طباعة

عن عبدالوارث عبدالكريم (4)

الثلاثاء, 07 تموز/يوليو 2020 19:02 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

(7)

جاءني عبدالرحمن عزالدين وأنا في السجن ومعه محمد  محسن عبده الحاج الرحبي من القيادات الحزبية الأساسية في جبلة بل هو من المؤسسين لحركة القوميين العرب بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م في مدينتي جبلة وإب حيث تكونت في وقت واحد في المدينتين قال لي أنا دخلت إب بالصدفة  فضلت قبل عودتي إلى جبلة أن أراك وما العمل قلت له فرصة أحمل رسالة للأخ صالح دحان المحيا سكرتير أول مديرية جبلة بإبلاغ جميع أعضاء الحزب والمنظمات التابعة بعدم إثارة أي تحركات فيها سلاح أو التهديد به وإذا تحركت منظمة إب في تظاهرة تتحرك جبلة معها وفي إطاراها  المسموح به وهو  التحرك الشعبي السلمي فقط وإن طال حبسي وطبعاً هذا الموقف احتياط إذا جرت الأمور في غير مجراها الطبيعي.

ولم تمض ساعة على حبسي إلا ونائب مدير الأمن يعطيني التلفون بأن المحافظ القاضي أحمد محمد الشامي على الخط، عرفت أن الرئيس قد اتصل به وانتقد تصرفه بحبسي. أخبرته بأني أرفض الحديث معه. اتصل المحافظة مرة ثانية وثالثة وبعد لحظات أرسل عدد من أعضاء المجلس المحلي للتطوير حيث كان ذلك اليوم موعد الاجتماع الأسبوعي وفي مقدمة الوصالة الشيخ عبدالعزيز الحبيشي والشيخ محمد قاسم العنسي والأستاذ العالم الجليل محمد بن يحيى الحداد والشيخ علي إسماعيل باسلامه. وقالوا تفضل المحافظ في انتظارك وقد علقنا الاجتماع حتى يراك المحافظ وأضاف الشيخ عبدالعزيز أن الأستاذ محمد علي قعطبة رفض الحضور معنا لاعتراضه على حبسك من الأساس.

رحبت بالوصالة ورفعت وصلتهم على العين والراس واعتذرت بأدب جم وباحترام كبير للوصالة وأخبرتهم أني لن أخرج من محبسي إلا إذا أطلقني الرئيس بنفسه، اتصل محمد قاسم العنسي بالمحافظ وأعلمه أني لن أخرج من محبسي إلا بأمر الرئيس وبعد لحظات أعطاني نائب مدير أمن إب سماعة التلفون وقال الرئاسة معك، قيل لي انتظر سيحدثك الرئيس، ضحك الرئيس على حبسي وقال المحافظ فهم الأمر بتفسير مختلف وقد اعتذر اذهب وقابله فقد شغل روحي من أجل اللقاء بك، قلت للرئيس على الرحب والسعة، وأضاف معك أسبوع تخلص أمورك وتعود إلى صنعاء، ذهبت أنا والوصالة إلى مبنى المحافظة (البرندة) وهي عبارة عن بيت ومكتب المحافظ وقد بناها الحسن ابن الإمام يحيى، كان مع المحافظ الوالد الشيخ محمد أحمد الصبري الأمين العام لهيئات التعاون الأهلي للتطوير لمحافظة إب وهو بالنسبة لي أب بكل ما تعني الكلمة، قلت للمحافظ استمروا في الاجتماع إلا أن الشيخ الصبري والحبيشي وباسلامه فضلوا تأجيل الاجتماع إلى يوم غداً.

اتصل المحافظ بالقائد عبدالله البشيري لحضور اللقاء جاء البشيري والأوراق بيده برفع الحملة العسكرية والإفراج عن كافة المساجين من جميع السجون (سجن الزاجر وسحن السد في إدارة أمن إب وسجن قاع الجامع وسجن جبلة وبدون غرامات أو رسامات (الرسامة مبلغ من المال يدفعه السجين عند دخوله السجن وعند الخروج).

وطلب المحافظ من القائد متابعة سرعة الإفراج عن المساجين بنفسه، كانت الساعة العاشرة والنصف ولم يأتي أذان الظهر إلا وجميع السجناء محررين طلقاء من جميع السجون حسب تأكيد قائد إب عبدالله البشيري، وهذا ما تم بالفعل، كان المحافظ قد أصر على ضيافتي للغداء وحاولت الاعتذار إلا أن الشيخ محمد أحمد الصبري أصر على تلبية الضيافة وأيده المشايخ الحبيشي والعنسي فاشترطت وجودهم للغداء وهذا ما تم، وأعتقد أن من المفيد الإشارة إلى العلاقات القوية التي تربطنا بهذه الشخصيات وخاصة مع الأخ أحمد منصور، فالشيخ عبدالعزيز الحبيشي من ثوار سبتمبر 1962 ومع الثورة والجمهورية بصورة مصيرية وهو يعتبر في مدينة إب الأب الروحي للشباب والرياضة والأيتام، والشيخ محمد قاسم العنسي من أسرة عريقة في العلم والتاريخ الوطني وهم ينحدرون من بيت العنسي في برط وهذه الأسرة جمعت بين القيادة والقضاء فهم هجره وقضاة لحل مشاكل ذو محمد وذو حسين وهم قادة سياسيين وعسكريين قادوا ذو غيلان (ذو محمد وذو حسين) في معارك وأحداث القرنين الثامن عشر والتاسع عشر حين تضعف شوكة المشايخ التاريخيين لذو غيلان وهم بيت أبو راس وبيت الشايف ومن يعود لكتاب حسين العمري (اليمن في المائة سنة) يعرف هذه الحقائق، والشيخ علي إسماعيل باسلامه من أسرة عريقة كان جده قائم مقام أيام الاتراك وأبوه شخصية فذة لا تزال الناس يذكرونها  على مدى الأيام والشيخ محمد أحمد الصبري رئيس تعاون إب بالانتخابات التعاونية، علاقته بالحزب قوية منذ حركة القوميين العرب وكان على علاقة وثيقة بالشيخ مطيع دماج وأمين أبو راس لعلاقة الجميع بالمصريين. كما أن أسرته معظم شبابها بالحزب ومنهم أبنائه الدكاترة قاسم محمد أحمد الصبري وعلي محمد أحمد الصبري وهما من القيادات الجامعية والحزبية المرموقين.

وأما الأستاذ والعالم الجليل والمؤرخ محمد يحيى الحداد شغل وزيراً للأوقاف ووزارات أخرى في العصر الجمهوري وهو لا شك تعلم على يد عمه عالم اليمن الكبير عبدالرحمن الحداد الذي يعتبر الأستاذ والأب الروحي لمحمد علي الربادي. كما أن أسرة بيت الحداد في إب قد انتسبوا في الحزب الديمقراطي شباباً وعلماءً وفقهاء فعلي بن يحيى الحداد عضو في حزبنا مسؤول العمال والمهنيين والحرفيين لثقافته العمالية والنقابية الواسعة والدكتور العقيد في حينه عبدالرحمن الحداد من أبطال حصار السبعين ومن القيادات الفكرية والثقافية في الحزب الديمقراطي، وأذكر من الجيل الذي أتى بعد هؤلاء العمالقة محمد عبدالرحمن الحداد وعبدالرحمن بن علي بن عبدالله الحداد والدكتور أحمد أبوبكر الحداد والعشرات وغيرهم من كوادر وقيادات الحزب الديمقراطي.

أعود إلى مقيلي أنا والأخ المحافظ وقد طلب أن أكون أنا وهو فقط وفي أثناء المقيل تحدث المحافظ بمرارة عن الأوضاع وأن دولة النظام والقانون التي نادى بها إبراهيم الحمدي انتهت وأن حكم اعراف القبيلة عاد من جديد ويطلق على أحكام القبيلة (حكم الطاغوت) وفي معرض حديثه تحدث عن سبب إصداره الأوامر باعتقالي وهو أن الرئيس يقول للمسؤولين ومنهم المحافظين إذا جاءتكم مني أوامر محرجة وغير معقولة فلا تنفوذها لأن حامليها ينتزعونها مني بوجه الحياء والإحراج، وأضاف أنه يعرف جار الله عمر وكثير من الإخوان في الجبهة الوطنية وعبر عن رفضه وكراهته لما كان يسمى بالجبهة الإسلامية كونها وهابية وممولة سعودياً.

بعد صلاة العصر جاء كاتب المحافظ يخبر المحافظ أن الأستاذ محمد علي الربادي ومحمد أحمد عبود باسلامة ومحمد علي قطعبة ومحمد علوان وأحمد قاسم المنصوب وعلي عبده عمر ومحمد علي القحصة في الباب يريدون الدخول، قال المحافظ هيا كيف تشوف ياشيخ يحيى وهؤلاء الكبار قادمون، قلت له طبعاً نجلس معهم ونؤجل مقيلنا وحديثنا إلى فرصة أخرى.

سلمنا على الأستاذ محمد علي الربادي ومن معه وقمت من مكاني أفسح للأستاذ الربادي فرفض وأعرت مكاني بجانب المحافظ على أي من الوصالة، حسم الأمر الربادي وجلس وسط المكان أمام المحافظ وقال نحن لم نأتِ للمقيل معكم، معي ومع الإخوان كلمة نقولها ونذهب كلٌ إلى وجهته، في هذه اللحظة وصل القاضي فضل محمد الإرياني ويحيى عبده الصباحي ومحمد الشعيبي ومحمد الغشم وعلي إسماعيل حسين وبعد السلام والترحيب قال الأستاذ الربادي أنا مفوض لمن يريد الحديث من الحضور ونكتفي به، صاح الحضور كلنا اخترناك وفوضناك بالحديث عن مدينة إب كلها وصاح محمد علوان قد فوضناك ياربادي في الدنيا والاخرة.

قال الربادي موجهاً الحديث للمحافظ، نحن عرفنا الأخ يحيى منصور منذ كان مدرساً بعد خروج المصريين من اليمن وحتى اليوم نعلم علم اليقين أنه يرفض أعمال التخريب ويرفض اللجوء إلى العنف  في القضايا السياسية والاجتماعية وهو مسؤول عن منظمة حزبية موجودة في إب وجبلة، فقاطعه محمد علي القحصة قائلاً الحزب الديمقراطي الثوري للمو عاد المغمغة ووافقه الربادي، وواصل .هذه المنظمة وخلال السنوات العشر الماضية أي منذ تأسيس الحزب إلى اليوم لم تدع للعنف ولم تحمل السلاح وتدعو إلى الحوار والسلام والاستقرار وحتى حين كانت الحملات العسكرية تتكرر مرات عديدة إلى الربادي بحثاً عن يحيى منصور لم تقابل إلا بالترحاب والسمع والطاعة ولم تنفجر قذيفة ولم تطلق رصاصة في وجه الدولة ويسلمون الزكاة والرسوم والضرائب وكل ما تريد الدولة بالحق والباطل إنه تجمع سياسي غير الذي في المنطقة الوسطى أو شرعب أو غيره من المناطق المجاورة للمحافظة حيث تدور هناك اشتباكات وتستخدم الأسلحة من الأطراف المشتبكة أما هنا فلم نسمع إلا العمل الثقافي والسياسي والاجتماعي والدعوة إلى الشراكة وإلى الحوار مع السلطة وعندما أتيحت فرصة للانتخابات كانت منظمة الحزب هي السباقة للدخول في انتخاب مجلس الشورى عام 1970 وفاز مرشح الحزب الديمقراطي عبدالحفيظ بهران كمرشح مستقل لأن الحزبية محرمة في الجمهورية وبأغلبية كاسحة أمام منافسيه كبار شخصيات المدينة والجميع قبل بهذه النتيجة واحترام إرادة الناخبين وبعملية انتخابية حرة ونزيهة وشفافة وكنت أنا عضو في قيادة اللجنة الانتخابية.

تدخل محمد علي قعطبة قائلاً ومع ذلك رفضت الحكومة في صنعاء رفضاً قاطعاً وطالبت بإلغاء نتائج الانتخابات لأنها حزبية فلم يكن رد فعل المواطنين ومنظمة الحزب الدعوة لفرض المرشح الفائز بالقوة أو الدعوة للعنف. بل اللجوء إلى العمل السلمي الشعبي في التظاهرات و الإضراب العام الشامل والمظاهرات السلمية وعلى مدى ثلاثة أيام توقفت الحياة تماماً في المدينة حتى أصحاب الطواحين وأصحاب الحطب وكافة فئات الشعب حتى أجبروا سلطة صنعاء على القبول بالنتائج.

ومن رأس المكان صاح فضل محمد الإرياني قائلاً: هل تعلم يا محافظ كم حصل عبدالحفيظ بهران من عدد الأصوات وكم حصل أقرب منافس له..

قال المحافظ: كم أمانة..

قال فضل الإرياني: حصل بهران على ألفين وثمانمائة صوت وحصل المنافس الذي بعده بالترتيب على ستين صوت وبعده الثمانية المنافسين الآخرين، وعلق محمد احمد عبود باسلامة وقال: وفي الانتخابات التعاونية أيام  الحمدي نفس الشيء فاز مرشحو الحزب المستقلون في كل من مدينة إب والسياني وجبلة والمخادر وغيرها، وختم الأستاذ الربادي حديثه  بالقول: هذه المعارك الانتخابية والسياسية هي التي خاضها ويخوضها الأستاذ يحيى منصور أبو اصبع وأجزم أنه لم يلجأ ولن يلجأ إلى العنف مستقبلاً لقد أخبرنا نائب مدير أمن إب على إصرار الأخ يحيى منصور على تنفيذ أمر المحافظ بسجنه في الزنزانة احتراماً للأوامر الرسمية وختم الحديث علي عبده عمر بالقول: وتأكد يا أخ المحافظ أنه لولا حكمة الرئيس بسرعة إطلاق الأخ يحيى منصور كانت ستخرج أكبر مظاهرة وكنا نحن جميعا سنشارك فيها وقد صاح الجميع نعم .

وجاء سكرتير المحافظ أن عدد من المشايخ ومن المساجين المفرج عنهم وهم كثير في الشارع في باب المحافظة ملان قال المحافظ ما رأيك يدخل شخص يمثلهم، قلت له صعب فهم من مناطق مختلفة، قال الأستاذ الربادي نحن نفسح للقادمين الجدد فهم أصحاب منطقتي الأصل الربادي فقال المحافظ هل انت اصلا من الربادي قال نعم و لا زال أعمومي  وإخواني في الربادي  ومنهم من كان في السجن، أخذ المحافظ الكشف من السكرتير حق الشخصيات المسؤولة والكبيرة الذي يريدون الدخول وقال لي خذ الكشف وأشر على خمسة، اطلعت على الكشف وقلت للمحافظ عشرة عدد يغطي وسيخرجون عقب السلام، وافق وقد أشرت على التالية أسمائهم:

محمد بن لطف الهبوب، وإسماعيل يحيى مجلي، وعبدالرقيب عقيل، وعبده يحيى ثابت ،وهؤلاء في قيادة هيئة التعاون الأهلي للتطوير في مديرية جبلة، وأحمد علي عبدالباقي الشهاري، وفيصل عبدالحميد أبو اصبع، وحمود حسن سلام، وعبدالله بن حسن خرصان، و وازع عبدالحميد ابواصبع، ومحمد أحمد حسن الحلياني، ومنصور القادري، وعبدالله عبدالجليل البخيتي، وعلي بن يحيى السقاف، وفيصل الخولاني، و مهيوب السعيدي، هؤلاء هم مشايخ ووجهاء مديرية جبلة، إلا أن الأخ عبدالرحمن عزالدين أدخل دفعة جديدة بحيث ازدحم المكان تماما فبدلاً من دعوة هذه الشخصيات المعتبرة إلى الجلوس قمت أنا واستأذنت من المحافظ وخرجت طالباً من الجميع أن يشرفوني في بيتي في جبلة أو الربادي كل حسب ظروفه، فتوادعنا انا والاخ المحافظ، وفي باب المحافظة التقيت بالشيخ محمد عبداللطيف بن قايد بن راجح، والشيخ احمد نعمان البعداني، والشيخ نعمان السميري، فشكرتهم على تضامنهم واتجهت الى جبلة، وللعلم أني احتفظت بأفضل العلاقات مع الأخ المحافظ القاضي أحمد محمد الشامي مؤسس حزب الحق بعد الوحدة اليمنية وحتى وفاته رحمه الله.

عدت إلى صنعاء وأخبرني عبدالحفيظ أن عبدالوارث عبدالكريم ومحمد سالم الشيباني يريدان اللقاء بك قبل ذهابك إلى الرئيس والتقيت عبدالوارث وقال أن محمد الشيباني ذهب مع آخرين يعالجوا مشكلة عبدالله عبدالعالم وسلاح المظلات فقد بدأت تظهر أزمة كبيرة لأن الطرفين يمسك السلاح ونحن نريد تهدئة الأوضاع لأن سلاح المظلات تحت سيطرة رفاقنا في معظمه ونريد تجنيبه ويلات الصراع فيكفي الضربات المتواصلة بهذا السلاح خلال العشر السنوات الماضية ووجود المظلات في غاية الأهمية لخططنا القادمة، قلت له وهل لنا مخططات عسكرية قادمة ، أجاب سنبلغك في حينه.

(8)

أضاف عبدالوارث عليك اللقاء بالرئيس عند استيفاء الأسبوع حسب طلبه وأرى أن تركز على بعض النقاط ومنها:

قل للرئيس إذا المراد أن أتمكن من التأثير على الإخوان في الجنوب وفي قيادة الجبهة القومية والجبهة الوطنية فلا بد من أن تحقق لي بعض المطالب حتى يلمسوا أن لي تأثير وفعالية لدى الرئيس الغشمي وواصل عبدالوارث أمور كثيرة وختمها لا توعد الرئيس بأشياء لا تقدر على الوفاء بها ثم اختم حديثك مع الرئيس بالقول: (يا فخامة الرئيس ما هو حدود طرحي للقضايا التي طلبتها مني ومع مَن مِن القيادات حق الجبهة القومية والجبهة الوطنية، وما هي المساحة المتاحة لتحركي حتى لا أقع في الخطأ).

وختم عبدالوارث حديثه أرجو أن ذاكرتك تحفظ كل ما يتحدث به الرئيس.

وفي اليوم التالي اتصلت بمكتب الرئيس قالوا سوف نتصل بك، بعد ساعتين اتصل الرئيس قال لي قد أنت في صنعاء، قلت له نعم، قال غداً تعال إلى قرية ضلاع الغداء هناك معنا ضيوف.

كان أخي أحمد منصور بجانبي فطبزني من أجل العزومة، قلت للرئيس آتي لوحدي أو مع أخي أحمد منصور لأن معه سيارة قال أهلاً وسهلاً هو صاحبي مثلما كان صاحب الحمدي وهو صاحب الناس كلهم، ذهبنا إلى منزل أحمد قاسم دماج وجدنا عنده الأخ يوسف الشحاري والأخ عبدالله الصيقل. دخلت على أختي نورية وأخبرتها أنني غداً في ضيافة الرئيس الغشمي في ضلاع همدان، صاحت أختى لا لا تذهب للغداء كفاية الغداء حق الحمدي فسمعها يوسف الشحاري وقرح ضحكه مجلجلة وتبعه الآخرون بالضحك وصاح لا تقلقي يا أم هاني كلنا مدعوون وكلنا إلى حتفنا سائرون وفي ضلاع طائرون . حتى زوجك وجئنا لإقناعه وهو رافض قالت نورية لمو قد حب يجمعكم كلكم علق عبدالله الصيقل مثلما جمع محمد علي باشا المماليك في ضيافة غداء وواصل يوسف الشحاري الحديث مع أختي أم هاني متسائلاً أمانة على من افتجعت اكثر على أخيك لما غامر والتقى الغشمي أو على زوجك لما جاءت الأخبار بأنه قتل في صعده عندما ذهب لقتال الملكيين مع أصحابه أهل برط.. قالت لما كان أحمد قاسم في صعدة ماكناش نحصل على الأخبار إلا بعد أيام.. اليوم يجزع أخي من عندي واحنا في قلق وتوتر في نفس اللحظة، وفعلاً في الستينات أيام الحرب مع الملكيين ذهب أحمد قاسم دماج إلى صعدة والتي كانت قد سقطت بيد الملكيين مع أهالي برط لاسترجاع صعدة فأصيب بطلقة نارية ألحقت به جروح فاضطر إلى العودة إلى صنعاء للعلاج وبعد مغادرته صعدة بأيام تحاصر أصحابنا في قلعة عكوان شمال شرق صعدة أربعين يوما.

المهم عرفنا أن الرئيس عامل ضيافة كبيرة للشخصيات السياسية والأدبية والثقافية ورجال الدولة على شرف وفد الأدباء العرب برئاسة أدونيس، ذهب الكثير من المدعوين وتغيب آخرون ومنهم الأخ أحمد قاسم دماج بحجة مالوش نفس لرؤية النفاق حاول الشحاري وزيد مطيع فترك الجميع وخرج من البيت، قالت لهم أختي مافيش فايدة اللي براسه ما يتغير.. ذهبنا للغداء وعند وصولنا رأيت الأستاذ والصديق عبدالحميد الحدي قال لي ها أمورك سابرة على ما يرام.. حافظ على العلاقة مع الرئيس ولا تصدق بعض المداليز الذين تعودوا على الغاغة والقتل والقتال، ومشينا إلى باحة الديوان الكبير الجديد رأينا الشاعر عبدالله البردوني وعثمان أبو ماهر ومحمد يحيى الشرفي كلهم من الشعراء المعروفين وكان معهم الشيخ محمد يحيى الرويشان والشيخ ناجي بن صالح الرويشان محافظ البيضاء سابقاً وكان والده محافظ إب في الستينات أيام المصريين. وذكرت اغتيال الشهيد إسماعيل الكبسي عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الثوري اليمني وكانت الأخبار قد أفادت أن المحافظ الرويشان هو وراء العملية وأخبار تنفي ضلوعه وجاء مجموعة من المشايخ يسلمون على البردوني منهم عبدالوهاب سنان شيخ أرحب ويحيى راجح بن سعد من بني ميمون (عيال سريح) والضلعي وعبدالولي القيري من اليمانيتين خولان وكلهم أصدقاء ومتابعين لقضيتي فانفردت بالشيخ عبدالولي القيري وأخبرته عن إسماعيل الكبسي لأنهم من منطقة واحدة لأن الكبس قرية إسماعيل جزء من اليمانيتين وهو مطلع على العملية وقلت له أريد أعرف دور الأخ الشيخ ناجي الرويشان قال تعال نسأله ومسك بيدي وبالرويشان وقال ما دورك أمانة في مقتل إسماعيل الكبسي والأخ الشيخ يحيى منصور يريد الحقيقة لأن الشائعات كثيرة، قال بالحرف الواحد والله مالي أي يد في الموضوع وإنما أجهزة المخابرات اغتالوه لأنهم كما تعلم قلقين جداً من نشاطه الحزبي وعلاقته بالجنوب والتفت نحوي ووجه لي الحديث، أعرف أنك زوجته أختك وقد حرصنا على احترام ذهابها وإيابها بعد ما عرفنا أنها من بيت ابو اصبع وعند مغادرتها الكبس سهلنا مرور الشيخ وازع ابواصبع الذي وصل لاعادتها الى البلاد بعد محاولة من المخابرات لعرقلة  مسيره. وأنهى حديثه بتوجيه دعوة للغداء أنا والشيخ عبدالولي القيري وسوف تعرفون مني تفاصيل مقتل إسماعيل الكبسي غداً ومن آخرين، اعتذرت من غداً لأنني لا أعرف متى ألتقي الرئيس، قال خلاص عندما يكون الوقت مناسباً وأعطاني تلفونه. اتجهت للسلام على الدكتور عبدالعزيز المقالح وكان معه القاضي عبدالسلام صبره، والشاعر علي بن علي صبره، وزيد مطيع، وصالح الأشول، وأحمد الرحومي، ومحمد عبدالله الفسيل، رحب الحاضرون بالجهود المبذولة لإنها مشكلة الحملة العسكرية وتأميني من المطاردة. قال الفسيل أنا ويحيى ابو اصبع لا نصلح إلا للمعارضة لو يعطونا أكبر وزارة با نتركها ونخرج نعارضها، أخذني صالح الأشول ومعه الرحومي يشكون توقف سكرتارية الجبهة عن النشاط المنتظم وقالوا كل التعويل على الحزب الديمقراطي، أخبر محمد الشيباني أن يفعل بقية فصائل (فصائل اليسار) وحتى ننتظم أكثر من أي وقت، قال أحمد الرحومي يظهر أن هناك أزمة في عمران بين الرئيس وبين قائد اللواء الرابع مجاهد القهالي وهناك وساطة لحل المشكلة والغشمي مصمم على استبعاد جماعة الحمدي من الجيش وأيضاً مع عبدالله عبدالعالم عضو مجلس القيادة، لأن الرئيس قلق من وجود هذه الوحدات داخل صنعاء وجوارها. أحمد الرحومي ومحمد الخاوي كانت علاقتهما بالرئيس الحمدي سيئة جداً وكان قد أوقفهما وهما على علاقة بحزب البعث وينظرون للغشمي بأنه انتصر لهما.

فجأة جاء للسلام عليا علي العتمي وأحمد عبدالرحيم نواب محمد خميس  تصافحنا، قال العتمي أنت ياشيخ يحيى قرصك بين العسل هذه الأيام ثم أخذني على جنب قال أرجو أن تسمع مني وبسرية كاملة، لدينا تعليمات بمتابعة الناصريين والحركيين (الحزب الديمقراطي) وكل اليساريين بصورة قوية، حذر محمد الشيباني أن يأخذ حذره أما عبدالوارث فهو أحمر العين قلت له وماذا عن عبدالله عبدالعالم ومجاهد القهالي، قال لا بد من القضاء عليهما  بأي طريقة لأنهم ماسكين وحدات عسكرية خطيرة، وأخيراً جائني الشيخ أحمد عبدالرحمن الغولي أحد كبار مشايخ عيال سريح، قال كن حذر ولا تصدق الغشمي ولو سجد لك على الماء، يتحرك الأن لإبعاد مجاهد القهالي واستبداله بقائد موالي له، لا يريدون لبكيل أو أي قبيلة منها أن تكون فاعلة في الساحة ووراء الموضوع حاشد يستغلون مخاوف الغشمي وهات يا تشنيع ببكيل. هذا الرجل الغولي وقبيلته على علاقة بالقوى الوطنية ووالده من شهداء حركة الثلايا في 1955م.  وجاء الغداء ثم المقيل، كان الحديث مرتب وتولى إدارته حسين المقدمي واللوزي وعبدالله حمران وكان الرئيس طوال الوقت مستمع وصامت ولم يتحرك من متكئه تشعبت الأحاديث والنقاشات والمشاركات عن الحريات العامة والديمقراطية ودور الأدب والفن في نهضة الشعوب وعن انتفاضة الخبز في مصر والأنظمة الاستبدادية ودورها في تأخير الشعوب في التقدم وعن القضية الفلسطينية، وأن الحركات والتنظيمات التي تلجأ إلى العنف إنما هو رد على عنف الأنظمة والمفروض أن يكون هناك سلطة ومعارضة وأن الغرب لم ينهض إلا بإعلاء كلمة القضاء والقانون. حتى الساعة الخامسة والنصف وقبل المغرب بدأ الضيوف بالتحرك وخرجت معهم، وبالصدفة التقيت عبدالسلام مقبل وزير الشؤون الاجتماعية (ناصري) قال كويس أنك عالجت المشكلة، كنا عند أخذك من يدك من قبل الرئيس ودخل بك الغرفة الداخلية يائسين من عودتك وكان الأصنج قد علق بقوله (ورور) يعني ذهب وإلى غير رجعه فقلنا ربما عنده معلومات ولهذا قلقنا. (عبدالسلام كان موجود أثناء استقبال الرئيس لي في بيته وقد ذكرته في حلقة سابقة) المهم قال لي أريد أشوف محمد الشيباني على وجه السرعة، الوضع صعب ثم هميت بطلوع سيارة زيد مطيع وإذا بشخص يسلم عليا ويقول أنا عامر أو عمر الضلاعي من مكتب الرئيس با اتصل بك الصباح إلى بيت أخيك أحمد، في السيارة قال زيد زيارة الأدباء العرب كانت مقررة من أيام الحمدي والجماعة أرادوا أن يعطوا انطباع أنهم ليسوا فقط قبائل متخلفين وجهلة إنما أرادوا إعطاء صورة عن نظام الغشمي بالانفتاح على كل جديد وهذه خطط عبدالله الأصنج وأضاف من كان يتابع الغشمي وهو مركز ومستمع ويكتب بين الفينة والفنية في دفتر أمامه يقول الله أكبر الرجل يستوعب هذا الكلام الذي لا يفهمه الكثيرين من المتعلمين. الواقع أن الحملة على الغشمي كانت واسعة النطاق ولدى مختلف الفئات والمناطق. ذهبت للقاء عبدالوارث أو الشيباني ولم أجد أحد إلا صباح اليوم الثاني جاءني اتصال وأنا في منزل أحمد منصور أن الرئيس يريدني الساعة 11 قبل الظهر يوم غدا في القيادة العامة. دخلت على الرئيس بمكتبه كان التعب بادٍ عليه قلت له يظهر عليك الإرهاق، قال ما نمت إلا ساعتين الصباح، قلت وما الذي يشغلك أنت يا رئيس في بلد كلها مشاكل لا تعد ولا تحصى وخاصة على الرئاسة فلا داعي أبداً لأن تقلق وترهق أعصابك وتتعب دماغك والمشاكل هي هي، عليك أن تأخذ القسط الوافي من الراحة والنوم حتى تستطيع مواصلة المسؤولية الهائلة على رأسك، قال والله أنك صادق لكن أشتي أخلص من بعض المشاكل القائمة وهي لا يمكن تأخيرها والتهاون معها، قلت له كلمني قد الثقة بيننا قائمة يمكن أن أفيدك برأي، قال أولاً عبدالله عبدالعالم هذا ما درينا ما يشتي يبكي واصل عاد محمد سيف ثابت والأصنج خرجوا من عندي وجالسين معه طوال الليل، يتفقوا على أمور وبعد ساعة يختلف يقول أنهم أصحابه وبعد قليل يقول لهم أنهم قبضوا ثمنه من الغشمي، ولكن يا أخ يحيى بيده سلاح حاسم وقوي وهو سلاح المظلات وهل تعرف أن معظم المظلات من حزبكم ومن الناصريين  قلت له أي حزب قال الحركيين –الديمقراطي– أجبت والله يا أخ الرئيس أن معلوماتي عن القطاع العسكري ضعيفة لأن مسؤوليتي في الجانب المدني، وأضاف وعاد هناك في عمران مجاهد القهالي ومعهم نصار.. قلت له من نصار؟ قال هذا من عندي من همدان، ثم تأتيه تلفونات مهمة يضطر يرد عليها ثم خرج مرتين لمقابلات خاصة ويعود، شفت أنها فرصة حتى لا أحسم الأمور معه وأبتعد عن أي تكليفات محرجة، قلت له يا أخ الرئيس أشوف أنك مشغول والحديث بيننا يشتي وقت وأرى أن نلتقي يوم آخر، قال وهو كذلك بعد يومين أو ثلاثة لأن عملك هو مهم جداً، وأضاف: خذ مصاريف واجلس في صنعاء، حاولت اعتذر له عن أخذ المصاريف (بطريقتنا المثالية الخجفا) قال لي لا تخلني اتهمك أنك تستلم من دولة أجنبية، قلت له لا والله ظروفي صعبة جداً وإنما هي التربية على النزاهة على كل حال أرجو أن يكون المبلغ محترماً، دعا الضلاعي وغمز له وقال معك سيارة، قلت له لا، قال للضلاعي وصله إلى حيث يريد، شفت الفلوس قلت كم حول الرئيس قال خمسين ألف (مليان شواله) كلمت الأخوان على موضوع الفلوس وحدث لقاء اليوم الثاني على الفطور وجاء مقترحاً بتوزيع الفلوس على المجموعة التي عايشت وتعبت وعانت من مشكلتي وهات يا مقترحات كم لي أنا وكم لهم، حسم الأمر زيد مطيع قال الفلوس توضع في تصرف عبدالوارث عبدالكريم والأخ يحيى فظروفهم قاسية والأمراض محلقة عليهم أما نحن فظروفنا أفضل ووافق الجميع على المقترح وعند لقاء عبدالوارث عبدالكريم قسم المبلغ نصفين نصف لي شخصياً ونصف للحزب، وهو المبلغ الذي أكملت به بيت جبلة في راس العقبة وكان قد أسسه وقطع شوطاً فيه الوالد الشيخ محمد بن لطف الهبوب جد الزوجة بنت السقاف من حساب مخلفها من بعد أبيها.

..... يتبع

قراءة 4796 مرات

من أحدث يحيى منصور أبو اصبع