طباعة

لا تئدوا حلمنا مجدداً

السبت, 14 شباط/فبراير 2015 18:01 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

في منتصف الستينيات بدأت حياتي الدراسية وكنت شغوفاً بقراءة كل ما تقع عليه عيني من أوراق وقصاصات مطبوعة وغير مطبوعة، وكنت إضافة إلى ذلك أحب التعلم والدراسة والحفظ، وكان من أهم أحلامي أن أحصل على أكبر قدر من التعليم وبأعلى مستوياته، إلا أن اليتم وقرصات الجوع التي كنت أتقاسمها مع والدتي وشقيقي دفعتني مبكراً إلى سوق العمل كي أوفر لقمة العيش.. وضاع حلمي بالتحصيل العلمي ومواصلة الدراسة مصحوباً بحسرات والدتي رحمها الله على حرماني من التعليم.

في منتصف السبعينيات حصلت على وظيفة في الشركة اليمنية للطباعة والنشر وكان على رأسها حينها الاستاذان أحمد محمد هاجي ومالك الارياني ونتيجة للطفرة الاقتصادية التي عاشتها البلاد في تلك الفترة تسنى لي العودة للدراسة إلا أن شغفي السابق بها قد انطفأ فحصلت على ما حصلت عليه من التعليم.. لتأتي بعدها حادثة حريق الشركة التي كنت أعمل فيها وهو الحريق الذي أدى إلى عودتي للأعمال السابقة والتي كانت تشغل وقتي كله.

في بداية عام 1977 التحقت بالعمل في مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر حينها (صحيفة الثورة) حالياً.. وفي أكتوبر 1978 وقعت كارثة اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي التي مثلت كارثة وطنية، ثم جاءت بعدها بفترة حادثة اغتيال الرئيس الغشمي ووصول علي صالح إلى سدة الحكم، وبدأ العد العكسي لتدمير كل ما أنجزته الحركة التصحيحية (13 يونيو) بقيادة الشهيد إبراهيم الحمدي، وبدأ التدمير الممنهج لمشروع الدولة التي كانت تشكلت وانطفأت أحلام اليمنيين بها.

مرت بعدها سنوات عجاف من الفساد والإفساد ليأتي عام 1990 ببشارة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة واستبشرت وغيري خيراً بهذا المنجز الوطني، بل والقومي العظيم، خصوصاً وأن الاتفاقيات نصت على الأخذ بأفضل ما كان في النظامين السابقين لدولتي الشمال والجنوب.. إلا أن الفاسدين والمفسدين أطاحوا بحلم بناء الدولة بحرب 1994 الظالمة واستشرى الفساد والإفساد ووصل الأمر بالمنتصرين إلى ما يشبه التملك للبلاد بما فيها من بشر وحجر وشجر، وعمت المظالم في الوطن الذي أدير بالحروب وتغذية الفتن والصراعات القبلية والتفريط بالوطن وسيادته، وصولاً إلى المس بكرامة الإنسان اليمني إلى حد الإهانة، سواء كان داخل الوطن أو في بلد المهجر، واستمر ذلك لسنوات عجاف ولم تقدر النخب السياسية والأحزاب أن تفعل أمام ذلك شيئاً وبدت مستسلمة ومتعايشة مع الأمر الواقع مكتفية بإصدار بيانات الإدانة والشجب والاستنكار، إضافة إلى التصريحات الإعلامية المنتقدة للأوضاع والسياسات التدميرية والمهينة والمذلة للوطن والمواطن، وجوبهت بالتجاهل والقمع من قبل الحاكم.

جاءت الأيام بأحداث عاشتها بعض الدول العربية أدت إلى إيقاظ حماس الشباب اليمنيين وكانت ثورة الحادي عشر من فبراير 2011.. وشارك في هذه الثورة أغلب أطياف وأبناء المجتمع اليمني، واستبشرنا خيراً ببناء الدولة العادلة.. وكانت الثورة بدأت تؤتي أوكلها، وأسقط رمز الفساد والإفساد علي صالح وخلعه الشعب عن السلطة.. إلا أنه مع الأسف الشديد تعرضت هذه الثورة للانتكاسة واستحوذ عليها ونهبها من لا يحب أن يرى هذا الوطن وأهله متعافين أصحاء، وأدت التدخلات الاقليمية والدولية، وبتخاذل الأحزاب والنخب السياسية إلى قيام حكومة تقاسمتها النخب والأحزاب كحصص، واستفرد حزب التجمع اليمني للإصلاح بإدارة البلد بما يحقق مصلحته منتهجاً إقصاء واستبعاد الآخرين والاستحواذ على الوظيفة، وأُجهضت أحلام أبناء الوطن ببناء الدولة العادلة.

ورغم أن النخب السياسية والأحزاب اكتفوا من ثورة 11 فبراير بما وصلوا إليه من تقاسم وتحاصص وعلى إثر ذلك تركوا ساحات الثورة، إلا أن المؤمنين بقضية التغيير الحقيقي والباحثين عن إقامة الدولة العادلة والذين تعرضوا في الفترات السابقة للظلم الذي وصل إلى شن ست حروب قذرة ضدهم استمروا في نضالهم الثوري بالتواجد في الساحات ولم يستسلموا للأمر الواقع وتعرضوا للتنكيل والانتهاكات والتكفير وتم حشد الحشود ضدهم من كل حدب وصوب وفرضت عليهم حروب جديدة غير تلك الحروب الست.. إلا أنهم بقوة إيمانهم وقوة عقيدتهم تغلبوا على ما كان يدبر لهم من قبل بعض أصحاب المصالح الشخصية وتجار الحروب، الذين يعدون مرتزقة في هذا الوطن، والمقتاتين على دماء وأشلاء المواطنين، وبدعم وتمويل وتحريض من بعض الدول الاقليمية والدولية، وهؤلاء المرتزقة ظلوا يمتصون ويرضعون خيرات الوطن لقرابة نصف قرن من الزمن وتمت هزيمتهم على يد المظلومين الباحثين عن العدالة والمساواة والدولة الوطنية.

هذا الانتصار الذي تحقق لمن كانوا مستضعفين أدى إلى اتفاقات وتفاهمات جديدة إلا أن القائمين على الحكم تجاهلوا هذه الاتفاقات وانتهجوا المماطلة والتسويف والمراوغة في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه ولم يقوموا باتخاذ أي خطوة على طريق تنفيذ الاتفاقات، حتى مقررات مؤتمر الحوار الوطني لم يتم حتى الشروع في تنفيذها.

طالب الثوار المؤمنون بالتغيير الحقيقي بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه باسطين أيديهم مطالبين شراكة جميع أبناء الوطن في بناء الدولة وإكمال عملية التغيير.. إلا أن الطرف الحاكم، على ما يبدو، لم يكن يرغب في الشراكة مع هؤلاء الباحثين عن الدولة وأوصلهم ذلك إلى تقديم الاستقالة من رئاستي الجمهورية والحكومة بطريقة استفزازية ابتزازية مستقوين بالخارج الاقليمي والدولي.

المطالبون بتحقيق التغيير سدت أمامهم كل سبل التوصل إلى حلول للوصول إلى شراكة تنعكس إيجاباً على بناء الوطن والوصول إلى دولة حديثة عادلة.. ودُفِعوا دفعاً إلى استخدام أنصارهم الذين نزلوا إلى الشوارع واحتشدوا في مداخل العاصمة مطالبين بإنجاز الدولة المنشودة وإن بالقوة، لعلمهم وعلم النخب السياسية والأحزاب أنه لا يمكن تحقيق والوصول إلى الدولة العادلة الحديثة التي ترعى جميع أبنائها بالعدل والمساواة في ظل استقواء الفاسدين والمفسدين بمقدرات جزء كبير من الجيش في سبيل بقاء مصالحهم وأطماعهم.

يا هؤلاء كفانا ضياعاً لأحلام الوطن والمواطنين في بناء الدولة، وكفاكم تجاهلاً لأبناء الوطن المطالبين بالعدل والمساواة والدولة الحديثة.. دعوا القادرين على إقامة الدولة العادلة الحديثة للقيام بذلك وإن فرضوه فرضاً، ولا تئدوا حلمنا مجدداً.

قراءة 2299 مرات آخر تعديل على السبت, 14 شباط/فبراير 2015 18:13

من أحدث محمد المطاع