طباعة

الثورة المضادة بلا قناع

  • الاشتراكي نت / خالد عبدالهادي

الخميس, 12 آذار/مارس 2015 14:13
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

خلعت الثورة المضادة قناعها أخيراً.. وانتفخت بجرأة وقحة إلى حد أن تتوعد بالحرب من على المنبر وتخطب أمام قنوات التلفزة, غير محتاجة إلى التزام السرية والتخفي وراء قناع الحركة الحوثية.

ولن تخرج الوظيفة الأساسية لخطاب الرئيس المعزول علي عبدالله صالح منتصف هذا الأسبوع عن هذا غرض الحرب.

الاثنين الماضي, جلس سبعيني أخرق, مهووس بأضواء الكاميرات على كرسي محاط بعشرات من أنصاره وتفوه بحديث, إن امتلك القدرة على إنفاذه, فقد أخطرنا بأن نستعد للعقاب.

قال علي صالح على وقع صيحات شبان من مناصريه إنه سيحارب في الجنوب مجدداً لحماية «الوحدة» التي يرى أن انتقال الرئيس عبدربه منصور هادي إلى عدن مساساً بها.

«أنصح أولئك المهرولين الذين يهرولون إلى عدن مثلما هرولوا في عام 94 إلى عدن ليركضوا بعد الانفصاليين, ولكن الانفصاليين هربوا كما حددت لهم من ثلاثة منافذ: منفذ الشرورة, منفذ المهرة, منفذ جيبوتي البحر الأحمر, هؤلاء ليس معهم أين ينفذوا, إن هذه المرة أو هذه الكرة لن يحصلوا هذه المنافذ, منفذ واحد هو البحر الأحمر في اتجاه جيبوتي» أضاف صالح.

وتابع الرئيس المعزول الذي اتسم حكمه بالحروب الداخلية والفساد وامتهان القانون العام يقول «أنا لم أطل بعد لأخاطب الشعب, ولكن سأطل في الوقت المناسب لأكشف الحقائق وأخرج الملفات كاملة».

بات جلياً أن التحالف الطائفي الجهوي بزعامة علي عبدالله صالح وعبدالملك الحوثي اللذين يتقاسمان قيادة الثورة المضادة ينضج الظروف ويهيج الشعور الشعبي لتقبل حرب جديدة من حروبه المتسلسلة.

ولأن الحرب المقبلة التي يدبر لها رأسا الثورة المضادة تستهدف جغرافية ومجتمعات محلية ذات حساسية عالية حيال الانتشار الحوثي القسري داخلها, لذلك يتروى هذا التحالف قبل شن حربه.

هذه المرة لن يحارب التحالف الطائفي الجهوي في مناطق الجنوب فحسب, بل سيتقاسمان العبء والمغنم؛ فيحارب الرئيس المطاح به علي عبدالله صالح في تعز للانتقام من البؤر الثورية التي قدحت شرارة الثورة على نظامه في 2011 ويحارب الحوثيون في الجنوب لإزاحة سلطة الرئيس عبدربه هادي.

إشارة صالح في خطابه إلى أنه قد يزور تعز, تعني تذكيراً بزيارته للمحافظة ذاتها قبل إطلاقه شرارة الحرب على الجنوب والحزب الاشتراكي اليمني عام 1994.

والحوثيون أنفسهم يقرون في اجتماعات خاصة أن الرجل يدفعهم إلى اقتحام المحافظة, فضلاً عما نُقل عن اللواء محمود الصبيحي من أن قادة الجماعة أبلغوه قبل أيام من فراره التحضر لقيادة معركة في تعز ومارب.

مهما بدا حديث صالح هراءً لكثيرين, إلا أنه غير عفوي بل نتاج تدبير دقيق, إذ في اليوم التالي لخطابه تظاهر مئات من أتباعه للدفع بنجله الأكبر أحمد رئيساً للبلاد.

لا يمكن تقييم هذه التظاهرة بالقول إن مجاميع من الغوغائيين والبسطاء فاض بهم الولاء لأحمد علي صالح فاندفعوا إلى ميدان السبعين للمطالبة بترشحه في انتخابات لا تخطر على بال سياسي واحد تقريباً في الوقت الراهن لأنها أشبه بحلم في وقت تتفكك البلاد وتحشد أطراف مختلفة للحرب.

الواقع أن الرجل أراد تذكير حلفائه الحوثيين بالدين الذي عليهم نظير خدماته الباهظة التي مكنتهم من تحقيق انطلاقة خيالية من صعدة حتى إب في غضون أربعة أشهر.

ولا مكافأة تجزي صالح وتقر عينه أفضل من تصعيد نجله إلى الحكم بوصف ذلك حلماً غائراً في نفسه, أجهضته ثورة الحادي عشر من فبراير 2011, ويريد أن يحييه الآن.

لم يكن في مقدور صالح الذي أحالته ثورة فبراير إلى رجل فائض عن الشأن العام وناقم موتور, أن يعود ليصول على هذا النحو المستفز لولا خلو المشهد السياسي والساحة الشعبية من قادة سياسيين أقوياء.

أما الجماعة الحوثية فباتت تائهة سياسياً ومنكشفة أخلاقياً, لا تدري ما الخطوة المقبلة التي يجب عليها اتخاذها باستثناء الذهاب إلى الحرب.

كانت الجماعة العنيفة تعول على إسناد حروبها المقبلة إلى وزير الدفاع اللواء محمود سالم الصبيحي لتخليصها من صبغتها الطائفية والإيهام بأنها صارت تكتسي طابعاً وطنياً, غير أن هذا فاتها أيضاً بفرار الصبيحي الذي استوزرته الجماعة رغماً عنه إلى مسقط رأسه في محافظة لحج مطلع الأسبوع.

تكمن القيمة الحقيقية لإفلات اللواء محمود الصبيحي من الرقابة الحوثية والحالة الجبرية التي عاشها خلال شهرين في عوائد مختلفة, أولها أن تصميمه على الفكاك من تلك الحالة وتخطيطه الجاد لذلك, يلهم الجهد الشعبي وينعشه في مقاومته لتغول الميليشيا الطائفية الدينية في تدمير دولتهم وتعايشهم وقمع حرياتهم.

ثم إن تمكن الصبيحي من الفرار والانتقال إلى عدن بعد أسبوعين من فرار الرئيس عبدربه هادي يعيد تقييم الانطباع السائد عن الحوثيين كجماعة شديدة التنظيم وفولاذية الولاء, وحين يسقط هذا الانطباع من مخيلات الأفراد الذين يثبون إلى الميدان لمجابهة الجماعة سواء أكانوا جنوداً في ما تبقى من الجيش أو محتجين عزل, يبدأ سقوط الجماعة كقوة مادية لأن العنصر الدعائي لهذه القوة قد سقطت تحت الاختبار العملي.

كذلك, حين تسيطر أي سلطة غير ديمقراطية على مقاليد الحكم, يشرع الأفراد والموظفون الكبار في التهافت لنيل رضا السلطة وامتيازاتها على السواء فيما تنحو الحال منحى عكسياً مع السلطة الحوثية, التي تلاقي نبذاً شعبياً غير مسبوق وخلال فترة قياسية.

 وإعراض الموظفين الكبار عن شغل مواقع إدارية كانوا يحلمون بها في الأوقات الطبيعية هو أحد أوجه النبذ الشعبي وأنكاها على معنويات قادة الحركة الأصولية المسلحة ويشكل إدانة بليغة لها.

هذا المعطى يضرب صميم الدعاية الحوثية الذي اجتاحت بها المدن وفرضت تسلطها على قسم واسع من الشعب تحت اليافطة الثورية التي زوقها كتاب ونشطاء كانوا مدنيين قبل أن يكتمل هلال «المسيرة القرآنية».

وفي ثنايا مشهد عمليات الفرار من صنعاء والمحافظات التي يحكمها الحوثيون - بدءاً من رئيس الجمهورية حتى عشرات الإعلاميين والنشطاء والسياسيين الذين لا تثير الصحافة هجراتهم- تتبدى الملامح الأساسية لطبيعة الحكم الحوثي في حال استطاع البقاء كنظام حكم, تغدو معه القدرة على الفرار من عاصمته هي منحة العمر لمعارضيه.

وتبدو صنعاء أو أي مدينة تفرض الجماعة سلطاتها عليها كتجمعات سكانية كبيرة يطوقها سور عظيم, مثلما كان حال المدن في أوروبا الشرقية خلال الحكم الستاليني بما فيها ألمانيا الشرقية التي أحيطت عاصمتها برلين بسور هو الأشهر في التاريخ.

لا داعي للذهاب بعيداً لتتبع الأمثال, فلدينا ما يغني من الهجرات اليمنية إلى مدينة عدن ودول القرن الإفريقي خلال حقبة الإمامة التي حكمت شمال البلاد بالذهنية الحوثية ذاتها والأسطورة التاريخية والدينية نفسيهما.

كما حرف فريق علي صالح وحلفائه العشائريين والأصوليين في 1994 الصراع من خلاف على مضمون دولة الوحدة وكيفية إدارتها إلى صراع بين شمال وجنوب, ها هو يحرفه الآن من صراع بين بناء دولة جديدة هدها هو بمساعدة من الميليشيا الحوثية الأصولية إلى صراع بين شمال وجنوب مرة أخرى.

رد الرئيس عبدربه منصور هادي على سلفه في اليوم التالي لخطاب الأخير بأن عام 2015 ليس كعام 1994.

وقال هادي أمام نشطاء مدنيين التقاهم في قصره الرئاسي بعدن يوم الثلاثاء «عام 2015 ليس مثل عام 1994 ولمن لديه أي مشروع سياسي يخدم اليمن شعبا وأرضا فليأتِ به ويناقشه معنا ولا داعي للمناكفات والمكايدات التي تضر بالوطن والشعب».

ليس ممكناً التحقق مما إذا كان الرئيس يعني ما قاله جيداً, بيد أن صالح والحوثي قادران على إثارة صعوبات ضخمة في طريقه, إذ بعد أكثر من أسبوع على قرار لهادي بإقالة قائد قوات الأمن الخاصة بعدن العميد عبدالحافظ السقاف ما زال الأخير متشبثاً بموقعه ويرفض إخلاءه.

إضافة إلى ذلك, تتسع دائرة الكيد التي يعمل في إطارها طرفا الثورة المضادة لتسمح بربط حربهما التي يخططان لها بهجوم تنظيم القاعدة على معسكر اللواء المدرع 39 في المحفد بمحافظة أبين الاثنين الماضي وتصاعد هجمات التنظيم الإرهابي في محافظة لحج.

والسؤال الجدير إلقاؤه على الرئيس، هو ما العدة التي أعدها لعام 2015 وهو لا كلمة مسموعة له في لواء عسكري واحد, ويعزل نفسه عن مواطنيه الذين يندفعون إلى الساحات والميادين يومياً ليسندوه فيما ينتقي الرجل بضعة أشخاص إلى مكتبه ليخصهم بحكاياته وينثر عليهم الآمال!.

حقاً, تبدو دول مجلس التعاون الخليجي بزعامة المملكة العربية السعودية جادة ومندفعة لدعم هادي إلى أقصى حد, بعدما بات دعمه آخر خياراتها حين أفاقت من استرخائها الطويل لتجد «العدو (الإيراني) على الأبواب».

لكن المصالح الإقليمية لن تعيد بناء دولة بأي حال من الأحوال بقدر ما ستتخذ هادي ترساً واليمن منصة لإدارة حرب المصالح والوجود, إنما على الرغم من هذه الحقيقة إلا أن في الإمكان توظيف الصراع الإقليمي في إفادة القرار اليمني, لا توظيف الأخير في خدمة الصراع.

تتجسد المواجهة الإقليمية بشأن اليمن حالياً في إطلاق تصريحات لجس مواقف الخصوم ومستوى انخراطهم في المواجهة, ويأتي رجع الصدى من الدول المقابلة بتصريحات في المسار ذاته.

الأمثلة متعددة, منذ صرحت الحكومة السعودية مطلع مارس الجاري بأن عملية تحرير القنصل عبدالله الخالدي الذي ظل ثلاث سنوات مخطوفاً لدى تنظيم القاعدة, جرت بجهد استخباراتي سعودي, وبعد أقل من أسبوع أعلنت إيران تحرير الدبلوماسي نور أحمد نيكبخيت, مدعية أن تحريره كان «بمجهود أمني إيراني وعبر عملية معقدة في منطقة خاصة من البلاد».

 والسبت الماضي, قال السفير المصري في صنعاء إن الأمن القومي المصري مرتبط بمضيق باب المندب و«أي تهديد لباب المندب هو خط أحمر لمصر», فجاء الرد بعد ثلاثة أيام على لسان أمين مجلس الأمن القومي الإيراني الأعلى الذي قال إن بلاده باتت على ضفاف البحر المتوسط وباب المندب.

 

قراءة 2325 مرات آخر تعديل على السبت, 21 آذار/مارس 2015 14:56

من أحدث