طباعة

عمال اللحام ضحايا مهنتهم القاتلة

الأربعاء, 05 شباط/فبراير 2014 17:15
قيم الموضوع
(2 أصوات)

الاشتركي نت / خاص عمر القاضي

منير القباطي رجل أربعيني قضى عشرة أعوام كاملة يمارس مهنة اللحام في إحدى محلات تتواجد في العاصمة صنعاء.بعد هذا العقد الزمني يعاني القباطي من التهابات شديدة وأزمة في صدره.

ذهب القباطي لعرض حالته لأحد الاطباء المختصين بالتهابات الصدر، الطبيب اخبره بعودة مرض الربو الذي كان يعاني منه أثناء طفولته. عودة مرضه المزمن وبشدة حسب قول الطبيب أجبرته على التوقف وعدم الاستمرار في مهنة اللحام التي سماها هو بالمهنة المدمرة والخطيرة حسب قوله.

كان منير يستنشق دخان ثاني أُكسيد الكربون القاتل المنبعث من دخان اللحام وبطريقة سلبية واللامبالاة لتصل به الحالة الى طابور المصابين والعاطلين عن العمل.

منير يعول سبعة أطفال وزوجةً له وهو عاجز الآن للعودة مرة أخرى الى مهنته السابقة من أجل تحمل مسؤوليته وهي قضاء متطلبات حاجة أسرته البسيطه ولو بدخل بسيط قد تستمر بهم الحياة بكرامة وتجنيب والدهم مخاطر مهنة لم يشعر بمخاطرها هو من قبل ولا كثير من عمال اللحام الذين ما زالوا يمارسونها كما كان منير يمارسها سابقاً ليجدوا انفسهم ضحايا جدد هذا في حالة ان رافقهم الاستخدام السلبي وتعرضهم لأدخنة اللحام من دون أي وقاية.

اللحام مادة قاتلة وخانقة

يستخدم عمال اللحام أربعة أنواع من اللحام والمتداولة غالباً في محلاتهم وهي لحام نوع أستيل ونوع بير والألمنيوم والهيدروجين ويعد الأول والأخير هما الأخطر من حيث مخلفات أدخنتها التي تتصاعد اثناء الاستخدام ويستنشقها العمال بطريقة سلبية وتأتي خطورة هذين الصنفين من خلال كمية الكربون الكبيرة التي تتكون منها انابيب لحام الاستيل والهيدروجين النحيلة. وخطورة هذين الصنفين لا يعني عدم خطورة بقية أنواع اللحام المتبقية فكلها خطيرة على الإنسان وأولهم عامل اللحام. جميع هذه الأنواع يستخدمها عمال اللحام في تجبير وتسييخ القطع الحديدية المختلفة وكل ما ذكرناه سالفاً يتم استخدامها كل على حسب نوع القطعة المنكسرة التي تشبه اللحام نفسه. قد تكون مهنتهم هذه مغامرة في نظر العابرين حولهم ليعتبروها كأي مهنة بحيث يجردونها بعيداً عن الفنون الجميلة التي يحبكها الملحمون بزخرفات وتشكيلات ابداعية تشاهدها على الأبواب والنوافذ الجميلة. بالاضافة الى إعادة كسور شروخات الحديد المختلفة التي احياناً لا يأمل بها صاحبها على إعادة إصلاحها كما كانت في السابق لكن بعض عمال اللحام يتقنون ذلك حتى وان كانوا ضحايا ابداعهم.

محلات مزدحمة بالقطع الحديدية

كانت زيارة صحيفة «الثوري» مطلع الأسبوع الماضي لعدد من محلات اللحام في أمانة العاصمة. واثناء زيارتها المباغتة لهذه المحلات وجدنا ان هذه المحلات مزدحمة بالقطع الحديدية وبشكل فوضوي لا تقدر الأقدام على العبور بين هذه القطع الحديدية الحادة والمترامية داخل أرضية وجوانب محلات اللحام. لقد تعود عمال هذه المحلات على المشي بخفة بين هذه القطع التي قد تعرض الغريب للاصابة إن غامرعلى العبور عليها. ويقول أحد العاملين من الذين التقت بهم الصحيفة في محلاتهم: ان محلات اللحام ما تعرفُ إلا بزحمتها ونحن نحتاج كل قطعة من هذه القطع الحديدية.

دخان اللحام سبب رئيس للأمرض الصدرية

يقول الأستاذ في جامعة صنعاء ورئيس قسم الصدر في مستشفى الثورة الدكتور فاكر القباطي: ان الكثير من العمال يتعرضون للمخلفات الكثيرة التي تنبعث من الاشعاع والدخان الذي ينبعث اثناء ممارسة اللحام ويستنشقها العامل بطريقة سلبية مما تثير له الشعب الهوائية التي تؤدي الى تضييقها ومن ثم تسبب الأزمة الربوية سواء كان المصاب يعاني من الربو سابقاً أو لم يكن يعاني منه.

ويعاني بعض العمال من الإصابة بمرض الربو لكنهم يسيطرون على المرض من خلال استخدام البخاخات وعندما يعود لممارسة هذه المهنة مرة اخرى ويتعرض لهذا الدخان الذي يحدث له إثارة للشعاب الهوائية مما توصله بعض الأحيان الى العناية المركزة لأنها تحدث أزمة شديدة لهذا العامل المصاب بالربو مثلاً.

وأكد القباطي ان دخان مادة اللحام خطيرة جداً لأنه يبعث منها اكسيد الكربون والغازات المقرشة والخطيرة. وحذر الدكتور اثناء نصيحته للعمال بقوله: ان من كانت عنده سابقة مرضية ننصحه بعدم التعرض لهذه الأشياء لأنها توصل المصاب الى حالة خطيرة يعجز الأطباء بعض الأحيان على معالجتها حتى وإن سافر المصاب للعلاج في الدول المتقدمة لأنهم غير قادرين على معالجة حالة مرضية خطيرة ومتطورة, وكما انصحهم أيضاً باستخدام الأدوات الواقية التي تجنبهم الاصابة.

خطورة اللحام على النظر

أما الدكتور نشوان العطاب اختصاصي عيون يقول ان هناك نوعاً من المخاطر البسيطة التي قال انها تصيب القرنية لعامل اللحام في البداية بشكل سطحي ومن ثم تتطور الى اصابة شديدة وخطيرة تمامــــاً بما فيها الاصابات التي تؤدي الى أمراض مزمنة في العين لا تعالج طبعاً. وأشار الدكتور نشوان الى ان هناك حالات عديدة مصابة بالرياش التي تصيب العين تصل الى مستشفى الثورة وبشكل يومي وهذه اصابات شائعة وهذه الاصابات غالباً ما تكون مصابة برياش اللحام واذا تأخر في الذهاب مباشرة الى المستشفى وعرض حالته الى الدكتور فهذا يسبب له «ندبة» في القرنية تستمر مدى الحياة ولا تعالج. أما إذا لم يتم استخدام العلاج في الوقت المناسب فقد يؤدي الى تقرح في القرنية مما يؤدي الى ثقبها أيضاً ومن ثم تنتهى العين تمامــاً. وأشار الدكتور نشوان الى صحة ما اذا كانت قطعة الحديد قد دخلت الى العين ووصلت الى الجسم الزجاجي والتي تصيب الشبكة أو مركز «الأقصر» وهذا يتطلب من المصاب اذا كان محظوظاً فإنه يحتاج الى عملية طارئة من أجل إزالة الجسم الغريب وتثبيت الشبكة وهذه العملية تكلف أربعمائة الف ريال يمني. أما فيما يخص خطورة اشعاع أو اضاءة اللحام القوية على العيون قال: ان الرؤية الى هذه الاضاءة بطريقة قوية تؤدي الى تخليل الطبقة الطلائية في القرنية مما يؤدي الى ألم شديد ومن المفترض ان يستخدم في حالة الشعور بهذه الحالة قطر العيون ولمدة ثلاثة أيام ونصح الدكتور العمال الى عدم استجلاب الادوية من الصيدليات بطريقة ارتجالية حتى لا تفاقم اصابتهم وأضاف بقوله انه عادة ما يتحمل اصحاب المحلات تكاليف أي اصابة وغالبيتهم يتركون المصابين وعدم الالتزام بمعالجتهم ويصبحون ضحايا مهنتهم القاتلة.

صاحب عربية لحام سفري

ماجد العريقي يمتلك عربية صغيرة يحمل عليها مكينة لحام سفري يتجول بها في احياء العاصمة. يعتمد على دخل بسيط يقدر ما بين الـ1500 والـ2000 ريال يمني يومياً يحصل عليه مقابل عمله في تلحيم الأبواب والنوافذ واغلبية الأدوات الحديدية التي يصعب على اصحابها نقلها الى محلات اللحام البعيدة من منازلهم. ويقول ماجد ان هناك الكثير من الملحمون الذين يملكون مكائن لحام سفرية يحملها الملحمون على العربيات ليتجولون بها في احياء العاصمة من اجل كسب الرزق. واشار لصحيفة «الثوري» بأن مشكلة تواجه هؤلاء الملحمين المتجولين يومياً في الأحياء وهي مشكلة انطفاء الكهرباء بشكل دائم وهذه توقفنا عن العمل دوماً. مضيفاً انه من الصعب العمل بدون كهرباء واذا فكرنا بشراء مواطير فإن مكائن اللحام لا تشتغل بمواطير صغيرة لأنها ضعيفة ولا تفي بالغرض أيضـاً. ومن الصعب حمل مواطير كبيرة على عربيتنا الصغيرة فمكينة اللحام لا تشتغل إلا بمواطير قوتها لا تقل عن خمسة كيلو وات وهي كبيرة. لكن ماجد قال انه لم يعد يتجول في الأحياء والشوارع بسبب التعب والملل الذي أرغمه على البقاء جوار احدى محلات أدوات البناء ومعه مكينة اللحام يحرسها ومنتظراً رزقه منذ الصباح وحتى المساء كل يوم.

خطورة مناشير الجلوخات أثناء قطع الحديد

اثناء زيارة صحيفة «الثوري» لإحدى محلات اللحام في العاصمة صنعاء كان مختار يتواجد هناك. قال إن هناك استخداماً خاطئاً لهذه المناشير التي تستخدم لقطع الحديد من قبل غالبية عمال اللحام فهؤلاء العمال خلال استخدامهم لقطع أي وصلة حديدية يقفون مقابل هذه المناشير مباشرة وهذا خطأ كبير لأن ريشة المنشار غالباً تكون نوع «فيبر» وهي غير آمنة وغير قوية وغالباً ما تنكسر وتصيب العامل الذي يقابلها مباشرة وهذا ما يحدث وانا اعرف أحد العمال وقد تعرض الى اصابة بليغة دمرت عينه وظل يستخدم العلاج لكنه لم يستفد منه.

الصحيفة طلبت من مختار مقابلة هذا المصاب والذي قال انه غير متواجد الآن في العاصمة وأكد ان المصاب مسافر. مختار حذر عمال اللحام بعدم الوقوف امام هذا المناشير القاتلة ونصحهم اثناء استخدام المناشير لقطع الحديد بأن يقفوا جانباً لهذه المناشير بحيث لا تصيبهم شرائح الرياش الخبيثة وشظايا الحديد الصغيرة التي تتطاير لتخترق جسم العامل وبالذات العين فتدمرها.

مقترحات

يقترح الدكتور نشوان العطاب وعدد من مختصي العيون بعض المقترحات التي قد تستوفي الوقاية من الأضرار الناتجة للعاملين أثناء ادائهم مهنة اللحام ان اخذوها بعين الاعتبار. قالوا انه من المفترض على اصحاب المحلات إلزام العمال بارتداء النظارات الواقية للعيون وإلزامهم ايضاً استخدام جميع أدوات السلامة بالإضافة الى قيام الجهات المختصة والمسؤولة بوضع قوانين تصون حقوقهم ومن ثم تقوم بمراقبة جميع أصحاب المحلات وعمال اللحام في عموم محافظات الجمهورية اليمنية على ذلك. ويكون هذا من خلال تشكيل لجان خاصة تابعة للجهات المسؤولة التي تراقب العمال في الورش وبشكل دائم وإجبار من يخالف هذا بدفع غرامات بالاضافة الى النزول في حملات توعية ترشد العمال وبشكل مكثف ومستمر ويكون من خلال الوسائل المختلفة مثلاً عبر وسائل الإعلام واللواصق التي توصل رسالة الى العمال مضمونها الاستخدام السليم لأدوات السلامة وتعريفهم بالأضرار التي تعرضهم للاصابات المختلفة في حال مخالفتهم واهمالهم. وكما اقترح ايضاً على ان تكون هذه الحملات ليس فقط من قبل الجهات الرسمية بل من المهم تفاعل ومشاركة المؤسسات والجمعيات الحرفية والمهنية والمنظمات في توصيل رسائل سواء من خلال فعاليات وورش ودورات وبرامج توعوية للعمال ومن خلال هذا الدور قد يحمي العاملين انفسهم من الأضرار الناتجة من اللحام وكي لا يكونوا ضحايا إهمالهم ومهنتهم الخطيرة.

قراءة 11155 مرات

من أحدث