طباعة

أي كائن هو آخر القتلة؟! "شعر"

الخميس, 18 حزيران/يونيو 2015 23:50 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

- 1 -

الليل يهبطُ

كل ثانية زماناً من رحيل في العذاب.

الصمتُ سجنٌ ناهض الأسوار ملتف على وجه المدينة.

والرعب يقتحم الشوارع وهي تبكي بالغبار.

وعلى النفوس، على انهيار الكون في الغسق الذي لا ينتهي...

وجلاء تضطرب النفوس.

 

هذا ارتدادٌ مفزعٌ للَّيل يا قلب المغني

لُذْ بالشجا

فشناعةُ الطوفان تجتاحُ الجميع

والحزن يهبط أخرسا.

ردِّدْ تراتيل انغماسك في الأسى

وزفير روح مدينة تهوي إلى الأعماق مثخنةً، وناسٍ في القرارة يرزحون

الجوع جلاد يعلقهم على سقف السكينة والسواد.

 

خُذْ من نياط القلب أوتاراً

مدينتنا معبأة بذعر لا يُحَدُّ

والخلقُ مقسوم إلى قسمين:

جلادون يلتهمون في شرهٍ ثمار الجنتين،

ومكبلون بفاقةٍ تفضي لمسغبةٍ

نعاج في فلاة من ذئاب.

 

غنِّ

 لعلّك تبعث الموتى!

لعل الأفقَ يشرب فيض هذا الليل

أو ينخطُّ نبعٌ من شفق!

أنا مثخن يا صاحبي

أنا في انهيار الكون خيط من أرقْ

وأنا وأنت وهُمْ على الجنبات أسمال مزقْ.

 

أقسى من الليل الذي ولَّى

هو الليل الذي يأتي

وأرحم من تضورنا الغرقْ.

 

- 2 -

الأرض سيَّجها الأنين

ونحن نسغ في الشفقْ.

 

هلاَّ أحلتَ وجيبَ هذا القلب ألحاناً

وحشرجةَ النفوس قصائد لا تستقرُّ! وهل...؟

هلاَّ ابتكرت لنا ابتداءً لا يغال

ولا يفاجئه الغسق!

 

- 3 -

كانت ينابيع مدينتنا... وكانْ

وجهُ الصباح على بساط سندسيٍّ يطبع الركعات...

كانْ

في كل شبر من شوارعها تُزفُّ بشارةٌ ويقوم قصر للأمانْ

وملاعب الفتيان مترعة أناشيد ومفعمةً أغانْ

والشمس تعمر فوق هامتها سديماً لا يحول

وكل شبر مهرجانْ.

تفاحة مقسومة كانت

فجمّعها انهمار الورد في الياقوت منتشياً وزهو الأقحوانْ

واخضلَّ يابسُ كل ثانية من التاريخ بالعرق الجمانْ.

زهراً على جبهاتنا ارتسم الرصاصُ

وضاق بالعبق المكانْ.

فكيف يرتد المسا خسفاً

وتزدحم المسافة بالهوانْ!؟

مَنْ صادر الإعصار!؟

من أَسَرَ الصواعق في الزنود، من استباح الافتتانْ!؟

يا وجه هذا الصمت

من أعطى لهذا الغزو خاصرة الزمانْ!؟

 

- 4 -

حزن الخراب

يلتف كالإعصار حول القلب.

ألسنة الحريق

تشوي شغاف النفس.

من أين الطريق إلى القصيدة،

والعصر يرسم فوق بحر من رماد صورة النزف الذي لا ينتهي

والليل يلتهم التهاويم التي توحي لنا بالأبجدية!؟

من أين نخلص حين نغرق؟

إن هذا موسم الإدلاج في التيه الجديد.

نعتاد أن تنسدَّ في السفر المسالك

ويكحِّل الرمدُ المباغتُ كلَّ أحداق الهداة

نعتاد أن يجتاحنا الطوفانُ أسود

نعتاد فيه العوم أسيافاً من الألق المقدس

درجت معاولنا على الأسوار

والأسوار نعرفها وتعرفنا

فمن يأت لأعواد المشانق كي يسافر فوق ظهر الريح نحو الابتكار،

يستف قبل تجشم الإبحار من ودق المواجع

ثم يذهبْ في الشفقْ.

نعتادها، تعتادنا

ونُكرُّ فيها عنوةً

وتكرّ فينا غيلةً

ونخاتل الأيام حين تصير أغلالا

نحاصر في مجاعتها المجاعة باعتماد بطوننا حزما

وبعضاً من تراب مترع شربا

ونأكل من أمانينا لتتخَم في مآدبها المسافة...

لكن...

 لم يسبق لليل أن تفصّدَ عن جباه الصحب

أو القضبان من أسياف ركب ممعن الخطوات في درب موشّى بالنجيع.

ندري بأسرار المذابح حين تنطلق الذئاب وحين تعتكر البواسق

لكن...

أن يغتال عصفورٌ صباحاً كاملاً

ويصير حادي العيس سفاحاً

ومن أبقت قوافلنا جلاوزةً،

تغدو الظواهر فوق ما نعتاد

تلبسنا الفجيعة وهي أسمالاً، ونلبسها انهماراً في اكتشاف هُويّة الأشياء

نخرج من مقابرنا نشوراً مفزعاً

نأتي إلى عتبات هذا الإنهيار الفخم، نسأل حكمة الكهان من سبأ عن النبأ اليقين،

وكيف أن السد يأكله الخراب ولا يرى الكُهّان كُنْهَ الفأر!

كيف تفارق الجنّاتُ خضرتها وروعتها!

يباغتنا الغبار

فلا نرى إلا الغبار

وشناعةً تحتلُّ وجه الأفق

تُلحقه بعصر قاتل

 وبموكب في الأصل قاتلْ.

 

< صنعاء - 24/2/1992

قراءة 4793 مرات آخر تعديل على الجمعة, 19 حزيران/يونيو 2015 23:23