طباعة

تجنيد الأطفال: استراتيجية حوثية وخزان بشري لمعارك مفتوحة

  • الاشتراكي نت/ خاص - تقرير وسام محمد

الأربعاء, 25 آذار/مارس 2015 18:32
قيم الموضوع
(0 أصوات)

يقال بأنه توجد فـي محافظة صعدة شمال اليمن، أكبر مقبرة فـي الشرق الأوسط، تجمع أناس قتلوا فـي الحروب الحوثية المتواصلة. وبغض النظر عن صحة هذه المعلومة من عدمه، فالمؤكد هو ان الكثير من الأطفال قد واجهوا مصرعهم فـي الحروب المتتالية التي خاضتها جماعة الحوثي منذ الحرب الأولى فـي العام 2004، وان لم تكن جثامينهم وغرة أعمارهم قد حوتها مقبرة واحدة، فإن ذلك كله سيظل محفوراً فـي سجل تاريخي لم يطوَ بعد، وقد لا يطوى قريباً، طالما وجماعة الحوثي مستمرة في تجنيد الأطفال والزج بهم فـي حروبها المفتوحة.

تعتمد جماعة الحوثي، بحسب ما تؤكد المنظمات الدولية والمحلية، على تجنيد الأطفال ما بين عمر الـ14 والـ17 عاماً، كاستراتيجية لاستمرار الحروب التي تخوضها، فمن شأن ذلك أن يجعلها قابضة على مخزون بشري لا ينفذ، ثم انه يوفر عليها الكثير من الجهد أثناء تنمية استعدادات التضحية بالنفس فـي أوساط هذه الشريحة.

وتعمل الجماعات المسلحة، والقوات النظامية التي لا تعمل في ظل رقابة صارمة، على استغلال الأطفال بتجنيدهم، نظراً للكلفة الأقل التي يتطلبها هذا الأمر، حيث يجري استغلالهم مادياً، من خلال منحهم رواتب أقل، وايضاً استغلالهم نفسياً، لأنه يصبح من السهل تعبئة الأطفال واستخدامهم في مشاريع القتل، أو الدفع بهم الى المعارك.

يلحق الأطفال الذين يتم تجنيدهم، عدد من الآثار النفسية والمعنوية، أولها أنه يتم حرمانهم من الالتحاق بالتعليم، إلى جانب أنهم يصبحون أداة سهلة في يد مشاريع العنف التي تجعلهم يضحون بحياتهم، واذا ما نجوا من المعارك، فإنهم يصبحون أشخاصاً ذوي ميولات عنفية لا تقتصر آثارها التدميرية على الطفل وحسب ولكنها تلحق أسرته والمجتمع ككل.

أطفال مجندون فـي تعز

خلال الأيام الماضية، كنت أتابع أخبار انتشار «قوات الأمن الخاصة»، التي دخلت تعز قادمة من صنعاء. كانت أربع كتائب، قالت المصادر، إنه جرى تجهيزها في معسكر الصباحة، حيث تلقى الجنود هناك دورة في ضرب النار، انتهت الخميس الماضي، فاتجهوا في اليوم الثاني نحو وجهتهم المرسومة سلفاً.

لم أتوصل الى معلومة أكيدة، غير أن جميع المصادر التي تواصلت معها تشككت في كون جميع أفراد هذه القوات هم من المجندين النظامين، فمن غير المستبعد ان تكون جماعة الحوثي، قد أدخلت العديد من مسلحيها وقامت بتدريبهم ضمن هذه القوات وإلباسهم زيها، وهي التشككات التي سأتثبت من وجهاتها، لأن معظم القادمين الى تعز هم من صغار السن.

يقال بأن الجنود الذين هم من محافظات لا يرحب سكانها بالتواجد الحوثي قد تسربوا من المعسكرات وفروا اثناء ما تناهى الى مسامعهم بأن هناك حرباً أصبحت وشيكة ويجري الإعداد لها، فر الكثيرون وبعضهم أضمر الفرار في أقرب فرصة، لهذا لجأت جماعة الحوثي الى استقدام مسلحيها، وتجنيدهم على نحو مستعجل، ومعظم أولئك المسلحين هم من الأطفال الذين لم يتجاوزوا بعد الـ18.

في اليوم الثاني من وصول تلك القوات الى تعز، جرى توزيع أفرادها، في النقاط العسكرية داخل وخارج المدينة، وأثناء تواصلي بأحد المصادر في منطقة هجدة غرب مدينة تعز، لكي أتأكد من وجود قوات جديدة في هذه المناطق التي تصل تعز بالمخا، أكد لي المصدر بأنه جرى توزيع عشرين جنديا، مساء أمس، على ثلاث نقاط عسكرية متباعدة (كان هذا يوم الأحد الماضي).

هذه المعلومة الوحيدة التي حصلت عليها وكدت أن اغلق سماعة الهاتف قبل ان أقرر ان كانت تصلح خبراً صحفياً أم لا، غير ان المتحدث، ويدعى (ط.ب) وهو ناشط سياسي من سكان مديرية شمير، قال بأن ما لفت انتباهه هو أن هؤلاء الجنود الذين جرى تعزيز النقاط الأمنية بهم، جميعهم من صغار السن، وهنا بدأت البحث عن خبر من نوع آخر، سيصبح في النهاية هذا التقرير.

كانت المعلومات تشير الى أن عدداً كبيراً من المسلحين الحوثيين (الاسم الشائع لتلك القوات التي وصلت للتو) قد اتجهوا جنوباً، وهو ما تأكدت منه بعد ذلك من مصادر في منطقة «دمنة خدير» و»الراهدة»، وهي مناطق على الخط الواصل بين تعز، لحج، وعدن. كان هذا خبراً مكتملاً خصوصاً مع نصب هذه القوات لخيام استقبال للمجندين الجدد يدفع بهم مشايخ وشخصيات اجتماعية ما تزال موالية للرئيس السابق، حليف الحوثي في الحرب التي باتت على مشارف الجنوب.

أردت أن أتأكد ان كان ضمن هذه القوات جنود من صغار السن، فاتصلت بالصحفي (م.ص)، الذي يســــــــكن في منطقة قريبة من التواجد العسكري. أكد لي أن كثيرين من هؤلاء الجنود هم صغار في السن. لا أعرف ان كانت «قوات الأمن الخاصة» قد فتحت باب التجنيد خلال العامين الأخيرين أم لا، لكن المؤكد هو أن هؤلاء الأطفال -وقد حصلت على صورة أحدهم- لا يمكن أن يكونوا قد جندوا بطريقة نظامية.

وفي مدينة تعز، قال (ع.س)، وهــــــو أحــد الشبان الذين يقودون المظاهرات المناوئة للحرب هناك، إن القوات القادمة من صنعاء بدأت في الانتشار في عدد من شوارع المدينة، ودون أن أسأله، قال إن الجنود معظمهم صغار في السن ويرتدون زي الأمن المركزي (الاسم السابق لما بات يعرف بقوات الأمن الخاصة).

وأوضح أنه شاهد طقماً عسكرياً، عليه حوالي 15 جندياً، جميعهم صغار في السن ما عدا واحداً فقط. ما يعني أنهم خلية جرى تجنيدها حديثاً، وذلك الشخص الأكبر سناً هو المسؤول عنهم. كان هذا ما فكرت به قبل أن أعيد السؤال.

هل قلت إن جميعهم صغار؟ فأضاف للتأكيد: «كلهم صغار لاحظتهم أنا بعيني في فرزة صنعاء عندما كنت هناك في الصباح أثناء مشاركتي في المظاهرة». (كان هذا مساء الأحد أيضاً).

اليمن فـي قائمة «العار»

 يقول أحد الخبراء الدوليين في مجال تجنيد الأطفال إن الحوثيين الى جانب جماعات أخرى جندت الأطفال في السابق، جعلت الأمم المتحدة مضطرة إلى إدراج اسم اليمن، في قائمة «العار»، وهي قائمة مخصصة للدول التي يجند فيها الأطفال ما دون سن الـ18، ويزج بهم في النزاعات المسلحة.

وأوضح الخبير الذي تهاتفت معه، وطلب عدم ذكر اسمه لكون المنظمة الدولية التي يعمل فيها لا تسمح له بالحديث للصحافة، أن الأمم المتحدة أدرجت مجموعات يمنية خلال الأعوام الماضية ضمن المجاميع التي تجند الأطفال في النزاعات المسلحة، وبسبب ذلك دخلت اليمن قائمة «العار» وهذه المجموعات هي: جماعة الحوثي، وجماعة أنصار الشريعة (القاعدة)، والفرقة الأولى مدرع، وقوات الحرس الجمهوري.

وبحسب هذا الخبير، فإن الأمين العام المساعد للأمم المتحدة لشؤون تجنيد الأطفال، ليلة زروقي، زارت اليمن خلال العام 2013، والتقت بأطراف عديدة في اليمن، بينهم الرئيس عبدربه منصور هادي، ووزير الدفاع، وعبدالملك الحوثي، وأخذت التزاماً شفوياً من جميع تلك الأطراف بمنع تجنيد الأطفال، كما أن الحكومة التزمت بعمل خطة وطنية لمنع تجنيد الأطفال، وهذه الخطة من ضمن الاشياء الضرورية التي تطلبها الأمم المتحدة لرفع الدولة من قائمة «العار».

في مايو من العام 2014، شكلت لجنة وزارية برئاسة وزير الشؤون القانونية وعضوية وزراء الدفاع والداخلية وحقوق الانسان، لإعداد خطة بمنع تجنيد الأطفال، جرى التوقيع عليها بعد ذلك، من الجانب اليمني والجانب الممثل للأمم المتحدة، غير أن تسارع الأحداث السياسية وتحولها إلى أزمة ومن ثم الى حرب، جعل المسؤولية كلها تقع على عاتق جماعة الحوثي، فهي التي تسببت في إيقاف نشاط الحكومة، وهي أيضا ما تزال من أبرز الأطراف التي تقوم بتجنيد الأطفال وتزج بهم في صراعات مسلحة.

وأشار الخبير الدولي، إلى ان تلك الخطة كانت تغطي اربعة محاور، وهي: منع تجنيد الأطفال، تسريح الأطفال المجندين حالياً في الجيش النظامي والجماعات المسلحة، إلى جانب مسألة التأهيل المجتمعي «الادماج»، وأخيراً منع تجنيد الأطفال على المدى الطويل، من خلال اصلاح التشريعات، وتبني تشريعات تجرم بوضوح تجنيد الأطفال، وتحيل من يقوم بذلك الى القضاء لينال جزاءه الرادع.

أطفال الشهادة

أثناء كتابتي لهذا التقرير، تذكرت حديثاً سابقاً دار بيني وبين أحد الضباط الذين خاضوا المواجهات مع جماعة الحوثي في محافظة عمران، سألته عن سر قوة الحوثي؟.

أجاب ذلك الضابط الذي لم يكن يفضل خوض تلك الحرب، أن جماعة الحوثي تزج بالأطفال الى الخط الأمامي من القتال. قال: كان يُقتل من معسكرنا عشرة جنود، مقابل خمسين حوثياً في كل هجوم أو محاولة من قبلهم على التقدم، لكن اغلب من يقتلوا كانوا اطفالاً لا تتجاوز أعمارهم الـ16 سنة.

«كان من السهل عليهم أن ينتصروا ويتقدموا ونصبح أسرى بين أيديهم، لا يوجد عاقل يرغب في قتل الأطفال، ولا يوجد أطفال يفضلون التراجع في وسط المعركة أو من يسمح لهم بذلك». كان هذا تقريباً فحوى ذلك الحديث الذي أصبح عمره أشهر ولم يغب عن بالي.

ويؤكد هذا الحديث، قصة يرويها أحد الزملاء زار صعدة (معقل جماعة الحوثي) خلال الأشهر الماضية في مهمة صحفية، وقبل أن يبدأ في سردها قال إنه قابل هناك العديد من الأطفال، ولامس عن قرب أي نفسيات منهكة تتركها الحرب لدى الأطفال. وتروي قصة هذا الصحفي أحد المشاهد المتعلقة بالحرب والطفولة اعترضته اثناء تلك الزيارة، كان مشهد لمقبرتين، الأولى يحيط بها سور فخم، وتتوزع مختلف أنواع الورود الحية والازهار والعناية المقصودة حول أضرحتها، فيما الثانية مهملة كما هو حال كل المقابر في اليمن. أثار هذا فضوله، ولم يجد سوى مجموعة من الأطفال بالقرب، فقام باستفسارهم عن سر الاختلاف بين المقبرتين. رد الأطفال، على الفور، بأن تلك (المقبرة التي بداخلها أزهار، ومسورة) هي مقبرة الشهداء، أما الأخرى فهي مقبرة من يموت في ظروف طبيعية. فهم الصحفي المغزى لكنه أحب أن يدردش مع الأطفال، سألهم: ماذا تتمنون أن تصبحوا في المستقبل؟ يتذكر بأنهم كانوا عائدين من المدرسة بينما الوقت ما يزال مبكراً. رد الأطفال بصوت واحد: نريد أن نكون شهداء!.

هناك طفل واحد فقط قال إنه يتمنى أن يصبح طبيبا! لكن البقية (عددهم 6 تقريباً، وأعمارهم ما بين العاشرة والحادية عشر) ضحكوا على هذه الأمنية، وأمام دهشة الصحفي وجهوا حديثهم للطفل: ستدفن في تلك المقبرة، أما نحن فسندفن في هذه، وأشاروا الى المقبرة التي يحيطها سور وتحظى بعناية دائمة.

اذا كان هناك من شيء يمكننا الاعتراف به أمام هذه القصة، فهو أن الطفولة قد جرى سلبها في صعدة والمحافظات المجاورة، فالذي لا يحمل السلاح ولا يتوجه الى جبهة القتال وقد أصبحت الأرض اليمنية كلها تقريباً جبهة فهو يعود من المدرسة ويتمنى أن يصبح شهيداً.

قراءة 1943 مرات

من أحدث