طباعة

الروافع الأساسية للثورة !!!

الأحد, 01 شباط/فبراير 2015 19:25
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

أستهل مقالتي هذه بمقولة للكاتب الفرنسي الخالد الذكر أناتول فرانس: إيه يا أجيال المستقبل، أبناء الأيام التي ستهل! إنكم سوف تناضلون، وحين تشرع الخيبات في حملكم على الشك بنجاح قضيتكم فلا ريب في أنكم سوف تستعيدون شجاعتكم وترددون .... " لقد خسرناها مؤقتاً ولكن ليس إلى الأبد! لقد تعلمنا أشياء كثيرة، وغداً تنهض القضية من جديد وهي أقوى بالحكمة، وروح الانضباط. ".

نعم ... أيها الثوار ... ستنهض قضية الثورة اليمنية من جديد وهي أقوى ب (الحكمة، وروح الانضباط).

منذ يوم الجمعة الماضية وعلى مدى أيام هذا الأسبوع، والشباب يحاولون القيام بمسيرات ثورية ما أن تبدأ بالتحرك إلا وتتعرض لاعتداءات سافرة جبانة تنم عن مدى الإجرام الممزوج بالغباء والبلادة غير الخاليين من الخبث والحقد الذي يستوطن المعتدين من أخماص أقدامهم حتى مفارق رؤوسهم.

وإزاء الفارق بين أخلاق الثوار العالية ورغباتهم وطموحاتهم وأحلامهم الكبيرة المشروعة، وبين أخلاق المعتدين المنحطة، ورغباتهم وطموحاتهم وأحلامهم الحقيرة غير المشروعة فإن على الشباب الذين تحركهم الدوافع الكبيرة في تقرير مصير مستقبل هذا البلد التركيزعلى الأولويات الكفيلة بإنجاح ما يصبون إليه من أهداف وطنية.

إن تلك الأوليات التي سآتي عليها تالياً تمثل في مضمونها روافعا حقيقية ضامنة لنجاح انتفاضاتهم أو ثوراتهم.

إن أية ثورة أياً يكن حجمها كبيراً لن تنجح دون وجود روافع أساسية لها، وأهداف وطنية وقومية وإنسانية عظيمة تكتسبها من تطلعات وطموحات شعبها.

والفعل ثوري الذي يفتقر إلى الحوامل الأساسية للثورة سيكون محكوم عليه بالفشل بأكثر من صورة كالاستيلاء على الثورة، وضرب أهدافها الكبيرة تارة أو وتارات بإعادة انتاج ذاتها القوى التي ما قامت الثورة إلا ضدها إلى الحياة من جديد، أو بخيانة قِوى كنا نظن أنها ثورية حينما سُمح لها بالمشاركة في فعل الثورة فانكفأت على أعقابها متقهقرة إلى التحالف والارتهان والارتماء إلى أحضان العصابات التي كانت تعيث بالبلاد والعباد فساداً كما هو حاصل اليوم.

قد يقول قائل إن هذه الكلمات تنظير، والثورات لا تحتاج للتنظير، وإنما للعمل الميداني.

وهنا أرد على من يردد هذا القول: جزء مما قلته صحيحاً وهو (العمل الميداني) لكن التنظير الذي تعتبره خطئاً هو على العكس من ذلك كلية.

فلا ثورة بلا نظرية ثورية، ولا نظرية ثورية بلا فكر ثوري حقيقي.

لا نريد ثورة بلا فكر، ولا فكر بلا ثورة.

والثورة التي تكون ترجمة تطبيقية للفكر تنجح، والفكر القابل للتطبيق الثوري في مقدوره أن يحشد الجماهير التواقة للتغيير، وأن يقودها لتحقيق أحلامها.

 هل تعرفون لماذا أعظم ثورة نظيفة في تاريخ البشرية هي ثورة 11 فبراير لم تنضج، وتحقق أحلام شعبنا فيما يصبو إليه لبناء مجتمع مدني حديث؟

ليست لأن الظروف الموضوعية كانت غير مهيئة لنجاح ثورة 11 فبراير، فهذه ربما كانت مهيئة أكثر من جميع بلدان الربيع العربي الذي سرعان ما تحول لخريف عربي ثقيل.

وليس لأن هنالك من سرقها، أو غدر بها وطعنها من الظهر، أو لأن عصابة المافيا اليمنية التي حكمت البلاد والعباد لــ (ثلث قرن) ففصلت المستقبل بما يمكنها من الإجهاز والاجهاض لأي محاولة ثورية للتعيير.

وليس لأن الجيران والمجتمع الدولي تأمر على ثورتنا وأرداها صريعة في مهدها، أو أعاد توجيهها بألياته المختلفة صوب ذاتها لتتأكل من داخلها تأكلاً ذاتياً.

ليست كل هذه العوامل هي التي حالت دون إنضاج ونجاح ثورة 11 فبراير السلمية.

لإن كل هذه العوامل والتداعيات التي ظلت تسير متوازية مع ثورة 2011 مثلت ولا تزال تمثل عوائقا تحوول دون نجاح الثورة السلمية غبر أنها في مجملها ليست إلا عوامل وعقبات موضوعية، لا ذاتية.

لقد كانت العوامل الذاتية هي العائق الأكبر الذي استقام عقبة في طريق الثورة السلمية، ويتمثل في (غياب الروافع الثقافية والاجتماعية والمادية الثورية) والتي يمكن إيجازها في:

1 ـــ غياب الرافع الثقافي أو الفكري للثورة:

 وأقصد به المشروع الثقافي للثورة ... وبعبارة أخرى (الحكمة) التي ذكرها أناتول فرانس أعلى هذه المقالة.

إننا إذا ما ذهبنا ننقب عن أسباب فشل ثورات منتصف القرن المنصرم سنجد أن من جملة الاسباب ... غياب المشروع الثقافي لأي من تلك الثورات، ولنأخذ مثلاً ثورة 23 يوليو 1952 كان لها حاملاً اجتماعياً ولم يكن لها حاملاً ثقافياً، فأدى نقص الرافع الثقافي إلى عدم انتقال الثورة المصرية إلى مرحلة الدولة المدنية الديمقراطية، وبالمثل انقلبت بقية الثورات العربية على قيم التعددية والمشاركة السياسية خصوصا في سوريا والعراق والجزائر وتونس وليبيا واليمن قبل وبعد الوحدة.

وما كان لهذا الواقع الانقلابي ليفرض وجوده كأمر قائم حال كان هنالك مشروعاً ثقافياً يحدد ماهية وطبيعة النظم السياسية التي ستسند إليها مهام إدارات أوطانها.

 إن الحامل الثقافي هو من يحدد ليس مسارات أي ثورة من الثورات فحسب، بل الأهم من ذلك أنه يحدد الذي يفترض أن تكون عليه حياة أي مجتمع.

لأن جوهر الحامل الثقافي لأي ثورة لا يلغي حق جماعة وفئة من المجتمع وتجييره لحساب فئة وجماعة أخرى لأنه يعي جيداً أن مثل هكذا إلغاء سيعمل في المستقبل على دفع (الفئة/ الفئات المغيبة والمحرومة من حقوقها) للإطاحة بالثورة، وما تتالى الثورات في مجتمعاتنا العربية، واستمرار متوالياتها بين بضعة عقود وأخرى إلا بسبب هيمنة فئات اجتماعية على فئات أخر.

 فئات ما أن تظفر بالحكم حتى تتحول إلى عصابات منظمة أخطر من تنظيمات عصابات المافيا نفسها.

 ولمزيد من التوضيح للذي أرغب الوصول إليه أسوق جملة لأحد الفلاسفة حيث قال : يا إلهي "كم سيكون الناس سعداء لو أن حكامهم فلاسفة أو فلاسفتهم حكاماً".

 فما هي فلسفة كل ثورة من ثوراتنا؟

ما هي فلسفة ثورة 11 فبراير؟

وهل يجب أن يكون لكل ثورة فلسفة أو فكر أو ثقافة؟

هل يجب تقود الثورة الثقافة؟ أم الثقافة هي التي يجب أن تقود الثورة؟

من الذي ينتج الأخر. الثقافة أم الثورة.

 في تقديري أن مجتمعاً جاهلاً غير مثقفا لا يستطيع أن يثور، وإذا ما ثار سوف يفشل ويعود إلى ما كان عليه في البداية ، وربما إلى ابعد وأسوأ ما كان عليه قبل أن يثور كما هو حالنا في اليمن.

 لهذا أرى أن الثقافة هي بدورها من يرسم فلسفة الثورة، ويحدد وعي الثورة.

الثقافة في الأصل هي التي تنتج الثورة الناجحة ... والثورة بعد أن تستوي، وتتحول لثورات في مختلف مجالات التنمية الشاملة تقوم بتشكيل جوهر الثقافة.

أعني أن هنالك تلازما وتداخلا وتكاملا حيث الثقافة تنتج الثورة، والثورة تشكل جوهر الثقافة.

 يجب على الشباب الذين يتوقدون إلى استئناف الفعل الثوري ضرورة أن لا يكرروا الخطأ الذي وقعنا فيه عام 2011 حيث لم نك نمتلك رؤية لما يفترض أن تكونه اليمن بعد الثورة بسبب أن كثير من الشباب ــــ أمام سبق المبادرة في إشعال فتيل الثورة، والتضحيات التي قدموها ــــ استبدت بهم نزعات الزعامة، وغُذيت داخل أنفسهم نيران الانتهازية فاعتمت انظارهم عن الاستعانة بالمثقفين النوعيين لصياغة الحامل الثقافي للثورة، وعليهم أن لا يكرروا ذاته الحطا ثانية.

 2 ـ غياب الروافع الاجتماعية للثورة:

 أقصد بالروافع الاجتماعية للثورة بتلك المصفوفات أو المرتكزات الاجتماعية الفاعلة خاصة الاحزاب السياسية باعتبارها الرافع السياسي الأول الشبه منظم ــ بصرف النظر عن ضعفها أو مرضها اللذين يكادا يشلان حركتها ــ ففيها من بقيا الرمق ما يمكن أن تستعيد به عافيتها من ضعفها وسلبيتها.

 وأول ما يجب على الشباب هنا هو القيام بثورات داخل أحزابهم.

ونجاح ثوراتهم داخل أحزابهم، سيحرك بدوره مختلف منظمات المجتمع المدني التي تتصل بطريقة أو بأخرى بهذه الأحزاب كالنقابات العمالية والجمعيات والمؤسسات والمراكز، والمنتديات المختلفة فمعظم هذه التجمعات المدنية تتصل بتلك الأحزاب، وعلاوة على ذلك تتصل أيضاً بأكثر من شكل بالرساميل الوطنية المختلفة.

ودفع عجلة أي ثورة وتحريكها دون المكونات الاجتماعية المختلفة ليس سوى عبثاً فوضويا، ومضيعة للوقت واستهلاكاً للطاقات الثورية..........الخ.

 وفي حين أن وجود الروافع الاجتماعية السياسية والمدنية المنظمة يسرع بانجاع الفعل أو الحدث الثوري فإنه في الوقت ذاته ــــ خصوصا في ضوء وجود الحامل الثقافي أو الوعي الثقافي الثوري المحدد لأهداف الثورة الكبيرة ــــ  يعمل على تحقيق التكافؤ في العلاقات الاجتماعية بين كافة أنسجتها المجتمعية تحقيقاً يقوم على قواعد الارتباط، والتناظر، والتعايش المشترك.

3 ــ غياب الروافع الاقتصادية

الروافع الاقتصادية للثورة تنقسم إلى قسمان روافع الاقتصاد لمرحلة ما بعد الثورة (وهذه ليست التي أقصدها في هذه الرسالة أو المقالة).

ما أقصده هو الظروف الاقتصادية للثوار أنفسهم، أو الدعم المادي لثورتهم في أن تنتشر متمددة لكافة أرجاء البلاد ـ وتستمر حتى يتسنى لها إنجاز ذاتها كحقيقة ماثلة على الأرض.

إن من أصعب العوائق في طريق نجاح الثورات العائق المادي خصوصاً في حالتنا اليمنية ... لا سيما وأن الذي نثور ضدهم يمتلكون من الأموال والأسلحة ما تنوء عن حمله ليست الجمال فقط بل والقاطرات أو الطائرات أو السفن الضخمة.

المواطن البسيط أكان موظفاً أو عاملاً لا يستطيع أن يترك وظيفته أو عمله ليثور وهو يعرف أن ما في بيته لا يسد حاجتها من القوت كذا يوم فأنى له أن يثور؟

أعرف الكثير من الثائرين لا يجدون ما يسد الرمق ........  وحتى هؤلاء لم يجدوا من يدعمهم خلال الفترة ما بعد 2011 لمساعدتهم في تحسين أوضاعهم المعيشية، بعضهم إما دون عمل وبعضهم مفصول من وظيفته ولم يسوى وضعه الوظيفي حتى الأن.

أيضاً الدعم المالي لا يقتصر على دعم من يثورون في شوارع العاصمة أو المدن، وإنما هناك فئات كثيرة وكبيرة في الريف ... فمن سيتكفل بتحريكها لتغذية الثورة في المدن؟

من كل ما سبق أكرر للشباب على ضرورة وجود الحوامل الثقافية، والاجتماعية والمادية اللاتي ستضمن لهم الاستمرار في المضي بثورتهم حتى نهايتها التي لن تقف عند حد فوزها فقط وإنما ستستمر إلى ما لا حدود تقف عندها لأن متطلبات الحياة لا نهاية لها.

فلا يكفي أيها الثوار أن تكونوا حقاً شجعانا لمواجهة أنصار الشيطان بل أهم من ذلك توفير ضمانات الانتصار العملية في معركتكم ضد الشيطان وأنصاره.

وتذكروا أن نفوسهم الشيطانية لقادرة على اقتراف أبشع الجرائم القذرة كقدرتكم على ممارسة أكبر الوسائل السلمية.

ولا تنسوا أن ثورتكم أيان توفرت لها الروافع الضرورية لحملها على النجاح سوف تنجح، مهما سارت ببطيء أو رويدا.

لأن الذين لا يسيرون إلا رويداً ــ حد ما قاله الفيلسوف رينيه ديكارت ــ يستطيعون إذا اتبعوا السبيل السوي أن يتقدموا أكثر بكثير من الذين يسرعون ويبتعدون عنهم.

من كل ما سبق تحدوني الأمنيات في أن تتجنبوا أخطاء الماضي وتستفيدوا من هذه الملاحظات في الكرة الثورية القائمة كيما تتمكنوا من إيصال ثورتكم الوطنية إلى شواطئ أحلامها ومعانقة غاياتها.

قراءة 2358 مرات

من أحدث