طباعة

الخلفية السياسية التاريخية للأزمــة الوطنيــة الراهنــة*

الإثنين, 12 آذار/مارس 2018 17:43 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

إن الفساد دائماً وأبداً مرتبط بالسلطة (الحكم)، وكلما اقتربت السلطة من العدل، ومن الحكمة السياسية، وفيها قدر معقول من الموازنة الاجتماعية , والوطنية , في دفع أوسع قطاعات المجتمع للمشاركة والشراكة في السلطة، والثروة، كلما كان نصيب حضور الفساد والاستبداد  ومساحة احتكار السلطة ، وحضور العنف ضئيلاً، ومحاصراً بمساحة العدل،والحرية،المطروحتان للمجتمع. وهذه هي أنظمة استثنائية عابرة على محطات في التاريخ، فالسلطة السياسية (الحكم) بحكم طبيعتها وتكوينها "الملكية  من التملك وليس الملك /والطبقية" محفزة لمن يمتلكها للقبض عليها، ومحاولة احتكارها، وعدم التنازل عنها بسهولة ويسر , والتاريخ السياسي العربي السلطوي , منذ فجر الدولة الأموية، والعباسية، حتى العثمانية  ، والزيدية الهادوية (الإمام الهادي إلى الحق يحي بن الحسين ) حتى تجلياتها اللاحقة (الحمزات) بيت شرف الدين ، الدولة القاسمية ، حتى بيت حميد الدين ) جميعها تقول ذلك بوضوح ، بل إن الكثير من مسارات السلطات العربية في تاريخنا الحديث والمعاصر(الدولة الاستقلالية ،والوطنية المعاصرة) يؤكد ذلك المعنى والمسار فالفساد السياسي السلطوي هو جذر وأس جميع أشكال وصور الفساد: الفساد السياسي، الفساد الاقتصادي، المالي، الاجتماعي، الأخلاقي، الفساد الروحي، القيمي، فالسلطة مفسدة، والسلطة المطلقة مفسدة أعظم. الفساد ليس صفة ذاتية فردية , مرتبطة بحدود أطماع هذا الفرد , أو ذاك، فحدود هذا الفساد الذاتي الفردي محدود، مرتبط في فعله وحضوره وصيرورته، بالفساد الموضوعي السلطوي : (السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الأيديولوجي حين تتحول الأيديولوجية إلى خرافة ).

واليمن مع النظام السابق (صالح)وقبل ثورة الشباب والشعب، كان قد وصل إلى ذروة الانحطاط والفساد، والاستبداد، بعد أن صار ((صالح)) الحاكم بأمره، جعل من الفساد، أيقونة ونظاماً، ومن الاستبداد، والانحطاط قيما عامة كلية سائدة في المجتمع اليمني كله (شمالاً , وجنوباً)، وحتى صارت هناك مقولة يرددها رموز السلطة أنفسهم، أن من لن يغتن ويغنم, وينهب، ويملك الثروة اليوم، فلن يحصل عليها على الإطلاق حتى أطلق  بعض المسؤولين الفاسدين على فترة حكم صالح بـ(الزمن الصالحي) .

نيف وثلاثة عقود تحركت على أنقاض أحلام الشعب بالحرية، وبالعدالة، والكرامة الوطنية، والسيادة، والمواطنة، وعلى حلم الناس ببناء الدولة المدنية ، وما نراه منتشراً وسائداً اليوم من تدهور وانحطاط وحروب هي إرث أصيل لذلك النظام.

 نظام جعل من الاقتصاد السياسي للفساد نظاماً، وقانوناً، وإدارة، وطريقة حياة، لعب خلالها بالتاريخ الوطني، وبالثروة الوطنية اليمنية، وبالقيم الكلية العامة كما يريد ،تحولت معه القوات المسلحة , والمؤسسة الأمنية ,وكل هيئات الدولة, إلى مؤسسة استخبارية أمنية ( عائلية / مناطقية ) ذات وظيفة , منفصلة عن بعضها البعض مرتبطة بأفراد أسرته المقربين (أولاده، أولاد أخوته، زبانيته العصبوية) صارت المؤسسة الأمنية الاستخبارية هي ((الحاكمة)) ، والناظمة لجميع أمور الدولة، وجميعها مرتبطة به، وبأفراد أسرته (العائلة)، ولذلك ارتكز حكمه على نظام (الزبونية) وخلق واجهة سياسية اجتماعية طبقية مدنية (نفعية) انتهازية واسعة ، كواجهة سياسية حزبية (النخبة السياسية الضيقة من رموز المؤتمر الشعبي العام)، التي حكم من ورائها وباسمها كعنوان وما يزال حتى اللحظة، تاركاً لهم فتات مائدة الحكم عبر نظام (المحاصصة) وهي الشريحة/ الطبقة/ الواجهة التي حكم , ويحارب باسمها اليوم , وطيلة الفترة الانتقالية، وما يزال يحكم, ويحارب , ويدير البلاد بالأزمات والحروب باسمها , كواجهة (نخبة المؤتمر الفاسدة، وليس كل المؤتمر الزبونية)لقد جمع علي صالح منذ اللحظات الأولى لحكمه بين السلطة، والمال السياسي، حيث المال السياسي المستخرج من مصارف الحكم (احتياطاته، بنوكه, وودائعه، والمساعدات) هو من صار يدير ويهندس أمور الحكم والسلطة، وهذه الثنائية ما تزال قائمة حتى اللحظة.

 وبهذا التماهي، والتمفصل، بين السلطة، والمال السياسي، المنتجة تاريخياً من حالة وواقع : ((ثنائية السلطة/ والدولة)), ثم ((ثنائية، السلطة، والثروة)) الناتجة عن الثنائية الأولى، - المقصود هنا ثنائية السلطة،والدولة- حيث الثروة الاجتماعية الوطنية للشعب تحولت إلىرديف وخادم، للسلطة ، وممول لإعادة إنتاجها باسم الحاكم الفرد ولخدمته، وهذه الثنائيات القاتلة والمدمرة لإمكانية وجود وقيام أي دولة، وليس فحسب الدولة المدنية الحديثة، هي أس الشرور جميعاً، حيث  إن السلطة، والدولة معاً، باتتا رهينة وعهدة، في يد أجهزة الاستخبارات (الدولة الأمنية)، وجميع الموارد الاقتصادية للبلاد تمر عبرها، وتحدد أنظمة صرفها , وحجمها , وموازين توزيعها (الثروة ) ،من خلالها، بما فيها مناصب الدولة من المدير العام، إلى الوزير، وحتى رئيس الوزراء، جميعها مرتبطة باندماج عصبة الحكم (بنظام الزبائنية) ومن يتابع بدقة حركة المال وصرفه، سيجد أن ميزانية الأجهزة الأمنية بتسمياتها المتعددة، بما فيها الميزانيات غير المنظورة في ميزانية الدولة (ميزانية الرئاسة, والدفاع) وغيرها، هي من تستحوذ على معظم الدخل الوطني دون أي مساءلة أو رقابة، ومعظمها يمر صرفها عبر رضا  صالح وموافقة (بوابة الأمن/ الاستخبارات)، حيث تتقدم الحالة الأمنية على جميع الحالات: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعسكرية، والتعليمية/ والخدمية، بل أن مصروفات هذه جميعاً تمر عبر رضا (الأولوية الأمنية)، فحيثما توجهت ستجد العنوان الأمني/ الاستخباراتي حاضراً وفاعلاً في كل شئ: (الاقتصاد/ التجارة، المصارف، الأراضي، العقارات، الاستثمار، الإعلام، الثقافة، النقابات، جميعها يستمد شرعيته من علاقته وقرابته بالمتحكمين بالأجهزة الأمنية الاستخبارية)، (ثقافة الأمن). أو الدولة الامنية،فجميع المسئوولين المستفيدين من فساد النظام لديهم ملفات  خاصة، وعامة، للضغط  عليهم وابتزازهم، وجميع تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، ليس لها من وظيفة وهدف سوى الضغط،والابتزاز في الملفين،الشخصي، و السياسي العام.

 ومن هذه الخلفية السياسية الأمنية, تم ميلاد وإنتاج نخبة أيديولوجية/ ثقافية، مكرس جهدها لإعادة إنتاج ثقافة ((القائد الضرورة)) ، ((فارس اليمن والعروبة)) ،  ((القائد الرمز)) ، حتى بعد أن سلم علم الجمهورية لعبد ربه منصور الرئيس الانتقالي اسماً وشكلاً، وما يزال البعض يحاول إلصاق تُهَم ((الزعيم)) به، - أي بالرئيس السابق صالح - والصحيح أن من لم يستطع أن يحافظ على اسم الرئيس، والقائد، ليس بإمكانه أن يحوز على تسمية "الزعيم"، الذي يحاول الكتبة المأجورون تعويضه سيكولولوجيا , عما صادره منه الشعب (الرئيس) عبر ثورة شعبية، "فقد دبج الكتبة المأجوون ضمن صفقه مع أحمد الصوفي سكرتير صالح كتيب تحت عنوان دفاعاً عن علي عبدالله صالح"  كما أقام علي الشاطر العديد من الندوات  لتمرير هذا المعنى ، ودبج  غيرهم مئات المقالات والكتب ، في مدح الزعيم" . ولا يخالجني أدنى شك أن علي صالح "لوحدة وأفراد عائلته" هو السلطة السياسية الفعلية , وأنه  كان وما يزال يحكم حتى اللحظة  بما تبقى من دولة الأمن والاستخبارات، وبما يملكه من أموال منهوبة من الشعب، وبما يحوز عليه من ولاء العديد من قيادات الألوية، والوحدات العسكرية المتوزعة على مختلف مناطق البلاد، وبما يوليه له من ولاء ((مجلس النواب)) تحديداً، ((والشورى))، ومعظم المحافظين، وقيادات الحكم المحلي في البلاد المرتبطة به، والتي بها ومن خلالها أغرى الأخوة الحوثيين/ أنصار الله، في السير معه في لعبة الانقلاب ليتخلص من الجميع، ولينتقم منهم على دفعات/ أو على مراحل  بمن فيهم أنصار الله الذين لن ينسوا له شهداءهم في حروبه الوحشية الدموية ضدهم، والتي ما تزال صورها وتجسيداتها قائمة حتى اللحظة، علماً أنه لم يكف محاولاته الداخلية، والخارجية في التخلص والانتقام منهم (آخرها زيارة ابنه أحمد للأمير الوزير محمد بن سلمان في الرياض)، ليقدم من خلال الزيارة أوراق اعتماده , واعتذاره للسعوديين, بعد أن استنفدت علاقته بالحوثيين، أغراضها كما يرى، والأصح بعد أن أصبح يشهد ويرى ويقرأ تهاوي جميع أوراقه في اللعب، والرقص على رؤوس الثعابين حسب تعبيره المفضل.

 وهنا يمكن القول دون تردد، وبعقل الباحث الموضوعي، ومن خلال متابعتي، وقراءتي للتاريخ السياسي، الاجتماعي، وتاريخ السلطة، والحكم وتقلباتهما في اليمن، خلال الحقب السياسية السالفة : من الإمامة , والدويلات السلطانية المختلفة، حتى الجمهورية، وانتكاساتها، يمكنني أن أزعم أن علي عبد الله صالح، هو الوريث الشرعي، والامتداد الطبيعي، السياسي، الأيديولوجي (التاريخي) للإمامة، والقبيلة، معاً، وهو امتداد سياسي , واقعي لسلطة , دولة المركز السياسي التاريخي , العصبوي,  فهو التلميذ النجيب لانقلاب الخامس من نوفمبر 1967م، ففي كل ما جسده، ومثله، إنما كان سيراً مواكباً وحثيثاً على طريق خطى أحداث 23/24/ أغسطس 1968م، وعلى طريق هذا المثل الأغسطسي، راكم شروط إنتاج حكمه المعمدة بالدم، والانقلاب , بداية من دم الشهيد إبراهيم الحمدي وأخيه، وجميع شهداء ما لحق ذلك الاغتيال بتحالف مع دول إقليمية، مروراً بالجريمة البشعة، في تصفية نخبة مشايخ وتجار تعز/ الحجرية 1978م حتى جريمة تصفية وقتل رموز الانقلاب السياسي من الناصريين في 15 أكتوبر 1978م.

 والتي كللت بعد الوحدة بعشرات الجرائم، تأتي في قمتها جريمة حرب 1994م، وليس آخرها ما نشهده اليوم، من فرض منطقه في إدارة الصراع بالأزمات، وبالحروب.

تنبأ البعض من السياسيين، والكتاب، المعاصرين (المعايشين) للمرحلة الإمامية، من أن الإمام أحمد سيحكم اليمن بعد موته (من القبر) متأثراً بجراح اغتياله ثلاثين , وأربعين سنة، بفعل تأثير المدى الزمني الطويل لحكم الإمامة، وبحكم ما راكمته الإمامة من تاريخ ثيوقراطي/ أوتوقراطي (مذهبي/ سلالي) طغياني، اتسم (بالقهر السياسي , وبالفقر الاقتصادي، والتخلف الاجتماعي، والعزلة عن العالم) وقد صدق ذلك القول/ المتنبئ، وهو اليوم يصدق على : علي عبد الله صالح أكثر، ليس باعتباره وريثاً سياسياً شرعياً، وامتداداً ذاتياً، وموضوعياً لذلك الميراث: (الإمامي، القبلي، السياسي، الأيديولوجي في نموذجه المعاصر) طبعة ثانية منقحة, من حكم دولة ((المركز السياسي التاريخي))، في شروط عصر مغاير. إن علي صالح مستمر في الحكم ليس لأجل ذلك فحسب، وإنما لأنه إضافة إلى ذلك الإرث السياسي التاريخي، قد تمكن من توظيف ثلاثة أمور، أو أشياء لصالحه، ولخدمة استمراره في الحكم أولاً: توظيفه أضلاع مثلث سلطة حكمه الجديد ممثلاً في :

أ- دولة أجهزة الأمن، الاستخبارية، ب- قوة الجيش بعد تفكيكه إلى وحدات عسكرية منفصلة عن بعضها البعض، وتجريده من انتمائه الوطني, وربطه بالولاء الشخصي(الزبائنية) حتى إفراغه من عقيدته الوطنية القتالية, وتحويله إلى مجرد معسكرات تحاصر أمانة  العاصمة، والمدينة صنعاء وبقية المدن (عدن، تعز،حضرموت،مأرب،البيضاء الحديدة،الضالع، إب  والمدن الأخرى كافة) ولا أدل على ذلك ما نراه من أحداث منذ 21 سبتمبر 2014م، حتى " اعتداء" "عاصفة الحزم" وشمولها كل اليمن. ج- إن الأمر الأخير المتوج لجوهر مضمون حكم علي صالح، هو : توظيفه للمال السياسي، الذي انحصر في توليد وخلق نخبة اقتصادية/ تجارية/ مالية/ عقارية (ريعية) كل صلتها بالمال آتية من علاقتها بالحاكم، والسلطة، وهذا هو البعد الأول، الذي ارتكز وقام عليه حكم علي عبد الله صالح طيلة  فترة حكمه حتى اللحظة.

البعد الثاني لحكمه واستمراره: تمثل في تجريف الحياة السياسية، والقانونية، والدستورية، وتحويله كحاكم إلى بديل عن المؤسسة ، حيث تحول إلى أكبر من المؤسسة التي هي على سبيل الافتراض أنتجته, وهو ما كان, وما يزال يمنع قيام الدولة المدنية الحديثة، وهو ذاته ما يفسر رفضه وممانعته القبول بمخرجات الحوار الوطني الشامل، وخاصة كل ما يتعلق ببناء الدولة, واستكمال العملية الانتقالية, وقضية نقل السلطة، وليس ما يجري اليوم سوى تداعيات لذلك الإصرار على عدم نقل السلطة، وضرب أي إمكانية لقيامها في العمق, وليس إدارة الصراع بالأزمات، وبالحروب، سوى وسيلته الوحيدة للنجاة الذاتي، ولعدم الدخول إلى مشروع بناء الدولة الحديثة، ومن هنا محاولاته حصار المعارضة وقمعها وتهميشها، طيلة فترة حكمه، وسعيه في تحويلها إلى معارضة مدجنة, نخبوية, مسجونة في مقراتها، حتى كان فعل الحراك الجنوبي السلمي 2007م، وبعدها ثورة الشباب والشعب 11فبراير 2011م، اللتان كسرتا حاجز الخوف من الحرية، وفي تقديري الذاتي أن المكونات السياسية، لم تتمكن من استثمار الفرصة الثورية، واللحظة السياسية التاريخية كما يجب، ولذلك لم تخرج من شرنقة حصارها القديم- الجديد، بقيت نخبتها القيادية عاجزة عن الانطلاق صوب فضاءات الحرية، والسياسة الرحب، بما هي إمكان موضوعي تاريخي، وما تزال اليوم متخلفة أكثر عن حركة أعضائها في الشارع، والدليل ما رأيناه وما يزال منذ 21 سبتمبر 2014م حتى اليوم ، من حركة احتجاجية اعتراضية سلمية ضد انقلاب 21 سبتمبر2014موالبعد الثالث لظاهرة استمرار النظام القديم- الجديد، هو فهمه السياسي الواقعي لشروط اللعبة السياسية، وتحركه السياسي (العملي) في الوقت المناسب، اليوم، والآن هو يبادر ويسرع في إرسال وفده إلى الخارج لإيقاف الحرب، والوساطة، مع أنه من أشعلها، ومن يديرها بالفعل، وسرعة الحركة هذه، والمبادرة هي التي تفسر وتشرح تمكنه من اللعب على تعارضات وتناقضات المشهد السياسي، والاجتماعي، والوطني، (الداخلي)، واستثمار ذلك في تأكيد حضوره أكثر, وهو ما يكشف الأداء السياسي الضعيف للمكونات السياسية في مواجهة تحديات الواقع، وانحصروا محشورين ضمن حسابات السلطة الفوقية الضيقة, (المحاصصة)، والآخر (الحوثي) يراكم شروط فعل وقوة في الأرض، من (دماج إلى عمران حتى وصوله إلى صنعاء بتحالف مع صالح) فالمكونات السياسية تماهت مع المؤسسة السياسية الرسمية التنفيذية (الرئاسة-الحكومة) بقيت مشلولة في انتظار ما يصدر عن الرئاسة، المربكة والمضطربة، التي ظهرت مسلوبة القدرة، محدودة الفعل دون إرادة قرار واضح حول ماذا تريد؟ ، وبدون صياغة لتحالفات واضحة، بدت موزعة بين هذا, وذاك, من مراكز الحكم القديم-الجديد ضمن حسابات صغيرة، لا ندري ماذا تريد من الراهن، ولا كيف تفكر للمستقبل!! وهو ما انعكس سلباً على الأداء الرئاسي، والحكومي، في جميع مفاصل السلطة، والدولة، اللتين جرى تغييبهما ومصادرة دورهما، وفعلهما، في جب الدولة الأمنية، والوحدات العسكرية (الجيش)، والمال السياسي للطغمة الطفيلية المالية الناشئة، التي حسمت كثيراً من أمور السلطة، والحكم على الأرض، وما تزال تتحرك في هذا الاتجاه، والمؤشرات،و (الحقائق، والوقائع) تقول إنه لولا "عاصفة الحزم" لكانت الأمور حسمت، وانتهت مبكراً لصالح تحالف رموز "المركز السياسي التاريخي" ، القديم- الجديد. إن أخطاء الثنائي الصالحي- الحوثي, الداخلية, وقصورهما في قراءة معادلات الداخل، والخارج, خصوصاً قادتهما، والبلاد كلها إلى ما تشهده اليوم من حرب ضد الجنوب، هدفها استكمال السيطرة باحتلال عدن, كمركز سياسي (عاصمة مؤقتة) للرئيس المحاصر، بعد أن تمكن من الخروج من حصاره في صنعاء (الإقامة الجبرية له، مع الحكومة). وكذا لاستخدام الحرب على مناطق ، ومدن الجنوب ورقة سياسية في المفاوضات مع الخارج،والتأكيد للخارج أن معظم شروط لعبة القوة في الداخل،ماتزال في يدي الثنائي المسلح. أستطيع القول إن علي صالح, تمكن من اجتياز جميع الاختبارات بنجاح، وتمكن بجدارة من تمثل تاريخ الإمامة، والقبيلة، (والعكفة) العسكر، بدرجة تفوق كل القدرة على التصور، ولذلك تمكن من بعيد حرب 1994م من الهيمنة العصبوية على روح, ومضمون, المركز السياسي التاريخي (المقدس) في صورته الجديدة (الجمهورية القبلية العسكرية) حتى سعيه بعد ذلك ،منتصف التسعينيات في تحويرها إلى سلطنة (جملكية) عائلية بعد أن تخلص من حلفائه في حرب 1994م، وهو ما يفسر صموده الأسطوري في ممانعته نقل السلطة للرئيس عبد ربه منصور، وفقاً للمبادرة الخليجية, والآلية التنفيذية, التي أعطته الحصانة، مقابل نقل السلطة السياسية كاملة.بما فيها سلطة إدارة المؤتمر الشعبي العام، الذي تراخى الرئيس عبد ربه منصور, في المطالبة بها في لحظة انتخابه وتسلمه زمام الرئاسة.

إنني هنا لا أقرأ ما يجري اليوم، في أدق تفاصيله، وفي روح معناه العام، سوى محاولة من النظام القديم-الجديد، (المركز السياسي التاريخي) استعادة دولته التاريخية، حكمه/سلطته، وكانت قضية عدم نقل السلطة السياسية كاملة، وفقاً للبعد السياسي للمبادرة الخليجية, وآليتها التنفيذية, التي أعطت الرئيس السابق الحصانة، هي البداية، وفاتحة النار/والحرب التي أصر الرئيس السابق، وتمسك بعدم نقل السلطة السياسية للرئيس المنتخب- أو المستفتى عليه، وتراخى هو، وصمت، وتساهل العديد دونها على أهميتها وخطورتها، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. إن القضية في الأصل، والجوهر، قضية، استعادة حكم، وسلطة، ولا علاقة له بالمذهب، والطائفة، فهذه فقط أغطية, لتبرير، وتمرير مشروع استعادة السلطة، واحتكارها، في المركز السياسي العصبوي, الجديد-القديم، وليس تحالف صالح - الحوثي , سوى محاولة للسير في هذا الاتجاه المعاند لحركة التطور السياسي, التاريخي, وهنا تكمن المشكلة ، حيث يشعر البعض أنه بدأ يفقد شرعيته ومشروعيته السياسية التاريخية في الاستمرار في الحكم بالطريقة القديمة، القضية محاولة لاستعادة شرعية، ومشروعية، انتهت صلاحيتهما السياسية، والوطنية، والتاريخية.

إن ما يجري اليوم لا يعني سوى شيء واحد، هو أن الرئيس السابق (صالح) وزبانيته رغم قرارات مجلس الأمن الدولي , وضغوط الواقع , يرفضون التواري، ومغادرة المشهد السياسي (السلطة- والحكم)، والقبول بالعودة إلى العملية السياسية, كمكونات سياسية , بدون سلاح المليشيا , وسلاح الدولة المنهوب , وليس أمام صالح اليوم تحديداً سوى مغادرة المشهد السياسي , وترك اليمنيين يديرون أمورهم بعيداً عن لعبته الدموية المفضلة، إدارة الصراع بالأزمات, والحروب، ولكن يبدو أنه لم يصل بعد إلى هذه القناعة، وهو يريد اليوم الوصول إليها بحصانة جديدة ثانية، تكرس وضعه، وموقفه السياسي من جديد حاكماً " من خلال ابنه أحمد".ومن هنا  تتضح مقاومته السلبية، مستخدماً فيها كل وسائل القهر، والعنف، والحرب، والدمار، (الصوملة كما قال هو) ضداً على إرادة الحياة الجديدة، ونكوصاً عن رغبة، وحلم اليمنيين بالتحرك صوب المستقبل. وفي الجزء الثاني من الموضوع، سنتناول سؤال: الشرعية ، في ضوء الأزمة السياسية، والوطنية الراهنة.

* المقال نشر في صحيفة الثوري في  العام 2015.

 

قراءة 1905 مرات

من أحدث قادري احمد حيدر