طباعة

"الماضي أفضل من المستقبل"....مقولة خاطئة..!!

الثلاثاء, 27 آذار/مارس 2018 17:42 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

مقولة إن "الماضي دائما أجمل من الحاضر أو المستقبل" هي مقولة ليست دقيقة،  حتى أنها لا تستقيم مع الدلالات اللغوية و لا عند التحليل المنطقي والمعرفي لها..... كيف؟ ، ولماذا؟.

نعم....

أولا .... الحاضر هو المضارع... وميزة الفعل المضارع أن أحداثه دائما حيوية ... متحركة... موجودة قائمة ونلمسها على عكس الفعل الماضي أحداثه انتهت ولم نعد نلمسها الا من حيث الاثر.

وهذا ما قصدته عدم استقامت المقولة من حيث الدلالة البيانية اللغوية.

ثانيا: في تصوري أن هذه المقولة ليست دقيقة.

بل مكمن خطورتها أنها تنطوي على قدر كبير من التهرب والتنصل من التزامات اللحاق بمواكب التطور  لمواكبة التقدم الحضاري الانساني.

وهذا ما اعنيه بعدم استقامة المقولة  حتى عند التحليل المعرفي المنطقي لها.

ولمزيد من التعليل لاثبات عدم صحتها اضيف فأقول:

 إن تلك المقولة كثيرا مايتم استعمالها وتكرارها في المجتمعات المتخلفة مع أن من يؤمن بها لم يعش أية لحظة من الماضي حتى يروج لها.

حتى على صعيد حياة الفرد الذي تنعم بفترة من حياته بقوة ورخاء ونعم ثم فقدها.

أن يفقد الشباب والفتوة فذلك قانون طبيعي لضمان استمرار التلاحق والتناوب بين الأجيال بالحياة الدنيا،لكن أن يفقد أي امرئ الرخاء والنعم فذلك فقدان لاطبيعي ناجم عن أن عناصر الخطأ تراكمت حتى أصابه الفقر بعد الغنى، وحال  أنه حافظ على عناصر الصواب لأينع حاضره بثمار ما زرع أو بذر في ماضيه.

إذن الحاضر أفضل من الماضي وحتمي أن المستقبل سيكون أفضل من الحاضر.

قبل ثلث قرن أي في الماضي كنت أركب الحمار لعدم وجود سيارة بالقرية وأجتاز بضعة كيلومترات حتى أصل سوق الراهدة  لاجراء مكالمة هاتفية الى صنعاء وغيرها عبر الهاتف الأرضي، وكنت ارتعش وأنا أتكلم بصوت مرتفع عبر ذلك المخلوق الغريب.

اليوم أي الحاضر أتكلم مع من أشاء و أينما هو عند مطلع الشمس أو مغربها صوتا وصورة وكتابة وأنا داخل غرفتي.

واتذكر حالتين الاولى وانا طفل حيث شاهدت طفلا توفي على اثر احتباس البول عنده وظل يبكي ويبكي ويبكي وعندما اسعف للمستشفى  قال الطبيب: لقد تأخرتم بإسعافه، وتوفي.

والحالة الثانية....أن رجلا مسنا انسد مجرى البول عنده وأخذ يتقلب من شدة آلام انحصار البول، وآلام الكلى... وعندما اسعف للمشفى قال للطبيب الذي طفى له ذلك الألم وجعله يتبول ... بردت علي وجعي الله يبرد وجعك يوم داعي الدين.

 فكيف بالماضي  البعيد....؟

قبل أن تظهر ابرالفلتارين وغيرها من مسكنات آلام الكلى .......... ؟

وقس على ذلك بقية الخدمات والوسائل وأدوات الحياة اليومية المختلفة.

غدا احتمال تكون تدخل داخل صندوق وتطير به الى حيثما تشاء.

لهذا أكرر أن المستقبل سيكون أجمل من الحاضر مثلما هو الحاضر أفضل من الماضي.

جوهر المشكلة هنا هي أننا لا نريد أن نواجه أنفسنا بهكذا حقيقة.

نتحدث ان التغيير يبدأ داخل أنفسنا ومع ذلك لا نداب على إحداث أي تغيير بذواتنا، و إنما نتجادل بشان التغيير ونتقاتل فيما بيننا لكأننا كائنات معادية ﻷي تغيير.

دائما نهرب إلى الماضي الذي انتهى ولن يعود، ونتقاتل على إعادة إنتاج ما لن يعود.

قوانين الماضي الذي انتهى لا يمكن تتعايش مع قوانين الحاضر الذي هو قائم.

ﻷن القوانين ليست ثابتة كالقيم والمعتقدات والعبادات.

القوانين المادية تتطور وفقا لعمليات التطور  في كافة مجالات الحياة تبعا لتطور الانتاج الانساني للمعرفة وما ينتج عنها من وسائل وأدوات مختلفة.

ولن تقوم لنا نحن العرب والمسلمين أية قائمة في سلم الحضارة الانسانية اليوم إذا  لم تصبح شعوبنا شعوبا قادرة على التحرر والتحول من استيراد المعرفة - عبر ما نستهلكه من سلع لاحصر لها - إلى إنتاج وتصدير المعرفة عبر انتاج وتجارة السلع والخدمات المختلفة.

وقبل ذلك سنبقى أكثر عجزا من أن نكون قادرين على إنتاج المعرفة ما لم نتخلص من مقولة أن الماضي أفضل وأجمل من الحاضر.

عندما نستطيع القول بكل قناعة أن الحاضر افضل من الماضي هنالك فقط سنكون قد تهيانا  أولا: لادراك أسباب النهوض والتطور الحضاري، وثانيا: لممارسة شروط اللحاق بحياة العالم المدني اليوم.

قبل الختام ... يجدر بي التنبيه إلى ان طرحي اعلاه لا يجب أن يفهم أنني ممن يلغون الماضي ...لا...لا... لا .... فأنا مع مقولة اخرى تقول من لا يحسن قراءة الماضي قطعا لن يتقن قراءة المستقبل، وإنما أنا ضد اجترار الماضي كيما يكون هو المتحكم بالحاضر والمستقبل والمحدد لهما.

وايضا لا يجب أن يفهم من طرحي لهذه المقالة أنها ضد القيم والأخلاق المعتقداتية ..... كون منظومة القيم تبقى هي هي مهما تغيرت الحياة وتطورت.... فالصدق لا يتغير والكذب لا يتغير .... قد تتفير الأساليب أما المضامين القيمية لا تتغير ....صحيح أنها قد تختفي فجأة لكنها لا تلبث ان تعود من جديد فلا تستقيم الحياة دون الأخلاق.

ختاما.... تعالوا نردد أن الحاضر افضل من الماضي.

قراءة 1853 مرات

من أحدث منصور السروري