طباعة

حرب تنتصر للذهنية الشمشونية

الجمعة, 27 آذار/مارس 2020 20:12 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الحرب التي عجزت عن إبطاء وتيرة فاعليتها، كل الجهود الأممية والقرارات الدولية، وكل الدعوات الى المصالحة، والتسوية والجلوس الى طاولة التفاوض، الحرب التي لم تنهك اَي من الطرفين المتحاربين، بحماسة اللاعقل والجنون، الحرب التي لا يؤمن اَي من طرفيها، بحل ينهي إستمراريتها وفق قاعدة رابح رابح، مع ان ليس هناك اَي كان الحصاد، من رابح في حرب خلفت وراءها كل هذا الخراب، والدمار النفسي المجتمعي الهائل، الحرب التي  تعصف بالعقل وتنتصر للذهنية الشمشونية، والرغبة بإمتلاك كل كل شيء او خسارة كل شيء، وهدم المعبد عل رأس الجميع، الحرب التي تخلق جيلها، الذي لم يعش ولَم يسمع ولَم تتشرب ذهنيته، بغير ثقافة القوة والقتل، والتعيش من خلف هدر المزيد من الدم، وإعتبار الحرب ليس طارئاً سيمر،  وتعود دورة الحياة الى سابق عهدها، بل ان الحرب بالنسبة لجيل، عاش في إتونها هي نمط حياة، الحرب التي تأخذنا من وحشية موقعة، الى وحشية اكبر في موقعة اخرى، الحرب التي تتلفع بخطاب ديني قروسطي سلالي من طرف، ومن الطرف الآخر ماضوي ديني تختلط فيه السياسة، مع أحلام إقامة نموذجه الديني غير القابل للتحقق والحياة، وتجرنا نحو حروب لاتنتمي لنا، لا تتصل بحالة تماس مع المستقبل، حروب تنتصر للماضي ولا شيء آخر سواه.

الحرب التي تستنزفنا حد الإنهاك المادي المعنوي، وتزرع فينا احلاماً لم تكن يوماً لنا، لم تداعب مخيلتنا، حتى في اكثر لحظات التاريخ انغلاقاً وكآبة وعتمة، حلم رفض الإنصهار الوطني، والبحث عن خيارات مادون السقف الجامع، الحرب التي أعادتنا الى مربعات وثقافات الكانتون، والجهة والجغرافية الحامية، لا الوطن بجغرافيته الموحدة.

هذه الحرب بكل آثامها، اما آن لها ان تلملم آثامها وترحل، تبحث لها عن خيارات الحل خارج الجبهات، ان تصل الخصومات الى حد التعب، ان يتم ترسيم السياسات، والمصالح بين المتقاتلين،  ان تجري تسويات عادلة تخرج الجميع من هذا المصهر غير الإنساني، وتؤسس لممكنات عيش مشترك ،تتوافق فيه الإرادات، وتقر بفشل إدارة الخلافات وحسم التباينات بالعنف، وتبحث عن لغة أخرى مغايرة عن لغة السلاح، لغة تنحاز للسياسة، وتكسر رتم الدم الذي استطال وتمدد في روزنامة العمر والمشاعر، والخصومات المتبادلة اكثر مما كان يجب له ان يكون ويستمر، هذه الحرب، لا خيار أمامنا للخروج من جبروت سلطتها الهمجية المتوحشة، سوى سبيلاً واحداً، ضمان حقوق جميع الاطراف والمكونات، والإقرار بمشروعية مطالبهم، وعدم كسرها بقوة البندقية، والإدراك ان العنف الذي يسعى لشطب الآخر من معادلة الصراع والوجود، لا يحسم حرباً بل يؤسس لحرب تالية، اكثر ضراوة واللا مشروعية، حرب من بين ظلال السلم الهش تولد من جديد.

على هذه الحرب او اطرافها المتحاربة، ان تدرك جيداً ان اليمن بلد التوافقات والحلول الوسط ، وان لا احد ينتصر فيه، ويلغي الآخر الى الأبد، وان ذهنية بسط اليد الأحادية اكانت احادية السياسة او المكون الديني او الجهوي، لا يصنع سلماً مستداماً بل حرباً دائمة.

الحل يكمن بمغادرة دائرة الدم المغلقة، والبحث عن ارضية التقاء، على قاعدة إستئصال جذر وسبب مولدات الحروب المتناسلة، لا المصالحة على قاعدة الإقتسام والهدنة المؤقتة، والإعداد لدورة حرب جديدة، تقود الى إلغاء وشطب مصالح وحقوق الآخر، وجوداً، وإستحقاق عيش وحياة.

قراءة 2983 مرات

من أحدث خالد سلمان