طباعة

محاولة اخرى للإدراك في رحلة البحث عن حياة

الإثنين, 18 آذار/مارس 2019 16:40 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

غادرت قريتي بعد ثلاث سنوات من انقطاع الراتب واربع سنوات من الحرب الدائرة في البلاد والتي افضت الى تدهور الحالة المعيشية لقطاع واسع جدا من الشعب وتفشي الامراض والاوبئة، بالمقابل يعمل مستفيدون من اطالة امد هذه الحرب، حتى اصبح صراخ الجائعين وآنين المرضى بمثابة موسيقى ملهمة لزيادة ثروتهم ومراكز نفوذهم.

كان وضعي المعيشي وتزايد التزاماتي تجاه عائلتي، من حدد وجهتي نحو العاصمة المؤقتة للشرعية.. ضانا بأن لا شيء يدعو للقلق فانا موظفا  لن اعاني كثيرا في ترتيب وضعي في الوزارة التي اعمل فيها.

تلك الوزارة التي ارتبطت بها عقدا من الزمن ما عادت تعرفني وفي كل مره اذهب اليها تشيح عني، فيما يبدو انها اصبحت تفكر بنفس الطريقة التي يفكر بها مديروها.

(ريمان) ابنتي الصغرى التي تبلغ السنه والنصف من العمر عند وداعي لها اجهشت بالبكاء ولكن عندما ايقنت بأن قرار مغادرتي لا رجعت فيه لوحت بيدها مودعة.... هي لا تدرك لماذا  والى اين تذهب هكذا؟ 

لكني ادرك انها تكبر يوما بعد يوم وتكبر معها احتياجاتها، وانني ذاهب للعمل على تأمين بعض تلك الاحتياجات.

هي لا تعرف بأن بعض الرفاق الذين عولت عليهم في مساعدتي بترتيب وضعي الوظيفي والعودة الى العمل - لن تكلفهم تلك المساعدة شيء -  لكنهم خذلوني.

 كما انها لا تعرف أن دائرة صناعة القرار والدوائر المتدلية منها تخلت عن الاخلاق والقيم الانسانية واهتمت بمصالحها والمقربين منها. وذلك يجعل امد الحرب تطول، بالمقابل تدهور شديد للوضع الانساني.

لا تعلم بأن الذي يشغل منصب وزيراً  لواحدة من اهم المؤسسات المشرفة على العملية التعليمة، ويحمل درجه اكاديمية عليا، وتئن جدران بيته تحت وطئت الشهادات التقديرية والتي تندرج معظمها تحت (من اجل خدمة الوطن ومصلحته العليا) تسكنه روح مناطقية مقيته، وكانت العقبة امام ترتيب وضعي وغيري من موظفي الوزارة.

سوف تكبري يا صغيرتي.. وستعرفين ما يعني كل هذا!!!

ابني الاكبر الذي يعمل لكي يوفر  تكاليف دراسته الجامعية، استبشر كثيرا بقدومي لعل هذا يمنحه بعض الراحة من العمل الشاق الذي يقوم به، ومع مرور الايام واستماعه للإجابات المتكررة التي تعزز من حالة الاحباط، شعرت بأن تلك السعادة التي بدت في عينيه بدأت بالتبدد كغيمه، وذلك الامل البسيط يتلاشى ويسحبه الى نتيجة اكثر وضوحا: بأن اضيف عبئ اخر.. واصبحت انا ذلك العبئ.

(مريم) امي ما اعظمك واحنك واجملك .. بقلب وروح الام كثيرا ما تشعر بالاسى والخيبة والاحباط البؤس الساكنيين اعماقي.

لاحظت ذلك عندما كنت اهاتفها، وهي تبكي عند سماع نبرات صوتي، رغم محاولتي في كل مره طمأنتها، الا انها كانت تشعر بكل شيء.

امي ... اصبحنا ندرك كل شيء يحدث حولنا، بات القبح وبأكثر صوره بشاعة هو سيد الموقف ومتجسد بشخوص يعيشون معنا، وربما يعرفون تفاصيل دقيقة عنا، لكن الجميل في الامر انهم اصبحوا واضحين والاجمل اننا يا امي لن نستسلم  ابدا.  

 

 

قراءة 2394 مرات آخر تعديل على الإثنين, 18 آذار/مارس 2019 17:09

من أحدث علي الصبري