طباعة

القوة والدبلوماسية لإحلال السلم

  • الاشتراكي نت/ خالد عبدالهادي

الخميس, 04 حزيران/يونيو 2015 19:20
قيم الموضوع
(0 أصوات)

بدا يوم الثلاثاء أن إدارة الرئيس عبدربه منصور هادي والجماعة الحوثية تقدما خطوة وئيدة باتجاه الجلوس على مائدة الحوار بعدما خضعتا لقدر متساوٍ من الضغط الأميركي.

الولايات المتحدة لا تريد للصراع المسلح أن يتعمق إلى حد الخروج عن السيطرة أو أن يتوسع ليشمل الإقليم كله, لأن من شأن ذلك أن يسهم فـي عرقلة استراتيجية الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس باراك أوباما الذي يركز على تطبيقها خلال ما تبقى من فترته الرئاسية الثانية.

تقضي استراتيجية «المحيط الهادئ» الأميركية بالتخفف من عبء مشكلات الشرق الأوسط والتركيز عوضاً عن ذلك على العمل مع دول جنوب شرق آسيا والبلدان الناهضة اقتصاديا لمزاحمة العملاق الصيني الصاعد واحتوائه من جهة وتعزيز فرص الاقتصاد الأميركي من جهة أخرى.

ولقد تجلى عزوف الولايات المتحدة عن الانغماس في مشكلات المنطقة في مناسبات مختلفة, ولم تعد تخوض فيها إلا للضرورة القصوى أو في القضايا التي تمس مصالحها مباشرة.

في حال اندلعت حرب إقليمية شاملة فإنها تضع الولايات المتحدة أمام خيارين صعبين فإما أن تفي بتعهداتها لحgفائها الخليجيين بحماية أمنهم وخوض حرب إلى جانبهم وهذا يعني تورط أميركي في حرب خارجية, استندت حملة أوباما الانتخابية في 2012 إلى عدم التورط مجدداً فيها, فضلاً عن أن الاتفاق النووي مع طهران من شأنه إعادة ترتيب الأولويات الأميركية في المنطقة.

وإما أن تدير الولايات المتحدة ظهرها لحلفائها النفطيين فتخسر بذلك منطقة نفوذ تاريخية طوع إرادتها وخزينة تمويل لطالما عصرت منها الأموال.

لكن في وسع الدبلوماسية الأميركية لجم سعار الحرب قبل الوصول إلى هذه الاحتمالات وبما يبقيها تحت السيطرة, ولذلك تنهج إدارة أوباما سياسة توازن في تعاملها مع الصراع المحتدم بين ممالك الخليج وإيران.

ففي قمة كامب ديفيد بين أوباما والقادة الخليجين في مايو الماضي, اكتفت الإدارة الأميركية بتأكيد تعهدها بالدفاع عن حلفائها, ووعدت بتزويد جيوشهم بأنظمة دفاع جوي متطورة. وفي المقابل, أجرت مباحثات مع الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بغية التوصل إلى حل سياسي للصراع العنيف بينهما على الرقعة اليمنية.

هي أيضاً لم تستخدم دبلوماسيتها من أجل دفع أطراف الحرب إلى الحوار إلا بعد مضي فترة, تعرض خلالها الجزء الأكبر من قوة الحوثيين وصالح للتدمير.

ونقلت وكالات الأنباء عن المتحدثة باسم الخارجية الأميركية ماري هارف يوم الثلاثاء قولها إن مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى آن باترسون التقت في سلطنة عمان ممثلين لأطراف معنيين بالصراع في اليمن «بينهم ممثلون للحوثيين» في مسعى لإقناع الأطراف بالاشتراك في مؤتمر حوار متوقع عقده في جنيف.

أضافت هارف أن باترسون اجتمعت بالرئيس هادي ومسؤولين كبار في الرياض, وانتقلت إلى الأردن في إطار هذا التحرك الأميركي لحمل الأطراف المتنازعة على الانتظام في محادثات جنيف.

في اليوم ذاته, صرحت حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي بموافقتها على الذهاب إلى محادثات جنيف التي كانت رفضت الاشتراك فيها قبل إرغام المجتمع الدولي للحوثيين على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216 الأمر الذي أحبط عقد تلك المحادثات في موعدها الذي كان مقرراً يوم 28 مايو الماضي.

وهكذا, لان موقفا حكومة هادي والجماعة الحوثية بعد اجتماعهما بالأميركيين, فتراجعت الأولى عن شرطها المسبق للاشتراك في الحوار وتراجعت الثانية عن شرطها بوقف الضربات الجوية المتواصلة من مقاتلات التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية.

في السياق ذاته, أيد مجلس الأمن في اجتماعه يوم الثلاثاء دعوة من أمين عام الأمم المتحدة إلى هدنة إنسانية ثانية لإيصال المساعدات إلى المدنيين على نحو عاجل.

مجرد الموافقة على حضور مؤتمر جنيف لن يكون كافياً لوضع صيغة سلام دائم ما لم يبدِ المجتمع الدولي مزيداً من الصرامة تجاه طرفي الحرب أو تشتد وطأة القوة الرادعة على تحالف الحرب.

ولا نظير يكافئ كل فظائع القتل والدمار التي استباحت البلاد غير إحلال سلام دائم وإن بواسطة الوسائل الاضطرارية التي فرضت السلم في نهاية المطاف على مدى حقب طويلة من تاريخ الأمم.

والوقت الذي يمكن لعلي عبدالله صالح وعبدالملك الحوثي أن يفكرا فيه بإلقاء السلاح هو حين تبدأ الخسائر المادية والبشرية تلحق بالجزء الأغلى من مصالحهما الخاصة ومساعديهما المقربين. وهذا لـمَّا يحدث بعد.

لذلك قد يكون من التدابير المساعدة في وضع حد للصراع الدامي أن تطال كلفة الحرب مستوى الرجلين الشخصي وبقدر مضاعف عما يطال ملايين الخائفين والنازحين والمحزونين كي يفكرا قسراً بالتخلي عن خيار الحرب ويستيقنا أن كلفة الحرب التي أشعلاها جد باهظة وموجعة فيرتدعان عن مواصلة هذا السلوك المدمر.

ومهما كان مصدر القنابل المنهمرة على مستودعات جيش علي صالح والحوثي, والغرض منها فالأهم هو ما تحدثه من تحطيم لقوة هذا التحالف ثم قدرة طبقات الشعب وفئاته الاجتماعية على تكييف الغاية من تدمير تلك القوة العادية لمصلحتها في حال نهضت بمسؤوليتها كما ينبغي في هذا الصراع واتحدت من أجل صناعة مستقبل جدير بتضحياتها وبشعبها التواق إلى حياة لائقة بين شعوب العالم.

هذا المذهب يقود بالضرورة إلى موقف القوى السياسية التي بدلاً عن أن تكون في قلب الصراع بأفق وطني وعلى طريقتها السليمة, قصرت كل إسهامها في الصراع على الدعوة إلى وقف الحرب.

مع سلامة هذه الدعوات وإيجابيتها, غير أن دافعها أخلاقي بحت كباقي الدعوات الصادرة من أفراد حالمين أو روابط إنسانية وأدبية, فيما ليس خليقاً بالأحزاب السياسية التي في صلب وظائفها خوض الصراعات بأشكالها المختلفة أن تركن الآن إلى الوعظ ثم الفرجة على الصراع الدائر بين باقي القوى.

الأحزاب والمنظمات السياسية لم تنشأ لتنافس المسيحية في الوعظ بالمحبة والتآخي بل لتكون في قلب الصراع الاجتماعي والسياسي وتقوده.

تبين الجغرافيا التي تدور فيها الحرب الآن كيف أن من السهل إسباغ صبغة طائفية وجهوية عليها بمجرد توجيه الخطاب في هذا الاتجاه.

 ففي الوقت الذي حمل مواطنو المحافظات في جنوب البلاد ووسطها السلاح للدفاع عن مناطقهم وصد من يرونه غازياً أغار عليها من أقصى الشمال, يحظى هذا المغير بالحفاوة لدى قسم واسع من مواطني مناطق الشمال تدفع العائلات بشبانها ورجالها للقتال في صفوفه مع خلع لقب البطولة على قائدي التحالف الذي يشن هذه الحرب.

ومع أن الحرب ذات جذر سياسي, يهدف بها صالح والحوثي إلى السيطرة على السلطة وإخضاع المناطق والقوى المقاومة لهذه الرغبة, لكنها تتخذ وجهاً طائفياً جهوياً, رغماً عن طبيعتها الأصلية نتيجة تموضع كتل المواطنين منها واحتشاداتهم المكانية والمذهبية على جبهتيها.

كلما طال أمد الحرب, اكتست طابعاً أشد تعصباً وأضيق في عموميتها, المر الذي يصعب من إمكانية وقفها.

(نقلاً عن «الثوري»)

قراءة 2850 مرات آخر تعديل على الخميس, 04 حزيران/يونيو 2015 20:14

من أحدث