طباعة

اليمن.. الملشنة وتوازن الضعف!!

الأحد, 08 تموز/يوليو 2018 18:50 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)


لم يكن ينقص الحالة اليمنية سوى ان يتلملم موالو صالح من العسكريين الصغار ،الذين نفذوا بجلودهم  من صنعاء بعد تصفيته من قبل حليفهم الحوثي  في 4 ديسمبر 2017 ، في تكتل ميليشاوي  اطلقوا عليه  اسم "حراس الجمهورية " ، والمشتقة تسميته  من مرموزهم العسكري "الحرس الجمهوري"  ، الذي قاده لسنوات  نجل صالح  الاكبر ، وتشتت في الجهات ، اولا مع  تبديل اسمه في عملية الهيكلة ، وانتهاء بذوبانه في جسم الميليشيا الانقلابية  ، كمقاتلين  ملبوسين بالإذعان.

 التكتل الجديد  تشكل  ويعمل بإمرة "الكفيل" الاماراتي، ولا علاقة له بوزارة الدفاع  والجيش الوطني  ،ويقاتل بكثير من الثأر الرمزي، ضد حليف الامس ، وبقليل من الولاء لمشروع استعادة الدولة ، لان قائده طارق صالح حتى الان  لم  يعترف  صراحة  بشرعية الرئيس هادي، التي يخوض الجميع  معركتهم تحت رايتها ، ولم يزل عديد ضباطه مأسورين  بعصبوية المركز، ومنهم من عمل بشكل واضح وفاضح على تسليم مواقع  مطهرة  في الفازة والمطار والمجيليس  جنوب الحديدة للقوات الحوثية اواخر يونيو الماضي.  

فبعدما  كانوا حكاما يديرون الدولة  ومقدراتها قبل 2011، وبالتناصف بعد المبادرة الخليجية  اذعنوا لمشيئة زعيمهم وحقده ،حين قرر تصفية حساباته الشخصية مع الجميع ، بتسليم الدولة بقضها وقضيضها  للحوثيين، الذين تمكنوا بأدواتهم الصلبة  في بنية النظام والدولة من ابتلاع كل شئي اعتبره صالحا ملكا له ، بما فيها اجهزته واذرعه العسكرية والمالية ، التي لم تستطع الصمود ليومين، حين اذعنت لرغبته في التمرد على الحليف الاقوى .  ما تبقى من غبار صالح وحرسه العائلي  وإعلامه الفارغ  المبتذل  هم من يُراد اليوم  تمكينهم  كقوى ، تحت مسمى دلالي وعاطفي ، لتصير ذراع  لما تبقى من حزب المؤتمر الشعبي  ،الذي  تفرق بؤسه بين الاطراف . قوى تخوض مع الخائضين الضعاف، في معادلة الحرب ، التي لن يحسمها طرف  لأسباب تتصل بالتوازنات الاقليمية والدولية  الى جانب  منافعها الاقتصادية والسياسية  التي يتكسب منها  المتحاربون. الكفيل الاماراتي الذي حاول  ترميم  صورة  "العائلة الصالحية" وتسويقها كقوى مقاومة لمشروع الانقلاب في معركة الساحل الغربي  ، هو ذاته الذي عمل  قبل ذلك على اختزال  اطياف الحراك الجنوبي في الصوت  العنصري القروي الثأري المشبع بالكراهية ، وعمل على تعزيزه كميليشيا تتوازى مع الميليشيات الحوثية و الاصلاحية في تنازعهما على ركام البلاد ،واختبر قابليته العسكرية في معارك عدن  اواخر يناير 2018 ، في ذروة التشاكل مع الشرعية والويتها الرئاسية ، ولم يزل حتى اليوم  يعزز نزوعه العنصري  في امتهان المواطنين المنتمين لمحافظات شمالية ـ تعز على وجه الخصوص ـ  في النقاط الشطرية ، والطرقات الرئيسية في المحافظات الجنوبية . الكفيل نفسه الذي انتج في مناطق العمق السياسي والبشري لحزب الاصلاح في تعز خصم ايديولوجي خارج من ذات البنية الدينية، ويعمل بالقرب من الشرعية كميليشيات ،  فقط حتى تتكامل رغبتاهما معا ( السلفيون والاصلاح) في اعاقة تحرير المحافظة، مادامت ستتم خارج حساباتهما، وبعيدا عما يخططان له في الاستنفاع.

 المهم في الامر ان تجسيم البطولات في معركة الساحل الغربي، لم تكن سوى إعمالا  في جلد متقرح، لا يصلح ان يكون في احسن الاحوال  حتى طبلا في حفلة زار، لان الجميع يدرك ان رغبة الكفيل  هي من توقد وتشعل وهي من تطفئ متى ما ارادت ، وليس الشرعية ولا حكومتها ولا جيشها الوطني ، الذي  تحاشوا ذكر اسمه في معركة تحرير الحديدة او تحريكها ، وعوضا عن ذلك  اُطلق على القوات المقاتلة   اسم القوات المشتركة ،لأنها في الاصل  تنويعات من المقاتلين السلفيين وموالي طارق من انصار عمه، وتهاميين تشرف على تدريبهم وتسليحهم  القوات الاماراتية، وليس للشرعية  يد في ذلك ، الا في رغبتها الاكيدة في تحرير الحديدة، التي هي في حسابات الامارات شيئا مختلفا.  فمعركة الحديدة حسب القراءات  ليست طريق الشرعية الى صنعاء ،لكنها قد تكون طريق الامارات الأقصر الى البحر كما قالت افراح ناصر. فالحديدة كميناء عند الامارات رقم غير هامشي ، وسينضاف الى موانئ البحر الاحمر على الضفتين ، والساعية الى  ادارتها لأبعاد استراتيجية، كما يفهم الجميع.

 بعد اعوام ثلاثة لم يعد هناك طرف قوي باستطاعته حسم الحرب والسيطرة المنفردة ، وهي رغبة اقليمية ودولية بدرجة  اساسية . ففي حسابات اللاعبين الرئيسين ان بديل الحوثيين  لن يكون سوى تنويع من القوى الدينية التي يأتي على راسها حزب الاصلاح ومستتبعاته الجهادية ، وان الشرعية ليس الا مسمى تأطيري هش يُراد لها ان تكون مشرعن  للأعمال العسكرية التي تخوضها قوات التحالف ، بدون عقل ناظم او استراتيجية لاستعادة الدولة ، التي هي اخر ما يفكر بها الحاكم السعودي.  فإضعاف الاطراف كلها من الشرعية الى الحوثيين والاصلاح والحراك  وتعطيل السياسة ووأد التجربة الحزبية ، صار في حكم المتحقق على الارض، لان في ذلك  هدف تريده  الجارة ،حتى تستطيع بناء تحالفاتها على قاعدة توازن الضعف في البلاد الركام،  التي لم يعد لأهلها غير الجبال العارية  ، يسقون احجارها وضياحها بدمائهم ،التي يسترخصها رعاة الحرب وتجارها. اما مجالها الحيوي من  "ممرات وموانئ وجزر وخلجان" ومناطق ثرواتها "في مارب وشبوة وحضرموت" وقرارها السيادي فقد صار كله مرهونا  بفاتورة اكلاف الحرب الباهظة، التي سندفعها كيمنيين جيلا بعد جيل. 

قراءة 1702 مرات

من أحدث محمد عبد الوهاب الشيباني