طباعة

ملاحظات على خيار دولة اتحادية من ستة أقاليم

الخميس, 25 نيسان/أبريل 2019 17:39 كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)


الإهداء: إلى الصديقين والمناضلين الكبيرين: الأستاذ أبوبكر باذيب، ود/ياسين سعيد نعمان، قامتان وطنيتان لهما كل المحبة والتقدير.

فالأول أبوبكر باذيب أستاذ ومربي فاضل للأجيال من بداية العام 1962/63م المدرسة الثانوية في خور مكسر درس على يديه ثلة وكوكبة ممن اصبحوا قادة سياسيين ورجال فكر وإدارة وقانون واقتصاد (عبدالعزيز باسودان، محمد جعفر قاسم، أحمد صالح الجبلي إلخ....) حتى توليه أرفع المواقع والمناصب القيادية في الحزب الاشتراكي اليمني، وفي الإشراف على بعض المؤسسات الهامة في  الدولة، وهو من قدم رؤية حول "دولة اتحادية من إقليمين" بعد فشل تجربة الوحدة الاندماجية بالحرب، رؤية هي ثمرة نقاش وحوارات أدارها مع مجموعة من قيادة الحزب وقدمت لقيادة الحزب موقعة باسمه قبل أن يكون هناك مؤتمر للحوار الوطني بسنوات قليلة.

وإلى الصديق والقائد السياسي المحنك والمثابر، صاحب العقل المستنير والفكر  النقدي المنير د/ياسين سعيد نعمان، الذي حول فكرة دولة اتحادية من إقليمين إلى مشروع فكري/ سياسي وحواري، وإليه، تحديداً، وهو في قيادة الحزب وفي رئاسة مؤتمر الحوار يعود فضل بلورة وإنضاج فكرة دولة اتحادية من إقليمين، رؤية نظّر لها ودافع عنها كرؤية وكفكرة وقضية سياسية وطنية .. يؤكد المشهد السياسي في الأمس واليوم أكثر واقعيتها وصدقيتها.

 

لا جدال في أن تجربتنا في اليمن مع بناء الدولة المدنية والوطنية الديمقراطية الحديثة قد باءت بالفشل، في الشمال والجنوب -بدرجات متفاوتة ولأسباب مختلفة في كل شطر- وجاءت الوحدة اليمنية السلمية على قاعدة التعددية والديمقراطية، لتؤكد أن الموانع والتحديات ما تزال كبيرة، وهي المصاعب والتحديات التي كان يفترض أن يتم التمهيد لتجاوزها قبل إعلان قيام الوحدة، وأن تسبق قيامها -على الأقل- لتخفف من عواصف الممانعة والمعارضة ليس لاستمرار دولة الوحدة، بل لمجرد البدء التنفيذي الاجرائي في التأسيس لقيامها. ولذلك كانت المعارضة للوحدة في الأشهر الأولى لقيامها باتفاق سياسي ضمني وعملي بين أطراف الوحدة الثلاثة في الشمال، وهو ما أشار إليه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في مذكراته (ص248)، من أن فكرة وقضية الوحدة، وبناء دولة الوحدة لم تكن أكثر من لعبة سياسية بين أطراف سلطة صنعاء: العسكر، ومشايخ القبائل، ورجال الدين السياسي. ومن هنا كان ضرورة البدء في وضع العصي أمام أي محاولة أو إمكانية للبدء  السياسي أو الإداري أو القانوني والدستوري في بناء دولة الوحدة. فقد جري تحشيد وتجييش المجاميع القبلية والدينية من كل قبائل "طوق صنعاء" باسم معارضة ورفض الدستور "العلماني" والتوجه الماركسي لبناء الدولة، تحت خطاب سياسي ديني / حزبي وتكفيري يطال أطراف واسعة من المجتمع، ضمن صفقة سياسية- كما أشرنا- بين علي عبدالله صالح، والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، والشيخ عبدالمجيد الزنداني، والمجاميع "الجهادية" العائدة من افغانستان.

وهنا بدأت الاغتيالات لقيادات الدولة الجنوبية ، ولقيادات الحزب الاشتراكي التي طالت كل قياداته العليا: من رئيس البرلمان ، إلى رئيس الحكومة، إلى عضو مجلس الرئاسة وقيادات عسكرية، ووزراء وقادة حزبيين ورجال دولة، وصل عددهم خلال سنة إلى أكثر من مائة وستين قيادياً وكادراً حزبياً.. وهو مؤشر سياسي/ أمني عسكري في وجه أي تحول جدي نحو بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، حيث كان الإصرار على الاستمرار في إدارة السلطة والدولة بذات  الطريقة القديمة، مستثمرين حالة أن الدولة الجديدة "دولة الوحدة"قد أعلنت وقامت دون أسس ودون مقدمات مؤسسية وإدارية، وقانونية، ودستورية واضحة. ولذلك رفع سوط شعار الانفصال في وجه كل من يدعوا إلى تصحيح وتصويب مسار الوحدة، ووجهت محاولة اخراج " وثيقة العهد والاتفاق" بكل ذلك العنف والرفض والمماطلة وحتى القتل. وحين جرى توقيعها في الأردن/عمان، تحت ضغط الحراك السياسي والجماهيري الواسع في كل البلاد، جرى العمل الجدي لعدم تنفيذها بعد التوقيع، في إعلان بيانات الحرب.. التي سبقتها تسويفات في عدم اتخاذ أي إجراء سياسي إداري قانوني دستوري في السير باتجاه بناء الدولة الوطنية المدنية الحديثة، بل وتعطيل جميع آليات عمل الدولة الجديدة.

لقد كشفت الحرب ونتائجها المأسوية أن اتجاه الرفض والممانعة في قلب سلطة صنعاء السابقة، كان أكبر من أن يتحمل قيام دولة سلطة القانون والمساواة والعدل على انقاض "دويلة المركز والعصبية".

 

 ولذلك كانت الحرب خيارهم الوحيد لإعادة انتاج النظام القديم.. ومن هنا استشعار جميع أطياف وشرائح وطبقات المجتمع قبل الحرب، من أن لا خيار سوى الدخول الوطني العام إلى مشروع بناء الدولة الاتحادية، وكانت وثيقة "العهد والاتفاق" هي راية الخلاص السياسي والوطني على طريق لجم أو تحجيم تيار الحرب، والشروع في تنفيذ الخطوات الأولى نحو بناء دولة اتحادية تعاقدية مدنية، وأن المسار الوحيد المتاح والممكن أمام اليمنيين جميعاً ليس سوى الشروع الطوعي بـــِ"الاتفاق" على خيار تنفيذ "وثيقة العهد والاتفاق"، فجرى نقضها بالحرب، وهي وثيقة الاجماع الوطني الديمقراطي الواسع ..  ولذلك نحن اليوم –مع الأسف-لم نتعلم من التاريخ، ونجد أنفسنا اليوم، مرة ثانية، نكرر ذات الخطأ السياسي القاتل بالانقلاب على "مخرجات الحوار الوطني الشامل"، وهي وثيقة إجماع وطني حقيقي لجميع أطراف المجتمع على طريق دولة مدنية وطنية اتحادية من عدد من الأقاليم يجري الاتفاق حولها بالتوافق السياسي الحواري وليس عبر "الفرض الإداري" خارج نطاق التوافق السياسي بين جميع أطراف المعادلة السياسية الوطنية اليمنية .. ومن هنا كان إصرارانا وإقرارنا جميعاً في قلب مؤتمر الحوار الوطني. من أن الدولة البسيطة "دويلة المركز السياسية التاريخية" فشلت وعجزت عن أن تكون دولة لجميع مواطنيها، ومن أنها غير مؤهلة، واقعياً وسياسياً، لإنجاز مهمات المرحلة التاريخية. ولذلك اتفقت جميع المكونات والأطراف السياسية والمدنية والشباب والمرأة والمستقلون، من أن وثيقة "مخرجات الحوار الوطني الشامل" هي مدخلنا لذلك. وهنا أدرك علي عبدالله صالح تحديداً، خاصة بعد تثبيت نص منع القيادات العسكرية الكبيرة من ذوي القرابة إلى درجة الرابعة، في المشاركة في الحكم إلاَّ بعد مرور عشر سنوات. ولذلك كانت مجامعيه وأزلامه "زبائنيتة" تعمل بجهد حثيث لتعويق سير أعمال مؤتمر الحوار الوطني عبر كل الفرق المعنية، وباء فالهم وترتيبهم بالفشل، وخرجت المخرجات للعلن بالتوافق الوطني العام، وبحضور وتأييد دولي واسع، حتى صارت مخرجات الحوار الوطني، وثيقة وطنية ودولية، مثبتة كمرجعية للحوار وللحل.

 ويمكننا القول والتأكيد من أننا وفي قلب مؤتمر الحوار الوطني الشامل لم نقر نص مبدأ أو قرار الستة الأقاليم، وبقي خيار "الستة"، و"الاقليمين" في دائرة الحوار والبحث، وهي الثغرة –وغيرها كثير- التي نفذ منها تحالف الحرب في تنفيذ الانقلاب، بعد أن أدخل علي عبدالله صالح الحوثيين طرفاً في معادلة الانقلاب على مخرجات الحوار الوطني يستقوي بهم ضد جميع الأطراف السياسية في البلاد..

ومنها دخلنا إلى دائرة الحرب المستمرة القائمة..

 إن ملاحظاتي في حينها واليوم معارضة حول خيار دولة اتحادية من ستة أقاليم تتحدد وتتمثل في التالي:

أولاً: من حيث المبدأ، إن قرار التقسيم الى ستة أقاليم، جاء مخالفاّ لنصوص ومحتوى "وثيقة الحلول والضمانات للقضية الجنوبية"، وكذلك مخالفاّ لمخرجات الحوار الوطني، أي أن قرار التقسيم الى ستة اقاليم، هو قرار سياسي/ سلطوي، فيه تجاوز وتعسف للحوار وتجاوز لنصوص وثيقة الحلول للقضية الجنوبية، في بابها الاول(المبادئ)التي أكدت على البعد السياسي، والجيو/سياسي للقضية الجنوبية،( الندية، والتكافؤ) بين الشمال والجنوب. وبهذا المعنى، فإن قرار التقسيم الى ستة اقاليم، نقل القضية الجنوبية من حيزها السياسي، الى قضية ادارية جرى فيها طمس وتغييب المضمون السياسي للقضية الجنوبية داخل مشروع التقسيم الى ستة أقاليم، وكأن القضية الجنوبية مشكلة كامنة في التقسيم الاداري، أو في المركزية التي كانت تهيمن على جوهر النظام السياسي والدولة في الشمال قبل الوحدة. هذا، مع أن وثيقة الحلول والضمانات للقضية الجنوبية المقرة في مؤتمر الحوار الوطني تؤكد على تمكين الناس من اختيار مكانتهم السياسية، وهي القاعدة التي تعمد أطراف حرب 1994م الى تجاهلها وإهمالها.

أن من ذهبوا الى خيار الستة الاقاليم، كانوا يستهدفون خلط الاوراق على الجميع، وتعطيل الامكانية الواقعية للدولة الاتحادية من الأساس.  فهم قبلوا شكلياً بوثيقة الحلول والضمانات للقضية الجنوبية، ولكنهم يعملون فعلياً وواقعياً ضد تنفيذها، بدليل رفضهم المطلق لمخرجات لجنة الضمانات التي وافقت عليها "لجنة التوفيق".

ثانياً: لقد أثارت صيغة الدولة الاتحادية من إقليمين هواجس لا معنى لها، هواجس سياسية مفتعلة، وهو أن خيار "الإقليمين "هدفه المبطن هو الانفصال، بعد انقضاء المرحلة الانتقالية. وكأن الرافضون لهذه الصيغة ينطلقون من فرضية، أن السلطة الحالية ستستمر على نهج السلطة السابقة، وستواصل نفس الممارسات التي أوصلت الأخوة في الجنوب إلى اليقين بأن وضع الجنوب لن يتحسن، إلا بفك الارتباط، والعودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل عام 1990م، مما يجعل هؤلاء الرافضين لصيغة الإقليمين، واثقين استناداً إلى هذه الفرضية من أن الأمر سينتهي بعد المرحلة الانتقالية، حتماً إلى تعزيز الاقتناع لدى الأخوة في الجنوب بأن لا حل للمسألة الجنوبية، إلا بالإنفصال. ولو أن هؤلاء وضعوا في اعتبارهم، أن اختلاف النهج والممارسة سيقودان إلى اختلاف النتيجة، ما استبعدوا مناقشة هذا الخيار"(1) أي خيار الإقليمين الذي تقدم به الحزب الاشتراكي مشفوعاً برؤية سياسية، واقعية تاريخية. ذلك لأنهم، في قرارة أنفسهم، كانوا يرون بأن لا تغيير سيحصل في صورة، ومضمون النظام الجديد، وفي جوهر وشكل حكمه، ولذلك تجاوزوا خيار الإقليمين إلى الستة، بدون أي رؤية سياسية واقعية، تاريخية، تبرر مشروعية هذا الخيار الذي لا أفق سياسي واقعي، لإمكانية تحققه على الأرض.

ثالثاً: إرتكز التقسيم إلى ستة أقاليم، ، واعتمد على قاعدة إعادة إنتاج تقسيم الجنوب، بعودته إلى الحالة الاستعمارية، "الانجلوسلاطينية"، ثم ارتكز، في الشمال، على تقسيمه وتفكيكه، على قاعدة تقسيم مناطقي، مذهبي، قبلي، ولم يهتم بمعايير السكان، والمساحة، والثروة، ... عزل مناطق الثروة في الجنوب والشمال محدودة الكثافة السكانية، عن مناطق الكثافة السكانية الفقيرة، بما قد يفتح الباب أمام حروب وصراعات لا تنتهي، كما أن هذا الخيار (الستة الأقاليم) حتماً سينعش قضية ومسألة الهويات المستقلة باتجاه سلبي (دويلات) في واقع غياب الدولة الوطنية ومؤسساتها، وحالة الفوضى القائمة (صراع المليشيات)، ناهيك عن ضعف الاندماج الاجتماعي والوطني، خاصة وأن عمر الدولة الوطنية في الجنوب قصير لا يتجاوز (23) سنة، هي سنوات ما بعد الاستقلال الوطني 30 نوفمبر 1967م.

رابعاً: إن خيار السته الاقاليم، جاء ليفرغ القضية الجنوبية من محتواها السياسي، وليقفز عليها، كقضية سياسية، هروباّ من امكانية تقديم حل سياسي عادل، وواقعي، حل ندّي لها، كما جاء في وثيقة الحلول والضمانات التي أقرها فريق القضية الجنوبية باشراف نائب الأمين العام للأمم المتحدة، وصارت من الوثائق الأساسية لمخرجات الحوار الوطني الشامل، وهو قمة التحايل على القضية الجنوبية وعلى امكانية تقديم حل سياسي عادل لها، وتحويلها وفقاّ لخيار شكل الدولة من ستة أقاليم الى قضية اجتماعية ثانوية، شأنها شأن أي قضية جهوية مناطقية، كانت وما تزال قائمه في نطاق نظام "الجمهورية العربية اليمنية" سابقاّ ،و"الجمهورية اليمنية" راهناّ.

خامساً: خيار الستة أقاليم، خيار غير واقعي ولا يمتلك شروط تحققه في الواقع القائم اليوم في البلاد، بل ولعقد قادم من الزمن، وخاصة بعد الحرب الجارية والمستمرة لأكثر من أربع سنوات، وهو خيار فتنة وصراع، خيار تم استقدامه من تحالف حرب 1994م لضرب أو إزاحة خيارالاقليمين، (شمال،وجنوب)، وهو خيار لا يتفق مع وثيقة الحلول والضمانات، خاصة في قسمها الاول (المبادئ) التي تؤكد على الندية والتكافؤ، بين الشمال، والجنوب، في اطار حالة، جيو/سياسية، مركبه أو ثنائية، في إطار دولة اتحادية. أن خيار الستة أقاليم لا يؤسس لتصحيح الخطأ التاريخي، للوحدة السلمية التي جرى نقضها بالحرب عام 1994م كما اشار د/ياسين سعيد نعمان في كتاب "عبور المضيق" لان خيار الستة الاقاليم ينطلق من نتائج حرب 1994م ذاتها، الاندماجية وليس الاتحادية، وهو ما تنبه له القرار الأممي،(وكل ما عملوه هو انهم تحايلوا على ما وافقوا عليه في الباب الاول من الوثيقة التي تحدثت عن قيام دولة اتحادية بين جيو/سياسيتين، تاريخيتين: شمال، وجنوب وحتى في مشروع أقاليمهم الستة، قالوا اقليمين في الجنوب، وأربعة أقاليم في الشمال، وقال المشروع الآخر اقليم في الجنوب، واقليم في الشمال، فكيف يكون الاول وحدوياّ ،والثاني انفصالياّ)"  (2)

إن وثيقة الحلول والضمانات للقضية الجنوبية، وكذا مخرجات الحوار الوطني كلها، تؤكد على قضية الدولة الاتحادية، ضدا، وتجاوزاً، على الاندماجية التي ما تزال تهيمن على عقل تحالف حرب 1994م حتى اللحظة. ومن هناء توحدهما في تقديم خيار الستة اقاليم، لإعادة انتاج نفس النظام السابق، بقوة الأمر الواقع بعد ان يفشل خيار الستة اقاليم، وبعد أن فرضوا بالقرار الارادي السلطوي خيارهم، وتمكنوا من تجاوز الباب الاول من وثيقة الحلول والضمانات للقضية الجنوبية، أي المبادئ المؤسسة للدولة الاتحادية، الندية، المتكافئة.

سادساً: إن خيار دولة اتحادية من عدة أقاليم (ستة أقاليم) في واقع الانقسام والتفكك، السياسي، الاجتماعي، الوطني، الحاصل، بين الشمال والجنوب، وفي داخل كل من الشمال، والجنوب..، أمر محفوف بالمخاطر، ومغامرة غير محسوبة النتائج، سيكون مدعاة للتفكك، والتحلل أكثر، خاصة في حالة فرضه بالقسر وبطريقة فوقية، أو بالقوة. ومن هنا طرْحنا لخيار دولة اتحادية من اقليمين، متوافرة شروط تحقيقه في الواقع دون عناء، ودون مخاطر، قد تهدد وحدة البلاد إلى مدى غير منظور.

سابعاً: إن خيار الوحدة من عدة أقاليم، كان أمراّ واقعياّ، وممكنا تحقيقه، في شروط أو ظروف وحدة 22 مايو 1990م حين كان الشعب اليمني كله في الجنوب والشمال يمثلون الحامل السياسي، والاجتماعي، والشعبي، والوطني للوحدة، وحين كانت القوى الاجتماعية تمثل الرافعة السياسية لمشروع الوحدة، وكانت الجماهير في الشطرين تمثل قوى ضغط شعبية وسياسية، ووطنية مؤثرة، على سلطتي الشطرين. أما اليوم فالعكس صحيح، والمخاطر أكبر وأعظم.

ثامناً: إن خيار دولة اتحادية من إقليمين نفسه، يحتاج إلى عمل سياسي لإقناع قسم كبير من الشارع الجنوبي به، ويحتاج كذلك إلى عمل إداري، وفني، ومؤسسي نوعي – خاصة بعد كل ما جرى من اجتياح وحرب على الجنوب- حتى يتحقق ويستوي في الواقع. فما بالكم بخيار دولة اتحادية من (ستة أقاليم) تحدياتها، ومصاعبها وتعقيدات وجودها، وقيامها، واستمرارها أكبر، وشروط تحققها الذاتية والموضوعية غير قائمة، وغير ممكنة، على الأقل لعدة سنوات قادمة. ولا نعلم كيف ستقام، ولا كيف ستؤسس، وتبني في الواقع، ولاتزال خرائط على الورق، في أشكال من البدائل المتعددة، والمختلفة، تعكس حالة عدم الاستقرار على رأي محدد وواضح على مستوى الخرائط، ناهيك في حالة تحويلها إلى تطبيق في الواقع.

تاسعاً: ان خيار الوحدة من ستة أقاليم يحتاج أولاً إلى حضور وفعل دولة قوية مؤسسية، قادره على فرض هيبة الدولة (القوة الوحيدة التي من حقها احتكار العنف) على الجميع. كما يحتاج، ثانياً، إلى وضع اقتصادي قوي، ومصادر للثروة داخلية تغطي تكلفة هذا المشروع. وباختصار، إن تكلفة هذه المشروع فوق قدرة البلاد الاقتصادية، حتى في ظل وجود دعم خارجي مساند، وداعم لهذا المشروع، لأنه لا يمكننا ان نرهن مشروع قيام أي دولة بالمساعدات الخارجية.

عاشراً: إن الجيش والأمن، من أهم مكونات ومقومات، وجود أي دولة وطنية، ناهيك عن قيام دوله اتحاديه مدنية من عدة أقاليم، وهما في حالتنا الراهنة، غائبين، وفاقدين لهويتهما الوطنية الجامعة، ولا يمكن الاعتماد عليهما ليكونا القوة الضاربة الحامية لمشروع دوله متعددة الأقاليم. ضِفْ إلى ذلك أنه ماتزال القوى السياسية الاجتماعية التقليدية ترفض وتعوق امكانية انجاز مهام إعادة هيكلة الجيش والامن، بل إن الجيش والأمن اللذان يتشكلان في المواقع والأماكن المختلفة في الشمال والجنوب، حولهما الكثير من الشكوك، من أنهما جيش وأمن وطنيان. فما تزال روحية وسلوك، وشكل إدارة الميليشيا هي من تتحكم بهما، وتديرانهما بعيدا عن "عقيدة الجيش الوطنية"، كما أنه في غالبه يبنى على خلفيات حزبية، وأيديولوجية سياسية، مقسمة بين أطراف حزبية عديدة. باختصار، إن حالة ووضعية الجيش والأمن القائمة تقول بوضوح إنها مجاميع وتجمعات عسكرية وميلشيوية وحزبية خاصة، ولا صلة لها في أغلبها بمسمى "الجيش الوطني". وما يجري في محافظة تعز، ومأرب، وفي كل الجنوب يقول ذلك بوضوح.

حادي عشر: هل بالإمكان أن نقيم ونبني دولة اتحادية من عدة أقاليم، في ظل عدم تقديم معالجات جدية وحقيقية سياسية واقتصادية وقانونية ودستورية للقضية الجنوبية، وللقضية الوطنية عامة؟! وهما القضيتان المركزيتان المترابطتان اللتان تتعرضان للتفتيت والتفكيك والهيمنة عليهما من أطراف خارجية: السعودية، الإمارات، إيران.

ثاني عشر: هل بالإمكان إقامة دولة اتحادية، من ستة أقاليم، وهناك محافظات في الشمال خارج سلطة الدولة، إضافة إلى جنوب بكامله خارج سلطة الدولة القائمة، ويطرح مطالب استعادة الدولة، دون رؤية سياسية وطنية واضحة لكيفية ومضمون هذه الاستعادة.

 ثالث عشر: هل في حالة رفض الدولة الاتحادية من ستة أقاليم من قبل أغلبية أبناء الجنوب، سيتم السير في هذا الطريق رغماّ عنهم؟ هل سندخل من جديد إلى دوامة خطاب "الوحدة بالحرب"، الذي بدأ البعض يردده اليوم؟!

رابع عشر: إن إقامة دولة اتحادية من ستة أقاليم عملية معقدة، وتحتاج إلى سلطات إدارية راسخة، ومرنة: وإلى مؤسسات دولة مركزية حديثة، وقوية، تتولى الإشراف، وترتيب أوضاع هذه الأقاليم، حتى لا ندخل في دائرة الفوضى، والعنف، خاصة في ظل حالتنا الراهنة، غير الجاهزة للأقاليم، التي يحتاج، توزيعها إلى وضع طبيعي ومستقر اجتماعياّ، وسياسياّ، وأوضاع جيو/سياسية، وأمنية عادية. والأهم من كل ذلك، يحتاج إرادة سياسية وطنية، وهي اليوم غائبة.. ولا أعتقد أن أوضاع الدولة الفاشلة، العاجزة، والمتخلفة، قادرة على تحمل مسئولية الانتقال إلى دولة اتحادية من عدة أقاليم. ففي دولة اتحادية من ستة أقاليم، كما يذهب إلى ذلك البعض، يعني أننا سنجد أنفسنا أمام عملية لهيكلة بنية ست سلطات، وحكومات، ومجالس نيابية، وشوروية ومحليات، وهو أمر فوق قدرة أي دولة طبيعية وعادية مستقرة فما بالكم في دولة لم تنجح حتى اليوم في الدخول إلى مشروع الدولة الوطنية الحديثة، وما تزال أطراف المجتمع تحترب فيما بينها البين، وفي غياب فعلي للدولة، بعد أن احتكرت الميليشيات المجال السياسي والعسكري كله؟!...

خامس عشر: كان يمكن إعطاء قرار التقسيم مزيداً من الشرعية الشعبية، والوطنية، -المقصود التقسيم إلى ستة أقاليم- أن يبدأ ذلك باستفتاء شعبي وطني حوله، وبمشاركة وطنية واسعة في كلٍ من الجنوب والشمال، وبإشراف إقليمي، ودولي. شريطة أن تنزل استمارة الاستفتاء للسكان في الشمال بالموافقة على الأربعة الأقاليم، وإلى السكان في الجنوب بالموافقة على التقسيم للجنوب إلى إقليمين، وبذلك تكون نتيجة الاستفتاء هي الأساس الذي يعتمد.

ولا يسعنا في ختام هذه الملاحظات حول قرار التقسيم إلى ستة أقاليم، أن نقول، سوى إنه قرار لا يعكس واقع وحالة مشروع قابل للتحقيق في الظروف الراهنة، وهو قرار يتعسف الحقائق والوقائع القائمة، ويتحرك خارج شروط الواقع الموضوعي، وخارج أي إمكانية لتقديم حل سياسي واقعي، للقضية الجنوبية، أو للقضية الوطنية عامة، بل هو قرار وحل يضع الجنوب في مواجهة الشمال، كما يضع كل منهما في مواجهة بعضه بعضا، على المدى المتوسط والبعيد.

ــــــــ

الهوامش:-

1 - د.أحمد قايد الصايدي: صحيفة الشارع/ صنعاء، الأحد 30/3/2014م، العدد رقم (774)، صـ 5.

2 – د. ياسين سعيد نعمان: "عبور المضيق" نقد أولي للتجربة.

قراءة 2240 مرات آخر تعديل على الجمعة, 26 نيسان/أبريل 2019 17:22

من أحدث قادري احمد حيدر