طباعة

عن عبدالوارث عبدالكريم (8)

الأحد, 30 آب/أغسطس 2020 18:51 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

(15)

 

قال عبدالوارث ان الامور سوف تتضح خلال الساعات القليلة القادمة وأين مصير هذه الوحدات وفي أي اتجاه، ثم سألتقي بك مساءً أو صباح الغد، فأنا مضطر لتغيير أماكن اختفائي وتحركاتي، قلت له وماذا بخصوص تساؤلات رفاقنا في هذه الوحدات المستهدفة بالخروج من صنعاء، قال قد صدرت لهم التعليمات وهي في الطريق إليهم، عدت إلى منزل عبدالحفيظ بهران وطلبت أن أخزن أنا وهو وحدنا، وضعته في صورة أخباري، كان عبدالحفيظ يقلب الدنيا أخماس بأسداس وهو من الرجال الذي يتعامل بجديه وعمق وبعد نظر، زادني هم على غم، وفي الساعة العاشرة مساءً جاءني ضابط لا أعرفه وأعطاني علامات وأخذني لعبدالوارث وهو مكان قريب من بيت بهران، قال عبدالوارث قوات الاحتياط قد خرجت عن بكرة أبيها إلى منطقة متنه ووادي السهمان في بني مطر والمعلومات أن الوجهة هي تهامة الحديدة، والكتيبة السابعة اتجهت ذمار وأما الثالثة فإلى سنحان أو خولان وجرت تنقلات في الشرطة العسكرية والأمن العام، وختم حديثه أن موضوعنا الخاص (الانقلاب) تأجل حتى تتضح الصورة خلال الأيام القادمة وليس الأسابيع، طبعاً كان مع عبدالوارث عدد من الأشخاص أعتقد أنهم عسكريون ومن الخلية المسؤولة عن مشروع الانقلاب ولم يكن من عاداتنا إطلاقاً أن نسأل ونستفهم عن الأسماء أو العمل فهذه من الأمور المحرمة تماماً، والتخاطب يتم بأسماء وألقاب حركية تنظيمية.

في اليوم التالي شاعت الأخبار عن إحباط محاولة انقلابية وأن الرئيس الغشمي قضى عليها بمهدها، وعن صحة عبدالوارث حدثنا الدكتور محمد قاسم الثور أنا وعمه عبدالحفيظ أن قرحة المعدة متعبة جداً وأن اشتداد القلق والتوتر بصورة متواصلة قد يؤديان إلى نزيف دموي حاد ونخشى أن نواجه صعوبة في إسعافه أو إجراء عملية جراحية، وأضاف لقد رفض أكثر من مرة إجراء العملية لمشاغله ومسؤولياته التي تثقل الجبال ووجه طلباً أن نعين عبدالوارث على أخذ قسط من الراحة والهدوء، اتصلت بالرئيس بعد أسبوع من هذه الأحداث وطلبت تحديد موعد مع الجبهة الوطنية الديمقراطية بناءً على اتصال من الأخ صالح الأشول والذي كان يعتبر مقرر السكرتارية الخاصة بقيادة الجبهة الوطنية الديمقراطية، وبعد أسبوع اتصلوا من المكتب أن اللقاء بالرئيس في القصر الجمهوري، رحب الرئيس بنا وقال هذا الاجتماع الثالث بالجبهة الوطنية وهذا من إلحاح الشيخ يحيى منصور أبو اصبع، علق عبدالرحمن مهيوب قائلاً هو شيخ الحزب الديمقراطي، رد عليه الرئيس بنبرة مرتفعة بل شيخ الحزب والجبهة الوطنية، رد عليه الحضور ونحن موافقون، ثم تساءل الرئيس وأين القيادات حق الجبهة الوطنية من الحركيين وذكر سلطان عمر وجار الله ويحيى الشامي والهمزة والسلامي والحدي، وإلا جالسين في الوسطى يجهزون للكفاح المسلح، وما المانع من عودتهم إلى صنعاء بوجه الرئيس ألا يمسون من أية جهة، طرح عبدالقادر هاشم موضوع المعتقلين سلطان القرشي وآخرين، هز رأسه، وختم الرئيس اللقاء وقال موجه الحديث إلينا قائلاً في الاجتماع القادم أريد أسمع خبر عن قيادة الجبهة من الحركيين.

التقيت عبدالوارث في مخبأ عبدالحميد حنيبر والذي يعتبر المسؤول الثاني في الحزب الديمقراطي بعد المؤتمر الأخير المنعقد في زنجبار بأبين 1973 وهو المؤتمر الذي لم أحضره، كان الاثنان متعبين وكان اللقاء من أجل توديع عبدالحميد حنيبر المجهز نفسه للسفر إلى عدن بالطرق الملتوية حسب العادة، وقد سمعت عبدالوارث يوجه نقداً حاداً للقيادة المتواجدة في عدن ويتهمها بإهمال الجوانب السياسية والتنظيمية والتباطؤ في عملية التنسيق مع فصائل اليسار وأن لجنة تنسيق فصائل اليسار على طريق التوحيد لم تباشر عملها رغم مضي أسابيع على تشكيلها، مما جعل التواصل والتنسيق بين الفصائل في صنعاء غير فعال ولا حيوي، وأهم ما قاله عبدالوارث أن على قيادة الحزب الديمقراطي وقيادة فصائل اليسار والجبهة الوطنية أن يسترشدوا بالتقارير والمعلومات والتوجيهات التي ترسل من صنعاء ومن الشمال عموماً وليس الاستماع فقط لما تأمر به بعض أوساط الجبهة القومية وأجهزة السلطة في عدن من أصحاب الجملة الثورية وشعار السلطة تنبع من فوهة البندقية من خلال حرب التحرير الشعبية، وحول المصاريف لا تكفي لأي شيء لولا الاشتراكات والتبرعات من أعضاء الحزب على فقرهم، وطلب عودة بعض الشخصيات والكوادر التي قد حددها بالتقرير المرسل في الشهر الماضي، وتحدث عبدالحميد عن صحة عبدالوارث وقال له حرام عليك تعمل بنفسك هكذا جهد وإرهاق ونشاط متواصل، لقد استهلكت صحتك وماذا أقول للإخوان في عدن من تنفيذك للقرارات والتوجيهات للذهاب من أجل العلاج وقد حصلوا على منح علاجية إلى كوبا أو ألمانيا لعلاجك، قال عبدالوارث لم يعد لي نفس للنزول إلى عدن لأن الوضع هناك يسبب لي الإحباط، علقت أنا على رفضه الذهاب للعلاج في كوبا أو ألمانيا قلت له والله أنك مدبر وغاوي متاعب روح اتعالج ما باتسقط السماء فوق الأرض، لولا قُرانع مدعم للسماء، ضحك عبدالوارث وقال أنت تعرف الكثير ويصعب عليا ترك صنعاء هذه الأيام، المنظمة والرفاق والمتابعة صارت حياتي ومعنى وجودي وليست مبالغة إذا قلت لكم أنني حين أحس أني بعيد عن عملي وتحركاتي ورفاقي وصنعاء وأطفالي أشعر أني أموت، أنا مثل السمك إذا خرج من الماء اختنق، ونحن خارجين وصل الرفيق معاوية قدمنا لبعض عبدالوارث وقال هذا سلطان الجرادي (معاوية) وهو مسؤول لجنة التنسيق التي لم تجتمع لفصائل اليسار الخمس (الحزب الديمقراطي، الطليعة الشعبية، حزب العمل، حزب الاتحاد الشعبي الديمقراطي، منظمة المقاومين الثوريين) و لهذا يجب أن تنسق معه نشاطك السياسي هو فهمان ونشيط جداً في العملية السياسية ومثقف وملتزم جيد إلا أن له فلسفة في العمل السري لا تتفق مع أوضاعنا وإمكانياتنا في اليمن، قلت لمعاوية عند لقاءاتنا القادمة نناقش نظريتك حول العمل الحزبي السري في ظل أنظمة القمع البوليسية، وذهب كل إلى وجهته، وبعد أيام قليلة طلبني رئيس الجمهورية، قال أشعر اليوم أني قد تخلصت من المشكلات الكبار، فخروج مجاهد القهالي للعمل في السفارة في أوروبا وعبدالعالم والمضلات بصورة أضرت بسمعتهم وسحقت شعبيتهم، قد يلتقون في عدن مجاهد وعبدالله عبدالعالم وهم ناصريين مثل الناصريين حق مصر، أزاحهم السادات بساعة وكل القوة كانت بيدهم وانتهوا لا قضى ولا سلف، وأيضاً بخروج القوات من صنعاء وخاصة قوات الاحتياط وقد نشرناهم في تهامة كل كتيبة في وادٍ، وحمود قطينة عيناه ملحق عسكري يرتاح هناك ويخطط ويجهز للانقلاب ويطلع نفسه زعيم أو ذي وده، لا أحد يراقبه ولا يتابعه، سألت الرئيس وأنا أتوجس خيفة هل كان قطينة معه قوات غير الاحتياط، قال طبعاً كل من كان مع الحمدي، قلت له مافيش أحزاب معه، قال المعلومات لدينا أن الرجل مشعب جور ويرى نفسه أفضل مني وما زلنا نجمع معلومات موثقة عن المتعاونين معه، أما التهويش والمعلومات المستعجلة فهي تتهم كل الناس والأحزاب والجيش لكننا لا نثق فيها، وقد كلفت المخابرات أشخاص في الخارج يتابعون قطينة ويستخرجون منه الأخبار، قلت للرئيس هذا عين الصواب حتى لا تصيبوا أناس بمجرد الفبركات وتصفية الحسابات، شعرت براحة البال ولكن إلى حين فالأيام حبلى بالمفاجئات.

قال الرئيس نعود للجنوب، أيش معهم هذه الأيام ، ضجه في الإعلام عن الحزب الطليعي وتوحيد الفصائل في الجنوب، مش كلهم شيوعيين هم وباذيب، استدعيتك لأسمع منك لأن تحليل الأصنج وأصحابه فيه الغث والسمين، شرحت بإيجاز أن الجبهة القومية والاتحاد الشعبي (باذيب) والطليعة الشعبية (أنيس حسن يحيى) توحدوا بإسم التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية، وكيف -علق الرئيس- باتسوي بعملك معهم هؤلاء الجدد هل لك معرفة بهم، قلت له نعم أعرف عبدالله باذيب معرفة جيدة وصداقة قوية، وأول معرفتي به في تعز في 1959 حين هرب من عدن إلى الإمام أحمد الذي كلفه بإصدار صحيفة يهاجم بها الاستعمار البريطاني وكنت حينها في سن اثنا عشر سنة أخذني أخي أحمد لأعرف تعز حيث كانت أمي مريضة وتعالج هناك في مستشفى تعز وباذيب صديق لأخي أحمد كانوا نازلين في مطعم بلقيس ملك محمد أنعم (والد الرفيق المناضل عبدالرزاق أنعم الذي كان من أفضل القيادات الحزبية في تلك الظروف 1973) وكان معه أحمد قاسم دماج وجبر بن جبر وسعيد الجناحي وعبدالله صالح عبده، ثم تعارفنا سياسياً من عام 1963 بعد الثورة حيث انتسبت للشبيبه حق عبدالله باذيب وتوطدت العلاقات حتى التحقت بالحزب الديمقراطي عام 1968، علق، هاااه إذاً أنت شيوعي أصيل من الطفولة، قلت له أنا درست في جامع جبلة وأحفظ جزئين غيب تجويد من القرآن الكريم والحديث وأصول الفقه واللغة العربية قبل الثورة، وبعدها عملت خلطة بين الدين والاشتراكي وضحكنا، وسأل الرئيس يقولون أن الحزب الطليعي با يضم الأحزاب التي في الشمال وتتوحد أداة الثورة ويحققون الوحدة اليمنية بالقوة كيف بايسوا ، دخلنا في مناقشة ختمها الرئيس بقوله هؤلاء خبلان ما يعرفوا أن قبائل الشمال با تبتلعهم هم وعشرة أمثالهم، عندنا القبائل يلهفوا أموال قارون لو تمطر لهم السماوات فلوس الدنيا ما كفتهم، ولا تنسى أن القبائل والمشايخ والتجار ضدهم لأنهم سحلوا العلماء والمشايخ والتجار وعملوا اشتراكية على السينما والكراسي والمطاعم ومعظم الناس هاربين عندنا في الشمال، والأصنج دايماً يشرح لنا عنهم، قل لهم يعقلوا كفايتنا حروب وألغام وقتل وتدمير وأنا مستعد للتعاون، بس انتبه لعبدالفتاح وأصحاب الحجرية فقد أخبرني الأصنج أنهم الخطر والمتشددين بالأفكار الهدامة، وجه لي سؤال، هل باتتحرك عدن أو ما هي أساليبك، أريد أعرف برنامجك حول الجنوب ودبر عملك، أريد أفهم الأوضاع جيداً وخلي في بالك زيارتك لعدن قائمة، عليك أن تجهز أمورك وأشوفك بعد أسبوع وأنت جاهز بأفكارك و عليك ان تبقى في صنعاء، شكرته على الاهتمام والاستماع، ظل الرئيس يؤكد في كل لقاءاتي معه أن علاقته بسالمين تتطور وتتحسن بسرعة.

بعد هذا اللقاء حاولت ألتقى عبدالوارث عبدالكريم وفشلت وبعد أيام تأتي الأخبار أن عبدالوارث في مستشفى الكويت مريض والأمن الوطني يحاصره ويحتل المستشفى، ذهبت إلى عبدالحفيظ بهران والأخبار عنده قال لي من اليوم الفجر طوق الأمن المستشفى بعد أن اكتشفوا عبدالوارث وقد أجريت له عملية في المعدة حيث حدث له نزيف حاد من جراء القرحة وكان على وشك الموت من شدة النزيف ويظهر أنه اكتشف من خلال بقائه في المستشفى منذ خمسة أيام، قلت له وأنا أبحث عنه ولا تردوا لي جواب كلكم، قال حتى أنا لا أعلم إلا فجر اليوم، الأوامر عندهم بتحريم الحديث عنه حتى لا تتسرب أخبار، قلت له وأين محمد قاسم الثور، قال في المستشفى إنما سيعود عند الغداء، أخبرني الدكتور الثور أن العملية ناجحة وتحت مسؤولية الرفاق من الأطباء وأغلب أطباء المستشفى و العاملين في المستشفى رفاق من الحزب وأضاف أنه تسرب الخبر من طبيب بعثي اكتشف العملية بالصدفة ويظهر أنه نقل المعلومات إلى قيادة البعث والمعروف عن هذا الطبيب أنه محترم وخدوم وعلاقتنا به جيدة.

 

(16)

والظاهر أنه نقل المعلومات عن عبدالوارث لقيادة البعث (كنا قد ترجيناه ألا يخبر أحد على الإطلاق) سألته هل لديكم خطه لإنقاذه، قال لا زال يحتاج أسبوع أو أكثر لأن العملية صعبة حيث تم بتر نصف المعدة وأيضاً لديه متاعب أخرى.

 كما أن الأمن الوطني قد سكن معه في الغرفة أكثر من عشرة أفراد شرطة عسكرية وغيرها، وكذا في الغرف المجاورة وباحة المستشفى ناهيك عن الأطقم المحيطة بالمستشفى من كل الجهات، لقد تم تحويل المستشفى إلى ثكنة عسكرية، وأضاف الاحتمال الراجح أننا معرضون للاعتقالات فالأمن يبحث عن الذين قاموا بالإسعاف ومن أجرى العملية ولماذا التستر على كل ذلك كما أن التحقيقات لم تتوقف مع إدارة المستشفى، تناقشنا عن العمل لمعالجة الوضع الصعب فاقترح عبدالحفيظ طرح الموضوع مع رئيس الجمهورية، اتصلت وطلبت المقابلة العاجلة، قابلت الرئيس وطرحت عليه الوضع المزري في مستشفى الكويت، قاطعني الرئيس قائلاً، كنت أظن أن معك أخبار عن المهمة التي عليك مع الجنوبيين، قلت له هذه واحدة من المداخل الكبيرة والمؤثرة إذا عالجت المشكلة، قال كيف، قلت له أولاً لا نريد أحد في الشمال أو في الجنوب يتصور أنك في رعب وخوف حتى من مجرد شخص مريض وحالته خطيرة لا يقدر على الحركة يحاصر ويتم احتلال المستشفى، ولو فرضنا وأن هذا الرجل عبدالوارث خطير على النظام ويهدد الوضع العام ألا توجد وسائل وأساليب أخرى تؤدي نفس الغرض وتحفظ سمعة الدولة وهيبتها التي تشوهت وتزعزت من تحويل مستشفى إلى ثكنة عسكرية.

قال كيف، وقلت له مثلاً بالإمكان المجيء بعدة أشخاص من الأمن أو الجيش ورقودهم في المستشفى على أنهم أمراض يراقبون ويحرسون ويحاصرون بدون ضجة ولا بهذله ولا تشويه سمعة الدولة التي هي سمعة الرئيس، علق الرئيس بالموافقة على رأيي وأضاف أيوه حتى يرقدوا ضباط في غرفته على أنهم أمراض ويتعرفوا على أصحابه، قلت للرئيس يفترض أن تتصرف كرئيس دولة يحكمها النظام والقانون والعرف القبلي وكذلك الأجهزة الأمنية التي بتصرفها هذا تريد أن تظهرك بأنك رئيس عصابة، سأل الرئيس من هو عبدالوارث هذا حتى تقوم الدنيا عليه هل هو خطير فعلاً أكثر من المعلومات التي لدينا، قلت له أبداً وربماً هي الغيرة والمنافسة بين أصحاب المهنة الواحدة لأنه من الأمن الوطني، حتى المعلومات التي لديكم فيها مبالغة، سأل الرئيس كيف علاقتك به ومن متى تعرفه، قلت له من أيام دراستنا في تعز بعد الثورة وسفره إلى مصر للدراسة في كلية الشرطة وعاد بعد التخرج وانتسب في الداخلية، ولم تنقطع علاقتي به وخرجت من مخبئي أنا وهو بقرار من الرئيس الحمدي، علق الرئيس أعرف هذا، المهم هو صاحبك ويسمع كلامك وتقدر تمسكه، قلت للرئيس في قبضة يدي هكذا، كما أنه ضد الأعمال العسكرية ويناهض أعمال العنف ويدعو إلى العمل السياسي السلمي حتى أن له سنوات كثيرة لم يذهب إلى عدن لخلافات شديدة مع قيادة الجبهة والحزب حول أمور كثيرة، علق الرئيس مرة أخرى وقال حتى حول حرب التحرير الشعبية، قلت نعم، قال الرئيس المهم هو صاحبك وبيدك أنا أعمل له ما تريد، قلت له ترفع الحراسات وكل مظاهر عسكرة المستشفى وما فيش مانع إذا الأمن لديه احتياطاته السرية غير المكشوفة، وأوعدك حين يتماثل للشفاء سوف أوصله إليك.

 حسم الأمر الرئيس وقال خلاص روح شوفه للمستشفى وطمنه، هل سيتعاون معك في المهمات التي عليك مع الجنوبيين، قلت له نعم بكل تأكيد، وأضاف الرئيس: يقولون أن مركزه الحزبي كبير، قلت له هو عضو مكتب سياسي، قال وأنت، قلت له أقل منه (عضو لجنه مركزيه) قال إذاً يعرف أسرار الجبهة القومية والجبهة الوطنية أكثر منك، قلت نعم كلامك يا أخ الرئيس صحيح، إذاً هذا جيد لعملك وعلى مسؤوليتك إذهب إليه بسيارتي الآن واخبرهم بأوامري برفع كل الحراسات فوراً.

تحركت بسيارة الرئيس وصلت ساحة المستشفى وكان علي العتمي نائب محمد خميس في جهاز الأمن الوطني في الساحة ومجرد رؤيته لسيارة الرئيس نط (قفز) نحو السيارة ورآني داخلها أصيب بالذهول وقال أنت يا شيخ يحيى فوق سيارة الرئيس (أعرف علي العتمي جيداً فقد كان مسؤول الأمن الوطني في أوائل السبعينات في إب وكنا في ذروة نشاطنا الحزبي والوطني والشعبي) ونزل بي حباب وبواس، مسكت بيد علي العتمي واتجهنا صوب غرفة المريض المحاصر والمناضل الكبير والعظيم عبدالوارث عبدالكريم مغلس أثناء المسير قلت للعتمي لماذا كل هذا الجيش والأمن على شخص لا يقدر على الحركة وفي غيبوبة، قال هذا محمد خميس وأحمد عبدالرحيم وزاد جاء حميد الصاحب يقول أن الحزب الديمقراطي با يهجم بقوات عسكرية على المستشفى لإنقاذ عبدالوارث ويقولون أنه أخطر شخص على الدولة وعلى النظام، وصلنا غرفة عبدالوارث عبدالكريم، يا إلهي منظر يستحيل أن نتصوره، مريض فوق السرير في زاوية من الغرفة فوقه المغذيات وأجهزة الأكسجين ولا ترى من وجهه إلا عينيه أكثر من 8-10 جنود وضباط بملابسهم العسكرية وأسلحتهم والبعض نائماً وآخرين يتعاطون القات والسجائر تملأ المكان فراشهم ومتاكيهم على الارض كل من دخل من الأطباء والممرضين والممرضات يخضع للاستجواب فعلاً منظر يمثل الهمجية البدائية بكل عنفوانها،

وقفت أمام سرير عبدالوارث رابط الجأش منتصب القامة وتحدثت له بالصوت العالي وعلى طريقة إلقاء الخطب الرنانة حتى يسمع من في الغرفة ومن خارج الغرفة وأذكر كلماتي وكأنها اليوم (يا عبدالوارث أنا قادم إليك من عند فخامة رئيس الجمهورية المقدم أحمد حسين الغشمي وهو يسلم عليك ويقول لك أن ما جرى من سوء تصرف من الأجهزة الأمنية لن يتكرر معك أو مع غيرك في المستقبل وما جرى من تصرفات من الأجهزة الأمنية داخل حرم المستشفى تشويه لسمعة الدولة وإضعاف هيبتها وضد النظام والقانون ونحن دولة ولسنا عصابه ويقول لك الرئيس عند شفاءك سوف يراك ويجبر بخاطرك وسلمت عليه وكان غير قادر على تحريك يديه، وعلى الفور وبنفس اللحظة أصدر علي العتمي أمراً بانسحاب العساكر ونادى على مسؤولي المستشفى بتنظيف الغرفة وفرشها طبياً بالصابون والمطهرات وكانت السجائر وأعقاب السجائر في أرض الغرفة تزكم الأنوف،

 مسك عبدالوارث بيدي على خفيف بعد مغادرة (الجنود) تنفس عبدالوارث والابتسامات على محياه رغم الأنابيب في فمه وأنفه لقد كتموا أنفاسه لأربعة وعشرين ساعة، دخل الأطباء وإدارة المستشفى فرحين مستبشرين وكلهم نظر نحو عبدالوارث والسلام عليا، كنت أزوره يومياً، قال لي عبدالوارث، انفجار القرحة بهذه الصورة بسبب مغادرة قطينة صنعاء و إخراج الوحدات العسكرية من صنعاء حاولت أن أهدئ من روعه والمهم الآن صحته وقال لي عليك بحسن الخولاني وهو سيدلك على أحد المساعدين لي وهو قاسم أحمد سلام لا تلجأ إليه إلا للضرورة القصوى، فقطاعنا العسكري والأمني في غاية السرية وأضاف يصعب على الأجهزة الأمنية الوصول إليه فقط إلا في حالة واحدة (الاختراق) أو الصدفة كما حدث مع الطبيب البعثي الذي كشف أمري لقيادته وهي بدورها أبلغت الأجهزة لأن البعثيين يعتقدون أن نظام الغشمي قريب منهم جداً أو هو نظامهم بعد زوال نظام الحمدي الذي كان على خلاف شديد مع البعث، وفي مرة أخرى، أخبرني عبدالوارث أن أحاول الاتصال بحمود قطينة في الخارج حيث عين ملحق عسكري في سفارة  واطلب منه عند الحديث عما كان بيننا بصورة نهائية وقاطعة وأن ينسى الموضوع من الأساس كأنه لم يكن، وللأسف لم يسعفنا الوقت لوضعك في صورة ما دار بيني وبين حمود قطينه وإن شاء الله بعد خروجي من المستشفى سوف أحدثك بأمور أخرى مهمة هذا إذا لم يقم جهاز الأمن الوطني بأخذي مرة أخرى، كان وارث لا تغيب عنه أسوأ الاحتمالات، وهذه هي نبوءة عبدالوارث عبدالكريم وقد تحققت بمجرد تحسن صحة المريض خلال الأيام التالية هجم الأمن على المستشفى وخطف عبدالوارث عبدالكريم، وبهذا الخطف سبق الأمن منظمة الحزب بيوم واحد حيث كان قد اتخذ قرار بإخراج عبدالوارث من المستشفى بصورة سرية تجنباً لأي احتمال سيء، وقع الخبر وقع الصاعقة على منظمة الحزب الديمقراطي وفصائل اليسار وعلى الجبهة الوطنية الديمقراطية، ضربت كفاً بكف وقلبتها أخماس بأسداس ما الذي جرى وما الدافع الذي جعل الرئيس يقدم على هذه الخطوة الخطيرة بعد الاتفاق معه والتزامي له بإحضار عبدالوارث حينما يتماثل للشفاء، وهل يعني هذا أن أجهزة السلطة قدمت أدلة للرئيس على خطورة عبدالوارث والحزب الذي يمثله، هل ستلاحقنا لعنة فكرة الانقلاب العسكري نحن في الحزب واليسار وعليا شخصياً بموضوع الانقلاب، ونصحني أحمد قاسم دماج أن أزور يحيى محمد المتوكل أنا رأيته قبل أسبوع وقال أنه يحضر نفسه للسفر فإذا التقيت به سوف تجد عنده الخبر اليقين فليس هناك من يعرف ويتابع الاستخبارات العسكرية والأمنية ويعلم بجميع تحركاتها مثل السفير يحيى المتوكل بالإضافة أن الرجل في أعماق نفسه مع القوى الوطنية والديمقراطية، أيد مقترح أحمد قاسم عبدالحفيظ ومحمد قاسم الثور، حاولت الاتصال بمكتب الرئيس مراراً إلا أن الرد يقول: سوف نخبر الرئيس ونتصل بك، وصلت بيت يحيى المتوكل وكان معه حسين الدفعي وعلي الحيمي وعبدالله حسين المؤيد وحسين شرف الكبسي وسعيد محمد الحكيمي ويحيى البشاري (عدا الأخيرين) وكلهم من تنظيم الضباط الأحرار ولديهم علم بخطف عبدالوارث من المستشفى قبل استكمال العلاج وأظهر البعض تخوفهم على مصير عبدالوارث الذي يعرفه الجميع كما أن الضباط المذكورين وطنيين أو محسوبين على اليسار وكلهم يتوقعون نهاية قريبة للوضع والجميع يصب جام غضبه على المملكة السعودية التي تقف وراء الكوارث والويلات التي تلحق بالشعب اليمني، وتفرد حسين الدفعي بالقول أن السعودية تعمل على أن يحكم اليمن العرائف والعكفة والخباطا الأُميين بعد السلال والإرياني والحمدي.

انفردت بيحيى المتوكل وسألته أن ينورني ومن معي بالمعلومات الدقيقة وتفهم قصدي أن الحزب من أرسلني، أعرب أولاً عن تخوفه على عبدالوارث فالرجل خسارة كبيرة لا تعوض، ثم شرح لي الأوضاع وقال لدى الأجهزة الاستخباراتية وخاصة الأمن الوطني تكهنات وتوقعات (وليس دلائل قاطعة) أن عبدالوارث يريد القيام بانقلاب عسكري للاستيلاء على السلطة وأن سجنه يقطع الشك باليقين لأن أحد في الحزب الديمقراطي لا يقدم على أي تحركات ما دام عبدالوارث عبدالكريم في قبضتهم

سألت المتوكل هل لديهم معلومات أو تسجيلات مؤكدة حول هذا الانقلاب المزعوم وعن القوى والأشخاص والإمكانيات، أضاف أبداً قد ناقشتهم ومع المهمين منهم وكلهم يؤكدون أن هذه الإجراءات استباقية وخاصة على عبدالوارث عبدالكريم،

قلت له إذا رأيت الرئيس الغشمي وأطالبه بإطلاق عبدالوارث، كيف ترى طرحي معه؟ هل أكون قوياً في نفي التهم الخطيرة على عبدالوارث وعلى الحزب، قال نعم وبدون أي تلكؤ وتطالبه العودة للتفاهم الذي جرى بينكم حين رفع الحصار على المستشفى ومنع الأمن الوطني من عبدالوارث، وأكد للرئيس بنوع من الثقة أن تقارير الأجهزة الاستخباراتية ما فيها شيء من الحقائق الأكيدة وإنما هي عادة الأجهزة أن تشعر الحاكم بنشاطها وفعاليتها وحرصها الشديد على النظام بغية زيادة ميزانيتها وجعل النظام ورئيس النظام يستندون عليها وبالتالي يترك لهم الحبل على الغارب للفتك بالقوى الوطنية الجديدة.

........ يتبع

قراءة 1969 مرات

من أحدث يحيى منصور أبو اصبع