طباعة

فـي ذكرى حلمٍ يأبى الانكسار

الخميس, 12 شباط/فبراير 2015 18:23
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

كان صوت الفنان اليمني المشهور أيوب طارش عبسي يملأ الأفق بأغنية النشيد الوطني الشهيرة «ردّدي أيتُها الدنيا نشيدي.. ردّديه وأعيدي وأعيدي.. واذكُري في فرحتي كل شهيدي.. وامنحيه حللاً من ضوءِ عيدي» كنّا عدداً من الإعلاميين، نلتحف تراب أول خيمة إعلامية نصبناها في ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء، في إحدى المساءات الثورية السلمية، ضد نظام الرئيس السابق علي صالح العام 2011. توافقنا على تسميتها بـ»الرابطة الإعلامية لشباب الثورة». حينها جاءنا بعض الزملاء لمناقشة الانضمام لإحدى الخيام التي كانت تتبع جماعة الإخوان، رفضنا ذلك قطعاً، مؤكدين على استقلاليتنا، والعمل دون إطار حزبي. لم نكن ندرك أنها أولى محاولات اختراق الشباب لإفراغهم من الحماس وحلم التغيير كما تحقق لاحقاً.

أمام بوابة جامعة صنعاء إخترنا رمزية المكان لخيمتنا المتواضعة. بدايةً، لم نكن نملك سوى القليل من الأدوات الإعلامية. أهمها مسجل صوتي. كنّا أول من وثّق للمسيرات اليومية التي شهدتها الساحة. ورصدنا جميع الانتهاكات بحق الثائرين بأخبار وتقارير شاملة. ولأن صوت الشباب كان مغيباً في الإعلام المرئي محلياً ودولياً كان من اللازم إيصال صوتنا بأية وسيلة إعلامية. وأصدرنا أول صحيفة باسم «صحيفة شباب الثورة» وكانت تغطي أخبار الساحة كافة وتوثق الانتهاكات كافة.

بعد تزايد المد الشعبي وامتداد الخيام المنضمة للساحة تزايدت اعتداءات بلاطجة النظام السابق ضد الشباب. تزامنت مع محاولات كثيفة لمندسّين من مخابرات النظام لاحتواء الشباب، ومحاولات أخرى لتجييرهم لصالح أحزاب سياسية لم تجد من خيار سوى الانضمام لساحة الثورة. وقع الشباب بين مطارق النظام وسنادين الأحزاب المنضمّة للثورة. لم يكن الشباب يأبه بمحاولات الكيد الخبيثة التي حيكت ضدهم منذ الأسابيع الأولى. وكانت العاطفة الوطنية هي الغالبة على تفكيرهم ومشاعرهم تجاه ذلك. آملين صحوة الضمير الوطني لدى عامة الشعب. والخروج من حالة التيه التي وصل إليها البلد آنذاك. والتي كانت أفضل بكثير قياساً بالوضع الحالي للأسف.

أعترف كأحد أوائل الشباب الذين خرجوا لإسقاط نظام صالح بعدم امتلاكنا لرؤية تنفيذية واضحة لما بعد مرحلة إسقاط النظام. والاكتفاء بأفكار ومطالب مثالية قياساً بدول أخرى مثل مصر وتونس. وكان سقف المطالب يرتفع أكثر «كلما زدنا شهيد» بحسب هتاف الزميلة توكل كرمان. والتي جاء تكريمها بجائزة نوبل اعترافاً وتكريماً عالمياً لثورة شبابية سلمية أدهشت العالم وسجلت أنصع صفحة مضيئة في تاريخ اليمن حتى اللحظة.

نجتر متاهة التيه ونتائجها على المستويات كافة. وكان سقوط الدولة بكل مؤسساتها في يد مليشيات الحوثيين نتيجة العشوائية التي يعيشها الجميع هنا، على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع. وفي ظل نخبة سياسية تحترف فن الكيد السياسي ضد بعضها يكون من الطبيعي الوصول لهذه الحالة التي يعيشها هذا البلد حالياً. وربما تتجاوز هذا الوضع إلى ما هو أكثر من كارثي، كانهيار اقتصادي شامل سيقود حتماً إلى حرب أهلية مدمرة.

وفي ذروة هذا الانحطاط والانهيار الذي وصله هذا البلد ثمة قلعة أخيرة نعلق عليها حلمنا الأخير في الحرية. جامعة صنعاء ونبضها الحي من الطلاب الأنقياء من لوث السياسية يواصلون السير على خطى ثورة الـ11 من فبراير. متحدين مليشيات القمع الحوثية والتي تمارس السلوك الهمجي ذاته لسلطة غاشمة اغتصبت السلطة بقوة السلاح وتسعى لتكميم الأفواه وقمع أي صوت يصرخ في وجههم.

إنه نداء الحرية. وزمن تحطيم الأصنام بكل أشكالها، الدينية والسياسية والفكرية والثقافية...الخ. وهذا ما لا تدركه أي سلطة مراهقة تصل الحكم في البلاد العربية. وسواء جاءت هذه السلطة بانقلاب ناعم أو تسلقت على جثث أتباعها أو حتى عبر صناديق التزوير الهزلية. سيظل الشباب هم آخر أملٍ في انتشال هذه البلدان الكئيبة من ثقل كهول حكامها. انا وكثيرون على أملٍ بذلك.

قراءة 1962 مرات

من أحدث