سلام فارغ من أي مضمون سياسي أو اجتماعي أو وطني، وكأن كل ما حصل وما يزال يجري عبث مجنون، أو طفل لا يدرك ولا يعي ماذا يعمل!! ألم تكن تجربة الحوار الوطني الشامل هي أعظم وأنبل وأرقى تجربة سياسية وطنية حوارية لا مثيل لها في كل المنطقة العربية بشهادة الداخل والعالم كله، تجربة حوارية أنتجت أفضل وأنبل وأصدق مخرجات حوار وطني شارك في إخراجها وإنتاجها جميع المكونات السياسية والاجتماعية والوطنية "جمعت الشيخ صادق الأحمر، ومشائخ رجال الدين، ومنهم من رفض المشاركة في المؤتمر كله، إلى جانب المهمش من الفئات الدنيا في إطاره وداخله، إضافة إلى أصحاب الاحتياجات الخاصة، والمرأة، والشباب، بنسب تمثيل اجتماعي وازن إلى جانب  المستقلين، والأكاديميين"!! مؤتمر حوار يمكننا القول عنه أنه مؤتمر الطبقة الوسطى اليمنية في غالبيتها العظمى، الطبقة الوسطى، بكل تعبيراتها، وتمثيلاتها الاجتماعية، والفكرية والسياسية، والأدبية، وكانت هناك محاولات حيثية ومبيتة لإفشال ذلك المؤتمر من جماعات التطرف الديني والتكفير، و أمراء الحرب، وتجار السلاح، ورموز قوى النظام القديم/الجديد، ولم يقل لنا شيئاً عن كل ذلك حمائم السلام، ودعاة إيقاف الحرب!! بل إنهم حتى الآن لم يخرجوا ببيان عربي واضح حول دور تحالف ثنائي الانقلاب/والحرب في إنجازهذه المهمة في مآلاتها  الكارثية والمأسوية التي نعيشها اليوم،ووفي القلب منها تدمير الطبقة الوسطى.. ومع كل ذلك لم يقل لنا دعاة إيقاف الحرب: من انقلب على كل ذلك؟ ولماذا تحول الانقلاب إلى حرب ممتدة بعد اختطاف الدستور وحامله حتى حصار رئيس الجمهورية، والاعتداء الجسدي عليه، وقتل حراسته، ووضع معظم الحكومة تحت الإقامة الجبرية، حتى الحرب العسكرية على المواقع والرموز السياسية والسيادية للدولة، والجمهورية "دار الرئاسة/القصر الجمهوري"الذي منه أعلن الانقلاب الدستوري على العملية السياسية، وجميع التوافقات السياسية والدستورية؟! ثم على حمائم السلام ودعاة إيقاف الحرب، أن يجيبوا على سؤال: ما الذي جمع الحوثي/صالح، في انقلابهما وحربهما على اليمن، واليمنيين؟! ولماذا بعد ذلك فك حلف الارتباط فيما بينهما؟!

إن حمائم السلام، ودعاة ايقاف الحرب، بدون رؤية، و لا موقف،  إنما يعيشون حالة إنكار للانقلاب بعد أن هيمن عليهم وهم، وخرافة "أطراف الصراع" ،والعداء المبطن والضمني للشرعية، على كل جوانب قصورها وأخطائها، بل وخطاياها السياسية في إدارة السياسة والسلطة، والتحالفات، وهو ما لا يجعلنا نصل إلى حد إنكار شرعيتها، ومن أنها الخيار السياسي، والوطني الوحيد المتبقي أمام الناس للحفاظ على ما تبقى من الدولة، ومن وقف تشرذم البلاد إلى ما دون الهوية الوطنية، وهو ما يسعى إليه البعض.

 أن الواهم هو من يحمل خرافة التاريخ "تاريخه الخاص" ليفرضها على كل اليمنيين بقوة السلاح والحرب.

انهم لا يستمعون الى صوت الواقع، بمثل ما لايتعضون من عبر وحكم التاريخ، فيقعون في شر مكره.

نعي ونعلم جميعاً أن البلد قبل الانقلاب وتفجير الحرب لم يكن يعيش حالته المثلى، ولكن الوطن كله "دولة شرعية/وحكومة/وشعباً" كان يتهيأ للدخول إلى معركة سياسية وطنية تاريخية كبرى، بالاستفتاء على الدستور وإنتاج "عقد اجتماعي مدني وديمقراطي جديد"، وهو ما تم القطع معه حربياً بالانقلاب، حتى وصولنا اليوم إلى كارثة التفتت، والتفكيك والانقسام العمودي، والأفقي، بعد أن طال التشرخ كل البنية الاجتماعية، والثقافية، والروحية، والسيكولوجية، والوطنية، "داخل الشمال" و"داخل الجنوب" "وبين الشمال/ والجنوب"، ومن هنا يبرز تأكيدنا على جذرية سؤال الانقلاب، حتى لا نجد أنفسنا نبرئ ساحة الميلشيات -الطائفية- السلالية، في تفجير الحرب. وما أشرنا إليه لا يعفي التحالف، والشرعية من جملة الخطايا التي مورست، وتمارس باسميهما، في سياق مواجهة الانقلاب، والحرب، على أن كل ذلك لا يمكن أن يقودنا للمساواة بين الانقلاب، والشرعية، حتى لو فقدنا كل العقل السياسي في القراءة والتحليل.

في تقديرنا أن تحالف الانقلاب كان من أحد أهم أهدافه، توسيع الحرب الداخلية وهو إضفاء الطابع -المذهبي/الطائفي "صراع أقليات" حتى تحويلها إلى حرب أهلية، تحمل ذات الصبغة والطابع، خاصة بعد تدخل التحالف العربي القوي والسريع، أي تحويل القضية الوطنية لتغدو مشكلة إقليمية -دولية "تنسف المرجعيات الثلاث" بهدف خلط الأوراق، ولتصل الحالة اليمنية إلى مصاف ووضع الحالة السورية، فالمليشيات تقرأ وتنظر إلى الانقلاب باعتباره "هبة إلهية" والحرب بالنسبة للانقلابيين هي الأداة والوسيلة للحفاظ على هيئة ومكانة الانقلاب كقاطرة لتمرير مشروع الولي الفقية، الذي -مع الأسف- لا يراه حمائم السلام، ودعاة إيقاف الحرب بمثل ما لا يرون أسباب ومقدمات الانقلاب، والحرب، وحين تضطرهم ضغوط الواقع الداخلي والاقليمي، والدولي، للاعتراف الخجول بالانقلاب، فإنهم يبادرون مجبرين ومكرهين للحديث عن الانقلاب، ولكن بلغة سياسية ناعمة، رقيقة الملمس، ودون نسيان المساواة بين العدوان الخارجي، والداخلي، تمهيداً للمساواة بين الانقلاب، والشرعية، بعد أن تحولت الشرعية إلى وهم، وخرافة، مع أن ما يسمونه عدواناً خارجياً جاء تالياً ولاحقاً للانقلاب، والعدوان الداخلي.

ويبقى السؤال: أين المجتمع وقواه الحية الفاعلة "حزبياً-ومدنياً-وثقافياً- وحقوقياً" تجاه كل ما يحصل؟! ذلك في تقديرنا سؤال جوهري وواقعي مطلوب بحثه.

 لقد جرفت الأنظمة المجال السياسي، وجعلته طيلة عقود- حكراً عليها بالقمع، وبالفساد، وإرهاب الدولة- المنظم، والممنهج، حتى اشتغالها  على الإرهاب الديني لقمع المعارضين في الداخل، وابتزاز الخارج، بالجماعات الإرهابية المصنعة من قبل المؤسسة السياسية، والأمنية، والإعلامية، والأيديولوجية الرسمية، للحصول على المزيد من المال، ومن الرعاية والحماية الخارجية للنظام.

بهذا المعنى يمكنني القول إن لعبة الإرهاب الديني، إنما هي صناعة محلية-انتجها الاستبداد التاريخي للأنظمة، بالتعاون والتكامل والتحالف التكتيكي، والاستراتيجي، مع القوى الدولية الاستعمارية، من أفغانستان، التي أفرزت ظاهرة "القاعدة" حتى ظاهرة "داعش" اليوم الذي يعترف بعض رؤساء الدول الكبرى أنها صناعة أمريكية- تحديداً – وغربية بدرجة أقل.

وفي تقديرنا أن جميع ظاهرات الحروب القائمة في منطقتنا العربية، العراق، سوريا، اليمن، ليبيا، حتى السودان، تشترك في سمات عامة، منها تلقي التأثيرات السلبية للعلاقة الناقصة بالخارج سياسياً، واقتصادياً "التبعية"، كما أن لكل حالة حرب خصوصتيها الداخلية "الوطنية" المحددة لها ولمآلاتها الجارية، أي أن لكل منها شروطها، ودوافعها، وأسبابها، الذاتية، السياسية والموضوعية التاريخية، -كما سبقت الإشارة- بمعنى أننا لا يمكننا إسقاط شروط وأسباب الحرب السورية، أو الليبية، على واقع وحالة الحرب اليمنية الجارية، والعكس صحيح، مع الاتفاق في العموم على أن شرط الاستبداد، والفساد التاريخي، وعلاقة التبعية للخارج، هي الإطار السياسي المرجعي الجامع المحدد لتلك التوترات والصراعات والحروب، وبهذا المعنى، فالحرب الجارية "يمنياً" بقدر ما تؤكد صلتها وعلاقتها بهذين البعدين الداخلي، و"الخارجي الاستعماري" على أن لها جذرها السياسي/الذاتي، والواقعي، المنتج لها والمفجر لانتشارها في كل الجغرافيا الوطنية اليمنية، ضمن استراتيجية خاصة لمن توهموا وفق حسابات داخلية/ذاتية أنه يمكنهم عبر الانقلاب فرض حالة الانقلاب، كسلطة أمر واقع إلى ما لانهاية، غير مدركين جدلية ذلك الترابط والتشابك للمصالح، داخلياً ،وخارجياً، تكتيكياً، واستراتيجياً، حيث تحول تكتيك الانقلاب الذي تصور معه البعض واهماً، أن بإمكانه تمرير الانقلاب على الداخل، والإقليم، والعالم، وجعله استراتيجية مفروضة بالقوة :قوة تحالف النظام القديم الآيل للسقوط سياسياً ،وموضوعياً، وتاريخياً، وهو ما أعلنته ثورة فبراير 2011م وقبلها  من تململات الحراك الجنوبي السلمي 2007م، الذي تحول إلى حراك سياسي مدني جماهيري واسع فتح الباب واسعاً وعميقا لإعلان الضرورة الموضوعية، والسياسية، التاريخية، لسقوط دوله ونظام، العصبية، والمركزية، والفردية، "المركز السياسي التاريخي" وهو مالم يدركه ويستوعبه تحالف ثنائي الانقلاب، الذي حين فوجئ بالمعارضة السياسية المدنية السلمية الواسعة للانقلاب، في السياسة، وفي الاعلام، وفي الشارع، ذهبوا إلى تشديد وتكثيف قبضتهم الأمنية، وأدواتهم القمعية، وبصورة لا مثيل لها، كما سعوا إلى تعميم حالة الحرب إلى الداخل، والتلويح بتهديد أمن واستقرار الاقليم "دول الجوار"، حتى تحويل الانقلاب إلى حالة حرب ممتدة إلى كل الجغرافيا الوطنية اليمنية، أولاً: في جعل الانقلاب سلطة أمر واقع على كل الشمال والجنوب، وثانياً: القيام بمنارات عسكرية استعراضية وبقوة استراتيجية "صواريخ سكود" على الحدود اليمنية /السعودية واستدعاء إيران علناً، للحضور العسكري، والاقتصادي، والسياسي، غير مدركين خطورة ما يقدمون عليه، وغير مستوعبين صعوبة تحويل تكتيك الانقلاب، إلى استراتيجيا، ببقايا نظام آيل للسقوط وصعود حالة ممانعة داخلية في مواجهة ومقاومة الانقلاب.

 الحرب في اليمن لكل من يتابع ومن يفهم خصوصية الحالة الوطنية اليمنية بدأت بالانقلاب على العملية السياسية السلمية، الانقلاب الذي -مع الأسف- ينكره ويتجاهله البعض منا، بل ويقفز عليه، كأن لم يكن وصولاً لتعميم خطاب حول إيقاف الحرب، تحت ذريعة وحجة سلام فارغ من المعنى، سلام لا يقوم على مشروع ولا تقف خلفه رؤية سياسية وطنية واقعية واضحة، حول مفهومهم للسلام، سلام لا يتكئ على موقف سياسي نضالي ضد الانقلاب، والحرب، وهو ما يذكرني من أحد وجوهه بخطاب سلام السادات -مع الفارق بين الحالتين- السلام الذي جلب لنا عار الهزيمة القومية التي نعيشها، عربياً، وفلسطينياً، حتى اللحظة الراهنة بعد أن رفع شعار السلام المجرد مفصولاً عن حقائق الواقع الموضوعية، والسياسية، والوطنية، والقومية، ووجد حينها زمرة من الأفاقين والمطلبين من الكتاب والمثقفين، والسياسيين السلاموين، --على قلتهم- من وقف داعماً ومسانداً للسلام الساداتي، حتى توقيعه لاتفاقية كامب ديفيد 1979م الذي تعيش فلسطين اليوم الإرتدادات الكارثية والكابوسية لذلك الموقف السياسي السلاموي، السلام الذي هز وخلخل أركان المنطقة العربية وقسمها باسم السلام، الذي لم يتحقق منه سوى ذل الهزيمة القومية المعاشة اليوم، سلام اريد به تمرير، وتنفيذ مشروع سياسي، اجتماعي، اقتصادي نقيض وبديل لمشروع ثورة 23يوليو 1952م بأهدافها الاستراتيجية وهو الشعار السلاموي الذي جاء معادياً في الجوهر للإرادة الشعبية، وتحت يافطة السلام، ،والديمقراطية، السلام الذي مهد لتحول اسرائيل من عدو استراتيجي إلى صديق، كما كان تمهيداً للانتقال النهائي، من معسكر التحرر الوطني، والقومية العربية، إلى معسكر أن 99/ من أوراق الحل بيد أمريكا، وهو السلام الذي مهد بعد نهاية الحرب الباردة، وأفول المعسكر الاشتراكي، إلى فرض القطبية الآحادية "أمريكا" التي فرضت عبر حلفائها في أوروبا، والمنطقة العربية تمرير مباحثات مدريد 1991م، وصولاً لاتفاقية أوسلو  1993م، بدون مشروع، ولا رؤية، ولا موقف قومي موحد وجامع، تجاه القضية القومية المركزية "فلسطين" التي تحولت إلى قضية فلسطينية / اسرائيلية، وليست قضية عربية/اسرائيلية/وصولاً لاتفاقية "وادي عرية" 1994م، لأن السقوط والتراجع باسم السلام على أي مستوى كان ليس له قرار، في غياب المشروع، والرؤية القوميين، وهو ما نعيش اليوم انعكاساته السلبية المدمرة على كل المنطقة العربية وفي القلب منها فلسطين، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي ترامب، القدس عاصمة أبدية لإسرائيل. كما يذكرني خطاب السلام ذلك ، بمن كانوا يعارضون بل ويرفضون نهج الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني، ويرون في خيار الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية، لعب اطفال ومراهقة سياسة، و خيار دراويش، وان التفاوض، والحلول السلمية، هو الانجح والاصوب، والاسلم، وفي السياق ذاته يأتي ويصب خطاب السلام، الذي رفعت لوائه ، مؤتمرات ، عمران، وخمر، والطائف، والجند، تحت زعامة رموز الجمهورية القبلية.

 

د.محمد سعيد يسلم

أ.د/العلاقات السياسية والدولية /عدن

قراءة 4809 مرات آخر تعديل على الإثنين, 15 كانون2/يناير 2018 17:38