طباعة

سلطان أحمد عمر.. وثيقه وطنية وقيمة سياسية تاريخية

الخميس, 13 أيلول/سبتمبر 2018 17:34 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)


( 1 )

هل نحن مجرد شعب منزوع عنه دسم الوفاء، وعادات الاحتفاء بمن ولمن أسسوا وساهموا في صياغة وجدان الحرية في عقولنا.؟! من كتبوا بنور حروف أرواحهم  الصفحات الأنيقة في تاريخنا الوطني..! وهل نحتمل عبء حذف الوفاء من الذاكرة؟ هل نحن شعب ونخب وأحزاب بلا ذاكرة حين يتعلق الأمر بالأبطال. والرموز والقيم ؟  يبدو أننا لم نتحول بعد إلى شعب وما نزال مجرد تجمعات سكانية، وما تزال فكرة الوطن، والدولة، والإنسان،  في عقولنا متأرجحة ومتذبذبة في ما بين واقع  منظور ما قبل الدولة ، والدولة التقليدية "الأمامية،السلطانية" اللتان يغيب فيهما معنى الوطن. والمواطن  ومانزال نتحرك في دائرة حالة الشعوب، والجماعات السكانية القطيعية التي لا يجمعها ببعضها البعض جامع. ومن هنا القطيعة  مع الواقع، والتاريخ ، القطيعة التي من سماتها  قطع وعدم تواصل مع الذاكرة الاجتماعية، والثقافية التاريخية التي تراكمت، والتي كانت.

حين تغيب أو تقصر الذاكرة عن استغراق ما كان " الماضي "، واستلهامه لتحفيز وتحريك الحاضر؛ فأنها قطعا تعجز عن التواصل مع سيرة المستقبل ، ولا تعود ذات فائدة للإنارة ، والاستناره، والتثوير، والحركة للأمام، لأنها حينها تكون فاقدة لجوهر معناها " مخزن للحياة التاريخية "، والأهم أنها تفقد عادة الوفاء ، وبدون الوفاء لا ذاكرة شغالة، ومساهمه في انتاج صورة المستقبل، وتلكم هي قصتنا، ومشكلتنا كأصدقاء، ورفاق  مع من سبقونا . على الذاكرة أن تبقى ليس خلفنا ، بل وأمامنا ، حتى لا تغيب عن عقولنا ومشوار حياتنا  الآتي، أسماء مثل : عبد الله باذيب، علي باذيب، قحطان الشعبي، فيصل عبد اللطيف الشعبي ، سلطان أحمد عمر، عبد الجليل سلمان ، علي عقيل، عبدالحافظ قائد ، عبد القادر سعيد ، سيف أحمد حيدر ، ويوسف الشحاري، وعبدالعزيز المقالح، وشهيد التكفيريين جار الله عمر والمخفيون قسريآ علي خان، عبد العزيز عون ، عبد الوارث عبد الكريم وآخرين   وكما قال الروائي والكاتب اللبناني ، إلياس خوري " بهؤلاء تستعيد اللغة شرفها، ولهم وحدهم ، في صمتهم الرهيب ، تنحني لغة العرب ، كي تلتقط  معناها من حلمهم... ومن موتهم". إن الشيء الطبيعي أن نكرمهم أحياء، نحتفي بهم وجها لوجه..، في أعز حياتهم ، ولذلك أقول أنه حين ترد إلى ذهني كلمات، ومفاهيم الحداثة، والمدنية والتحديث والمواطنة والحرية والحزب والعدل الاجتماعي ، دائما وأبداً تقفز إلى وجداني، وعقلي، وذاكرتي  العديد  من الأسماء، والرموز، والقيم الكبرى وهي أسماء كثيرة يهمني اليوم ذكر واحد من أبرزهم وأنبلهم وهو اسم القائد، والرائد الوطني الكبير الأستاذ / والرفيق والصديق سلطان أحمد عمر " فارس".

تعرفت عليه باكرا من خلال وصول كتابه الفكري والسياسي الأكثر علميه ومنهجيه وموضوعيه في حينه " نظره في تطور المجتمع اليمني "، كان ذلك في العام الدراسي 73 / 74م وأنا في جامعة صنعاء، وكان وجبة معرفية وفكرية وثقافية وسياسية دسمة، كم كنا بحاجه ماسة إلى تلك القراءة الفكرية النقدية الرائعة في التاريخ السياسي والاجتماعي اليمني ، وهو الكتاب الذي تحول إلى منشور نتداوله  من يد لأخرى.

ولفت نظري عنوان كتابه / بحثه الشيق والجميل "نظره في تطور المجتمع اليمني " لم يقل في تسمية كتابه مثلا : "رؤية .أو قراءة في تطور المجتمع اليمني "؛ أو عنوان المجتمع اليمني في تطوره التاريخي.

وهو الكتاب الممتلئ معرفه،  فكريه ، واجتماعيه، وسياسيه وتاريخيه، توثيقية نادرة في ذلك الزمن.

 ولكنه اختار اسم" نظرة"، وهي  تسمية  تعكس تواضع صاحب المعرفة والفكر ومسئولية القائد مع أن الكتاب في محتواه وعناوينه  والقضايا التي لامسها، وناقشها وبحثها أوسع وأثمن وأعمق من تسمية " نظرة " فالكتاب ممتلئ معرفة ، وفكر، وثقافة ، وسياسة ،  واجتماع ، وتاريخ ، فيه مقاربة لقراءة، وتحليل بنية المجتمع الطبقي ، برؤية أيديولوجية كلاسيكية نقدية، كانت بدأت بالظهور في الكتابة السوسيولوجية / السياسة العربية، بقدر ما فيه من تأريخ وتوثيق للحركة السياسية، والوطنية اليمنية في سيرورة تمظهراتها الواقعية ، والكفاحية ، والتنظيمية ، والتاريخية.

أن كتاب سلطان / الفارس كما أراه وثيقة فكرية  ، سياسية ،  تاريخية ، مثلما كان سلطان /الفارس  وثيقة كفاحية وطنية، وقيمة أخلاقية  ثورية، ولا يمكن قراءة وبحث تفاصيل تاريخ الحركة الوطنية أو الفكر السياسي اليمني المعاصر، والكفاح الوطني الديمقراطي، دون أن  يكون سلطان في قلب ثنايا وتفاصيل كل ذلك.

(2)

الفارس / سلطان أو سلطان / الفارس اسم وطني عربي " قومي/ تقدمي" كبير وأنا هنا لا أقدم شهادة عن الفارس / سلطان -  كما طلب مني -  فقط أطلب المعذرة منه  على عدم الوفاء والجحود والنسيان  مني " منا" "رفاقه ".

وأتمنى عليه، وهو في آخر الدنيا،  وأول الأرض ،  وقمة السماء ، أن يمنحني غفرانه، وعفوه، ومسامحته وبركات عطفه في قبول اعتذاري؛ فليس مثل سلطان / الفارس من يحتاج إلي شهادة كائن من كان.

ما أكتبه اعتذار مؤجل مستحق له، اعتذار تأخر لعقديين من العمر، عقديين من عدم الوفاء،  مرت دون اهتمام برائد وقائد سطر حروف أسمه في قلب وجدان تاريخنا الوطني  المعاصر، وترك  بصمته للأجيال  والتاريخ  عنوان ثورة ، ومقاومة كأنها  وما تزال حاضرة  في تفاصيل كل ما يجري اليوم من مقاومة للعفن السائد في كل الجغرافيا الوطنية اليمنية. ترك زمن العفن وحتى ماتبقى من زمن الأرض غير عاتبا، ولا عابئا، ولكنه قبل الرحيل حملنا أمانه حب اليمن، والذود عن  الحرية، والكرامة الإنسانية؛ فقد ذهب إلى تراب الروح ، وقلب الطين، وكأنه يذكرنا بسيرة الإنسان الأولى، ذهب إلى هناك  حين استبد بؤس اللحظة الفاسدة بالفضاء العام "السياسة، القيم   ،والأخلاق ، والوطن " وكان ياما كان.

بقى الفارس / سلطان  فسحه ضوء في صفحة كتاب المقاومة والتغيير، ظل فارسا متوحدا ومتماهيا بفكرة التحدي والمقاومة والثورة على الاستجابات السالبة عند البعض لما آل إليه حال البلاد من انحطاط ومن انهيارات كبرى في بنية القيم ،  لقد أدرك باكرا مثل رفيق عمره ودربه القائد /عبدا لحافظ قائد علائم ومؤشرات الزيف، وانكسارات الروح فيمن حوله - حولنا -  فقرأ أن المغادرة / الرحيل  أسلم وأهون على الروح  من البقاء  في ظل واقع تتهاوى و تتداعى فيه وأمامه بنية القيم الكبرى مثل حبة  الكريستال  لحظة اصطدامها بحجر الأرض، ولذلك فضل المغادرة باكرا عن عمر مايزال في المقتبل " النصف الأول من عقد الخمسينيات " ومن هنا حسمه لجدلية البقاء، والمغادرة ، لصالح الاحتفاظ بجمر اسمه متقداً، وخالداً وحاضرا في قلب الرحيل  ، وفي أبهى صفحات التاريخ الوطني.

لم يكن سلطان رجل تنظير فكري/سياسي، بل ورجل تنظيم ، حزبي، وعسكري بقدر ما كان –كذلك- رجل حوار بامتياز، ففي قلب معارك الكفاح المسلح-السنوات الأخيرة- انتدبته الجهة القومية ليقوم بمهمة الحوار مع قيادة الجيش الإتحادي لإقناعهم بالالتحاق بالجبهة القومية وأخذ الجيش إلى صف الجبهة القومية ، وتولى سلطان المهمة بجدارة وتمكن في إقناع القيادات الأساسية في الجيش بذلك، حيث فشلت بعض قيادات جبهة التحرير بسحب الجيش الاتحادي إلى جانبها ، وساعد سلطان على ذلك ، أن الجبهة القومية تنظيم جماهيري شعبي واسع، متواجدة في الريف، والمدينة ، وبين جميع فئات ، وشرائح، وطبقات المجتمع، وفي جميع محافظات جنوب البلاد في تلك الفترة ، حيث لعب انضمام قيادات الجيش إلى صف الجبهة دوراً مساعداً  ومسرعاً في إنجاح الثورة ، ذلكم هو سلطان عمر، الذي يرى فيه البعض اليوم شمالياً ، معادياً لقضية الجنوب. 

(3)

الفارس  / سلطان   لا يمكن أن يكون اسماً عابرا في قطار التاريخ  إنه اسم علم عصي على الحذف ، والنسيان ،  ممكن أن يتجاهله البعض لبعض الوقت ، ولكنه يبقى اسم  استحق البقاء، والاستدامة في قلب صفحة التاريخ بعد رحيله أكثر مما حين كان مقيما في أديم حياتنا،  فقد نحت وحفر اسمه بقوة الدور والمكانة والريادة العظيمة في قلب تاريخنا الوطني المعاصر، وليس بقوة السلطة ، والمال، والفهلوة، وهو الفقير إليها جميعاً،  فهو ينطبق عليه قول الشاعر عبد الله البردوني :" فهناك بعض الأنجم  انطفأت   كي تزيد الأنجم الأخرى اشتعال "     كان سلطان / الفارس فلك بل مجرة تدور من حوله الأنجم ، والشهب، والنيازك، الله ما أعظمك  يارفيقي وصديقي وقائدي ، من مبتدأ الريادة،  إلى فعل التأسيس ،  إلى إرادة المقاومة، وحتى منتهى قيامة الرحيل ، غادرنا معفراً اسمه بسلامة الختام، ومسك الغياب، والوداع الجميل، ولد كبيرا رائدا، ورحل عظيماً، لان هناك  من يبدأ رائدا ، لينتهي عكس ما بدأ، وهنا يتجلى مكر التاريخ على من يحاول التحايل والالتفاف والمناورة على سنن الحياة والتقدم، تحت ذرائع مختلفة، وما أكثر هذه النماذج  في سيرورة الفعل التاريخي خاصة ونحن نرى اليوم بأم العين المجردة ، كيف يرتد البعض إلى أعقاب كهوف التاريخ في أحلك صوره، وكيف ينتكس بهم الزمن إلى مجرد متوسلين ومتسولين للمستقبل، وللتقدم، بالعودة إلى مشجر أنسابهم، وحفريات تاريخ ماضوي (مذهبي  قبلي ، مناطقي ، سلالي ، عصبوي). يرفعهم ويميزهم عن عموم أبناء وطنهم ، وشعبهم ، تحت حجج، وأغطية وهمية لاصلة لها بالواقع ، متواريين ،ومتخفيين وراء شعار "الايدلوجية الوطنية" الزائفة ، باسم  (( الدفاع عن الوطن ))!! كما هو في حساباتهم الخاصة ، لتبرير انتكاستهم ، وعودتهم القهقرى، وهي قمة الكارثة، والمأساة الثقافية ، والاجتماعية، والوطنية، ومن هذه الخلفية، والرؤية ، والموقف ، يتجلى لنا عظمة وسمو مكانة دور الفارس / سلطان  ، منذ سنوات الريادة الأولى ، حتى سدرة منتهى وداعه ، وحضوره الدائم بيننا . فقد كنت – يا سلطان – بحق مبتدأ ، وخبر ، جملة الريادة ، والفعل المقاوم، من مبتدأ الشوط إلى أخر سطر في الجملة الفعلية التي كنتها ،وقلتها.

أفتتح الفارس / سلطان  عمره رائداً ومعلماً وقائداً ومقاوماً وأبى أن يودعنا إلا وهو يعانق روحية سفر تلكم  البداية في سيرورة تحولها النبيل، رغم سلبيات الواقع ، مؤكداً أنه أبناً شرعيا لفلسفة التاريخ التقدمية، وليس طارئاً عليها، لقد فك ارتباطه بالأيدلوجية العصبوية أيا كان أسمها، وتماهى مع روحية الاستراتيجية الوطنية اليمنية التقدمية، لأنه قرر مند تحوله إلى كعبة اليسار أن لا يلعب مع التاريخ  لعبة ليّ عنق التاريخ؛ أو التحايل عليه أوتدجينه لصالح الموروث القديم (العصبوي)الذي كان. وحين خط سطور كتابة  " نظرة في تطور المجتمع اليمني " كان يدرك معنى وقيمة تحوله الى خط التقدم التاريخي، كان يعي ويؤسس لمعنى القطيعة الأبستومولوجيه "المعرفية" مع الأيديولوجية الماضوية "العصبية الجهوية، والمذهبية " لأنه أدرك مكر التاريخ  وعلى ذلك يصدق قول الكاتب خيري  منصور عن هذه النماذج  (( يعاد الاعتبار؛ أو يسلب من شخصيات تاريخيه حتى  بعد أن تحولت إلى رميم" الخليج الإماراتية  14/8/2016م، وهي حكمة التاريخ ، ومكره معاً، أي أن هناك من يدخل التاريخ ليقيم فيه ملكاً، ونبيلا وفارساً، وهناك من يدخله ليخرج منه رميما مطروداً، وهكذا أنت أيها الفارس / سلطان ملكآ متوجاً في قلب صفحات التاريخ ،من يجرؤ  على القول أنك   صرت ميتا، بمعنى الغياب ، غيبك الموت بالمعنى  الجسدي "الفيزيقي " نعم، على أنك اليوم أكثر حضور في غياب الموت، غيبت الموت ، وحضرت أنت؛ كأن لم تمت، ولا أدل على ذلك مما نحن فيه الآن من تخليد لحضورك وإدامة لمعنى وجودك ، كنت، وما تزال حاضراً  في كل ما كنت ،أن فعلك المقاوم يتجلى اليوم في كل مكان بطريقة ابداعية  جديدة  مثلك  قد يموت "وهو حق " لكنه  لايغيب "نجمة لاتزول" يبقى فكرة متجددة ،معنى لايزول، ألفة دائمة أنت في حياة  الفكر المقاوم  وفي سردية فعل التغيير الدائم .

(4)

في أواخر العام1981م تعرفت عليه مباشرة وكانت لدي رغبة جامحة لرؤيته ومعرفة هذا الاسم عن قرب  وهو الإسم الذي شغل الدنيا بكل ما يقول، وما يفعل، وما يثيره من جدل، وكانت  زيارتي الأولى له بعد وصولي إلى عدن بحوالي عشرة أيام في منزله  ظهيرة أحد الجمع بعد أن أخبره صديق عزيز برغبتي في رؤيته . وكان اللقاء  طيباً وعادياً بالنسبة له ومميز وفريد ومؤثر بالنسبة لي فيه الكثير من الجدية، والقليل من العواطف من قبله مع رغبة لدية للاستماع من آت من مكان يحبه وحوله يتمحور كل همه وشغله اليومي.

لا شيء ياسلطان يمكنه أن ينسينا من أنت وماذا كنت  وما قدمت من إسهام وطني، وسياسي ، دور وإسهام جمع بين البعديين  الفكري والسياسي، والبعد الكفاحي المقاوم، وفي الحالتين كنت رمزاً  وقدوة ومثال عالي المقام  في سماء الوطنية اليمنية المعاصرة.

عشت حياتك بسيطاً متواضعا في شقة عادية بين الناس البسطاء  في قلب مدينة كريتر  " سوق الطويل"  لم يغرك عظمة اسهامك الكبير ولا جلال دورك النبيل في المساهمة والمشاركة الفاعلة في صناعة مجد  ثورة 14 أكتوبر 1963م  وتتويج ذلك بصياغة وهج ثورة الاستقلال الوطني 30 نوفمبر 1967م، ومن خلال  متابعتي  البحثية الفكرية في تدوين وتوثيق نشأة وتطور مسار الحركة الوطنية المعاصرة والاحزاب القومية  في اليمن  ، وجدتك حاضرآ  ومشاركاً فاعلا  في قلب تفاصيل العملية السياسية الثورية،  وفي بنية نشأة وقيام  بواكير الأطر الحزبية القومية "حركة القوميين العرب" وبعدها " الجبهة القومية" التي كنت ليس فحسب من الرعيل الأول المؤسس،  بل و أحد الثنائي المؤسس لحركة القوميين العرب في اليمن إلى جانب رفيق عمرك ودربك  في الحزب والنضال  الشهيد القائد فيصل عبد اللطيف الشعبي، من بداياتك المبكرة طالباً في بيروت في النصف الثاني من الخمسينات  "أواخره" كنت مع عبد الحافظ قائد، ويحيى عبدالرحمن الإرياني ، وعبد القادر سعيد ، وعبدالرحمن محمد سعيد من  أوائل من صنع  وهندس تنظيم حركة القوميين العرب في شمال البلاد، وكان فيصل عبد اللطيف الشعبي الرائد في التأسيس للحركة في الجنوب، ومعه بعد ذلك الفقيد / علي أحمد السلامي ،  وآخرين، منذ بواكير شغلك التنظيمي كان اسمك الحزبي "فارس"؛ فكنت  حقا فارسأ، وسلطاناً وبالاسميين، والدور الذي أوكله التاريخ إليك، وانتدبت نفسك للقيام به ، بروح المقاتل ، اكتملت هويتك كفارس من فرسان التاريخ المقاوم ،  كنت حقا رائدآ وفارسا حمل قيم الحرية والعدالة والوطنية والدولة الحديثة، كنت عنواناً للمقاومة ضد الامامة ، والاستعمار، وجسدت وعبرت عن كل ذلك بروح الفارس الذي صدق رفاقه وشعبه، وفي كل ذلك كتب لك الخلود في قلب الزمن الحي، وكلما طال غيابك عنا؛ أو تجاهلنا  لما كنت، اتسعت مساحة حضورك في التاريخ أكثر فأكثر رمزا للحرية والكرامة ، والفعل المقاوم.

( 5 )

بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م مباشرة عاد إلى  صنعاء سريعاً مع غيره من  القيادات الوطنية للحركة السياسية اليمنية، واسهم بلعب دور سياسي في الدفاع عن الثورة ، والجمهورية، وفي تأطير الناس، وتحشيدهم للدفاع عن الجمهورية وفي دفع  الشباب للالتحاق بركب الثورة (الحرس الوطني)وفي الاشهر الأولى لقيام الثورة، عينه الرئيس عبد الله السلال مديرا عاماً للإذاعة  التي كانت تحتوي نخبة عالية المقام من المثقفين، والشعراء والأدباء: عبد العزيز المقالح . عبد الله حمران، عبد الوهاب جحاف محمد البابلي، محمد اليازلي وآخرين، وكان هذا التعيين تقديراً معنويا رمزيا من الرئيس السلال له، وما يمثل، مع أنه  لم يشغل ذلك الدور والمهمة بالمعنى الاداري  الوظيفي  وبقي  الشأن السياسي والوطني الثوري العام هو مايشغله، بعد استتاب أوضاع الجمهورية نسبياً وإعلان قيام ثورة 14 أكتوبر 1963م، وتفجير الكفاح المسلح ،التي كان حاضر فيها :قائداً سياسياً، ومنظما جماهيريا ومسئولا عن القطاع  التنظيمي للجبهة القومية ، حتى  إعلان الاستقلال الوطني 30 نوفمبر 1967م ، وفي هذا السياق وبعد سيطرة  انقلاب  5 نوفمبر  1967م على الحكم ومطاردة  الجمهوريين والمعارضين  " أبطال الحصار "، واستقبال بدلآ عنهم العائدين من الملكيين "كفاتحين"، إلى شمال البلاد بعد مااسموه (بالمصالحه)،حيث استقر بعدها سلطان أحمد عمر في جنوب البلاد، وخلال فترة الحروب الشطرية  أتذكر  وأنا في "سجن  القلعة"، وبعد حرب مارس  1979م بين الشطرين وتقدم  القوات  الجنوبية إلى داخل المناطق الشمالية واحتلال  بعض المواقع والمدن،  أتذكر أن الأمن الوطني قام باعتقال جميع أخوة سلطان وأودعهم سجن القلعة،  نكاية بسلطان الذي كان حينها رئيسآ للجبهة الوطنية الديمقراطية / مع أنهم –أو بعضهم على الأقل-لا علاقة لهم بالسياسة و الحزبية، ومن إخوة سلطان الذين وضعوا في سجن القلعة كان اخية الأكبر علي ، وكان لديه استديو تصوير كما فهمت  وآخر كان أسمه داؤود  وكان يعمل في البنك  اليمني؛ أو المركزي، وآخر أسمه هاشم  طبيب؛ أو ما شابه، وأخ صغيركان اسمه عبد الرقيب، ونفس الإجراء العقابي بالسجن فعلوه مع السفير عبد الله الأشطل ، باعتقال جميع أخوانه وإيداعهم في السحن، وهي عادة الأجهزة الأمنية في شمال البلاد  بمعاقبة جميع أفراد الأسرة  وقد طال منزل أسرة سلطان في القرية " منزل والده"  التفجير بالديناميت، وهي عادة قبليه قديمة  في تصفية الحساب مع المعارضين؛  أو المنهزمين في الحرب  في الزمن  القديم.

( 6 )

 ايها الفارس النبيل  افتخر أنني عرفتك؛ وأعتز بأنني شهدت  معك أياماً حوارية كثيرة داخل الوطن  وفي خارجه "دمشق، بيروت" اتفقنا؛ واختلفنا وفي الحاليين تأكد لي بالتجربة أنني تعلمت منك الكثير؛ وزودتني بما كان ينقصني من معرفة وخبره لا تقدران بثمن؛ فقد كنت شاهداً على كيف كانت الأسماء والرموز الفكرية؛ والسياسية اليسارية والقومية العربية  تنظر إليك،  وتستقبلك وتحتفي بك تقديرا وإكباراً لاسمك ودورك الوطني والقومي  ، وجلها أسماء كانت تربطك بهم علاقة رفاقية وحزبية تاريخية طويلة وكان منهم : جورج حبش-  ونائف حواتمة - وياسر عبد ربه - وتيسير خالد  -وتيسير قبعة - وفواز طرابلس -وجورج حاوي - ونديم عبد  الصمد -  حتى القائد الشهيد الكبير  ياسر عرفات -  وغيرهم.

وفي بعض هذه اللقاءات كان الصديق الاستاذ / عبد الباري  طاهر حاضراً، ومشاركاً فيها، وخلال كل ذلك  عرفته أليفاً بسيطا بقدر ما كان حازماً وفي غاية الجدية، والصرامة حين يستدعي الأمر ذلك .

اقترابي منه في مرحلة معينه أكثر، جعلني أدرك كم هو أنسان بسيط وودود حلو المعشر عاطفي ، شخصية ذكيه  لماحة ثاقبة النظر للأشياء،  والاحوال ولمن حوله من البشر مع كمية هائلة من العاطفة لمن وفيمن يثق فيهم من الأصدقاء والرفاق.

شخصية جمعت بين القدرة على الرؤية العامة الكلية، وبين الاهتمام  الدقيق بالتفاصيل الصغيرة، قادرعلى التعبير عن ما في نفسه، حديثاً ، وكتابة فارس جمع بين القدرة على الفعل الحركي التنظيمي، وبين القدرة على  التنظير القولي، والتحريري.

أيها الفارس النبيل  أعرف أنك حضور في الغياب  وأدرك أنك لم تترجل عن صهوة أيامنا العاثرة إلا لتسكن التاريخ وتقيم في أرفع مرتبات العلى فيه ، لم تمت  إلا لتأتي  أكثر، لم تترجل معاتباً، ولا مغاضبا ،بل باسماً من مكر التاريخ  وسخرية القدر في أن لا تجد بعد رحيلك  ومرضك من يسدد بقية مديونية علاجك في أحدى مشافي امريكا ، وهي ديونك علينا وعندنا وفي ذمتنا، وعلى وحدة آمنت بها ، وغدر بها ،   وكان غدر عدم الوفاء ،هو أشد أنواع  الغدر بك  يامنتهى القول وسدرة الحكمة ، وجلال الموقف ، وعظمة الرحيل.

كان حظي  طيبا وزادي الحياتي عظيماً ووافراً انني عرفتك، ورأيتك،  وأنت ترسم  خطوط الطول والعرض  لمساحة وطن يبحث عن معنى، لسؤال وحدته وحريته، رايتك وأنت تؤكد أن البحث عن وطن الحرية، والوحدة ، والكرامة ، والعدالة،  والدولة الحديثة ، ليس أمرآ مستحيلا  وأن الطريق إلى ذلك متاحا وممكنا  متى توفرت  الإرادة  والقدرة على الفعل الاستراتيجي  صوب التغيير للعبور من النفق  السياسي  العصبوي التاريخي  باتجاه استكمال إرادة الفعل المقاوم ، وعلى طريق التغيير التاريخي  المؤجل من  أكثر من خمسة عقود مضت.

 رحمة الله عليك  ايها الرائد الخالد الذي لم يكذب اهله 

نم قرير  العين 

والاعتذار واجب على التقصير مع كل المودة والمحبة.

قراءة 19544 مرات

من أحدث قادري احمد حيدر