طباعة

قواعد اشتباك جديدة

  • الاشتراكي نت/ خالد عبدالهادي

الجمعة, 01 أيار 2015 18:29
قيم الموضوع
(1 تصويت)

خلال أسبوع واحد, توالت وقائع كثيرة تنبئ طبيعتها وسياقها عن أن قواعد جديدة اعتمدتها الأطراف الخارجية والداخلية المتصارعة فـي نطاق الجغرافيا اليمنية, وهي قواعد ناظمة للعمليات العسكرية أو لترتيبات المرحلة السياسية المقبلة.

بداية, أطلقت جيوش التحالف العربي بقيادة السعودية عملية تستوعب العمليات العسكرية والسياسية سمتها «إعادة الأمل» لتكون أكثر مرونة واستجابة للمهمات القتالية المحدودة السريعة وتواكب التطورات الميدانية بدلاً عن «عاصفة الحزم» التي دمرت القدرات العسكرية الاستراتيجية لدى قوات صالح والحوثي.

أعقبت السعودية تلك الخطوة بتوسيع تحركاتها السياسية, لتشكيل ملمح عن سبل إدارة المرحلة السياسية المقبلة التي تخطط المملكة لأن تكون صاحبة الكلمة العليا في توجيهها, وكذلك واصلت العمل لشق الصف السياسي والقبلي الموالي للرئيس السابق علي عبدالله صالح.

ويمثل ظهور آخر قادة الدولة الجنوبية علي سالم البيض في الرياض يوم الثلاثاء عنواناً عريضاً لثمار التحركات السعودية وتعبيراً ذا دلالة كاملة عن خطة الرياض للتعامل مع المرحلة المقبلة, لا سيما مستقبل الجنوب بما في ذلك إعادة البيض إلى المدار السعودي الذي سبق أن دار فيه قبل 21 عاما.

من جهته أطلق صالح خلال أسبوع رسالتين لجس استجابة النظام السعودي, ملوحاً باستعداده للانسلاخ من تحالفه مع الحوثيين مقابل الفوز بالرضا السعودي.

وفي حين كثفت المقاتلات السعودية غاراتها على أهداف لقوات الحوثيين وصالح, طورت إيران العدو الإقليمي اللدود للمملكة, ردود فعلها يوم الثلاثاء بتحديها للحظر الجوي المفروض على الأجواء اليمنية وكادت طائرة لها تهبط في مطار صنعاء قبل أن تقصف مقاتلة مدرج المطار وتمنع هبوطها.

 وفي اليوم ذاته, اعترضت البحرية الإيرانية سفينة حاويات في المياه الدولية ترفع علم جزر مارشال واقتادتها إلى ميناء بندر عباس الإيراني لتثبت قدرتها على إزعاج حركة الملاحة الدولية. وقد تصعد من ردودها بما يدفع المنطقة إلى حرب شاملة.

كان مجلس الأمن الدولي عين مطلع الأسبوع, الدبلوماسي الموريتاني إسماعيل ولد شيخ أحمد مبعوثاً إلى اليمن خلفاً لجمال بنعمر الذي استقال من مهمته بعد ثلاثة أعوام قضاها في صلب السياسة اليمنية وتصميم اتفاقات, انهزمت أمام جموح الحرب.

 وقوبل أداء الدبلوماسي المغربي بانتقادات إقليمية ومحلية واسعة, أبرزها تصميمه على السير في محادثات سياسية بعدما أطاح الحوثيون وصالح بالرئيس هادي مطلع هذا العام.

بعيداً عن الانتقادات الإقليمية والمحلية الصادرة تبعاً لمصالح تلك الأطراف, تعثر جمال بنعمر في مسألتين رئيستين: الأولى, أنه تشبث بدبلوماسيه مفرطة في قضايا لا تحتمل مسلكاً دبلوماسياً حتى النهاية, والثانية أنه كان متخلفاً عن تقدير مخاطر المشهد اليمني على نحو يمكن قياسه بتلك المسافة الفاصلة بين قعر الهاوية وحافتها.

ففي الوقت الذي كانت البلاد قد انزلقت إلى قلب الحرب الأهلية, ظل هو يحذر من أنها على حافة الحرب.

وأثر عامل خارجي في إخفاقات بنعمر, إذ لم يرق لأنظمة الممالك الخليجية خصوصاً السعودية وقطر اللتين أبدى إعلامهما تذمراً واضحاً بشأن ذلك, خلال الأشهر الأخيرة من نشاطه, لأن تلك الأنظمة كانت تأمل من الدبلوماسي المغربي استعمال نبرة مختلفة في تقييم سلوك الحوثيين حيال العملية الانتقالية في تقاريره المرفوعة إلى مجلس الأمن.

ثم إن السعودية لم تكن لتتقبل أساساً أن يتصرف بنعمر باستقلالية عن رغباتها, جرياً على ما اعتادت عليه من الإملاءات والتدخلات, فضلاً عن أنها ترى أحقيتها بتوجيه الإشراف على تطبيق المبادرة الخليجية التي تزعمت إطلاقها لنقل السلطة وتقييم سلوك الأطراف اليمنية بشأنها.

ومع ما أبداه بنعمر من صبر خلال مهمته اليمنية, لكنه أفسد ذلك بلجوئه إلى تعويم النقد, عبر إلقائه باللائمة مراراً على كل الأطراف في تعثر العملية الانتقالية, بلا تمييز بين تفاوت المسؤوليات النابع من تفاوت السلطات, إذ ثمة تفاوت صارخ بين قوى امتلكت سلطات أو فجرت حروباً, مبدية تصميماً على تعطيل المحادثات وقوى سياسية مدنية أظهرت حرصاً كبيراً على إنجاح التسوية.

بعبارة أخرى, أغفل بنعمر لدى تقييمه مبدأ أن المسؤولية على قدر السلطة. ومهما يكن من إخفاقاته, لكن الإنصاف يقتضي الإقرار بتعقد المشهد السياسي وفوضويته في مرحلة ما بعد 2011 ولم يكن سواه لينجز ما هو أفضل لتحسين هذا المشهد, عدا أنه كان في إمكانه اتباع خطة عمل أفضل.

في عدن, أعلنت القوات الشعبية التي تخوض قتالاً لصد قوات صالح والحوثي عن المدينة تشكيل قيادة موحدة لإدارة عملياتها في قرار من شأنه تنظيم أعمال المقاومة.

وأبدت المقاومة الشعبية على اختلاف مشاربها في مدن الجنوب والوسط قدرة على اعتراض مشروع تحالف صالح والحوثي وربما تتمكن من إسقاطه وتبديده خلال الأيام المقبلة.

فدخول القتال في مدن عدن والضالع ولحج شهره الثاني دون استطاعة القوات المهاجمة حسم الموقف عسكرياً يعني تعثر مشروع تحالف الحرب أمام رفض شعبي اتخذ أسلوب المقاومة المسلحة بما يشير إلى أحد خيارين: استمرار حرب أهلية طويلة الأجل لن يستطيع أحد الطرفين إخضاع الآخر وفرض مشروعه أو اقتناع التحالف الطائفي الجهوي بسقوط مشروعه ووقف حربه العدوانية.

وبقدر أهمية قدرة المقاومة على كسر شكيمة تحالف الحرب والصمود على الأرض فثمة أهمية مماثلة لضرورة أن تتتمكن من إفراغ نتائجها الميدانية لاحقاً في مكاسب سياسية مستقلة, إذ أن الرجال الماكثين في الرياض هذه الأيام هم البدلاء المحتملون لإدارة المرحلة السياسية المقبلة كما تخطط السعودية.

في المقابل, برهن تحالف صالح والحوثي على طبيعته الفاشية الإجرامية بإيغال قواته في دماء المدنيين العزل وإحراق المدن كما هي الحال في عدن وتعز والضالع.

تعود صالح خلال حكمه الذي امتد 33 عاماً على تحقيق انتصارات في أوقات قصيرة خلال كل حروبه الداخلية, ولذا هو مضطرب منذ أدار دفة حربه جنوباً, ظاناً أن معركة عدن وحدها لن تطول أكثر من يوم واحد وإذا بها تتجاوز الشهر.

وعبدالملك الحوثي ألف إحراز انتصارات سهلة أيضاً من عمران شمالاً حتى الحديدة غرباً وإب التي في الوسط, حيث كانت ساعات معدودة يعسكر خلالها مقاتلوه في مداخل حواضر تلك المحافظات كافية لأن يتسلم مندوبوه مفاتيح المدن وتشرع قواته في الانتشار والسيطرة.

أما الآن فكلما تعقد النصر الذي يبحث عنه صالح والحوثي, تقترف قواتهما مزيداً من البطش والجرائم بحق المدنيين وأهالي المدن العصية على التسليم.

ضمن ارتدادات هذا العامل, يبذل صالح آخر محاولاته لاستعطاف النظام السعودي, ساعياً لإظهار تمايز متأخر عن حلفائه الحوثيين وتحميلهم, ضمناً, المسؤولية عن الزج بالجيش الموالي له في الأساس في حرب على مدن الجنوب والوسط.

وهذه المرة الأولى التي يتنصل فيها صالح من الحوثيين في مؤشر على موقفه الحرج, إذ أنه لم يعبأ في السابق بالاتهامات الموجهة إليه بالتحالف مع الجماعة العنيفة.

فعدا عن أنه ألقى باللائمة على الحوثيين في شن الحرب الدائرة حالياً خلال مقابلة مقتضبة له مع صحيفة اليمن اليوم التابعة له منتصف الأسبوع الماضي, عاد صالح يوم الجمعة الماضي ليقترح وقف القتال وسحب الميليشيات من المدن.

بدا واضحاً من أسئلة المقابلة وإجاباته أنها وضعت بعناية كي ينفي صالح علاقته بالجيش وهي العلاقة التي نسبها للحوثيين, لكن وهو يلجأ لهذه الحيلة المكشوفة تناسى أنه توعد في مارس الماضي بشن الحرب في الجنوب وإغلاق منافذ الهرب أمام القادة الجنوبيين وفي مقدمتهم عبدربه هادي.

مناورة أخرى خادعة من صالح ستنتهي إلى الإخفاق على الأرجح, إلا إذا جند نفسه وقواته للوقيعة بحلفائه الحوثيين ومساعدة السعودية في القضاء عليهم بإعطاء أوامر لقواته بوقف القتال وتركهم وحيدين في الجبهات, وكذا تسليم ما لديه ومساعديه من أسرار عن تحركاتهم وقواتهم للمملكة.

ربما يكون الرجل مقبلاً على حيلة أخيرة, تبقيه في المشهد, خصوصاً أنه غير ساذج ليبعث بإشارة فارغة المضمون إلى النظام السعودي وهو يعلم أن الوقت يوشك على النفاد, لذا يجب قراءة هذه الإشارة منه أنها قد تكون جادة بقدر ما قد تكون مناورة.

لكن تغطية الإعلام السعودي في الأيام الأخيرة تفصح عن أن المملكة تصرف جزءاً من معركتها لتجريد صالح من الطبقة السياسية والمشيخية الملتفة حوله لتذكيره بقدرتها على سلب تأثيره السياسي والقبلي مثلما صنعته ابتداء.

يتضح ذلك في تحفيز سياسيين وشيوخ قبليين على الانشقاق عن الرئيس المعزول والترويج لذلك في الإعلام السعودي, حتى مع أن هذه الخطوة قد تكون آنية من رجال لهم باع في الدوران وراء المصالح, لكنها خطوة مناسبة للمزاج الملكي الذي يهوى هذا النوع من الانتصارات ولا يهم بعدئذ ما سيكون.

أما عبدالملك الحوثي فبدا في آخر خطاب له منفصلاً عن الواقع انفصالاً تاماً ومغرقاً في الروحانيات والديماجوجية التي فسر بها وقائع الحرب والسياسة.

 ومن أوضح ما قاله في هذا الجانب إن هدف الحرب التي يشنها التحالف العربي بقيادة السعودية هو إعادة اليمن إلى الحضن الإسرائيلي والحضن الأميركي اللذين كانت حركته قد استنقذت البلاد منهما!

يكشف خطابا الحليفين عن الهواجس المسيطرة عليهما, فلئن أبانت رسائل صالح عن أمير حرب متمرس يحاول النفاذ بجلده ومستقبله السياسي فإن خطاب الحوثي يقدم أمير حرب آخر يعيش حالة «جهاد» ضد الولايات المتحدة وإسرائيل وقد تجسمتا لديه في طواحين الهواء ومواطنيه العزل, غير مبال بالنهاية.

 

قراءة 3238 مرات آخر تعديل على الأحد, 03 أيار 2015 17:15

من أحدث