طباعة

السلام إرادة ورؤية

السبت, 14 نيسان/أبريل 2018 15:39 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

إن غياب الإرادة والرؤية ،  يعني بالضرورة أنك بلا موقف واضح من الراهن والمستقبل شئت ، أم أبيت ، وتلكم هي المشكلة ، حين يستبد بك التوق الفكري والسياسي في التوقف الباكي والحزين عند الحالة المأسوية(الإنسانية) كنتيجة وأثر لما كان، دون رغبة واستعداد ذاتي لبحث الأسباب والعلل والمقدمات التي صنعت وأوجدت هذه النتيجة المأسوية (الكالحة)، فإن ذلك الوقوف عند خرائب وأطلال النتائج مهما كان بؤسها وبشاعتها ، ومهما كانت دواعيها الإنسانية لا يعني في واقع الممارسة سوى أن الرغبة والإرادة في إنتاج (الحلول) تبقى منعدمة ، ولا أفق سياسي لإنتاج مثل تلك الحلول الواقعية والمطلوبة، لأن الوعي بالمشكلة كما يقول علماء النفس التحليلي، وعلم النفس الاجتماعي هو البداية الممكنة للإمساك بمبضع التشريح النقدي للمشكلة / القضية ، وهو بداية الدخول لإنتاج حلول سياسية واقعية قابلة للحياة ، لأننا في كل ما نحاول ، إنما نقدم العربة على الحصان، ونجعل من العربات قائدة للحاصنة وبذلك نكرر الدوران في تلك الحلقة المفرغة ، والقاتلة من الحروب الصغيرة والكبيرة  كعادتنا تاريخياً، وهي الأكثر خطورة، لأنك بذلك تُفقد العقل النقدي الواقعي إمكانية وصوله إلى النتيجة (الحل) حول ما يجري، لأن من صنع النتيجة ضمن شروط معينة، ولأسباب ذاتية خاصة به، يريد من الجميع القبول بالنتائج كما هي ، والدخول للتسوية السياسية على قاعدة وخلفية ما صنع، أو  التوقف عند أطلال النتائج الحزينة، ستجد نفسك معها بلا عقل سياسي منتج للحلول الواقعية التي تساعدنا بالفعل في الخروج نهائياً مما نحن فيه، لأننا بدون ذلك سنجد أنفسنا نقف أمام مجاهيل لم نحسب  حساباً لها، مجاهيل  تلتهمك، لأنك بلا عقل سياسي منتج، وناقد ولأنهم يعلمون ما يريدون  ، وأنت خالي الوفاض مما  تريد ،  أي أنك دون رؤية تعينك على  تحديد موقف لما تريده  لنفسك ، وشعبك ، وبلادك لأن الإرادة ، والرؤية ، هما بداية تلمسك للطريق ولصناعة فعل مغاير، وكما قلت مرة : أن تجد نفسك في قطار يسوقه مجنون ، فتلك مشكلة كبيرة ، ولكنها والله ثلاثاً، مشكلة أخف من أن ترى شعباً ووطناً  يحاول  البعض أن يسوسه ويحكمه، بخطاب القبول بالعبودية المختارة على قاعدة أحقيته المقدسة  "وعد إلهي" في حكم الناس بمرسوم متعال فوق سياسي فوق قانوني ، فوق إنساني.

ومع كل ذلك سيبقى أملنا متعلقاً بالأمل، فقط نتعود على إعمال العقل، المتوحد بالإرادة،   والموقف، والاشتغال عليهما وبهما على كل المستويات جميعاً ، ولا ننتظر ما سياتي به المجهول، نعمل  ونقاوم العفن  السائد بالمعلوم (المتاح والممكن) ، حتى لا نقف طويلاً في طابور  سؤال (لو)  بعد أن يصبح الوطن  أطلالاً ، والشعب سيرة ماضية /كالحة في كتاب تاريخ نخجل من أن نقلب صفحاته في ما ستأتي به الايام أو التاريخ.

شخصياً لا أعتقد أن هناك إنساناً سوياً يرى كل ما يحصل "إنسانياً" ، ولا تجتاحه رغبة عميقة في إنهاء الحرب ، وإزالة دواعيها وأسبابها ، وليس إيقافها التكتيكي "المؤقت" ، كما يدعو إلى ذلك البعض ، وأدرك أكثر  من خبرتي ومعرفتي بالواقع السياسي والاجتماعي في بلادي ، أن الانسان المواطن "المحتمل" ما يزال حتى اللحظة في طور "الرعوي" مشلول الإرادة، ولم يتحول بعد الى مواطن، بل إن "النخبة" "السياسية / والثقافية" أصيبتا بالصمم والخرس ، وفقدان القدرة على البوح بما يجب أن يقال في واقع مأساة تتعاظم  وتتراكم فوق بعضها البعض وتفوح منها رائحة القتل والموت في كل ثانية من كل يوم، وكل ما استطاعته النخبة بشقيها ،(السياسي/والثقافي) هو تغطية عجزها لعدم قدرتها على تسمية الأشياء بأسمائها  ، في تكرار ترديد ما لا يلزم من القول .

اعلم أن المعالجة السياسية الوطنية، في ضوء ما هو قائم من معادلات قوة، وقوى (في الداخل والخارج) ما تزال بعيدة، وصعبة المنال، ولكن ذلك يجب أن لا يوقفنا عن السير في معالجة القضايا الإنسانية الملحة، لأن ربط القضية الانسانية، بحل المسألة السياسية جذرياً، لا يعني سوى مضاعفة وادامة المأساة الإنسانية، وجعلها اكثر دراماتيكية، والبداية اليوم في فتح المنافذ والمعابر والموانئ، والاهم فتح مطار صنعاء أمام الحركة السياسية والإنسانية، برقابة دولية واقليمية.

 إن ترديد  مالا يلزم من القول ، هو تعطيل الكلام الحق من أن يصل إلى منتهاه ومبتغاه و إفقار وتفقير للكلام / الخطاب من بنية الصدق والواقعية فيه، وتعويم ما هو قائم.

حقاً لا أستطيع القول إننا في وضع سوي أخلاقياً وإنسانياً ، في ضوء  ما يجري من خراب عظيم وفي واقع مآلات غير محسوبة النتائج ، حين نرى بعض قوى التحالف "الإمارات" تعد وتساهم  في "بناء جيش عائلي خاص" بورثة الرئيس السابق علي صالح وأمام الملأ ،  "وهو السبب الأول  في المآسي التي نحن فيها اليوم "و لا أحد يقول كلمة رفض واحدة، جيش متوهم ومختلق كل مهمته استنزاف الداخل الوطني، وتعقيد المشهد السياسي والحربي اكثر فاكثر، والأنكى حين نرى أمام أعيننا المناطق المحررة (بدون  تحرير) !!، يفقد معها التحرير كل معناه ، وحين نجد أن الشرعية تضعف وتتآكل  والخشية أن تصل إلى حالة "موت سريري" مع استمرار الحرب ومع كل تجاوز لدورها السياسي والوطني، من قبل التحالف وتحديداً الإمارات صاحبة المشروع الخاص الإقليمي / الدولي ، وخاصة مع موقف  الشرعية المرتبك وغير الواضح من كل ما يحصل ، ونسمع من البعض في قيادة الحكومة في العاصمة المؤقتة عدن، من يقول " إن أحمد علي منا ، ونحن منه ، بل ويسعى لإسقاط العقوبات الدولية عنه" ويجعلها عرضة للملاسنات الكلامية مما يفتح المجال لمزيد من إرباك المشهد السياسي والوطني ، ويضعف من مكانة وأهمية القرارات الدولية حين يخضعها للحسابات المزاجية والسياسية العابرة ،وانصباب تركيز البعض في قيادة الحكومة في عدن على اعادة الروح إلى جثة المؤتمر الشعبي العام، المتحللة في انشقاقاته الإنشطارية المتعاقبة منذ 2011م بعد مجزرة جمعة الكرامة..، انشقاقات  لم تتوقف في صورة ما يجري اليوم، المؤتمر الذي ( لم يعد موجوداً إلا في رأس دولة الإمارات) حسب تعبير د. عبدالقادر الجنيد من مقالة له تحت عنوان "اركان مشكلة اليمن الحالية بين اصحاب الموضة ولاعب الشطرنج بتاريخ،8مارس 2018م.

 إن كل ذلك –فعلاً- من الأمور التي لا يمكن فهمها ، ولا تبشر من أننا نملك رؤية سياسية وطنية لمستقبل البلاد، ومن ان المشاريع الخاصة الصغيرة هي من تتحكم بمنطق تفكيرنا، وهو ما قد يشير إلى أننا حقاً مقبلون على تحديات أصعب ، وعواصف أعظم وكل ذلك ولا يقول الرئيس عبد ربه منصور ومعه كل قيادات المكونات السياسية المسترخية  في سباتها العميق ، كلمة رفض "لا" واحدة، والسؤال: لماذا لا يصارح الرئيس شعبه ويكاشفه بعلانية ، لأن الشعب - ناهيك عن التاريخ - هو من سيسائله فيما سيأتي من الأيام ، وهو من سيقف أمامه مستجوباً  اليوم أو غداً ، لأن ما يحصل اليوم ليس نهاية التاريخ ؟ لأننا  كشعب لا نستطيع أن نتوجه بالسؤال للتحالف مباشرة حول ما يجرى إلا عبر الشرعية التي استدعت هذا التحالف  ومكنته تدريجيا من استلاب قرارنا السياسي والوطني المستقل، وبعد أن فقد التحرير كل صلة له بالمسمى!!

نعم نحن (اللحظة) اليوم في قمة الحزن والعجز معاً ، ولكنه حتماً ، عجز لن يطول ،ولن يحقق أوهام من يراهنون على عمومية حالة الحزن والعجز السائدة.

 إن شعبنا قوة جبارة ولن يقبل بالضيم ، وما تزال شرارة  ثورة فبراير 2011م ممتدة وكامنة ومتقدة ومتحفزة ، وتراقب كل ما يجري وستقلب الطاولة رأسا على عقب، وقد تفاجئ "الجميع" بما ليس في الحسبان ، من يتصور أنه قادر على استثمار حالة الحزن ، والعجز "الكارثة ،المأساة"  إلى مالا نهاية فهو متوهم.

 لقد أسقط شعبنا محاولة فرض منطق الحرب الأهلية / الطائفية / والجهوية التي حاولها البعض ، وهو اليوم رغم كل الفشل الظاهري قادر على استعادة روح الثورة ، ورفد الوطنية اليمنية المعاصرة بمضامين اجتماعية ، وسياسية ، وثقافية،  جديدة شمالاً وجنوباً ، وقادر على أن يرفض بروح المقاومة في داخله تحويل بلادنا إلى ساحة حرب إقليمية يتصارعون فيها على دمنا وفي أرضنا ، وعلى مستقبلنا ، ولامعنى لاستطالة امد هذه الحرب دون افق سياسي للحل، سوى ان الحل السياسي الوطني اليمني التاريخي لا يهمهم ولا يعنيهم، بقدر ما لا يخصهم ولا يهمهم الدم اليمني المراق،  في انتظار تسوية الملعب على قاعدة مصالحهم الخارجية/الاقليمية.

إن المقاومة دفاع عن حق عام، (وطني) دفاع عن الحرية ، والعدل والكرامة الإنسانية وحين تتحول إلى ما دون ذلك ، إلى ميليشيات  تحت أي مسمى كان سياسياً /أو دينياً /سُنِّياً /شيعياً ، فإنها تفقد صفة ومعنى المقاومة ، فقط رصاصة للإيجار.

السلام كما نراه حقيقة ، هو مقاومة فعلية لكل ذلك ، ومدخلنا للسلام هو كسر حاجز الخوف من الحرية  ورفض ثقافة طاعة ولي الأمر بأن نحفظ شرف الكلمة ، ولا نسمح لعصا الصمت  الساحرة أن تبتلع وتلتهم وعينا بجوهر وتفاصيل ما يجري في بلادنا اليوم ، بدءاً من عدم شرعنة الانقلاب، واستبدال السياسة  بالحرب ، إلى رفض سياسات نحر الوطنية اليمنية واغتصاب قرارنا الوطني المستقل من أية جهة كانت ، ومن هنا نعي ونفهم حقيقة معنى السلام الذي نريده وننشده وليس السلام وكفى!!

إن المقاومة إن لم تكن وليدة الإرادة المتماهية برؤية  وطنية يمنية شاملة ، فلا معنى لها  ، وعلى هذه الخلفية يتأسس معنى دعوتنا للسلام وموقفنا من إنهاء الحرب وليس إيقافها ، التسوية السياسية إن لم تقد إلى إنهاء الحرب وتأسيس أرضية للسلام المستقر والدائم ، فإنها ليست سوى "هدنة مسلحة" ، تسوية تخدم مصالح أمراء الحرب وتجار الحروب و تؤبد حالة الأمر الواقع  ، وإعادة إنتاجه في صورة حروب قادمة أكثر بشاعة ووحشية.

 السلام المراوغ المناور والملتبس هو ما يشتغل عليه أطراف عديدة داخلية وإقليمية ودولية "جون كيري/ وغيره" لأنه يبقي بلادنا "ساحة" لحروبهم على أرضنا بدم مسفوح منا وأسلحة مشتراه ومهربة منهم جميعاً.

ومن هنا حديثنا  عن السلام الدائم بإزالة أسباب الحرب الداخلية أولاً ، وبداية ، على قاعدة إنهائها وليس إيقافها المؤقت . إن مثل هذا السلام الذي يدعو له البعض في الداخل والخارج الرجعي والإمبريالي هو ما يجعل من إمكانية  وصولنا للاستقرار على طريق بناء الدولة الوطنية الحديثة متعذراً وغير ممكنٍ.

إن فشل تجاربنا السابقة في بناء الدولة يعود جزءاً  كبيراً منها إلى عدم تغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الثانوية العابرة ،كما  يعود إلى أن حركتنا السياسية نحو المستقبل "بنا الدولة" كانت تتحرك وتسير أو تحاول ان تطير  بجناح واحد، الخبز، بدون الحرية والديمقراطية،

التنمية، مع الغاء وقمع الإرادة الشعبية في المشاركة في التنمية، وفي صناعة القرار السياسي، ومن هنا سقوط مشاريعنا في الطيران في اتجاه بناء الدولة، لعدم ارتباط الخبز، بالحرية،

فليس بالخبز وحده يحيا الانسان، كما قال السيد المسيح، كما يعود -كذلك- اليوم إلى غياب الإرادة والرؤية معاً، لندخل بهما  "الإرادة والرؤية" إلى مستقبل بناء الدولة الديمقراطية الحديثة ، وهو ما يستدعي استنهاض كل القوى السياسية والمدنية ، والديمقراطية ، في البلاد ، على طريق إنتاج تحالفات سياسية يكون هدفها المركزي إنجاز أهداف ثورة فبراير : الحرية والكرامة  والعدل الاجتماعي والدولة المدنية الديمقراطية وهو مشروع سياسي تاريخي كبير غير مرتهن بما يجرى اليوم ، ولكنه يبدأ من اللحظة الراهنة ، وكل المستقبل مفتوح أمام الجميع لإنجازه ، هنا قد ندخل إلى  بداية مشروع سلام حقيقي ، سلام ينهي ويتجاوز دوامة العنف ودورات الحروب المستدامة التي قد يساهم في صناعتها واستدامتها  وَهْمُ  سراب سلام لن يأتي.

 فاليمن  السياسي والثقافي والحضاري "الوطني الإنساني" فوق قدرة أي طرف داخلي أو خارجي أن يستغرقه في داخله ، إن أشكال التعسفات البليدة السياسية لتاريخ هذا البلد  ومستقبله ستسقط تحت أقدام الشعب المقاوم بإرادته الحرة ، ورؤيته الواضحة من أن مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية الجامعة هو مدخلنا الوحيد  للتخفف من دورات العنف والحروب ، وصولاً لإنهائها.

إن السلام والدعوة لإيقاف الحرب ، إنما تعني مشروع ، وشروع سياسي نحو التغيير السلمي ، وليس تحويل السلام إلى مجرد شعار ، بل إلى عملية  كفاحية ، فالسلام يعني ، موقف من قضايا سياسية وصراعية جارية تمس صميم معنى حياة الناس ووجودهم على الأرض،  لأننا لا يمكن أن نفهم السلام خارج شرط العملية الكفاحية المدنية حول ما يجرى ، وليس السلام وكفى على منوال الوحدة وكفى!!

 إن شعار السلام وكفى هو " من سيتركنا حفنة من غبار" كما قال محمود درويش ،لأنه سلام دون مرجعيات واضحة ومحددة ، سلام مفتوح على كل شيء ، إلا على أن يكون سلاماً حقيقياً يزيل ويزيح أسباب الحرب عبر مبضع التشريح النقدي للأسباب والعلل المنتجة للحرب / الحروب.

جميعنا يتحمل المسؤولية  -بدرجات متفاوتة-  إزاء صمتنا، وتوارينا خلف ،إصبع خوفنا، لأن ما نعيشه اليوم لا يبرره   أي خوف ولا أي إرهاب بعد أن وصلنا إلى مستنقع العفن ، ومنتهى سدرة حضيض القتل والموت.

لقد فقدنا لسان القول العربي المبين الواضح ، وهو آخر اشكال القدرة "الإيمان" على القول، لمن لم يستطع، كما جاء في صفحات سطور الحديث الشريف.

بعد أن فقدنا شرف القدرة على الصدح بما يجب أن يقال ، وما يلزم من القول.

والله يحمينا من خوفنا وضعفنا  وجبننا.

قراءة 1651 مرات

من أحدث قادري احمد حيدر