طباعة

عن ثلاثة من عقلاء النهار في صنعاء!!

الأحد, 28 تموز/يوليو 2019 17:18 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

في تجوالي الصباحي الذي يبدأ من الحارة وينتهي بها، مرورا بالمقهي والسوق، اصادف عشرات المشاهد والوجوه، بعضها صار لازمة مألوفة، وجزءا اصيلا من نسق التجوال ومتعته، التي افتقدها ان لم تصر فاعلة في تفاصيله.

 اصادف احيانا وبأوقات متقاربة   ثلاثة اشخاص (امرأة ورجلين) هم بتشخيصات المجتمع، ومن وجهة نظر ناسه مجانين، تدل عليهم اما ملابسهم المتسخة الرثة او افعالهم الغريبة، وطرائق تعاملهم مع المحيط واشيائه.

اولهم امرأة ستينية  قصيرة بيضاء  ملابسها بيتية ونظيفة (شبشب بلاستيكي وجلباب مزركش وسروال طويل بنهايته معقوصة متللة وجاكت صوف داكن وغطاء راس ملون، تتحول اطرافه الى برقع  لتغطية الوجه الابيض المكرمش)، مع اول سطوع للشمس  تفتح باب بيتها الشعبي الملطخ بالوان كرنفالية وتخرج مكانسها المتعددة، لتبدأ بكنس الشارع الذي امام مسكنها وارصفته ، وخلال ساعتين تكون قد حولت مئتي متر من الاسفلت المتآكل والبلاط الخشن  الى مرآة داكنة ، ليس عليها حصاة واحدة، و ملأت وعاءا كبيرا من الحديد بالتراب والحصى  والبلاستيك واوراق الاشجار الجافة المتساقطة من اسوار المساكن المقابلة والمجاورة لمسكنها البسيط .

وفي ذات الساعتين يكون  صوتها قد بح ، وانسدت حنجرتها  من صراخ تطلقه على المارة والاطفال، الذين لا يقدرون عملها ، ومن ترديد الاغاني والمهاجل والآيات بصوت يستفرغ حنينه  بكثير من الشجن القروي.

ثاني الثلاثة هو مجنون مقهى وردة الظريف في سوق الملح.  اسمه علي، وفي منتصف العمر. قيل انه جن بسبب امرأة كان يعشقها، ومن وقتها وهو  يقضي معظم وقته متجولا بسرعة ملحوظة في  السوق لتجميع ، الى جانب كؤوس المقهى والعلب الفارغة ،الكثير من مخلفات الكارتون والبلاستيك والاقمشة والاجولة ومراكمتها بالقرب من المقهى لتكون في متناول من يريد من النساء  الاطفال الذين يغادرون منازلهم الفقيرة ،للبحث عما يكون بديلا للغاز والحطب من الكراتين والاجولة والقماش التي تستوقد لطهي الطعام.

يحفظ مواعيد الدخول لحمامات الرجال في الميدان والابهر وشكر، وان استطاع مغافلة حراس الابواب والوصول الى مكان استحمام الزبائن فاول ما يفعله هو نزع كيس التحميم من يد العامل بالقوة، ثم يبدأ بكشط جلد الزبون المبطوح امامة حتى يخرج الدم منه ،ولا يستطاع ثنيه من عمله هذا الا باستخدام العنف الشديد معه من العمال والزبائن ، فالقوة التي تتركبه في لحظة انفعاله تصير خارقة للمقاومة ، ولا يمكن امتصاصها  الا بمسايرته وترضيته، بجعل احد عمال الحمام يقوم بدور الزبون المقروش جلده حتى يفرغ طاقته عليه.

ثالث الثلاثة مجنون شاب  في سوق القاع ، ينتظر حتى يغتلي السوق بالازدحام ،فيبدأ بتجميع اكياس البلاستيك المتسخة من تحت اقدام المتسوقين ووضعها في (عقر) ثوبه  الطويل المتسخ ،حتى اذا صار متكورا ، وابان رفعها للأعلى جزءا من مناطقه الحساسة ينطلق بسرعة عجيبة الى قرب بوابة مبنى (امانة العاصمة) القريب فينثرها بطريقة فنية سريعة ايضا، لتمكن حراس المبنى من اللحاق به، وان لحقوا به، كما صار في اكثر من مرة ،فانه يتحمل عنفهم بكل شجاعة، لهذا استحدثوا برميلا قرب البوابة ،لا يكون المجنون  الشاب وفي اكثر المرات  معنيا بوضع  نفاياته المجمعة   فيه ، حتى وهم يأمرونه بذلك.

قراءة 1488 مرات

من أحدث محمد عبد الوهاب الشيباني