طباعة

ثلاث قوى ستقتسم "يمن" ما بعد حرب لن يحسمها احد!!

الأحد, 18 آذار/مارس 2018 21:30 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)


يوما ما ستضع الحرب اوزارها ، وستصمت المدافع والصواريخ، سيتفق اللاعبون الاقليميون على توزيع "البلاد الاطلال" بملفها الامني المفتوح ،وميوعة سياستها، وتهتك اقتصادها على وكلائهم المحليين الذين يشكلون اليوم قاعدة القتل ومدماكها . ستُمهد كل الطرق امام القوى الفاعلة في معادلة الحرب، للوصول الى ما يريده هؤلاء اللاعبون . هذه القوى هي التي ستحمل مشروع التفتيت، وهي التي ستناور بالملف الامني وستُعطل السياسة ، وستعيد تدوير اقتصاد الحرب في المساحات التي تنتفع بها ، دون شركاء فعليين حتي من الجماعات التي تتحدث باسمها . القوى التي نعنيها هنا، لن تكون ذا منزع مدني ولا تعبر عن حالة التحول الجديد الساعي لتجاوز محنة الحرب وارتداداتها المميتة. فهي خليط من القوي الدينية والطائفية والقبلية والعنصرية، التي صقلتها وقوت عودها ماكينة البارود وتمددها في الزمن والجغرافيا، وستبتلع حلم الدولة المدنية، الذي حاولت التبشير به احزاب ونقابات ومنظمات مجتمع مدني ،خسرت في الحرب كل ارصدتها الرمزية والمادية، بما فيها الاحزاب التي ظنت ان تبديل ولاءاتها والالتصاق  بجسم السلطة المترهلة سيحميها من هوجة الابتلاع.

 قوى التقاسم (المحاصصة) التي هي بالمناسبة متعينات ثلاث،  قد تبشر بميلاد جغرافية سياسية رخوة،  تتنازعها حالة ما قبل الدولة والمواطنة، سيُسعى الى تعريفها مجازا، بـ "اليمن الاتحادي" المتخفف من أي توق للتعايش، لان الذي سيستأثر بإدارته وحكمه عصبويون  ومناطقيون ودينيون انعزاليون.

ما جعلني اعبر عن هذه الفكرة ،وباليقين الذي قد يراه البعض تجميحاً صارخاً، ان اكبر قوتين في التحالف وتخوضان حرباً منذ ثلاثة اعوام و ليس في الافق ما يشير الى  قرب انتهائها بالحسم ، بداتا تعيدان النظر في تحالفاتهما، اعتمادا على ذات قوى الاحتراب و الاعاقة التاريخية، وما كان مؤبلسا بالأمس صار مستأنسا ومقبولا به وبأدواته ومتحزبيه وحتى مقاتليه. فالإمارات لا مشكلة لديها  اليوم في اعادة "تنصيع" صورة حزب الاصلاح ، وتسويقه  كطرف لا يمكن تجاوزه  في الازمة المستفحلة في المناطق التي رُسم له النشاط فيها، اما السعودية لم تعد تبصر مؤتمر صالح وحلفائه، الذين تنكروا لها طيلة الاعوام الثلاثة المنقضية بعدسات معتمة.

اما القوى المعنية في هذه القراءة هي "الحوثية والاصلاح والحراك". والاولى وبعد ان تخلصت  بالقتل من حليفها الرئيسي علي صالح  وتملًكت  قوته العسكرية والاقتصادية، صارت تفدم نفسها ممثلا اوحد لشمال الشمال، بهويته الجغرافية ونزوعه المذهبي ، وفي سبيل ذلك تعمل وبكل الادوات لفرض هذا المنطق، مستغلة الغياب التام لقوى اخرى (سياسية ـ قبلية) تنازعها  مثل هذا التمثيل، واسطع الادوات هي القدرة على ادامة الحرب، التي هي في الاصل مهنتها الوحيدة والرابحة.

وبمقابل  "الحوثية"  تبرز القوى الدينية الموازية  التي يمثلها حزب الاصلاح ،الذي احتفظ حتى الان بكل قوته التنظيمية،  برغم كل ما تعرض من هزات كبرى، لان العوامل التي ساعدت على بقاء الحوثية متماسكة، هي التي ساعدته على تجاوز محنه، ولعل ابرز هذه العوامل، هي رغبة القوى الراعية للصراع ،تبرير جوهر الصراع كصراع مذهبي (سني/ شيعي)  فأبقت كلا القوتين دون اضعاف ، على اعتبار ان الاصلاح ـ في احد اوجهه ـ  يسهل تسويقه كحاضنة مذهبية لأهل السنة، وان الحوثية بالمقابل تتجلى كحالة تطرف شيعي "اثنى عشري"  رمت خلف ظهر متعصبيها  ومقاتليها بالمرونة الزيدية، التي تعايش معها اليمنيون لقرون طويلة.

وحتى يؤدي الاصلاح دوره المرسوم ،ستمهد امامه كل الطرق ليرث التجارب السياسية للأحزاب ، التي قدم نفسه بواسطتها ( اللقاء المشترك ) على مدى عقد كامل بوصفه كيانا سياسيا تخفف من سطوة الفتوى وقيادة الفقهاء، وسيكون ملعبه المسوى في  في اليمن الاوسط (تعز واب وجنوب تهامة) بكثافته السكانية، وحواضنه الاجتماعية والسياسية، التي شكلت لعقود زمنية  الخزان البشري للأحزاب السياسية والنقابات،  بالإضافة الى مناطق البيضاء ومارب بنزوعهما السني الواضح، حيث يمتلك فيهما اهم متارسه القبلية، بعيد اضعافه في عمران وحجة والجنوب.

ولان المناطقية والجهوية احد ابرز تمظهرات الصراع ، سيحضر "الحراك الجنوبي" كقوى فاعلة، تجد حواضنها في جغرافية ما كانت تسمى "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" ،التي تتجلى في الخطاب الشعبي كظلامة قابلة للاستعادة. صحيح ان هذه الحالة تعمل خارج السياسة وترشيدها اللاعنصري ، لكنها صارت تغطي فراغا سياسيا  بائنا تركته الاشكال المدنية في ابرز مدن الجنوب ،التي ظلت لعقود مرموزا للتعايش ، لقوي التطرف والفساد فكان ان تجسم الصوت الضاج الذي يُنتِج  ويقوي شعبوية عنصرية، ضدا على كل ما هو شمالي ومستضعف، وقد اختبرت بنجاح امكانية الحراك الامنية والعسكرية في احداث عدن الاخيرة في يناير المنصرم برعاية اماراتية  مدروسة, ليصير القوى الثالثة الفاعلة بأذرعها الميليشاوية ( بعد الحوثية والاصلاح).

فوائض القوى المليشاوية (الناشطة داخل معادلة الحرب  من سلفيين وجهاديين وقبليين) سيعاد ،تاليا ضبطها المصنعي على العباءات والمعاطف التي خرجت منها، او ربما اتيح لها التحرك في مساحات ضيقة للمناورة والابتزاز، التي لن تمس باي بشكل  مفاعيل الحالات الثلاث. ولان القوى المدنية (الغائبة والمغيبة) لم تكن في الاصل جزء من المعادلة الميليشاوية في بنية الحرب ووظيفتها ـ التي يستثمر فيها اللاعبون كل طاقاتهم في انتزاع المكاسب الرمزية، لتسجيل الحضور الاهم في مواضع اخرى لحروب مستدامة ، ستنتهي يوما ما بتسويات تنهض على ركام المدن وجثث ملايين الضحايا من القتلى والمهجريين والمغيبين ـ فهي التي ستخرج متضعضعة ومتهتكة، الا في حالة اعادة لملمة قواها في كيان قابل للحياة خارج  التنميط والانتهاز، وهو امر نشك في تحققه في المدى المنظور، لان اهم وظائف الحرب هي تعطيل السياسة وحواملها المدنية.

قراءة 1829 مرات

من أحدث محمد عبد الوهاب الشيباني