طباعة

القضية الجنوبية.. رؤية سياسية – تاريخية (1-2)

السبت, 26 تشرين1/أكتوير 2019 16:28 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

إطار مفهومي- سياسي للوحدة ولدولة الوحدة:

إذا كان من المهم أن نعيش في التاريخ وداخله ونتذكر تفاصيله ، فإن الأهم والأجدى ، هو ان نساهم في صناعته ، وفي تغييره ، حتى لا نبقى أو نظل جزءاً ميتا فيه ، تكراراً لما كان. ولذلك نرى أن علينا ان نصنع تاريخ وحدتنا اليمنية المعاصرة ، رغم كل ما يجري اليوم من صراع دموي/ حربي (داخلي/ اقليمي)، بين جميع الأطراف في الجنوب، وفي الشمال.. أن نبنى وحدتنا ، ودولة الوحدة على أسس من المدنية ، والمواطنة ، وسلطة القانون ، أي على غير مثال سابق للوحدة ، والتوحدات ، والتوحيدات ، والاتحادات الغابرة (الاقطاعية ، والعسكرية ، والقبلية ، والدينية ، والجهوية) التي كانت ثم بادت ، منذ توحيدات "شمر يهرعش "، و"المتوكل على الله" اسماعيل ، الى وحدة بيت حميد الدين في العشرينيات ،  في حربهم باسم الدين على المقاطرة تحت دعاوي خطاب "الفتح" والتوحيد" وخطاب "كفار التأويل" وكذا في حربهم على الزرانيق، حتى وحدة 1994م التي قامت على الحرب والموت والدم. والتي اعلنت فشلها الذريع كوحدة إندماجية ، وسقوطها وعجزها ، بقيام الحراك الجنوبي السلمي 2007م، وثورة الشباب والشعب في فبراير 2011م. حتى وصولنا الى الحوار ، ومخرجات الحوار التي نبحث عن كيفية تنفيذها بعيداً عن عقلية وشروط دول ، ودويلات الوحدة الحرب التاريخية، أوالعودة إلى دويلات المشيخات والإمارات والسلطنات التي تجاوزتها ونقضتها ثورة 14/أكتوبر 1963م . لأن خطاب استعادة دولة الوحدة خطاب ايديولوجي/ سياسي  ، ملتبس ، ووهمي لا صلة له بالوحدة المنشودة التي نتوق اليها جميعاً اليوم، وليس وحدة التوحيد بالحرب الثانية في مارس- يونيو 2015م التي حاولت التأسيس ثانية لاستعادة دولة الاجتياج والغنيمة والفيد للتأكيد على هيمنة دولة العصبية و"المركز"، ولذلك علينا أن لا نعيش، بل ونخرج ونغادر جلباب تاريخ وحدات ، واتحادات ، وتوحيدات ، العصبية والقبلية ، والتغلب والشوكة. علينا فعلاً أن نبدأ بصناعة وإنتاج تاريخنا الذاتي والوطني الخاص بنا ، كما نريده ، في الشمال والجنوب وبما يحقق مصالح اليمنيين جميعا-وليس قياساً على مثال سابق استبدادي- وهو عمل سياسي ومعرفي ، وثقافي ، وهو مع ذلك ، قضية كفاحية عملية سياسية ووطنية.

 إن خطاب الوحدة اليمنية المعاصرة (المدني والديمقراطي) وفكرة وقضية الوطنية اليمنية بدلالاتها ومضامينها المعاصرة، إنما تبلورت ونضجت ، وتشكلت ملامحها ، وأبعادها ومفرداتها ، داخل إطار وتاريخ الكيان السياسي  الجنوبي ، منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي (العشرين) وكانت الحركة السياسية الوطنية، والقومية، والتقدمية الديمقراطية المعاصرة في الجنوب ، وفي الشمال بعد ذلك ، هي الحامل الايديولوجي ، والسياسي ، والثقافي لها. ففي الجنوب، وتحديداً في المدينة عدن على وجه الخصوص، ومعها لحج وحضرموت ، تشكلت المضامين الايديولوجية والسياسية والوطنية للوحدة اليمنية المعاصرة ، من جميع أبناء اليمن المتواجدين في الداخل وفي الخارج ، المقصود بالخارج هم(الطلاب اليمنيون من الشمال ومن الجنوب في مصر)على أنقاض المفاهيم  والرؤى الايديولوجية الماضوية .. وجاءت اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي في دورتها التاسعة بتاريخ 5-7يونيو 2013م لتؤكد على الأهمية السياسية والوطنية "للحفاظ على الجنوب كطرف وكيان سياسي موحد". كان خيار وحدة البلاد الوطنية ، في كل جزءٍ منه ، ووحدته اليمنية ، حاضراً في أذهان المجتمعين، مثلما كان حاضراً حين تم توحيد الجنوب بعد الاستقلال الوطني 30 نوفمبر 1967م، في دوله وطنية واحدة. ولأول مرة في تاريخ الجنوب كله- والتي يريد البعض  اليوم معاقبتنا على القيام بذلك- وكانت هي الخطوة الاولى نحو تحقيق الوحدة اليمنية لاحقاً ، لأن هم الوحدة الوطنية ، للجنوب وللشمال ، كان يشغلنا كحزب ، في الجنوب قبل الشمال، وكذا كدولة بعد ذلك . وعلى ذلك لا نرى في الحديث عن الجنوب كطرف سياسي موحد ، عملاً سياسياً ضد الشمال ، أو ضد الوحدة ، بل تأكيداً لأهمية وحدة الجنوب كمجتمع في اطار دولة وطنية موحدة هو حديث عهد بها ، قياسا الى الشمال الموحد جيو/سياسيا ، في إطار حكم الإمامة التاريخية، وفي إطار الدول اليمنية المختلفة: الصليحية والرسولية والطاهرية.. وهو كذلك تأكيد أن الجنوب ليس جزءاً من الشمال ، وفقاً لأيديولوجية "الفرع والأصل" ، وأن الجنوب والشمال معاً ، وفي توحدهما ، هما من يشكلان الهوية الوطنية اليمنية الجامعة لهما. لأن الوحدة اليمنية اليوم ، تعني جنوب قوي  ، ومتماسك  ، وموحد ، وشمال قوي ومتماسك وموحد وهو ما لاتريده القوى الاستعمارية ووكلائهم الصغار. وهذه اللحظة السياسية الموضوعية التاريخية ، هي الضمانة لاستمرار وحدة الكيانين موحدين، سواء على صعيد كل شطر، أو موحدين في دولة اتحادية واحدة، فلا وحدة بالحرب، ولا انفصال بالحرب.

لقد أكدت الوقائع والحقائق السياسية الجارية طيلةنيف وعقدين منصرمين، أن الوحدة الاندماجية والفورية قد أعلنت فشلها وسقوطها.

نحن في الاشتراكي نتمنى ونرجو أن لا يزايد أحد علينا بالوحدة وبخطاب الوحدة، ولانرى في من يرفع عقيرة شعار الوحدة ، بعد أن اغتالها بالحرب ، سوى محاولة للحفاظ على الوضع القائم الذي يحفظ له مصالحه ، هذا أولاً ، وهو الذي اغتال الوحدة بالاستبداد ، وبالفساد المنظم والممنهج. وهو، ثانياً، من اغتالها بالإقصاء لجميع مكونات وأطراف المعادلة السياسية ، والاجتماعية ، والوطنية بدءاً من اخراج الجنوب كله من معادلة الشراكة والمشاركة في بناء الوحدة ، والدولة ، وفي احتكار السلطة والثروة. وهو، ثالثاً والأهم، تحويله الجمهورية والوحدة والدولة إلى حالة "توريث" ، وملكية عائلية ، وكأن الشعب اليمني لم يقم بثورة 26 سبتمبر ، وثورة 14 اكتوبر ، ولم يحقق وحدة سلمية ديمقراطية في الأصل. لان النظام السابق أعاد اليمنيين جميعاً الى مربع التشطير والانفصال ، عملياً وحقيقة ، وهو ما أدى إلى ثورة الشعب ضد نظامه العائلي والعصبوي ، في الشمال والجنوب وإلى انقلاب نصف حكمه عليه لأن مصيره بات مهدداً في المقام الأول فركب موجة الثورة، ، لأنه –نظام علي عبدالله صالح- صار خطراً محدقاً بالوطن كله. وهو رابعاً . والتجربة السياسية والعملية مع القوى الرافضة لمشروع بناء الدولة المدنية الحديثة تقول: إنه كلما ارتفع صراخ وعويل الخوف على الوحدة ، تأكد أن الهدف السياسي والحقيقي هو ضرب مشروع الدولة ، ومصادرة سؤال بناء الدولة لا أكثر ولا أقل. وهو خامساً ، ما يجري منذ 21 سبتمبر 2014م حتى لحظة اجتياح الجنوب ثانية 2015م، يقول ما لم يقل، وهو أن دولة العصبية، والمركز لن تقبل بمخرجات الحوار الوطني، لأن المخرج السياسي الكبير لهذه المخرجات يقول بالضرورة السياسية والوطنية والتاريخية لبناء الدولة الوطنية المدنية الاتحادية.

 ولذلك فإن هذه المجاميع والقوى هي آخر من يحق لها الحديث عن الوحدة اليمنية والحفاظ عليها. هذا إذا كان فعلاً يحق لها الحديث الجدي المسؤول عن الوحدة.

في حوارات اللحظة الأخيرة قبيل اعلان قيام دولة الوحدة، كان الحزب الاشتراكي هو من أصر على طرح خيار تحقيق الوحدة الإندماجية ، في حين كان طرف من المؤتمر الشعبي العام ضد الوحده، وضد دستورها، وضد الوحده مع الجنوب  ، لان من يقوده اشتراكي "كافر" ، وخاصة الجناحين القبلي  والديني . أما الطرف الآخر من المؤتمر الشعبي العام ، فكان  مع خيار دولة اتحادية فيدرالية تجمع الكيانين السابقين. فهل كان ذلك رفضا للوحدة ، أم خياراً انفصالياً ، أم أنه خيار سياسي لشكل من اشكال دولة الوحدة الممكنة ، والمقبولة؟ وعلى ذلك لا نفهم اليوم ، كيف يصبح خيار دولة اتحادية من إقليمين ، ودون استفتاء على الحق في تقرير المصير ، -كمرحلةتأسيسة- تفريطا بالوحدة ، وخيانة لها ، ومقدمة للانفصال ، كما كان يروج لذلك إعلامياً ، المؤتمر الشعبي العام والجناح القبلي العسكري (التكفيري) في تجمع الإصلاح. وهل نفهم من ذلك أن خيار الإنفصال  ، هو خيار جنوبي بالضرورة ، وخيار الوحدة شمالي بطبعه؟ مع أن كل ما كان يمارس ويتحقق على الأرض من بعد حرب 1994م، هو قمة التعبير والتجسيد العملي عن التشطير والإنفصال. ويكفي القول أن الاحتفال بذكرى 17 يوليو 1987م وهي مناسبة شطرية كان يجري الاحتفال بها رسمياً وسنوياً وفي القصر الجمهوري وفي قلب دولة الوحدة.

لقد تدرج موقف الحزب الاشتراكي من القضية الجنوبية، من بعد حرب 1994م على النحو التالي:

إدانته ورفضه للحرب والإنفصال معاً ، في أول دورة للجنة المركزية بعد حرب 1994م في دورة سبتمبر 1994م.

-دعوته بعد الحرب مباشرة، وفي حمى لهيب نار الحرب والتخوين والتكفير الديني. لإزالة آثار الحرب السياسية والاقتصادية التي طالت الجنوب كله ، وتحوله الى غنيمة حرب.

-تبنيه ، وطرحه ، ودعمه لقضية ومفهوم ، "اصلاح مسار الوحدة"، حين كان رفع مثل هذا الخطاب جريمة سياسية، وخيانة وطنية في الاعلام الرسمي.

دعوته السياسية للمصالحة الوطنية -في حينه- بين الشمال والجنوب ، وفي إطار كل كيان على حده.

-مساهمته في صياغة "وثيقة الانقاذ الوطني الشامل" ، التى  حددت ثلاثة مستويات لشكل الدولة ، فيدرالية ، حكم محلي واسع الصلاحيات ، وثيقة العهد والاتفاق التي قامت حرب 1994م ، ضد مضمونها السياسي والوطني ، ووصمت بأنها وثيقة الخيانة ، والعمالة ، والإنفصال.

-دعمه ووقوفه الى جانب الحراك الجنوبي السلمي ، منذ أول لحظة لانطلاقته ، واشتراك قواعده وقياداته في جميع فعاليات وأنشطة الحراك، مع رفضه الوصاية على الحراك ، لأن طبيعة الحراك ومكوناته، تجاوزت موضوعياً وسياسياً وتنظيمياً ، قدرة أي فصيل كان على الإمساك به ، ومتابعته ، وملاحقة تطوراتها الجارية على الارض ، أو ادعاء القدرة على فرض سيطرته على الحراك في واقع الممارسة ، الذي كان وما يزال في حالة سيولة ، وصيرورة ، لا يمكن التحكم بها أو ضبطها ، أو ‘إيقافها  إلا بمعالجات سياسية ووطنية استراتيجية وشاملة للقضية الجنوبية وهي المدخل لحل القضية الوطنية اليمنية عامة.

قراءة 3941 مرات

من أحدث قادري احمد حيدر