طباعة

الفقيد أبو ماجد يزرع الوطن فـي حناياه ويغادر!

الأربعاء, 03 حزيران/يونيو 2015 20:42 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

غادر دنيانا الفانية يوم السبت 30 مايو 2015 الشخصية الوطنية والقائد السياسي الجنوبي، مربي الآلاف من النشطاء السياسيين الجنوبيين منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي الفقيد حسين عوض عبد القوي السعيدي اليزيدي، هذا الرجل الذي حمل الوطن بين ظلوعه حياً وميتاً.

كان خبر وفاة الفقيد «أبو ماجد» صاعقاً مزلزلاً، فحسين عوض ترك فراغاً لا يغطى، وشكلت وفاته خسارة لا تعوض، إذ كان الفقيد شخصية اجتماعية سياسية متعددة القدرات كثيرة الحضور في الأفراح والأتراح، في المحافل الاجتماعية والفعاليات السياسية وفي المناسبات الشخصية والعائلية لكل من تعرف عليه، ولا يوجد من يعرف حسين عوض إلا وخسر بغيابه خسارة فادحة لا يمكن استرجاعها، لأن الرجل كان يعطي كل ما يقدر أن يعطيه لغيره دون أن يأخذ أو ينتظر مكافأة من أحد، وعندما كان الشكر هو المكافأة الوحيدة التي يتلقاها كان يعتذر بتواضع شديد مصوراً أنه لم يفعل غير الواجب.

تعرفت على الفقيد الوطني الكبير حسين عوض  في العام 1970 في أول حضور لي في اجتماع تنظيمي موسع يعقد على مستوى مركز القارة الذي كان اسمه المركز الثاني، كجزء من مديرية يافع التي كان اسمها المديرية الغربية وكانت تضم آنذاك مديريات يافع السبع والتي كانت إحدى مديريات محافظة أبين الأربع التي كانت تسمى المحافظة الثالثة،... مديريات يافع السبع الموزعة اليوم بين محافظتي لحج وأبين، واستمعت منه مع مئات الحاضرين الى كلام جديد أستمع إليه لأول مرة من قائد سياسي محنك يمتلك ثقافة سياسية رفيعة وقدرة عالية على الإقناع ودماثة خلق في تقبل الملاحظات وتصحيح الاخطاء بابتسامته الصادقة التي لم تكن تفارق محياه حتى في لحظات الضيق والأسى،... كنت حينها أستعد لبلوغ سن الرشد، لكنني كنت قد دخلت السياسة مبكراً وعمري بين الخامسة عشرة والسادسة عشرة، وكان حسين عوض أحد القادة البارزين الذين تركوا أثراً لا يمحى في ذاكرتي ظل وما يزال يصاحبني ويكبر معي كلما تقدم بي العمر.

منذ ذلك اليوم صار الفقيد وعدد من المناضلين الذين قابلتهم كالشهيد ثابت عبد رحمه الله، والأستاذ المربي محمد علي ناصر الجبيري والمربي القاضي زيد حنش عبدالله أطال الله في عمريهما من الذين اعتبرت كلاً منهم مثلاً أعلى أسعى إلى تقمص شخصياتهم كلما مر بي موقف عصيب أو سؤال فكري معقد أو لحظة سياسية شائكة أو محنة شخصية.

كان الفقيد حسين عوض يجمع بين خصائص قلَّما تجتمع في شخص واحد، فهو يتمتع بعمق الوعي السياسي مقابل التواضع وعدم التعالي على من هو دونه ثقافة ومعرفة، وهو يمتلك خبرة سياسية لكنه لا يستغني عن الاستماع لغيره من الساسة والاستنارة بآرائهم، وهو يتبوأ المواقع القيادية السياسية لكنه يغادرها بهدوء بل وبطلب منه أحياناً، وهو يناضل بثبات ومثابرة ونكران ذات دون أن ينتظر مكافأة من أحد فرداً كان أو جماعة.

تولى الفقيد قيادة العمل الحزبي في المديرية الغربية محافظة أبين منذ نهاية ستينيات القرن الماضي وتدرج في المراتب المختلفة في محافظتي أبين ولحج. فبعد فصل مديرية يافع وتوزيعها بين محافظتي لحج وأبين في العام 1980  صار مسؤولاً تنظيمياً لمديرية يافع / لحج، ثم سكرتيراً ثانياً لمنظمة الحزب في أبين منذ العام 1987 واستمر كذلك حتى العام 1993 حيث ترقى ليصبح السكرتير الأول للمنظمة نفسها، حتى العام 2005، وكان آخر موقع شغله هو عضوية اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي في المؤتمرين الرابع والخامس  منذ العام 2000 حتى يوم وفاته رحمة الله عليه.

لم يصب الفقيد بالخيبة والانكسار، ولم تؤثر على معنوياته عجرفات المنتصرين الزائفة ومسالكهم الاستفزازية المكتظة بالغرور والعدائية للشرفاء من أمثال الفقيد، كما لم تثنه الملاحقات وسياسات التضييق والعقاب المادي والاستيلاء على منزله في أبين وحرمانه من مستحقاته القانونية عن التمسك بقيم العزة والشرف والحرية والكرامة ومقاومة الظلم والانحياز الى ضحايا التهميش والتمييز، بل لقد ظل ثابتاً على الحق متمسكاً بخيارات الحرية والعدالة، قوياً متماسكاً مؤمناً بحتمية زوال الباطل وانتصار الحق، شجاعاً ولكنه بسيط، أبياً لكنه متواضع، عفيفاً لكنه مخلص ومتفانٍ من أجل الوطن والمواطن.

ومع انطلاقة الثورة السلمية الجنوبية في العام 2007 كان الفقيد دائماً في الصفوف الأولى للفعاليات الاحتجاجية السلمية، بل كان يحشد الناس للمساهمة في كل عمل سلمي ويستخدم حب الناس له لجذبهم إلى التمسك بعدالة القضية الجنوبية واستطاع بذلك تجنيد الآلاف ليصبحوا أنصاراً للثورة الجنوبية ونهجها السلمي، وقد نال نصيبه من الملاحقة والتضييق والاعتقال لمرات عدة بسبب نشاطه السياسي، وعانى الكثير بسبب شجاعته ونقائه وصدقه وانتمائه الى الحراك السلمي الجنوبي وانحيازه إلى صف الضحايا والمظلومين، ولكن في كل مرة كان يخرج أقوى إرادة وأشد تماسكاً وأنظف يداً وأنقى ضميراً وسمعة.

ما تزال بصمات الفقيد حسين عوض حاضرة تزكو بعبقها  وتتناسل بأثرها من خلال آلاف التلاميذ السياسيين الذين تأثروا بشخصيته الجاذبة وسلوكه المتميز وسمعته العطرة وقيمه الأخلاقية الرفيعة واختطوا طريقه واغترفوا من معارفه وساروا وما يزالون على دربه الواعى الطويل الممتلئ بالمنحنيات والتعرجات لكنها مصحوبة بالثبات ورسوخ القناعة ونقاء النوايا وصفاء الضمائر ووضوح الأهداف.

عانى الفقيد حسين من العديد من الأمراض وتغلب على بعضها بالعديد من العمليات الجراحية، فقد عانى من التهابات في الوركين ومتاعب في القلب وارتفاع في الضغط والسكر وآلام في الكلى، وفي كل مرة كان يتغلب على آلامه بالعلاج تارة وبالصبر والتفاؤل تارة أخرى.... قال لي ابنه ماجد عندما اتصلت به للتعزية بأنه عرض على أبيه السفر إلى أي بلد للعلاج لكنه كان دائماً يرد بأنه لن يغادر عدن وهي تحت الحصار ولن يسافر وبقية الجرحى والمصابين يتألمون فلا يجدون من يعالجهم، وكما نعلم فإن الكثير من الوفيات في عدن والضالع وغيرهما من المناطق المحاصرة من قبل ميليشيات الحوافش سببها غياب الرعاية الصحية واختفاء الأدوية التي نهبتها الميليشيات وتدمير المنشآت الطبية مما ضاعف من حالات الوفيات بين أصحاب الأمراض المستعصية وما حسين إلا واحد من هؤلاء.

إنني بهذا المصاب الجلل أعزي نفسي وأعزي الشاب ماجد حسين عوض وإخوانه وأخواته ووالدتهم العزيزة، والاخوة عبدالقوي ومحسن ومحمد عوض عبدالقوي وأولادهم والأخوين علي وحسين محمد عبدالرحمن وأولادهم وأفراد أسرهم كافة، وكل آل السعيدي واليزيدي عموماً. كما أعزي الزملاء الدكتور عبدالرحمن عمر السقاف الأمين العام للحزب الاشتراكي ونوابه، ويحيى منصور أبو إصبع رئيس اللجنة المركزية ونوابه، وكل أعضاء الأمانة العامة والمكتب السياسي، وكل قيادات وقواعد الحزب الاشتراكي في كل من لحج وعدن وأبين، وإلى كل نشطاء الثورة الجنوبية السلمية ومكوناتها السياسية. وأسأل الله العلي القدير أن يمنَّ علينا وعليهم وعلى أهل الفقيد وذويه وكل رفاقه وأحبابه وأصدقائه وتلاميذه ومريديه بالصبر والسلوان وأن يتغمد الفقيد بواسع المغفرة والرحمة والجنة والرضوان.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

قراءة 2366 مرات

من أحدث د.عيدروس نصر ناصر