طباعة

القضية الجنوبية.. رؤية سياسية – تاريخية (2-2)

الخميس, 31 تشرين1/أكتوير 2019 18:26 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

إطار مفهوهي- سياسي للوحدة ولدولة الوحدة:

إن المسار الموضوعي، والسياسي الواقعي ، للقضية الجنوبية في تفاعلاتها وتعقيداتها وفي اشتباكاتها  وتحولاتها الراهنة ، هو ما أوصلنا الى تقديم مشروع قيام  دولة اتحادية من إقليمين ، وهو تدرج سياسي ومنطقي وواقعي يعكس رؤية سياسية ووطنية وتاريخية واضحة ومتماسكة وثابته تجاه خيار الوحدة ، وتجاه مستقبل اليمن الديمقراطي .

حين ذهبنا في الحزب الاشتراكي الى الوحدة الإندماجية في 22 مايو 1990م، ذهبنا اليها بعقل سياسي وطني وحدوي صادق، وخال من عقلية المؤمراة ، ولكن بدون رؤية سياسية استراتيجية واضحة ومحددة وتفصيلية حول سؤال الدولة ، وكيف تقوم وتتأسس دولة الوحدة ، والذي ووجه بممانعة داخلية شديدة من القوى العصبوية/ التقليدية في الشمال (المركز السياسي التاريخي). ولذلك ضربت الوحدة في عمقها السياسي ، والوطني ،من الاشهر الأولى للوحدة، لأنه لا يمكن قيام وحدة مساواة ، ومواطنة ، بدون دولة مدنية حديثة تجسد وتحقق مصالح جميع أطرافها ومكوناتها السياسية والاجتماعية ، والوطنية ، وهو ما أوصلنا الى ما نحن عليه . ولا نريد ان نذهب اليوم الى وحدة اتحادية فيدرالية من عدة أقاليم ، على منوال الإندماجية التي فشلت ، ونحن لم نحل بعد المشاكل والآثار السلبية لها ولنتائجها الكارثية -اقصد جريمة حرب 1994م- على كل الجنوب ، وعلى كل اليمن ، وهو ما يحتاج الى إعادة بناء ، والى تصويب الاخطاء القاتلة ، والى ترميم الجراح الغائرة في النسيج الاجتماعي ، والوطني ( مجتمع ، ودولة ) .. وهو ما يعني عمل سياسي دؤوب ، وجهد وطني شاق وشامل ، يقاس بالإنجاز ، وليس "بالجملة الوطنية" ، والشعارات أو الوعود غير القابلة  للتنفيذ ومن هنا رأينا التدرج بدولة اتحادية من إقليمين ، دون استفتاء ، لحل النتائج المأسوية التي انتجتها وحدة حرب 1994م. والتي ماتزال آثارها الكارثية والمدمرة قائمة على كافة المستويات والصعد، وستستمر لعقود قادمة إذا لم يتم ادانتها واعتبارها جريمة سياسية ووطنية بحق كل اليمنيين .. وليس حرب اجتياح الجنوب في 2015م سوى امتداد سياسي وموضوعي لتداعيات تلك الحرب. بل وماتزال الدولة العميقة السابقة/الجديدة هي التي تدير، وتتحكم بتفاصيل المشهد السياسي والاقتصادي  والعسكري والامني  كله ، بهذه الدرجة أو تلك. ومن هنا خيارنا مع دولة اتحادية من إقليمين ، ومرحلة تأسيسه، أو ضامنة لهذا الانتقال أو التحول السياسي والمؤسساتي ، إلى الدولة الاتحادية المنشودة.

الوحدة اليمنية المعاصرة التي نتحدث عنها ، وننشدها اليوم ، هي وحدة بين إطارين ، أو كيانين  ، جيو/ سياسيين ، تاريخيين ، شمالي ، وجنوبي . فالوحدة اليمنية المعاصرة ، لم تقم بين الجنوب من جهة ، والتهائم ، أو تعز ، أو إب من جهة أخرى، بل مع الكيان الجيو/سياسي في الشمال ، الدولة في الشمال، فالوحدة اليمنية المعاصرة ، هي حاصل توحيد وجمع الشمال ، والجنوب ، فبكليهما ، وبتوحدهما ، تكون الوحدة. وبدونهما لا وحدة ، فالجنوب هو الوجه الآخر للوحدة ، وبدون الجنوب القوي والمتماسك والحر والمستقل ، لا معنى للوحدة ، والعكس صحيح ، وهذا المفهوم والمعنى للوحدة ، يعني نقضاً لمفهوم الأصل ، والفرع ، والبنت والأم، التي أسست ، لوحدة الحرب ، والضم والالحاق تاريخياّ ، وخطاب "الوحدة بالحرب والدم" ، و"الوحدة خط أحمر" - لاحقاّ . وحتى اليوم،  مع الأسف، هناك من يردد شعارات فرض الوحدة بالحرب، أو الانفصال بالقوة، كما هي في عقل البعض، وهي وحدة "المركز المقدس" التاريخية، التي علينا جميعا مغادرة طروحاتها، وأوهامها الايديولوجية حول الوحدة اليمنية ، وتجنب محاولة إسقاط رؤاها ومفاهيمها ، دون وعي، على تفاصيل المشهد السياسي اليمني الحاصل، بتعقيداته واشتباكاته ، وتحدياته الكثيرة، وهو ما يجعل المشهد أكثر صعوبة وتعقيداً. فالجنوب طرف سياسي أصيل في تأسيس وتكوين معادلة الوحدة ، وهو كذلك طرف اساسي في بناء دولة الوحدة ، ولا شرعية ، سياسية أو وطنية ، لأي وحدة أو دولة أو حوار بدون حضور وفعل الجنوب ، والموحد فيها .

 فحين انسحب ، أو غاب مكون الحراك الجنوبي بمجموعه، وبمفرده كمكون من فعاليات مؤتمر الحوار الوطني توقفت أعماله كلها. ولا يمكننا اليوم تجاهل أو إنكار القضية الجنوبية ، بأنها قضية سياسية ووطنية مركزية، وهو ما يرفضه ، ولا يقبل به المركز السياسي التاريخي، إلاَّ للاستهلاك السياسي اليومي.

إننا حين نشير  في سياق هذه الرؤية الى المركز السياسي التاريخي "المقدس" فإننا نعني  به مستويين ، أو تعبيرين ، ظهرا وتجسدا بهما ، ومن خلالهما تاريخياً :

الأول : أيديولوجي ـ سياسي يستمد معناه ، ودلالاته من حضوره التاريخي ، ومن نظرته ورؤيته للآخر اليمني ، من خارج المذهب والسلالة (الإمامة ) ، والقبيلة ، باعتبار أن الآخر اليمني ، ليس أكثر من تابع وملحق و"فرع" ، لا يتأكد أصله ونسبه ، إلا بعودته الى "الأصل" ، وهو المركز السياسي التاريخي ، الذي وحد المذهب بالقبيلة وبالأيديولوجية  وبالسلطة  (الحكم) بعد أن حول المذهب ، والسلالة، إلى طائفية سياسية، من خلال احتكار سلطة الحكم.

 الأصل هنا هي الإمامة الزيدية الهادوية، وجناحلها الحربي المشيخي القبلي (حاشد وبكيل)، والتي تكرست خلال عدة قرون ، صار خلالها الحكم حكراً في إطار السلالة والمذهب ، والقبيلة والمنطقة.

 وحين قامت ثورة 26سبتمبر1962م لم تقم عمليا ً بأكثر من إزالة السلالة الإمامية (البطنين) واستبدالها بعد ثورة سبتمبر بالمشيخة القبلية المسلحة ، المتحالفة مع العسكر ، من ذات العصبية . وبهذا المعنى ، فالمركز السياسي التاريخي ، هو ايديولوجية ورؤية ، لا ترى الشعب والوحدة  والوطن  والدولة  والتاريخ  سوى أشياء ، وقضايا  ملحقة بهم وتابعة لهم.

 المستوى الثاني: هو المستوى السياسي الاجتماعي الطبقي  العسكري ، و الاقتصادي التجاري الطفيلي ، الذي كرس احتكار السلطة والثروة  وتركيزها في إطار عصبية معينة إنطلاقاً من قاعدة أن اليمن كشعب  ووحدة  ودولة ، مختصرة في فلك المركز السياسي التاريخي  الذي تدور حوله المجرات جمعياً ( مناطق اليمن المختلفة ). وكأننا واقعياً ، أمام عملية تاريخية سياسية لتوحيد الشعب والسلطة  والدولة  بالمذهب وبالقبيلة ، وبالمشيخة القبلية تحديداً ، التي ورثت سياسياً وعملياً ، الإمامة التاريخية ، وتحاول أن تعاود الحكم بنفس منطقها التاريخي.

وكانت التعرية السياسية والوطنية ، أو الانكشاف السياسي الأول لهذا المركز السياسي التاريخي ، مع اتفاقية ، أو "صلح دعان1911م"، حين قبل ووافق الامام محمد المنصور أن يكون إماماً للمنطقة الزيدية فقط مقابل راتب شهري، إمام للسلطة ، وللمذهب.

 والتعرية أو الانكشاف الثاني كان مع 1914م، مع أول تقسيم حدودي ، جيو/ سياسي لليمن ، بين الشمال  ، والجنوب : العثمانيون في شمال البلاد ، والانجليز كاستعمار في جنوب البلاد . ولم تقل الإمامة فيه كلمة واحدة.

 حتى وإن لم يكن الإمام قد تقلد الحكم وريثاً للاحتلال العثماني، حيث كانت سلطته مقصورة على المناطق الزيدية، وقبوله بالأمر الواقع.

 والانكشاف الوطني الثالث كان في 1934م في هزيمته –الإمام- أمام بريطانيا والحكم السعودي والنتيجة السيوسو /سياسيه والثقافية ، التي انتجها هذا المركز في صيرورته السياسية التاريخية ، هو أنه دمر ، وقتل احساس اليمنيين بالاحتلال العثماني ، وبالاستعمار البريطاني  ، بقى في أحسن الأحوال ، هو  والاحتلال  والاستعمار ، في درجة واحدة في نظر  ووعي  قطاع واسع من اليمنيين ، أو من سكان البلاد في الجنوب ، وفي جنوب الشمال ، وفي التهائم . فالمتتبع لأدبيات "الأحرار اليمنين" في شمال البلاد ، لن يجد في خطابهم السياسي  والايديولوجي  رؤية سياسية واضحة ، وصريحة ، ومباشرة موجهة ضد الاستعمار ، والضرورة الوطنية لمقاومته.

 فالإمامة  والمشيخة القبلية  في التاريخ السياسي اليمني  ، الحديث والمعاصر ، هما وجهان لعملية سياسية  موضوعية تاريخية واحدة ، والاختلاف فيما بينهما ، فقط  في الدرجة وليس في النوع.

 ومن هنا خطاب البعض أن الشعب اليمني كله قبيلي ، وجميع أطيافه ، ومكوناته قبلية ، وأن أصل اليمنيين اليوم هو القبيلة ، ولا يُفهم اليمني ، ولا يعرف ، إلا بها ، ومن خلالها ، ومن يقع  بالنتيجة خارج القبيلة ، وشرط وجودها السياسي ، المعرفة به ، فهو غير يمني أصيل !! ومن هنا قول البعض ، إن الشعب اليمني كله مسلح ، وكله قبيلي ، علماً أن  جميع قطع ملايين السلاح المسجلة والمنتشرة في البلاد ، يكاد ينحصر وجودها ، وانتشارها ، في مناطق معينة ، لها صلة بالمركز السياسي التاريخي ، (الحزام القبلي المحيط بالعاصمة صنعاء) ولا تجسد وتعكس حقيقة الشعب اليمني كله في علاقته بالسلاح ، وفي علاقته بالقبيلة المسلحة.

 هذا مع أن الحضور الديمغرافي ، الواقعي  والاحصائي  للقبيلة ، قياساّ لعدد السكان في البلاد، لا يتجاوز في أحسن الأحوال ، حسب أخر  الإحصائيات الرسمية ، نسبة 20%الى25%. وهذه في تقديرنا ، هي حقيقة وواقع ، المركز السياسي التاريخي"المقدس" في محصلته ، أو حصيلته الاجتماعية (البنية الاجتماعية) وفي رؤيته للآخر اليمني ، وفي موقفه من الوحدة ، وقضية بناء الدولة، التي نجد البعض اليوم يتماها معها ، تحت شعار ايديولوجي ملتبس  وزائف ، عن الوحدة اليمنية ، والحفاظ عليها من الانفصال.

إنه وهو بذلك المنطق من التفكير والسلوك ، يخدم ويكرس منطق استمرار هيمنة هذا المركز ، كرؤية ووجود  في واقع الممارسة السياسية والعملية ، ولا ينفصل عنها  لا في الذهنية ، ولا في الممارسة السياسية الواقعية ، وهو ما تؤكده الحقائق  والوقائع  السياسية الجارية اليوم.

قراءة 1667 مرات

من أحدث قادري احمد حيدر