طباعة

الرواية الإنجليزية "فرسان الجزيرة العربية: قصة اليمن في القرن الخامس الهجري"* مميز

الإثنين, 15 تموز/يوليو 2019 17:38 كتبه 
قيم الموضوع
(20 أصوات)
أميمة حسن شكري
 
   
 مرمدوك بكثال Marmaduke Pickthall، 
"فرسان الجزيرة العربية: قصة اليمن في القرن الخامس الهجري" نشرت في عام 1917م عن دار كولينز. في لندن. 
الروائي  
يحظى مرمدوك بكثال Marmaduke Pickthall  (١۸٧٥-١٩٣٦م) بقدر من الشهرة ترجع في المقام الأول  إلى كونه من مترجمي القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية، ولكنه كان كذلك كاتباً له نتاج أدبي ذو قيمة فكرية: ثلاث مجموعات قصصية، وخمسة عشر رواية أستلهم معظمها من الشرق الأدنى، ولذلك حقّ لأحد النقاد أن يقول: "تعد الروايات الشرقية التي كتبها بكثال أهم ما أُنتج لنا لمعرفة الشرق المسلم في أي بلد في هذا القرن." وقال عنه إي.فورستر E. Forster إنه "الروائي المعاصر الوحيد الذي يفهم الشرق الأدنى".1
بدأ بكثال رحلاته إلى الشرق منذ عام ١۸٩٤م، حيث جال مدن فلسطين، وسورية، ومصر، وتركيا، وجمع كماً كبيراً من الذكريات أصبحت مادة لأعماله الأدبية، أبرزها الروايات :"سعيد الصياد"Sa'id the Fisherman (١٩۰٣م)، و"دار الإسلام" The House of Islam (١٩۰٦م) ، و"أبناء النيل"  The Children of the Nile (١٩۰٨م)، و "وادي الملوك" The Valley of The Kings (١٩۰٩م)، و"نساء محجبات" Veiled Women (١٩١٣م)، و "دار الحرب" The House of War (١٩١٦م)، و"لقاءات مشرقية:  فلسطين وسورية ١۸٩٤-١۸٩٦" Oriental  Encounters,Palestine and Syria 1894-1896 (١٩١٧-١٩١٨م). في جميع هذه الروايات حاول بكثال عرض حياة الإنسان الشرقي في فلسطين، وسورية، ومصر، وتركيا، وتناول التغيّرات الإجتماعية والثقافية فيها، و دور الأوروبيين وعلاقاتهم بشعوب هذه البلدان.2 وفي سبتمبر من عام ١٩١٧م، أي قبل إعلان بكثال إسلامه بشهرين نشر "فرسان الجزيرة العربية"(Knights of Araby)، التي أعطيت عنواناً فرعياً أو تكميلياً "قصة اليمن في القرن الخامس الهجري" A Story of the Yaman in the Fifth Islamic Century، ونشر بعدها "الضحى" The Early Hours (١٩٢١م). و ينبه عدد من الدارسين لحياة وأعمال بكثال إلى حقيقة وهي أن هاتين الروايتين جعلت من بكثال الرائد الأول لظهور "الرواية الإسلامية" في الأدب الإنجليزي، غير أن مايميز "فرسان الجزيرة العربية: قصة اليمن في القرن الخامس الهجري" عن غيرها هو أنها "رواية تاريخية" من منظور التصور الإسلامي، وهو مالم يسبق بكثال في ذلك أحد من الكتاب الإنجليز.3
الرواية  
يقول بيتر كلارك Peter Clark  في  كتابه  "مرمدوك  بكثال: مسلم  بريطاني": "جميعها [الروايات] باستثناء "فرسان الجزيرة العربية"، تدور أحداثها في الشرق الأدنى الذي عرفه بكثال"؛4 فالمعروف ان بكثال لم يزر اليمن في حياته، و في هذه الرواية عنها في العصور الوسطى رجع إلى عدة مصادر تاريخية باللغتين العربية والإنجليزية وعلى رأسها "تاريخ اليمن المسمى المفيد في أخبار صنعاء وزبيد" لنجم الدين عمارة الحكمي.5 تدور الرواية بين الأعوام (٤٥٨-٥١٣ﻫ/۱۰٦٦-١١٢٠م) التي جرت فيها صراعات دامية بين الدولتين النجاحية والصليحية المتعارضتين سياسياً وعقائدياً، حيث اتسمت الأولى بالسنية وتبعيتها للخلافة العباسية، والثانية بالشيعية وولائها للخلافة الفاطمية.6 والشخصيات المركزية في الرواية من النجاحيين، الأخوان سعيد الملقب بالأحول وجياش، من أبناء نجاح الحبشي مؤسس الدولة النجاحية، ويظهر من الصليحيين، مؤسس الدولة الصليحية، أبو الحسن علي بن محمد وزوجته أسماء بنت شهاب، وابنهما المكرم أحمد وزوجته سيدة بنت أحمد (أروى)،7 وهناك عدد من الشخصيات الثانوية من أفراد العائلتين، وشخصيات أخرى حقيقية أو مثبتة في التاريخ، بالإضافة إلى حشد من الشخصيات المتخيلة. وتنقل بكثال بالشخصيات بين عدة مدن يمنية صنعاء، وذو جبله، وعدن، وتعز، والمهجم، وباب المندب، وغيرها، ولكن تجري معظم أحداث الرواية في زبيد عاصمة تهامة،التي تقلبت السيادة عليها بين  النجاحيين والصليحيين، وكثيراً ما جاء ذكر دهلك من جزر البحر الأحمر8 التي أنسحب إليها النجاحيون وأتباعهم بعد مقتل مؤسس دولتهم واستيلاء الصليحيين على عاصمتهم زبيد. ونقرأ في الرواية عنها: 
 "كان علماء زبيد جميعهم من السنة دون استثناء، كانت مدينتهم منارة السنية، ومع ذلك كان المنشقون يرجعون إليهم في المسائل العقدية، ويرسلون أبناءهم لطلب العلم في مدارسهم. والآن أصبح الشيعة هم المسيطرون سياسياً، وأصبح في القصر والي شيعي..."
استمر سقوط الدولة النجاحية بعد أن نجح علي بن محمد الصليحي بتدبير حيلة وقتل نجاح بالسم، وبقي سعيد الأحول و جياش يتحينان الفرص لاسترجاع حكم أبيهما حتى تمكنا من قتل الصليحي وأخيه ومن كان معهما من آل الصليحي في موكب الحج إلى مكة، وأسرا زوجته أسماء بنت شهاب وعادوا بها إلى زبيد. قام المكرم أحمد بن علي الصليحي بعد ذلك بإنقاذ أمه من الأسر، وأستولي على زبيد مرة أخرى بعد قتال شديد، ولكن خرجت زبيد من يده واستعادها سعيد الأحول وجياش، ثم غلبهما مرة أخرى، ودُبرت مؤامرة لقتل الأحول. نقرأ في الرواية قول أحد علماء زبيد حول إراقة الدماء: 
"أنتم تعرفون قول النبي (صلى الله عليه وسلم): "إِنَّ دِمَاءَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا... وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ."  كل الناس يعرفون أن الثأر محرم، لكن أنظر إلى كل بلاد العرب، جميع الحكام كباراً كانوا أم صغاراً في صراع؛ فتعاليم ديننا لم تترسخ إلا لدى أهل العلم وعامة الناس. وأولئك الكبار الذين يبجلون أنفسهم وأفعالهم، هم قليلو الأهمية، عبيدهم ومرتزقتهم هم فقط من يمجدونهم، بينما الناس بأسرهم يقاسون منهم وأهل العلم يزدرونهم."
وفي مجلس آخر لعلماء زبيد دار فيه نقاش طويل، يقول أحدهم:
"ان التعصب لأي حاكم أو أي أرض، وكراهية الآخر هو سبب نصف الشرور التي تعصف بالبشر."
الصراع بين  بني نجاح  و بني الصليحي لم يتوقف؛ فبعد مقتل سعيد الأحول، فر جياش إلى الهند وأشاع أنه مات ثم عاد إلى اليمن متنكراً في زى فقير هندي؛ فتسنى له الاقتراب من عامة الناس، لذلك يقول:
"الناس لا يريدون إلا السلام. أنا أتعامل معهم يوميًا، وأنا أعلم ذلك."
ونقرأ في الرواية ما يذكره أحد المؤرخين في زبيد حول ما آل إليه الحال من وبال الصراعات:
"قُطعت أشجار الفاكهة وأُحرقت، ودكت البيوت، وجاب السكان البائسون تهامة يتسولون."9
و تنتهي الرواية باستعادة جياش لزبيد واستمرار حكمه لتهامة، بينما عاد المكرم أحمد لمناطق حكمه. ويحدث أن يعقد كل منهما النية على أداء فريضة الحج، وقبل وصول جياش إلى مكة أبُلغ أن المكرم أحمد وزوجته سيدة بنت أحمد (أروى) بين الحجاج، ويُرجى منه التراجع لتجنب تجدد الصراع بينهما. قرر جياش بعد أن أعياه التفكير أن يكتب خطاباً للمكرم أحمد يبلغه فيه بما عقد عليه النية من أداء فريضة الحج، ويعلمه بعزمه على عدم العودة إلى مسار الصراع القديم، وتعهد بعدم التعرض لحياته أو أراضيه. ورد عليه المكرم أحمد بمثل ما تعهد بعدم التعرض لحياته أو أراضيه، وأنهى خطابه بقوله انه سيتجنب لقائه خجلاً من كل ما جرى، وإذا التقيا وجهاً لوجه فيطلب منه ان لا يلقي عليه السلام.
كما ذكرنا بداية، رجع بكثال في روايته "فرسان الجزيرة العربية: قصة اليمن في القرن الخامس الهجري" إلى عدة مصادر تاريخية، وهي في الحقيقة تنقل روايات مختلفة في كثير من أجزائها وإن كانت متقاربة في بعض سياقها. ولكن بكثال حين أستلهم الرواية من التاريخ، كتبها لتكون عملاً أدبياً وليس بغرض إثبات حقائق تاريخية، لذلك نجده يدمج في روايته بين الحدث التاريخي والخيال الأدبي محاولاً إتمام مالم ُيذكر أو مالم يحدث في التاريخ. و يقوم بكثال أحياناً كثيره في الرواية إيضاح مفاهيم الإسلام للقارئ الإنجليزي كما في ترجمته للقرآن الكريم، فضلاً عن آرائه الخاصة. كتب بكثال في مقدمته للرواية أنها: "محاولة لشحذ الذاكرة التي جفت وإحيائها من جديد ببعض جمال الشخصيات. وحتى لو لم تكن الرواية ناجحة فإنها تلفت انتباه القارئ الإنجليزي إلى حقيقة وهي أن المسلمين طوال القرون الماضية واجهوا نفس المعضلات التي نواجهها اليوم..." 
الهوامش
* المقال جزء من بحث تعده الباحثة.
1. بيتر كلارك، مرمدوك بكثال: مسلم بريطاني، ترجمة أحمد بن يحيى الغامدي (الدوحة: منتدى العلاقات العربية والدولية،٢٠١٥م)،ص۲٩. و
. Fremantle , Anne, Loyal Enemy. London : Hutchinson.1938, p.258.
2. المرجعان السابقان، ص١٣٥-١٨٨ و ص۲٩-٩٤ على التوالي.
3. بيتر كلارك، مرجع سابق، ص٣٢. وصلاح عبدالرزاق، المفكرون الغربيون المسلمون، (بغداد: مركز دراسات فلسفة الدين، و بيروت: دار الهادي،٢۰۰٨)، ص٢٨.و
Ashraf, Adnan. A Vehicle for the Sacred: Marmaduke Pickthall’s Near Eastern Novels.In Geoffrey P. Nash (Ed.),Marmaduke Pickthall Islam and the Modern World.Liden/Boston: Brill (pp.182-195).
4. بيتر كلارك، مرجع سابق، ص٣١. 
5. المرجع نفسه، ص١٧١.  
6. الدولة النجاحيَّة (٤١٢ -٥٥٣هـ / ۱۰٢٢-١١٥٨م) أسَّسها نجاح الحبشي من موالي أمراء دولة بني زياد واصبح أهم قاداتها، ملك زبيد وسائر بلاد تهامة، وقد توالى على الحكم بعده ستة أمراء، أشهرهم سعيد الملقب بالأحول وجياش من ابناء نجاح. اتَّسمت الدولة النجاحيَّة بالسُّنِّيَّة وتبعيَّتها للخلافة العباسية في العراق. أما الدولة الصليحيَّة (٤۲٩-٥۳۲هـ/ ١٠٣٧-١١٣٨م) اتسمت بالشيعية وولائها للخلافة الفاطمية في مصر. وقد أسَّسها علي بن محمد الصليحي، وجعل صنعاء عاصمة له، وفي عهده كان أقصى اتساع للدولة الصليحية في اليمن، وقد توالى على الحكم بعده ثلاثة ملوك: إبنه المكرم أحمد، ثم سبأ بن أحمد بن المظفر بن علي الصليحي، ثم سيدة أو أروى بنت أحمد الصليحي، وهي التي رأت نقل عاصمة الدولة إلى جبلة. وكل ما سبق ذكره هو عند أغلب المؤرخين (راجع محمد السروري، الحياة السياسية ومظاهر الحضارة في اليمن في عهد الدويلات المستقلة من سنة (429 هـ/1037م) إلى(626 هـ/ 1228م)، (د.م.ن،۱٩٩٧م).
7. هكذا ورد اسمها في الرواية كما هو في العديد من المصادر التاريخية الصليحية وفي وصيتها، بينما يؤكد آخرون ما ذكره إدريس عماد الدين في "عيون الأخبار وفنون الآثار"، و وجيه الدين الوصابي في " تاريخ وصاب المسمى الاعتبار في التواريخ والآثار"، اللذين عاشا في فترة قريبة من عهد الدولة الصليحية، وهو ان اسمها أروى بنت احمد، وان سيدة هو أحد ألقابها مثل الملكة والحرة (راجع محمد السروري، مرجع سابق، ص۱٤٣-۱٤٧).
8. دهلك: مجموعة جزر في البحر الأحمر بين اليمن وإرتيريا، لها تاريخ طويل من تغير السيادة عليها، ولكن منذ القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) وحتى القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) أل أمرها إلى الدولة الزيادية في زبيد، ومن بعدها الدولة النجاحيَّة. (مجموعة مؤلفين، العرب والقرن الأفريقي: جدلية الجوار والانتماء، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ٢٠١٣م)، ص١٠. 
9.أنظر النصوص الإنجليزية في:
.Pickthall, Marmaduke. Knights of Araby: A Story of the Yaman in the Fifth Islamic Century. London: W. Collins Sons & CO. LTD1917.p.13-14, 47,197,353.
قراءة 3863 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 16 تموز/يوليو 2019 20:08

من أحدث اميمة حسن شكري