طباعة

دلالات انتخابات مجلس الدوما لروسيا الإتحادية ومؤشراتها المستقبلية

السبت, 02 تشرين1/أكتوير 2021 21:16 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

دلالات انتخابات مجلس الدوما لروسيا الإتحادية ومؤشراتها المستقبلية

 

     د.محمد أحمد علي المخلافي 

نائب أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني

 

        تكرس هذه المقالة لإنتخاب مجلس الدوما في روسيا الإتحادية الذي أُجري في ١٧-١٩ سبتمبر المنصرم.

        تهدف المقالة ليس إلى رصد وقائع العملية الانتخابية وإنما إلى إبراز دلالات بعض التدابير المتخذة أثناء العملية الانتخابية ونتائجها، وهي دلالات ذات أهمية دولية، إذ أظهرت أن ثمة شروط تتبلور للعودة إلى تعدد القطبية الدولية وتشكل منظومتين رأسمالية واشتراكية بنمط جديد، وسنورد في هذا المقام بعض من تلك الدلالات.

     لقد تصّدر نتائج الانتخابات حزب روسيا الموحدة، وهو الحزب الحاكم، وكان هذا الأمر لا جدة فيه، فالحزب الحاكم يتصدر الانتخابات منذ سنوات الانتخابات التعددية في روسيا، وذلك بفضل جهود وشعبية الرئيس وإستخدام أدوات السلطة وإعلامها ووجاهة المسؤولين في الدولة الذين يتصدرون قائمة الحزب الانتخابية والذين يتمتعون بسمعة طيبة كوزيري الدفاع والخارجية، لكن الجديد، هو أن حزب روسيا الموحدة بدأ يحضر للإنتخابات منذ وقت مبكر جدًا، وتحت هاجس الخوف من فوز الحزب الشيوعي لروسيا الإتحادية، وقد تمثل هذا التحضير المبكر بمحاكاة النهج الاجتماعي والسياسي للحزب الشيوعي الروسي لإستعادة الدولة الروسية القوية والمواطن الروسي الآمن، وذلك للإستحواذ على جزء من أصوات كتلة الحزب الشيوعي الانتخابية، وكان ضمن تلك التحضيرات تعديل الدستور عام ٢٠٢٠ وإستحداث أحكام دستورية تضمن دعم الفئات الإجتماعية محدودة الدخل وزيادة التأمينات كخطاب عملي ومباشر للناس بأن الدولة تسير نحو إستعادة النهج الاجتماعي الإنساني للإتحاد السوفيتي، وهو ما روجت له وسائل الإعلام الجماهرية، بما في ذلك محطات التلفزة الرئيسية المملوكة للدولة وخُصصت برامج تلفزيونية، شارك فيها العشرات من الصحفيين والسياسيين والأكاديميين، لهذه التدابير الدستورية والنجاح الكبير الذي حققته جهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفريقه في مجابهة جائحة كورونا بمستوى تفوق على دول أكثر ثروة وتقدم تكنولوجي مثل الولايات المتحدة الأمريكية.

     وعلى الصعيد الخارجي نجح الرئيس فلاديمير بوتين في حل قضايا النزاع وإيقاف الحروب القومية في آسيا الوسطى والقوقاز- في مناطق فضاء الإتحاد السوفيتي السابق، ومن ذلك إيقاف الحرب الأذربيجانية- الأرمينية، الأمر الذي أظهر روسيا بمظهر الدولة القوية وأنها في طريقها إلى إستعادة هيبتها وتنمية دورها على الصعيد الدولي.

     لقد قدر الرئيس الروسي وفريقه لما لهذه التدابير من أثر إيجابي على توجه الناخب الروسي، وكانت مراهنته محقة على وفاء المواطن الروسي وخصاله المحمودة في رد الجميل، ونتيجة لهذا وذاك منح الناخب الروسي الثقة للحزب الحاكم تقديراً للجهود الشخصية الكبيرة والناجحة للرئيس فلاديمير بوتين.

        بيد أن إطمئنان الحزب الحاكم إلى دعم الناخب الروسي له إعتمادًا على رد الجميل لم يكن كافياً، بل وربما كان التأييد الكبير لما قام به الرئيس الروسي من تدابير جديدة قبيل الانتخابات مصدراً جديداً لقلق الحزب الحاكم، إذ أن التدابير كانت تمثل محاكاة جزئية للاتحاد السوفيتي والنظام الإشتراكي، غير أن الحزب المنافس وهو الحزب الشيوعي لروسيا الإتحادية يتبنى إستعادة شعوب الإتحاد السوفيتي السابق وحدتهم وإستعادة دولة الرفاه الإشتراكية، وكانت نتائج انتخابات برلمانات الأقاليم والسلطة التنفيذية التي جرت خلال السنتين الماضيين قد أظهرت ميل المواطنين الروس إلى الحزب الشيوعي لروسيا الإتحادية مما زاد من عدم اطمئنان الحزب الحاكم إلى شعبيته التي أكتسبها بسبب التدابير والنجاحات الداخلية والخارجية، حيث تنامى الميل والمناصرة للحزب الشيوعي لروسيا الإتحادية بفعل تنامي حنين العودة  إلى الدولة الراعية و النزوع الإنساني التي عرفها الروس في زمن الإتحاد السوفيتي، وعبر عن ذلك بوضوح بما حققه الحزب الشيوعي من فوز كبير في المجالس التشريعية والتنفيذية في الأقاليم، وتعزيز مكانته السياسية على مستوى السلطات التشريعية والتنفيذية المحلية في كثير من عواصم الأقاليم والمدن الهامة، مما جعل الحزب الشيوعي الروسي مرشحاً محتملاًبالفوز بالأغلبية في مجلس الدوما وإستعادة السلطة عبر الآليات الديمقراطية، وإذا لم يتمكن الحزب الشيوعي من تحقيق ذلك في هذه الدورة الانتخابية، فإن إحتمال تحقيق الفوز في الدورات الانتخابية بالمستقبل القريب كبيراً.

     من هذا المدرك أتخذت السلطات الروسية قُبيل الانتخابات وخلال عملية التحضير المبكر تدابير إضافية عديدة للحيلولة دون الفوز الكبير للحزب الشيوعي لروسيا الإتحادية في انتخابات سبتمبر المنصرم، ومن ذلك:

1-  تأسيس أحزاب جديدة تستخدم نفس شعارات الحزب الشيوعي لروسيا الإتحادية، بل واسمه لمنافسة الحزب على أصوات كتلته الإنتخابية، والأحزاب التي أسست لهذا الغرض هي حزب روسيا العادلة - من أجل الحقيقة، وحزب الناس الجدد، وحزب الحرية والعدالة الروسي، وحزب شيوعي روسي وبهذه الطريقة تم حرمان الحزب الشيوعي لروسيا الإتحادية من حوالي ١٥٪ من أصوات كتلته الانتخابية، إذ حصل حزب روسيا العادلة- من أجل الحقيقة على المرتبة الثالثة من المقاعد والمرتبة الرابعة في الأصوات وحصل حزب الناس على المرتبة الخامسة في الأصوات والمقاعد.

وكان الحزب الخامس الذي تأهل لعضوية مجلس الدوما لحصوله على أكثر من خمسة في المائة من الأصوات، هو الحزب الليبرالي الديمقراطي والذي حصل على المرتبة الثالثة في الأصوات والمرتبة الرابعة في المقاعد، ولعل السبب في عدم تطابق أصواته مع المقاعد في أنه أقتات على دعم الحزب الحاكم مقابل التشهير بالحزب الشيوعي لروسيا الإتحادية والتحريض عليه عن طريق الإستضافة الدائمة لزعيمه جيرنيوفسكي من قبل محطات التلفزة الحكومية، وجيرنيوفسكي يدعو بصراحة إلى استخدام روسيا للعنف والقوة للسيطرة على دول الفضاء السوفيتي السابق وضمها بالقوة المسلحة، وداخليًا دعى قُبيل الانتخابات إلى استخدام القوة ضد الشيوعيين وإيداع قيادتهم السجون.

2-  تعرض الحزب الشيوعي لروسيا الاتحاية قُبيل الانتخابات لمضايقات واسعة وممنهجة وملاحقات لنشطائه وقمع مسيراته ومظاهراته وإعتقالات لقيادات المظاهرات والمسيرات من قيادات ونشطاء الحزب.

3-  نظمت الحملات الإعلامية ضد الحزب الشيوعي عبر الأحزاب الدائرة في فلك الحزب الحاكم  والمدعومة منه وفي المقدمة الحزب الليرالي الديمقراطي من خلال زعيمه جيرنيوفسكي، وحزب شيوعي روسيا، وحزب روسيا العادلة – من أجل الحقيقة، وحزب الحرية والعدالة الروسي، وكذلك عبر أجهزة الإعلام العام القومية مثل: روسيا اليوم وقناة ار تي ار وقناة روسيا الأولى وغيرها، وتستخدم هذه القنوات، إلى جانب السياسيين، فريق من الصحفيين والأكاديميين الذين يحاولون تغليف الحملات الدعائية ضد الحزب الشيوعي الروسي برداء أكاديمي، لكنه لا يخرج عن الطابع العام للحملة التي سبقت وترافقت وتلت الانتخابات القائمة على تكفير الحزب وتخوينه، والبعض من هؤلاء النخبة لا يستطيعون إخفاء تعصبهم الديني اليهودي والمسيحي والسعي لتسخير الدولة الروسية لمآربهم، لكنهم لم يقتربون من نقد برنامج الحزب، لماذا ياترى؟

      لقد أدار عرض البرامج الانتخابية في محطة التلفزيون الحكومية صحفي نافذ، هو فلاديمير سلافيوف وهو الذي استضاف قادة الحملات الموجهة ضد الحزب الشيوعي لروسيا الإتحادية وأستمر بذلك النهج حتى بعد الانتخابات وكان ممن استضافهم رئيسة اللجنة المركزية للإنتخابات وتمكن من إستدرجها إلى مهاجمة الحزب الشيوعي والتشكيك بمصداقيته لأسباب منها: اعتراض الحزب على التصويت الإلكتروني، وقد اعترض الحزب بالفعل على هذا النوع من التصويت الذي تصعب الرقابة عليه، وكانت رئيسة اللجنة المركزية للانتخابات قد أخذت أيضاً على الحزب أنه يدعي تمثيل الفقراء وفي ذات الوقت يدرج ضمن قوائمه الانتخابية رجال أعمال أثرياء، وبهذا الإستدراج أفقد رئيسة اللجنة المظهر المستقل والمحايد الذي يتطلبه موقعها، وقد تجنبت الحملة ومناظرات خصوم الحزب التعرض بالهجوم على برنامج الحزب، ودلالة ذلك أن الناخب الروسي يناصر برنامج الحزب الذي يجمع بين منهج الإشتراكية القائمة على السياسة الاجتماعية وحقوق الإنسان الاقتصادية وتقديم الرعاية للطفل والمرأة والشيوخ، والديمقراطية القائمة على حقوق الإنسان السياسية، وفي هذا تطور وتجديد في برنامج الحزب وإستيعاب للتطورات العالمية، بينما خصومه يشنون  الحملات على الديمقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان بصورة عامة، لكنهم تجنبوا نقد برنامج الحزب الشيوعي إدراكاً منهم أن ذلك سيحول الرأي العام الروسي لصالح الحزب الشيوعي، إذ أن المواطن الروسي قد أكتسب وعياً جديداً بعد المعاناة التي خلفها حكم حقبة التسعينيات من القرن الماضي وتدمير الإتحاد السوفيتي على يد يلسن ودعاة الليبرالية، هذا الوعي المتزايد يجد أن البرنامج الإنتخابي للحزب الشيوعي يلبي تطلعات الأغلبية العظمى من السكان في إستعادة الحق في التعليم، والتطبيب المجاني، وتأمين السكن، وضمان العمل، وإستعادة الأرض والموارد والثروات الطبيعية والصناعات الإستراتيجية، كصناعة البترول من نفط وغاز والصناعات المعدنية والذهب والفضة، وقطاعات الاقتصاد الإستراتيجية والبنوك ذات الأهمية، إلى الملكية العامة، وتنفيذ عملية تصنيع جديدة تعتمد على التقنيات العالمية، وإعادة روسيا إلى مكانة رائدة على مستوى العالم، وإعتماد الاقتصاد القومي القائم على التخطيط الإستراتيجي، وجعل روسيا دولة إجتماعية - دولة الرفاه، وضمان الديمقراطية فيها، وإعادة روسيا ومكانتها في الساحة العالمية عن طريق الاقتصاد القوي والتكنولوجيا العالية، وإستعادة الوحدة التاريخية بين شعوب الإتحاد السوفيتي السابق عن طريق جهود الحزب الشيوعي تقربها من بعضها البعض.

     وبفعل شعبية توجهات الحزب البرنامجية وتزايد تطلعات المواطن الروسي إلى العودة إلى صدارة قيادة العالم، وإستعادة الدولة الاجتماعية - دولة الرفاه بصورتها الجديدة الضامنة للحقوق الاقتصادية والسياسية، كان تأثير التدابير ضد الحزب في سياق الإعداد للإنتخابات ليس ماحقاً بصورة كبيرة لنتائج الحزب الانتخابية، إذ إحتل المرتبة الثانية بعد الحزب الحاكم وحصل على حوالي ٢٠٪ من أصوات الناخبين وعلى ٥٧ مقعداً وتفوق على الحزب الحاكم في كل المناطق الشرقية وسيبيريا، مما يجعل منه معارضة وازنة في البرلمان الإتحادي - مجلس الدوما وينبىء بإمكانية إحراز المرتبة الأولى في الانتخابات القادمة.

     إن النظرة المدققة والفاحصة لما جري في خضم العملية الانتخابية ونتائجها توصلنا إلى دلالات و مؤشرات لا تتعلق فقط بما حققه الحزب الشيوعي لروسيا الإتحادية من نجاح في هذه الدورة الانتخابية ومستقبل روسيا الاتحادية والخارطة السياسية وإنتقال السلطة فيها، بل تتعدى ذلك إلى مستقبل العالم وإنتقال القيادة العالمية من الولات المتحدة الإمريكية، ومن تلك الدلالات والمؤشرات التي يمكن إدراكها في الوقت الراهن مايلي:

1-  إن انكشاف ضعف النظام الغربي الرأسمالي بفعل جائحة كورونا ولاسيما عجز نظامه الصحي والإقتصادي في مواجهة الكارثة، وتخبط السياسة الخارجية الأمريكية كالطائر المذبوح وتخليها عن حلفائها وأولها دول الإتحاد الأوروبي، والخذلان المتكرر لدول الخليج العربية، وهزيمتها أمام مجرد مليشيات إرهابية في أفغانستان، جعل المواطن الروسي يدرك أن تغيير قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم صار قريباً وأنعش طموحه لأن تستعاد الدولة الروسية القوية بأن تحتل الصدارة في قيادة المجتمع الدولي على نمط دولة الإتحاد السوفيتي السابق، علاوة على زيادة الإدراك للمخاطر التي صارت على مقربة من الدولة الروسية، ومنها القواعد العسكرية للناتو، وبروز أيديولوجيا استعادة الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الفارسية، وأن كان منظري الحزب الحاكم يتجاهلون الخطر الإيراني، وهي مخاطر عززت من قناعة المواطن الروسي بضرورة استعادة الدور الرائد لبلدهم وتعزيز قوتها داخلياً وخارجياً وأن وراثة الإتحاد السوفيتي تتجسد بالقدرات السياسية والفكرية والأيديولوجية للحزب الشيوعي.

2-  توسعت وبالتدريج دائرة المواطنين الروس الذين يثقون بأن مستقبل روسيا المنشود سوف يتحقق ليس عن طريق الحزب الحاكم الحالي وإنما عن طريق وصول الحزب الشيوعي عبر صناديق الإقتراع إلى حكم روسيا، ومرد ذلك أسباب عديدة، منها: القناعة بأن ما حققته روسيا من نجاحات بعد مجيء الرئيس فلاديمير بوتين كان بفضل جهوده الشخصية وأن هذا النجاح مرتبط بشخصه وجوداً وعدماً، وهو مايقر به منظري الحزب الحاكم نفسه، إذ نجدهم يكروون مقولة «روسيا قوية، لأن رئيسها قوي»، أما الحزب الشيوعي فهو مؤسسة ضاربة جذورها في التاريخ، وهي من حققت الريادة للاتحاد السوفيتي، وهي من ستستعيد ريادة روسيا على الصعيد العالمي والدولة الراعية- دولة الرفاه، والجمع بين الإشتراكية والديمقراطية، علاوة على إفتقار القوى الحاكمة حاليًا للايديولوجيا، وبالتالي غياب الرؤية للمستقبل والإعتماد في حشد الجماهير على شعبية الرئيس، بينما الحزب الشيوعي يمتلك إيديوجيا والتي طورها في الجمع بين الإشتراكية والديمقراطية.

3-  أن هذه الدلالات والمؤشرات قد تجعل جمهورية الصين الشعبية تفكر جدياً بتحالف إستراتيجي مع جمهورية روسيا الإتحادية للشراكة في التصدر معاً لقيادة العالم بتكامل قوتيهما قوة الصين الاقتصادية وقوة روسيا العسكرية والسياسية، ولا يستبعد أن يكون لهذه الدلالات والمؤشرات تأثير ما على الدول الأوروبية ودول الخليج العربية لإعادة النظر بمستوى التحالف والتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن تفقد الولايات المتحدة تفردها بالقيادة العالمية وتخليها الكلي عن حلفائها.

 

 

 

 

 


 

قراءة 1690 مرات

من أحدث أ.د. محمد أحمد علي المخلافي