طباعة

بداياتي مع البردوني... انطباعات قارئ مميز

  • الاشتراكي نت / كتبه د. عبد العزيز علوان

الجمعة, 19 شباط/فبراير 2021 18:16
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

اللقاء الاول:

لعيني ام بلقيس

 اول كتاب اشتريته وظللت أخفيه وأتخفى في قراءته مع غيره من الكتب التي كنت أجدها ، وقد كان سبب هذا التخفي في القراءة يعود لاعتقادي ان تلك الكتب خاصة بالكبار فقط و أنا لم أتعد الصف الخامس الابتدائي في مدرسة الشرقية .بالشيخ عثمان.

لم ا درك حينئذ معنى الشعر وكنت اعتبره محفوظات كتلك المقررة علينا في المدرسة، إما كيف اشتريت الديوان ومن أين فتلك هي الحكاية.

المكان : إحدى الأرصفة التي يستند عليها (الشوكي) قسم شرطة الشيخ عثمان (عدن)

الزمان : اليومي بعيد العصر الشهر لا أتذكر اسمه  اما العام  فهو 1974 م.

ثمن الكتاب لا أتذكره تحديدا

ليلة شرائي الكتاب

بدأت قراءته بخوف من أن اكتشف باني أقراء كتابا خاصا بالكبار وفرحا باني امتلكت كتابا الى جانب ما كنت اشتريه من مصروفاتي المدرسية وأفاخر بشرائها من المجلات القديمة لمجلة (سمير) ومجلة (ميكي ماوس) الخاصة بالصغار من سن 6 سنوات الى سن 66 سنه كما كان يكتب في غلافها .

قرأت الكتاب الذي تعرفت بعدئذ على اسمه بانه ديوان شعر ولم تكن القراءة صحيحة ولكن استمتاعي بالكلمات كان اكبر من كل ذلك.

لعيني ام بلقيس كنت إقراءها مفرده دون تشديد للياء واعتبرها عينا واحدة، اما أم بلقيس فلم تلك دلالتها حينئذ تهمني فانا اعرف أنها ام إحدى  الفتيات  في الشارع الذي اسكنه وان تعدت هذه الدلالة فهي تدل على علاقة ما بمدرسة بلقيس للبنات التي كنت أمر بها ذهابا وإيابا من والى المدرسة.

استمرت هذه القراءة الى جانب قراءات أخرى للشابي، وكنت أحظى ببعض التشجيع من القائمين بفعاليات الانشطة الثقافية للجان الشعبية في الحي للإلقاء بعض ما أحفظ من الشعر بغض النظر عن جودة الأداء أو اختيار القصائد.

في 25/7/1975 عدت من عدن الى القرية، مصطحبا ديوان البردوني (لعيني ام بلقيس) ، ومن حينها بدأت القراءة بصوت عال و بدأت أيضا أفاخر بشراء أي كتاب تتوفر قيمته لدي.

القراءة الأولى

كنت ابحث فيها عن المفردات المألوفة لدي مثل المفردات القروية والأسماء التي اعرفها  لبعض الأشخاص  والأماكن وأسماء بعض الحيوانات دون التفقه في دلالتها.

فمثلا كنت حين أقراء

مواطن     بلا     وطن      لانه       من      اليمن

تباع     أرض     شعبه      وتشترى     بلا     ثمن

يبكي      إذا      سألته      من أين أنت؟.. أنت من؟

لانه     من    لا    هنا      أو    من   مزائد   العلن

أتخيل الضياع الذي يعيش هذا المواطن لانه من اليمن فحسب ، كما كنت أتخيل عملية البيع والشراء كتلك التي تحدث في السوق .اما عند أصل الى

يا  إخواني  أصلي  من      صنعاء   أمي:  (دبعيه)

صنعاوي،      حجري!      ما صنعاء، ما الحجريه؟

وكذا

عربي      لاتعرفني...      حتى    الدور   العربيه

وأبي   -قالوا-   يمني      أمي    -قالوا-   يمنيه

كانت هذه الكلمات تجد أصداءها كمسميات تتردد في مسمعي باستمرار فانا من الحجرية ، وصنعاء كنت أدرك أنها جزء من اليمن ، وانا عربي بعد ان انطبعت في ذاكرتي تلك المسيرات التي خرجت عند وفاة جمال عبد الناصر والتفاعل المؤثر الذي كنت أشاهده ايام حرب أكتوبر. لكنني كنت أسائل نفسي طالما وانا عربي فلماذا  لاتعرفني هذه الدور العربية التي كنت أتخيلها على شكل عمارات.

اما فيما يتعلق بالسؤال ما صنعاء ما الحجرية فمازلت ابحث عن اجابة له حتى الآن .

دكتورة الأطفال

وانا الطفل الذي لم يذهب الى دكتورة قط ، كانت هذه الأبيات

. دكتورة    الأطفال   إني   هنا      من  يوم  ميلادي  بلا مرضعه

عندي  عصافير  الهوى تجتدي      حنان   هذي   الكرمة  الطيعه

تأخذني  من اقرب البكاء وحتى البعيد من الأسى، دون ان ادري لماذا؟

في نصيحة البردوني السيئة

كان اسم الحاكم لا يتعدى حاكم المحكمة فقط .

ابو تمام وعروبته اليوم

كانت اكثر محفوظاتي وتفاخري في حفظها ، وكانت صنعاء وعاشقاها السل والجرب تبعث في نفسي شيء من الزعل فكيف لصنعاء المليحة ان تحب مثل هؤلاء.

علاقة الشاعر بقصائده

سئلت ذات مرة ، ماهي احب قصائدك ؟ اجبت لكل قصيدة من قصائدي علاقة ما مع قارئها قد تكون حميمة او عدائية او بين بين ، اذن فهن كالابناء في علاقاتهم بالآخر .

واكاد هنا ان اجزم بان لكل القصائد ولأي كان من الشعراء علاقاتها الخاصة ، ولعل بعضا من قصائد البردوني لها علاقاتها المميزة والمشتركة بين اكثر فئات الشعب اليمني والوطن العربي ولعل ابرز مثال لذلك قصيدة (ابو تمام وعروبته اليوم ).

ديوان وجوه دخانية في مرايا الليل

ثاني ديوان اشتريه كنت حينها في المرحلة الاعداية بالفجر الجديد (بالتربة)

حيث اصبحت مدركا لمعاني بعض الكلمات التي كانت تمنحي تذوقا خاصا للشعر ،

وكانت قصائد هذا الديوان لها وقع خاص ، ولاسيما بعض القصائد التي كنت أجدها سهلة الايقاع  (لم اكن حينها أدرك مدى السخرية فيها) مثل

*كان    رأسي في يدي  مثل

 اللفافه*

     وأنا    أمشي،   كباعات   الصحافة

وأنادي:    يا   ممرات   إلى   أين      تنجر        طوابير       السخافة؟

يا     براميل     القمامات،     إلى      أين   تمضين..؟  إلى  دور  الثقافة

كل   برميل   إلى   الدور..؟   نعم      وإلى  المقهى..؟  جواسيس  الخلافة

وكذا

ياحزانى    ..   ياجميع   الطيبين      هذه  الإخبار  ...  من  دار  اليقين

قرروا   الليلة   ...   أن   يتجروا      بالعشايا الصفر ... بالصبح الحزين

فافتحوا      أبوابكم،     واختزنوا      من  شعاع  الشمس، ما يكفي سنين

وقعوا    مشروع    تقنين   الهوى      بالبطاقات،      لكل      العاشقين

قرروا    بيع    الأماني   والرؤى      في  القناني،  رفعوا  سعر  الحنين

فتحوا     بنكين     للنوم،     بنوا      مصنعاً،   يطبخ   جوع   الكادحين

إنكم      أجدر     بالسهد     الذي      يعد    الفجر    بوصل    الثائرين!

ولم اكتف بالقراءة تلك بل عملت على تسجيلها صوتيا على أشرطة التسجيل ، مع برنامج قضايا الفكر والأدب الذي كنت أتابعه باستمرار كل أربعاء العاشرة مساء من إذاعة صنعاء.

وتأتي قصيدة مأساة حارس الملك ، لتجسد في مخليتي رؤية الجبال صبر ، نقم ، يسلح ، عيبان ،والمناطق موسنه ، بعدان و مقبنه ، يتعرضون للاعتداء وهم يؤدون أعمالهم اليومية

(صبر)     وغد،     أنا    رقيته      كان     خبازاً،    أحله    معجنه

(نقم)     كان     حصاناً    لابي      اطحنوه       علفاً      للاحصنه

اقتلوا     (يسلح)     ألفي    مرةٍ      *إسحبوا  (عيبان)  حتى (موسنه )

أقلعوا    (بعدان)    من   أعرقه      انقلوا    نصف    (بكيل)   مقبنه

ومن بعدها أدركت دلالة الامكنه كبعد للرمز النضالي الذي تميزت به كل منطقة على حده ، او شاركت مناطق أخرى في خضم هذا النضال.

اما مأساة الحارس المزمنة فهي هي وان اختلفت في اداواتها ، فكما انتقلت من اكف ابي جهل الى الاكف المؤمنة ، هاهي قد خرجت من عروش الاستبداد لتهدم بنيانه ، وربما لتبني بنيانا اخر.

حكاية طالب

كادت هذه القصيدة ان تذهب بي ابعد من سكن الطلاب الجامعي لجامعة صنعاء.

فقد كنت وزميل لي نخفي بعض الكتب والأشرطة التسجيلية لبعض الشعراء والفنانين،حتى لا تتفتح الأعين المزروعة على مسار توجهنا ، وذات ليلة قدم إلينا احدهم ، وما أن رأى ديوان كائنات الشوق الآخر الا وأخذه موجها الينا سؤال ماكر هل تقراؤن للبردوني ، وفتح الديوان على قصيد (حكاية طالب ) وما ان رأيت العنوان حتى قلت له انه المعني بهذا الطالب ، ظانا مني انه لن يقراء القصيدة ، ولكنه قراءها بصوت مسموع

مصروفه    في   كل   يومٍ   وفير      أبوه     إما     سارق    أو    أمير

أو      عنده      أم     ك(مرجانة)      في    بيتها    كل    مساءٍ   وزير

عليه     من     تغنيجها     مسحة      ومن     هدايا     زائريها    عبير

وعندما اكمل المقطع استشاط غيضا وكاد يخرج من الغرفة بهذه الحالة ، ولكنني هدأت من غضبه معتذرا بأنني لم اقصد ما ذهب اليه خياله وانتهت قصة الزيارات المفاجئة.

يوميات مرقس اليماني

احدى الروائع التي كنا ننشدها جهرا لان فيها

و"ناجي" كيف أمسى "اللورد ناجي"      وكان   أرث   من   جوف   الشواله

اضافة الى غيرها من القصائد

كفنقلة النار والغموض وكائنات الشوق الآخر وغيرها

اما عن اجتماع طارئ للحشرات

 فكانت تسلياتنا اليومية

*أعلنت  سلطانة   "القمل"  اجتماعا      رؤساء   "البق" لبوها  سراعا

وإليها      أقبل     الأقطاب     من      مملكات   "السل"  مثنى  ورباعا

*                *                *

جاء    شيخ    الدود    في   حراسه      زارداً    بحراً،    ومعتماً    شراعا

ملك        "الذبان"    وافى   نافشاً      تاجه    كي   يملأ   الجو   التماعا

طار   سلطان   "البراغيت"  على      نملةٍ    فازدادت    الأض   اتساعا

(الزنابير)      توالت     مثلما      هد   مرحاضين،   مرحاض  تداعى

من أقوال  البردوني

في لقائه بالقاهرة  على هامش مهرجان حافظ وشوقي بالأستاذ النعمان ، تحدث النعمان عن علاقة الأدباء السعوديين بشعر البردوني بأنهم يحفظونه عن ظهر قلب ، وأضاف بان قصيدة سندباد يمني في مقعد التحقيق صارت لهم بمثابة دعاء القنوت ، وهنا غير البردوني مجرى الحديث بقوله، اقسم بالله ياستاذ بأنك لم تصل الفجر قط في الحرم المكي، لأنهم لا يقنتون .

تلك هي إطلالة سريعة لبعض قصائد البردوني ، ومع ان لكل قصيدة مذاقها ، وتأثيرها الماضي وحيوية أثرها الحاضر وتأويلها المستقبلي أتوقف هنا ، كبداية تتنفس أشواق الآتي .

ثمة لقاء شخصي مع البردوني في إحدى أمسياته الشعرية بجمعية المكفوفين منتصف التسعينيات .

رحلت مع البردوني في رحلته في الشعر اليمني قديمة وحديثه ، قضايا يمنية ، وكنت متابعا لمجلة الفكر والادب التي يصدرها البردوني من إذاعة صنعاء ،اضافة الى الكل الكتب الأخرى .ولهذه الكتب انطباعاتها الخاصة.

قراءة 2581 مرات

من أحدث