طباعة

السياسة تقفز على حقائق الميدان

  • الاشتراكي نت/ خالد عبدالهادي

الخميس, 14 أيار 2015 02:40
قيم الموضوع
(0 أصوات)

يخطط المسؤولون في الرياض سواء أكانوا السعوديين أو اليمنيين لتحريك السياسة في موازاة تحريك الميدان, غير أن ذلك سيظل مرهوناً بالنتائج التي ستثمرها الخطوات الجديدة المتخذة في جبهات القتال أمام قوات الحوثيين وصالح.

وفي هذا السياق, حددت إدارة الرئيس عبدربه منصور هادي يوم 17 مايو الجاري موعداً لانعقاد مؤتمر للحوار بمشاركة قرابة 250 شخصية, غير أن أهدافه ما تزال غائمة مثلما لم يجر تمهيد الأرضية التي سترسو عليها نتائج هذا الحوار.

تعجل هادي كثيراً بالدعوة إلى التئام الحوار يوم 17 مايو, فحتى ذلك الموعد القريب, يتعين على القوات الموالية للرئيس تحقيق تقدم على الأرض في مدينة عدن , على الأقل, بما من شأنه تهيئة المدينة لتكون عاصمة بديلة مؤقتة, فضلاً عن إنضاج الوضع الميداني بوجه عام حتى ترسو الخطوات السياسية على أرضية واقعية.

والدعوة إلى حوار الرياض قبل تهيئة الوضع الميداني- الذي مازال يميل لمصلحة قوات صالح والحوثي- ولو في حده الأدنى وكذا معالجة الوضع الإنساني الكارثي هو ارتجال يماثل تقديم العربة على الحصان.

فلكي يكون الحوار واقعياً ويتجاوز مجرد إنفاذ رغبة هادي بعقد حوار في الرياض للرد على الحوار الذي كان يجريه الوسيط  الدولي السابق جمال بنعمر في صنعاء مع هيمنة الحوثيين  على القرار, لا بد على هادي أن يكون في مستوى من القوة مساو لقوة خصومه على الأقل بصرف النظر عن التأييد الدولي الذي يحظى به والإقرار بشرعيته الرئاسية.

وليس في الإمكان, كما تشير معطيات سير المعارك, ضمان أن ينقلب الوضع على الأرض لمصلحة قوات هادي خلال وقت قصير, إذ أن هذا التحول يتطلب الاستمرار في استنزاف قوات صالح والحوثي فترة طويلة بالتزامن مع ضرب أي إمدادات متجهة إلى جبهات القتال.

ثم إن إحدى معضلات الحوار المتوقع انعقاده تنبع من أن الفريق المساعد للرئيس هادي, الذي ثبتت أدوار سلبية له خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل (2013- 2014) وأدار بعض القضايا بنهج تآمري والتفافي هو نفسه الفريق الذي يتولى التحضير لحوار الرياض, فضلاً عن أنه يتألف من سياسيين يفتقرون إلى الخبرة السياسية الكافية لإدارة قضايا كبيرة ومصيرية.

على أن أي أهداف غير واضحة للحوار المرتقب ستحوله إلى مجرد مهرجان سياسي اعتباطي لتأكيد أن كلمة الرئيس هادي مسموعة لدى الرياض فحسب.

وتشي طبيعة مؤتمر الحوار الذي يضم 250 عضواً وينفض بعد يومين من انعقاده بأن وظيفته الأساسية تتجه لإسباغ الإجماع على اتجاهات جاهزة للتعامل مع ملفات مختلفة أكثر مما هو حوار لتقرير رؤية مرحلية.

كل هذه الملاحظات الفنية تأتي, بالطبع, خلف مخاوف أساسية قد  يفضي إليها هذا الحوار لعل أبرزها أن انتظام هذا العدد الكبير من الأعضاء فيه, سيحصره في إحدى حالتين: إما أن يتحول إلى مهرجان استعراضي لا صلة له بما سيتقرر باسمه أو أن المنظمين له يخططون لأن يفضي إلى مقررات قد تنسخ نتائج مؤتمر الحوار الوطني, أو إرجاء تطبيق نتائج الحوار الوطني مرحليا.

كذلك, لن يكون مستبعداً, في إطار الاحتمالات السيئة, أن يقود الحوار المنتظر إلى اتفاق يحمل سمات الاتفاقات التاريخية التي أبرمتها السعودية كاتفاق الطائف الذي رسم للقوى اللبنانية حصصها وسقف حركتها السياسية على أساس طائفي.

وإلحاقاً بمسألة الحوار, تتواصل موجة إعلانات من رجالات صالح, مؤيدة لشرعية الرئيس هادي واللحاق به في الرياض في نسخة مكررة من موجة الالتحاق بثورة فبراير الشعبية في  2011.

لا يتعدى هذا التصرف من رجالات صالح خطة نجاة شبيهة بتلك التي اختطها رجالاته السابقون الذين التحقوا بثورة فبراير الشعبية عام 2011 مع أنها اندلعت وهي تضع إسقاطهم ضمن صميم أهدافها.

والآن, لا يختلف الأمر كثيراً باستثناء أن دفعة جديدة من رجالات صالح تقتفي خطى سابقتها التي فطنت لهذا التدبير في 2011 وأعادت إنتاج نفسها وتبييض صفحات ماضيها.

لا جدوى في أن يحتشد هؤلاء حول هادي في الرياض, معلنين ولاءهم لشرعيته فيما كان خليقاً بهم مساعدته طيلة أعوامه الثلاثة التي قضاها رئيساً في صنعاء بدل القدح في شرعيته آنذاك.

 

وبالتزامن مع التصعيد السياسي الذي يراد لحوار الرياض إحداثه, تنذر التطورات الميدانية بأن الموقف ينحدر إلى الأسوأ بعد سيطرة قوات الحوثي وصالح على مدينة التواهي آخر معاقل القوات الشعبية في عدن ومقتل عشرات المدنيين الذين كانوا يهمون بالفرار على متن مركب قبل أن تقصفه القوات المهاجمة.

أعطى هذا التطور حجة لإدارة هادي كي تناشد المجتمع الدولي التدخل بقوات برية لإنقاذ السكان من هجمات قوات صالح والحوثي في رسالة من سفير اليمن في الأمم المتحدة خالد اليماني إلى مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء.

وسبق أن طلب هادي تدخل القوات الخليجية بقيادة السعودية في مارس الماضي حين شارفت التحضيرات لعملية "عاصفة الحزم" على الاكتمال. وربما يتكرر الأمر بشأن طلب التدخل الدولي.

يزيد من احتمال تدخل دولي بري, سقوط قذائف الحوثيين يومي الثلاثاء والأربعاء في مدينة نجران, مما أوقع نحو خمسة أشخاص بينهم ضابط أمن على الأقل وإصابة 11 آخرين وفق الإحصائية السعودية الرسمية, فضلاً عن تسبب القصف الحوثي بإغلاق المدارس ووقف حركة الطيران المدني.

شن هجمات داخل الأراضي السعودية هو ما قد يضطر جيش المملكة إلى خوض قتال بري لمواجهة قوات الحوثيين في الأراضي اليمنية المتاخمة للحدود.

وربما تجد المملكة ضالتها في الهجمات الحوثية الأخيرة لتحقيق رغبة قديمة تعود إلى 2009 بفرض منطقة حدودية معزولة داخل الأراضي اليمنية بطول 20 كيلومتراً لضمان عدم وصول قذائف وصواريخ إلى أراضيها.

أما في الداخل اليمني فقد استعاضت السعودية عن خوض عمليات برية بتدريب أعداد كبيرة من الأفراد اليمنيين وبدأت الدفع بهم إلى جبهات القتال في مارب وعدن.

وكانت هذه الخطة متوقعة من الجيش السعودي الذي يتحاشى خوض حرب برية قد تضعه في حرج أمام قوات الحوثيين وصالح لأسباب متعددة, منها أنه لم يسبق له أن خاض حرباً برية باستثناء مواجهات محدودة مع الحوثيين عام 2009 في المناطق الحدودية وذلك مقارنة بأحد عشر عاماً قضاها الحوثيون في حروب متواصلة, إضافة إلى أن قوات صالح بدأت مشاركة الحوثيين في حروبهم منذ اندلاع المعارك في محافظة عمران مطلع 2014.

حتى إذا لم يكن هذا هو المانع فلم يكن الجيش السعودي ليخوض قتالاً برياً مع استعداد القوات الشعبية اليمنية المحتاجة إلى تدريب وتسليح جيدين فقط, فيما سيقتصر إسهامه هو على عمليات محدودة ونوعية, تتطلب كفاءة لا تتوافر عليها القوات الشعبية, وكذا عمليات إمداد لوجستية وتهيئة مسرح العمليات وتقديم مشورات عملياتية.

لكن إذا تدخلت قوات دولية, فسيعطي ذلك فرصة للجيش السعودي لينخرط على نحو أوسع في القتال البري.

الأحد الماضي, شرع مجندون يمنيون تلقوا تدريبات في السعودية في القتال إلى جانب المسلحين الشعبيين داخل مدينة عدن, بعد أقل من أسبوع على الدفع بنحو 300 من رجال القبائل تدربوا في السعودية إلى جبهة صرواح للقتال ضد قوات الحوثيين وصالح وفق ما نقلته وكالة رويترز عن مصدر يمني في الرياض.

وفي حال أثبتت هذه القوات كفاءتها واستطاعت إحراز نتائج ميدانية جيدة فستبني خياراً ملائماً ومأموناً من الناحيتين الوطنية والعسكرية ومن الممكن استنساخه على نحو أكثر شمولا.

يبقى الاستغراق في الترتيبات العسكرية والاستشرافات السياسية مع الاستمرار في إغفال معالجة الوضع الإنساني المنهار ضرباً من البحث عن وسائل لدفع القتل السريع عن اليمنيين وتركهم يصارعون الموت البطيء في الوقت ذاته.

فمع تشديد الحظر الشامل وعرقلة وصول المساعدات الإغاثية, تعيش البلاد وضعاً مأساوياً فريداً, لم تتسبب به أسوأ النزاعات المسلحة في العالم, إذ تبدو هذه الحرب واحدة من الحروب النادرة التي تجري داخل نطاق جغرافي مغلق من البر والبحر والجو ما يمنع إنعاش مظاهر الحياة التي تتبدد يومياً, معيدة بذلك تصميم خارطة البلاد كمعسكر اعتقال كبير, يتطاحن فيه الأعداء مرتهنين ملايين المدنيين بين خطوط النار.

يذرع الناس الشوارع كالهائمين من شدة القنوط بعدما بات الحصول على مقعد في وسائل المواصلات حلماً عزيزاً, وتسدل الليالي المتعاقبة ظلامها على المدن فتحيل أفقها إلى قطعة شاسعة من السواد وما من مصباح إنارة واحد ليجلو هذا الغسق الطويل.

 

قراءة 2186 مرات

من أحدث