طباعة

تعز على مشارف معركة مؤجلة

  • الاشتراكي نت/ وسام محمد

الأربعاء, 08 نيسان/أبريل 2015 20:55
قيم الموضوع
(1 تصويت)

 

 في شوارع مدينة تعز، المكتظة بالناس طوال الوقت، تتجول الحرب في عيون المارة، وفي نظراتهم الخاطفة. أصبحت المدينة خلال الأسابيع الأخيرة أكثر ازدحاما بفعل توافد الهاربين من الحرب. كل يوم يصل نازحون جدد قادمين من صنعاء هروبا من قصف الطائرات ورصاص مضادات الطيران الراجعة، وهناك قادمين من عدن، هربوا من حرب الشوارع وقذائف الدبابات التي باتت تخترق المنازل. الوضع الانساني في مدينة عدن بات أكثر مأساوية، وتعز هي محطة للنزوح نحو الريف الواسع.

تجد الناس في هذه المدينة مستغرقين في حياتهم الخاصة، ومستغرقين بنفس القدر في تفاصيل الحرب القائمة أو تلك المتربصة بهم. يبدو واضحا أن أزمة المشتقات قد خففت من عدد السيارات في الشوارع، ويبدو واضحا أيضا أن المترجلين لا يتركون فراغا. حمى التسوق في أوجها، الجميع يستعدون لحرب لا أحد يعرف لها أفق.

منذ مطلع هذا الأسبوع، وأسواق المواد الغذائية بمثابة مزار لسكان المدينة وللقادمين من الريف، يقول احد السكان: "سعر كيس القمح وصل الى (10000) عشرة ألف ريال، ومع هذا ليس من السهل العثور عليه".

يقول القادمين من الأسواق الفرعية البعيدة عن المدينة، أن سكان القرى يتدافعون لشراء القمح وكل ما له علاقة بالأكل والشرب، يمكن ملاحظة أكياس القمح والأرز فوق أكتاف المارة، دبب الزيت وحتى أكياس الصابون. الأسعار مولعة والحرب ستندلع في أي لحظة.

هناك حربان في تعز، الأولى اندلعت منذ اسبوعين، في الجنوب عندما مرت قوات صالح والحوثي، وامتدت الى صنعاء وكل المناطق مع تدخل طيران التحالف وقصفه للمعسكرات، هذه الحرب وصل تأثيرها إلى كل بيت تقريبا. لكن الحرب الثانية لا تزال تحتشد على أطراف المدينة وفي أحياءها، ينتشر المسلحين في كل حي تقريبا، وتخرج المظاهرات المنددة بالحرب من كل حي أيضا.

المظاهرات لا تتوقف في هذه المدينة، رغم أن الاعلام لم يعد يهتم لها، فأخبار الحرب تكاد تغطي على أي أخبار أخرى. لكن أحد الشباب يصر على ان المظاهرات تكون حاشدة يومي السبت والأربعاء. وبعد قليل سيبدأ الناس بالتوافد الى جوار مكتب التربية في شارع جمال، وبالتزامن مع قدوم سيارة تحمل مكبرات صوت تأتي منها أغان وطنية بصوت أيوب طارش، ستمر أيضا عربة عسكرية وثلاثة أطقم عليها جنود ومسلحون مدنيون.

قال الشاب المتحمس للمظاهرات: هكذا يستفزونا كل يوم، يمر مسلحون مدنيون وجنود جنبا الى جنب، مع ذلك لا يوجد لدى هذه المدينة ما تعول عليه، سوى المزيد من الأمل في تجنب المزيد من الحرب. يقول الناس أن الحرب في تعز ستكون أكثر بشاعة، لأنها ستكون بين أبناء المحافظة أنفسهم. "في البداية قد تشتعل من داخل المعسكرات القابعة خارج المدينة، لكن هذا سيكون بهدف اشعال الحرب فقط لكي تمتد الى داخل المدينة". يقول أحد الناشطين السياسيين.

أثناء تجولي في عدد من شوارع تعز مطلع هذا الأسبوع، كان من السهل ملاحظة كيف أن الحرب أصبحت جزء من حياة الناس، وجزء من لعب الأطفال. رأيت الكثير من الأطفال يحملون علب العصائر الملتصقة على شكل "كلاشينكوف" حيث يتم اشعال مؤخرة ذلك الشكل لتصدر عنه انفجار أكبر من صوت انفجار الرصاصة العادية.

يبدو هذا مرانا جيدا للسكان الذين سيكون عليهم التعايش مع أصوات الرصاص، كان هذا قبل حلول الظلام، ومع حلوله، بدأت أصوات الرصاص الحقيقي تدوي دون أن يعرف مصدرها. المسلحون ينتشرون في الأحياء، وعندما تسأل من يتبع هؤلاء تجد اجابة سريعة: يتبعون الحوثي.

أصبح من المؤكد أن تعز باتت على مشارف معركة تأجلت كثيرا، هناك طرف بذل جهودا جبارة داخل هذه المدينة المكتظة ليحصل على موطئ قدم. لقد نجحت جماعة الحوثي على أكثر من موطئ قدم. حصلت على شباب تعز الجاهزون لأي شيء. في 2011 من الغريب أنهم كانوا جاهزين للانخراط في الثورة.

قبل ثورة فبراير، كان أكثر شيء يميز شباب تعز، هو انخراطهم في عمل العصابات، ومعاركها التي لا تنتهي، هناك عصابات تتبع اشخاص "فتوات" وأخرى تتبع بعض الحارات.

عند اندلاع الثورة، وكان هذا شديد الغرابة، انخرط الكثير من اعضاء تلك العصابات في الثورة، اغلب سائقي الدراجات النارية، وبقى قلة قليلة مع النظام، حاول ان يستثمرهم في قتل المتظاهرين لكنه فشل، ما دعاه الى استقدام قتلة من خارج تعز.
بعد الثورة بعام، كان من الغريب أيضا، أن العصابات اختفت، وكأن الثورة قد أوجدت واقعا جديدا، وأعادت تشكيل الشباب في تعز وفقا لمنظور مختلف تماما عن السابق.
من الجيد الاشارة إلى ان البطالة هي المحرك الاساسي لعمل تلك العصابات وكانت المحرك الاساسي لدفع الشباب الى الانخراط ضمن صفوف الثورة. عدم انخراط شباب تعز في اي انشطة جديدة او استئناف الانشطة السابقة في العامين 2012 و2013 كان مبعثه الترقب من أن تسفر الثورة عن واقع جديد ينتشلهم من البطالة.
لم تأت الثورة بشيء ملموس، ثم ان العصابات اصبحت اقل من الطموح، لا يمكن العودة لعمل العصابات، كان عملا خاليا من أي وعي سياسي، لكن بعد الثورة أصبح هناك وعي سياسي هو خليط من الحرب الاعلامية الباردة التي اعقبت الثورة.
نجح الحوثي في ايجاد موطئ قدم لنفسه في تعز، وذلك من خلال الاقتراب من شباب الحارات الضائع، لقد سلحهم وصرف لهم الكثير من النقود، والآن يجري اعدادهم لخوض المعركة الفاصلة. ربما هذه الجماعة تمكنت من ايجاد موطئ قدم لنفسها، وأيضا قبرا واسعا لهذه المدينة.
مثل ما استغل الحوثي ظروف الناس في مناطق شمال الشمال، مثل ما استغل جهلهم ليصبحوا وقودا في معاركه، استغل شباب تعز الذين اصبحوا يحقدون على الأحزاب التي سرقت عليهم الثورة، الأحزاب التي لم تحقق لهم شيء.
لو أن هناك تحرك سريع ومسئول من قبل الاحزاب السياسية، فبإمكانهم الاقتراب من هؤلاء الشباب وصرفهم عن جماعة الحوثي، أو حتى تجنيدهم في المعسكرات التابعة للدولة بدلا من الزج بهم في معارك فائضة عن الحاجة.
معروف ان جماعة الحوثي لا تهتم لقيمة الحياة. كل يوم يقتل الكثير من اتباعها، لا تكترث، هي تهتم للنصر وللمسيرة القرآنية فقط. أما صالح فهو دائما يستند الى الفئات الشعبية الأقل حظا في كل شيء، لكي يعتمد عليها في اي مشروع.

ومن المحتمل جدا، أن تخوض جماعة الحوثي ومعها صالح حربا انتقامية من هذه المدينة ستبدأ بين معسكرات مؤيدة للشرعية وأخرى موالية للمليشيا، ثم ستنتقل الى داخل المدينة بين هؤلاء الشباب المسلحين، وبين أخرين يجري اعدادهم خارج المدينة.

وهناك احتمال أخر، وهو أن يتم الزج بهؤلاء الشباب في الحرب التي تدور رحاها في عدن، أو استخدامهم لتامين خطوط الامداد خصوصا مع وجود أخبار تقول بأن هناك مقاومة باتت تتشكل على امتداد الطرق المؤدية الى عدن، بهدف استهداف الامدادات القادمة من صنعاء.

صورة الحرب البشعة في عدن، يمكنها ان تدلنا، على صورة الحرب الانتقامية المؤجلة هنا في تعز. لقد ثبت في أكثر من مرة، أن هذه المدينة في مرمى النوازع الانتقامية على كافة المستويات.

.............

ينشر بالتزامن مع صحيفة الثوري

 

 

 

 

قراءة 3221 مرات آخر تعديل على الخميس, 09 نيسان/أبريل 2015 18:55

من أحدث