طباعة

أربعون عاما على رحيل عبد السلام الدميني واخويه (5)

الثلاثاء, 29 أيلول/سبتمبر 2020 17:56 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

وقد ظل في مريس (قطعبة) لأيام وأصحابه يتنقلون حيثما أرادوا حتى في الشعيب والضالع ولأيام دون أن يحدث ما يعكر صفوه وراحة باله كون الرئيس صالح قد قال له لن يقبلوا وجودك إلا ليوم واحد فأكد للرئيس أنه بإمكانه أن يجلس ويتحرك في جميع المناطق بما في ذلك جبن والبيضاء ولأي فترة زمنية واعتبر أصحاب برط هذا تكريم واحترام من الجبهة الوطنية ومن النظام في الجنوب وقابلوا كل ذلك بالتعاون والتعاضد مع الجبهة الوطنية ومناطقها.

كانت الخروقات لوقف إطلاق النار دائماً ما تأتي من قوات الجبهة الإسلامية التي سعت وتسعى لإفشال أي حوارات أو لقاءات وقد أدرك دارس هذه الخروقات ونقلها إلى صنعاء، والحقيقة فإن حالة الاستقرار التي تحققت بعد هذا الحوار هي ما تطلبه قيادة الجبهة والدولة في عدن، وعند عودتنا إلى عدن مروراً بالضالع حصلنا على قات هدية من الإخوان في الضالع من قادة الحزب والجبهة، أخفينا أنا وعبدالسلام كمية لا بأس بها من أجل نخزن في عدن الذي يمنع فيها تعاطي القات عدا الخميس والجمعة، وعند وصولنا الحوطة – لحج عند نقطة معسكر عباس جرى تفتيش الشناط التي في حوزتنا وكذا السيارة بعد أن شاهدوا آثار القات في أفواهنا وكشفنا وطالب أصحاب النقطة من أصحاب القات رفع أيديهم والوقوف على جنب، فطلبت من عبدالسلام عدم رفع اليد والإنكار، قال سوف يأخذون الشناط التي وجدوا فها القات وفيها أوراق قلت أحدنا يتحمل المسؤولية والآخر يذهب عدن ويحل مشكلة الذي سيجرى سجنه من هناك، فضل د. عبدالسلام أن نكون الاثنين حتى لا يطفش الواحد لحاله ونتصل إلى عدن، تم حجزنا وجرى التحقيق ومنع الزيارة لمدة عشر ساعات حتى جاء الأمر من وزير الداخلية بإحراق القات وأخذ التعهد من المخالفين بعدم العودة وإطلاقهم بعذر عدم معرفتهم بالمنع والتحريم، اللطيف في هذا السجن أنني كنت أتحاور مع عبدالسلام حول الاتصال بعلي شايع وزير الداخلية فسمع المحقق واستغرب وعند حديثنا عن معرفتنا بعلي شايع نوع من تخويف الجنود، فقال لي هذا المحقق أنت تعرف علي شايع هادي بكله، قلت له نعم أعرف علي شايع وأعرف علي عنتر فصاح يا عسكري أدخلهم الحبس الداخلي حتى لا يزيد الفشر ويقول أنه يعرف عبدالفتاح، وحصلت مشكلة عند وصول أمر الإفراج فقد رد ضابط النقطة أنه لا يوجد مساجين بهذه الأسماء (يحيى منصور وعبدالسلام الدميني) وهذه مشكلة جديدة لأننا أعطينا أسمائنا الحركية والمتابع في عدن طرح أسمائنا الحقيقية، إلا أن ضابط النقطة طلب منا الصدق فأخبرناه أننا قادمون من الضالع ودمت وكنا مكلفين بمهمة، وقال إذاً أنتم من الجبهة الوطنية فأطلق سراحنا ودعانا لحضور حفلة حرق القات الذي كان في حوزتنا حتى لا نفكر أنهم قد يتعاطونه أن يبيعونه.

كانت مقايل عدن الخميس والجمعة والنقاشات على أشدها حول أفغانستان والثورة الإيرانية الجبارة والتدخل السوفيتي في أفغانستان وكان الدكتور الشهيد في قلب هذه المجادلات والنقاشات محللاً ومستنتجاً باعتباره خبير بشؤون الاتحاد السوفيتي، والأغلبية الكاسحة مع التدخل السوفيتي العسكري ومع الثورة الإيرانية، وكنت لوحدي شاذاً بين الإجماع أو شبه الإجماع ضد التدخل السوفيتي العسكري في أفغانستان وأطرح أفكاري وتصوراتي بكل وضوح دون مراعاة أنني في بلد (اليمن الديمقراطية) حليف للسوفييت وما أثار ضجة ضد صراحتي في مقيل نجيب إبراهيم عضو اللجنة المركزية أنني أفصحت عن توقعاتي بهزيمة السوفييت كما حدث للأمريكان في فيتنام، وهي فرصة من ذهب قدمت لأمريكا والقوى الامبريالية والرجعية العربية لخلق مستنقع يغرق السوفييت فيه بإسم الدفاع عن الإسلام والمقدسات، فقد أذنت CIAالله أكبر حيا على الجهاد في أفغانستان، فكان عبدالسلام يهدئني وينصحني بأن المجاهرة هكذا غير مناسبة الآن وأسر لي أن توقعاته المستقبلية تتفق مع توقعاتي، لكن الناس هنا على يقين أن السوفييت سينتصرون مائة بالمائة، ولكن الجميع وبفرحة غامرة مع الثورة الإيرانية وخاصة بعد تسليم سفارة إسرائيل للفلسطينيين والإعلان أن كثير من قادة الثورة الإيرانية من الفلسطينيين في إيران وكنت قد اقترحت على عبدالسلام أن نتبنى رأياً موحداً ونقدمه لقيادة حوشى وسكرتارية الجبهة الوطنية بذهاب وفد إلى إيران لتأييد الثورة وقد تحمس لهذا المقترح جار الله عمر زعيم حوشي، إلا أن تدخل صدام حسين واكتساح مناطق واسعة من إيران عسكرياً قد أحدث بلبلة وربكة وانقسام وتموضع هنا وهناك، رغم صدور بيانات إدانة لهذا التدخل العسكري العراقي في أكثر من جهة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وأن هذه الحرب العراقية الإيرانية تخدم إسرائيل وأمريكا العدوين اللدودين للثورة الإيرانية والثورة الفلسطينية وبتمويل خليجي حيث جرى تمويل هذه الحرب ثمان سنوات من أموال النفط العربي الذي كان يفترض أن يذهب للتنمية وبعد نهاية الحرب دخل صدام الكويت رداً للجميل على ما قدمته الكويت في دعم لا حدود له للعراق، فتحولت كل موارد النفط الخليجي لتمويل عاصفة الصحراء التي أعلنها الجيش الأمريكي وأكثر من ثلاثين دولة مشاركة بما فيها دول عربية (السعودية، مصر، سوريا) وبعد تدمير العراق وإعادته إلى العصور الحجرية حيث تم تدمير الجيش والاقتصاد وسحق كل مؤسسات الدولة والإعلان عن إلغائها فحدثت فترة من الفوضى الخلاقة على حد تعبير وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس التي لم يشهد العالم مثيلاً لها في تاريخه وتشكلت عصابات لنهب الأثاث والآثار والمكتبات والمعارض والمتاحف واللوحات والوثائق والأرشيف وأبرز من وقف خلف هذه العصابات إسرائيل والموساد الإسرائيلي، واليوم بعد العراق واستباحته بالكامل وغنيمة عشرين ألف عالم نووي عراقي من قبل امريكا.. لقد كان العراق يمثل حاجزاً مانعاً وحامياً لدول الخليج وللبوابة الشرقية من الوطن العربي وأصبح اليوم بقبضة إيران.. وتذهب دول الخليج اليوم للبحث عن حامي ومدافع عنها من إيران فلم يجدوا إلا إسرائيل والتوجه اليوم لتشكيل تحالف عربي إسرائيلي في وجه إيران وبأموال النفط العربي الخليجي، وبنفس الأموال التي تم القضاء على الربيع العربي وثورته العربية السلمية ومن نتائجه تدمير سوريا وليبيا واليمن تدميراً كاملاً على مدى السنوات الثمان الماضية والحبل على الجرار لبقية البلدان العربية وبأموال النفط الخليجي العربي، وأصبحت دول الخليج اليوم مستباحة لإسرائيل وخططها والموساد يسرح ويمرح وبأموال النفط العربي الخليجي وأصبحت هذه الدول ممنوعة ومحرمة على الشعب الفلسطيني الذي تنتهك حقوقه وتضيع قضيته بأموال النفط الخليجي وأصبحت إسرائيل تعيش عصرها الذهبي مقابل العصر المأساوي للفلسطينيين والعروبة والإسلام.

عدنا إلى شمال الشمال عبر العبر (حضرموت على حدود الجوف) والجوف وحضرموت بينهما حدود طويلة تقدر بأكثر من 300 كم وذهب الدكتور عبدالسلام إلى حيث مقره الأساسي في أرحب لدى محسن أبو نشطان كمسؤول على محافظة صنعاء وذهبت إلى برط حيث مقري الأساسي في بيتنا وأسرتنا كمسؤول عن صعدة والجوف وقد طلب مني الدكتور عبدالسلام أن أهيئ له زيارة إلى الجوف لاستكمال طوافه الأول وخاصة مراكز الآثار فنصحته أن يمر أولاً عليا إلى برط (المراشي) الخراب ومن هناك سوف آخذه إلى حيث يريد دون مرافقين كثيرين وكل من هب ودب والحرص على مرافقين حزبيين مجربين وعارفين للمنطقة وبعيداً عن أي ضجة ما دام والرحلة لغرض الاستطلاع والبحث عن الآثار وخريطتها لأن ذلك يكلف الناس الذين نتصل بهم تكاليف مالية وخسائر وبعضهم لا يقدر عليها مقابل أنني وعبدالسلام مفلسين ولا نملك شيئاً وهذه حقيقة، فقد كان المخصص لتحركاتنا لا يكفي لصرفة يوم واحد وأنا لا أبالغ في هذا أبداً، وكان اعتمادنا على الناس وحماسهم ضد نظام صنعاء وضد التدخل السعودي إلا أن تحركاتنا  بين المواطنين وعلى حسابهم ويتوقعون حصولهم على الأسلحة والذخائر من الجنوب لأن المصلى راجى من الله مغفرة..

وسيكون لنا نحن كقيادة دور في إقناع وزارة الدفاع بهذا الأمر وقد حدث هذا أكثر من مرة ولكن ليس بنفس الكميات المهولة التي صرفت قبل مجيئنا وتحملنا هذه المسؤوليات وكان صرف السلاح قبل وصولنا عبئاً ثقيلاً علينا كوننا نريد تأسيس عمل سياسي وحزبي (جبهوي) بعيداً عن السلام وعن الفلوس (أي بعيد عن الارتزاق) الذي يقضي على كل عمل سياسي ومدني وحضاري.

التقيت عبدالسلام حسب الوعد بيننا في خراب المراشي (مديرية من مديريات برط) وتوجهنا إلى المتون عاصمة الجبهة الوطنية بلا منازع عند الرجل الوطني الفريد من نوعه في الجوف محمد عرفج حليمان (من آل عبيد بن حمد ذو حسين) ورتب لنا كل شيء بهدوء وبصورة سرية الى حدا ما.. وذهبنا أولاً إلى براقش ثم مدينة معين ثم آثار مدن البيضاء والسوداء وكان معنا الشيخ أحمد السنتيل من كبار مشايخ بني نوف، وسبحنا في وادي الجوف والذي يتغذى من مياه الخارد ومذاب وغيرها وحين ندخل في مياهه تسحبنا المياه معها لكثرتها وتقديري أن حجم المياه في الجوف أكثر من حجم مياه وادي بنا ووادي عنه في العدين أيام الأمطار الغزيرة، أما اليوم فلم يبقى شيء من هذا إلا النزر اليسير وفي هذه اللحظات ونحن نستمتع بالسباحة إذا بزخات من إطلاق النار قريب منا وأحياناً فوق رؤوسنا فطمأننا من حليمان والسنتيل أن هذه الاشتباكات العسكرية تحدث دائماً بين بني نوف وآل حمد من ذي حسين على أراضي في حدود القبيلتين منذ عشرات السنين أي بين مديرية المصلوب ومديرية المتون.. المهم الاشتباكات قطعت علينا الفسحة والسياحة المائية ونحن في الطريق للغداء في بني نوف عند الشيخ أحمد السنتيل (طبعاً الشيخ محمد عرفج بن حليمان) لم يأتي معنا لوجود...

....... يتبع

قراءة 1801 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 06 تشرين1/أكتوير 2020 20:27

من أحدث يحيى منصور أبو اصبع