طباعة

مدينتا العشق والسلام

الجمعة, 01 أيار 2015 04:43 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

عدن مدينة انبثقت من عالم العشق والجمال بكل ما تحمله الكلمات من مدلولات كساحل العشاق والمعاشيق... مدينة تحتضن الحب في معالمها وشوارعها وسواحلها... هذه هي عدن التي تمتاز برقة قلوب ناسها ولين أفئدتهم وبساطتهم.. مدينة تنبض منها الحياة والحرية.

عندما زرتها آخر مرة تقريباً في أحداث سبتمبر الماضي ولا سيما شارع المعلا -أكثر الشوارع التي أعشقها- اجتاحني حزن شديد بعد إن خرجت لأتمشى في شوارعها.. فالمعلا لم يعد المعلا وغدا شبيهاً بحي عتيق يعمه الخراب، بنايات أوشكت على الانهيار.. البيارات طافحة في الشوارع، والقمامة مرمية بالقرب من البنايات.. حتى أصوات الغربان التي كانت تعتلي أسطح المباني وشجر الديمن المتواجدة أمامها، أوشكت المعلا أن تخلو منها وكأنها محتجة على الخراب الذي حل بها.

ليس المعلا فحسب من شوارع عدن من فقد رونقه الذي امتاز به في الماضي، فساحل العشاق لم يعد هو نفسه ذلك الساحل بكل دلالات العشق التي كان يحملها في زمن عدن الجميلة في ماضيها البعيد أي ما قبل التسعينيات حسب الروايات التي سطرها كتاب شهدوا ذلك الزمن الجميل.. أوشكت تفقد رونقها رويداً رويداً حتى أصبحت أشبه بمدينة عتيقة عمها الخراب عُدت بعدها مثقلة بالأسئلة: ما الذي حل بها؟ لِمَ أوشك أن يهجرها ذلك الصباح الذي كان يصطحب أشعة الشمس الذهبية التي كانت ترسل أشعتها للمدينة بحراً وبراً؟، وأين هو ذلك المساء الذي كان يَحل فارداً لك ذراعاته لتهرع إلى أحضانه وتكب ضيقك وغضبك فتصطحبك البسمة وأنت تتأمل شوارعها وتستمع إلى تعليقات المارة؟.

حدث وان قرأت يوماً مقولة لـ»أحلام مستغانمي في رواية فوضى الحواس» علقت في ذاكرتي تقول فيها:

«أجل.. حدث وأن كنا يوماً شعباً يتقن السخرية, فكيف فقدنا الرغبة في الضحك؟ وكيف أصبحت لنا هذه الوجوه المغلقة.. والطباع العدائية.. والأزياء الغربية التي لم تكن يوماً أزياءنا؟».

فجأة وبدون سابق إنذار وأنا في شارع المعلا وجدت نفسي أرددها بحيرة وألم, فعدن من كانت تمتاز بالوجوه البشوشة الساخرة حتى على حركة القدم أصبحت مثقلة بالهموم, فعلاً أحلام مستغانمي كم أصبحنا غرباء عن أنفسنا وعن بعضنا البعض, غرباء إلى حد الخوف, وحد الاحتياط.

لم يكفِ صالح الخراب الذي حل بها والناتج عن إهماله لها ولأبنائها كونه كان دولة هو حاكمها بل زادوها الآن دماراً وخراباً مع حلفائه اليوم أعدائه بالأمس جماعة «أنصار الله»، هستيريا غير محسوبة عقباها دمرت كل ما تبقى من ملامح جميلة لعدن وأصبح أهلها عرضة للهلاك.

عدن الحبيبة غدت بركاناً مشتعلاً في كل حين.. عدن تعاني ونحن نعاني وسائر أبنائها يعانون من أجلها.

ليست عدن وحدها من تعاني، فتعز مدينة السلام هي الأخرى تعاني، لا ذنب لها سوى أنها سلمية.. مدينة.. تبحث عن الثقافة والتقدم.. تمتاز ببساطة أهلها هي الأخرى, لا تقبل الذل أو المهانة.. تواقة للحرية.. سباقة بتقديم التضحيات. هذه هي تعز العز كما شهد لها التاريخ, مدينة السلام والتعايش السلمي.. أقحموها هي الأخرى بحرب طالما نبذتها وقاومتها بسلميتها.. ها هم أبناؤها من ينشدون السلمية يُقصفون اليوم بدبابات من لا يرحم بقصد تشويه مدنيتها انتقاماً من حناجر أبنائها الحرة التي تعالت أصواتها على مدى التاريخ نابذة القوى الاستبدادية الرجعية.. رافضة الذل والمهانة.

لا بد من المحاولةِ لقراءةِ الواقعِ المليء بالغموض, وتفسير ما بين سطورِ زمنٍ انهارت فيهِ الأوطان إثر حروبٍ ودمار ودماءٍ مراقة دون وجه حق... زمنٌ افتقدنا فيهِ الإنسانيةِ والمعاني الوطنية الخالصة, واختلت فيهِ كلِ الموازين والقوى ولم يعد فيهِ شيءٍ صالحٍاً للتدوين على صفحاتِ التاريخ لتفخر بهِ الأجيالِ القادمةِ كما كان فخرنا يوماً بتلك السطورِ المنحوتةِ بدماءِ الأجداد سوى ما ستسطره دماء شباب فرضت عليهم الحرب وسطعوا كالنجومِ الساطعةِ في ليلِ البؤسِ والجوعِ والمعاناة.

كيف لمدينتي العشق والسلام أن تتعايشا مع أصوات الرصاص والدبابات وأصوات الطائرات؟ وكيف لها أن تتحمل رؤية الجثث مرمية على الطرقات؟.

على الأطراف كافة أن تتأنى وتعيد حساباتها ولا تقامر على حساب الوطن يكفينا ما سقط من ضحايا، ليس في عدن وتعز فحسب بل وفي كل أرجاء الوطن: الضالع ولحج وأبين وشبوة وإب ويريم وصنعاء والحديدة...

لم تندمل جراحات الوطن وليدة الحروب الأهلية الماضية، ما زلنا نعاني من آثارها حتى اللحظة.. فكيف لنا أن نستمر في هذه الحرب ونحن ما زلنا نسمع أنين وطننا الذي لم يتعافَ بعد من جروح حروب مضت؟!.

قراءة 1750 مرات

من أحدث أسيا الصراري