طباعة

لعـنة الـحـرب!

  • الاشتراكي نت/ الثوري - خالد عبدالهادي:

الخميس, 26 آذار/مارس 2015 18:20
قيم الموضوع
(0 أصوات)

وجدت الميليشيا التي قاتلت سنوات فـي جبال صعدة الوعرة نفسها تقاتل داخل مدينة تعز وعلى تخوم عدن.

التناقض الصارخ بين الفكرة التي رسختها عدن وتعز خلال النصف الثاني من القرن العشرين كمدينتي إشعاع وتمدين سرى تأثيرهما فـي سائر نواحي البلاد وفكرة الجماعة الحوثية القائمة على صوغ المجتمع بالثقافة القرآنية, يومئ إلى طبيعة الحرب الراهنة التي تشنها قوات الجماعة لإطباق هيمنتها على بقية أجزاء البلاد.

على مستوى الخطاب, فوًت هادي حتى الآن على التحالف الطائفي الجهوي بزعامة عبدالملك الحوثي وعلي صالح ما منحه علي سالم البيض للتحالف العسكري الأصولي فـي 1994, وبقي أن نرقب أفعاله.

حرص الرجل في أول خطاب يلقيه منذ تخلص من حصار الحوثيين على تأكيد نهج وطني وخاطب مواطنيه كلهم بنبرة عاطفية وتعبوية في آن, مظهراً الحنين إلى صنعاء.. وهذه كلها دعائم ابتغى بها الرئيس تأكيد توجهه الوطني لإبطال الذرائع التي يتسلح بها تحالف صالح والحوثي لشن حرب في الجنوب.

بإيجاز, بذل هادي جهداً في صوغ خطاب للشعب يليق بموقع الرئيس يوم السبت الماضي وكان موفقاً, باستثناء استخدامه مفردات من المعجم العقائدي للقدح في عقيدة خصومه الحوثيين بغية تسفيههم, كما دأبت الأنظمة الحاكمة في التعامل مع الجماعات المنشقة أو حتى الأفراد المصلحين والمنشقين والعلماء المخالفين.

يبدو الإيحاء السعودي حاضراً في وصم هادي للحوثيين بالاثنى عشرية, غير أن المرجو في الصراع الراهن أن يخوضه الرئيس بأفق وطني ليغدو صراعاً بين مجموع ينشد بناء دولة حديثة وفئة راديكالية تنشد صياغة المجتمع وفق معتقدها كي تشيد دويلتها الخاصة المغلقة.

وتوقيت الخطاب هو رسالة بحد ذاته لأنه أتى بعد يومين من إحراز هادي لأول نصر عسكري على تحالف الحوثي وصالح في عدن, ثم إن الرئيس أراد إخطار خصومه بأنه ليس بالضعف الذي يتوقعونه وان عليهم التفكير كثيراً قبل الإقدام على شن هجوم ضده في الجنوب.

كان هادي أحرز أول انتصار عملي على خصومه في سلطة صنعاء التي بيتت عملية عسكرية خاطفة للإطاحة به مجدداً في عدن نهاية الأسبوع الماضي فتحولت العملية إلى ضربة خاطفة كجراحة موضعية دقيقة, أحبطت أماني الحوثيين وعلي صالح.

لم تدم معركة عدن أكثر من ثمان ساعات حتى كان قائد قوات الأمن الخاصة في المحافظة العميد عبدالحافظ السقاف يستجير بشيوخ قبليين لتأمين فراره من المعسكر الذي تحصن داخله ورفض إخلاء منصبه على مدى أكثر من أسبوعين.

لعل السقاف المقرب من صالح كان يدرك عدم استطاعة قواته الأمنية السيطرة على عدن, لذلك خطط لاجتياح المدينة بقوات الجيش المتمركزة في لوائي بدر و31 ولم يرد بحسبانه أن الجيش الذي تخلى في صنعاء عن هادي وانضم ليساند الحوثيين وصالح سيغير اتجاه الولاء في عدن, تبعاً لحسابات الجندي البسيطة في مسائل المكان والحماية والممكن المتاح, إضافة إلى تأثير اللواء محمود الصبيحي الذي سبق أن قاد المنطقة العسكرية الرابعة ويعرف عن قواتها ما لا يعرفه السقاف.

انساق السقاف وراء وهم وحلم كبيرين في أن يتحول من قائد أمني متوسط إلى قائد جبهة عسكرية لإسقاط عدن وتصفية الرئيس الانتقالي لمصلحة الحوثيين وصالح, حتى أنه توهم إمكانية أن تقاتل ألوية من الجيش تحت إمرة ضابط أمني!.

ولى وقت الانتصارات السهلة.. كان في الإمكان القول إن هذا هو أبلغ دروس معركة الخميس في عدن, وأكثرها تكثيفاً, لو أن سلطة عدن ابتدعت حلولاً لتعديل الاختلال الهائل في موازين القوة التسليحية مع تحالف صالح والحوثي, الذي يتوافر على تسليح ضخم متطور وقوة قتالية جيدة التدريب بما فيها معسكرات متكاملة ما زال أفرادها يحتفظون بولائهم للرئيس السابق.

ولا بد أن هذا الــدرس قد صدم الحوثيين وحليفهم صالح بما انطوى عليه من مفارقة عاصفة لذهنية هذا التحالف النمطية عن الأمكنة وساكنيها, إذ في حين دانت له محافظات لها صيتها في القتال والقوة عند أول قذيفة كصنعاء وعمران, فاجأته عدن بصفعة قاسية.

في إمكان سلطة عدن بقيادة هادي توظيف معركة الخميس الخاطفة لتؤسس عليها خطوات كثيرة ومهمة, تمس المشهد الوطني برمته.

أولى تحولات معركة الخميس, التي ينبغي العناية بها هي إنعاش معنويات أفراد الجيش وجبر انكساراتهم المتعاقبة منذ 2011, والانطلاق من هذه المناسبة لتأسيس جيش وطني بعقيدة عسكرية وطنية إلى جانب دمج بقية العسكريين فيه وتصحيح التأثيرات المختلفة التي حجًمت ولاءاتهم إلى ما دون القضايا المفترضة.

كان إسقاط عدن بقوات من داخلها هي الحيلة المتاحة أمام تحالف صالح والحوثي للإيحاء بأن القتال له صلة بنزاع محدود بين هادي والسقاف, وذلك تفادياً لتشكل انطباع - خصوصاً في المحافظات الجنوبية- بأن الجنوب يتعرض لحرب شبيهة بحرب صيف 1994 وإبداء رد فعل غير متوقع.

لكن سلطة صنعاء أخفقت إخفاقاً ذريعاً في إخفاء نواياها وتضليل سلطة عدن. وأسهم في ذلك تعجل الرئيس السابق في إظهار بجاحة وغرور مقززين حيال الجنوب في خطابه أمام أعضاء من حزبه يوم التاسع من مارس.

وحين لم يجد تحالف الحرب في صنعاء بداً من إرسال قواته لاجتياح الجنوب واستباحته مجدداً, وإتمام تحضيراته الفنية والإدارية للحرب بما فيها إسناد مهام وزير الدفاع إلى رئيس هيئة الأركان اللواء حسين ناجي خيران.

تزامنت هذه التحضيرات مع أدمى هجمات إرهابية شنها انتحاريون في صنعاء في اليوم ذاته الذي قتل إرهابيون فيه قرابة 20 جندياً في مدينة الحوطة.

الإرهاب عابر للأقطار والجنسيات وتتركز ملاذات عناصره في اليمن بوفرة وهو يسفك الدماء بغريزة بهيمية مطلقة, تجسد أبشع ما يصيب البشر من تشوه شعوري وتوحش إجرامي وتيه عقائدي.

ومثلما أن هذه الحقيقة راسخة بشأن الإرهاب الذي ضرب داخل المسجد يوم الجمعة الماضي فقتل أكثر من 140 بريئاً وأصاب مئات آخرين, فهو أيضاً عرضة للتسييس والتوجيه وتستثمره الإدارات الحاكمة في الدول الكبرى والنامية على حد سواء, فضلاً عن المنظمات والجماعات المقاتلة, كما يتجسد في سلوك الجماعة الحوثية التي دفعت بقواتها ناحية الجنوب بعد ساعات قليلة من وقوع الهجمات الإرهابية في مسجدي بدر والحشوش بصنعاء.

يشن الإرهاب هجماته القاتلة في صنعاء التي يحكم الحوثيون سيطرتهم عليها منذ 21 سبتمبر الماضي, فيرسل تحالف الحرب الطائفي الجهوي قواته إلى الجنوب وتعز لغزوهما بجريرة الإرهاب, وهذا له تفسيره الباطني الكامن عند طرفي التحالف.

فالحوثيون جماعة دينية باطنية, تستلهم تراثاً متشدداً في تفسيق معتنقي المذاهب والعقائد المخالفة, مما يسوغ لأعضائها وصم أي شخص لا يعتنق فكرتها بالإرهاب.

قديماً, كانت الدويلات التي تقتفي الحوثية تراثها ترمي السكان المعتنقين لمذاهب أخرى بالكفر وترسل جحافلها لغزوهم وسلب أملاكهم, أما الحوثية فحوًرت وصمة الكفر إلى الإرهاب وأخذت تضرب على هذا الوتر ذي الرنة المحببة لمسامع الدول الكبرى.

ويسهل تتبع القيم الطائفية التي توجه حرب الحوثيين في الجنوب وتعز والبيضاء وغيرها من المناطق في خطاب عبدالملك الحوثي الذي ألقاه يوم الأحد, وبدا جلياً أنه خطاب إعلان الحرب في محافظات الجنوب.

استشهد الحوثي بدلالة آية من القرآن ليقول لمقاتليه إن من حقهم فعل ما يشاءون بلا مؤاخذة لأنهم منتصرون بعدما تعرضوا للظلم ورجا  لهم «الفتح المبين».

وعلاوة على آيات القران المحتشدة في خطاب الحوثي لتفضح كم أن حروبه دينية طائفية, برر حربه الجديدة بانتشار تنظيم القاعدة في محافظات الجنوب وتعز ومارب والبيضاء في تكريس لاعتقاده ,كما أتباعه, بأن الإرهاب لا ينبت إلا في المناطق التي لا يعتنق سكانها مذهب الجماعة.

أما طريد الحكم علي عبدالله صالح فمتعطش للثأر من خلفه هادي, ومن ورائه الجنوب الذي لا يرى فيه سوى عدو ينبغي إخضاعه على الدوام. والأمر ذاته ينطبق على تعز, إذ كلا المكانين شكلا منطلقاً لأبرز حدثين كادا يطيحان بحكم الرجل في 1978 و1994 قبل أن تنبعث منها الحركة الاحتجاجية الجنوبية عام 2007 وثورة فبراير الشعبية عام 2011.

وقبل هذا, صالح منغمس في دور المنتقم, ثأراً لإسقاط نظام حكمه وهو الآن في ذروة انتقامه بهذه الحرب, ولن يكتفي حتى تذوق كل نواحي البلاد قسمها من الحرب والتدمير.

ثمة حرب دفاعية فرضتها حرب عدوانية غاشمة. وهذا التوصيف هو ما يليق بالحرب الدائرة بين مواطني المحافظات الجنوبية الملتحقين بجبهات القتال مع قوات الرئيس هادي لصد القوات القادمة من صنعاء, وليس أخلاقياً البتة المساواة بين الفريقين في مسؤولية الحرب, وتعويم مصطلح رفض الحرب.

لذلك ينبغي الجهر بالقول إن أميري الحرب؛ علي عبدالله صالح وزعيم جماعة أنصار الله عبدالملك بدرالدين الحوثي يتحملان المسؤولية التاريخية والقانونية والأخلاقية عن الحرب التي أشعلاها في الجنوب وأي حرب سيفجرانها في أي رقعة أخرى من البلاد, لما لهما من دور قيادي في التأليب عليها والتحشيد المادي لها.

أخفق تحالف الحرب في إسقاط عدن بالقوات المتمركزة داخلها, فاستعاض عن ذلك بإرسال قوات ضخمة, باتت على تخوم المدينة ليلة الأربعاء بعدما خاضت أول يوم من أيام الحرب الثانية على الجنوبية.

 قد تتداعى الجبهات الدفاعية نتيجة اختلال ميزان القوة, وتجد القوات المهاجمة نفسها في عدن أو أي مدينة أخرى, لكن ماذا سيصنع المعتدون بالوضع الذي سينشأ وكيف سيتعاملون معه إذا كان نظام صالح قد عجز عن استيعاب الوضع الناشئ عن حرب صيف 1994.

من المفيد أن تحالف صالح والحوثي لا يقدر على إسقاط المدن إلا بقوات من خارجها, حتى تظل الذاكرة الشعبية متوقدة فتبقى مقاومة هذا الإخضاع جذوة تحت الرماد, ستضطرم ,لا محالة, في أي لحظة.

قراءة 2440 مرات

من أحدث