طباعة

سلامة اليمن وشعبه فوق كل اعتبار

الثلاثاء, 18 آب/أغسطس 2015 20:50 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

أشرنا في مقالنا السابق إلى مبادرة التجمع الوطني لمناضلي الثورة اليمنية (القدامى)، المؤرخة في 15 مايو 2015م، والتي قُدمت للحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، أثنا إعدادهما مشروعهما المشترك. ولم تخرج مبادرة التجمع في مضمونها عن المشروع المشترك، الذي جاء بصورة أكثر شمولاً وتفصيلاً، ووقَّعت عليه مع الحزبين المذكورين مكونات سياسية أخرى، هي التجمع الوحدوي اليمني واتحاد القوى الشعبية والتجمع الوطني لمناضلي الثورة. ونورد هنا نص المبادرة:

" بسم الله الرحمن الرحيم

مبادرة التجمع الوطني لمناضلي الثورة اليمنية، للخروج من حالة الحرب والعودة إلى الحوار اليمني ـ اليمني وبناء الدولة

على ضوء المشهد السياسي والعسكري شديد التعقيد، يرى التجمع الوطني لمناضلي الثورة اليمنية أن الخطوات التالية يمكن أن تسهم في الخروج من حالة الحرب الراهنة والعودة إلى طاولة الحوار اليمني ـ اليمني، كشرطين ضروريين لتحقيق التوافق الوطني والشروع في بناء الدولة اليمنية المدنية الحديثة: 

يتم وقف القصف الجوي الخارجي ووقف الإقتتال الداخلي في كل المناطق اليمنية والعودة إلى طاولة الحوار تحت إشراف الأمم المتحدة، في أية دولة محايدة، لم تشارك في الحرب الحالية، إذا كان استئناف الحوار في داخل اليمن متعذراً.

يُشكل المتحاورون الهيئات المؤقتة للدولة، بما فيها السلطة التشريعية والرئاسة ومجلس الوزراء، ويعاد النظر في موضوع الأقاليم وتعاد صياغة الدستور وتتم إجراءات إنزاله للاستفتاء الشعبي العام ويوضع قانون جديد للانتخابات على ضوء الدستور الجديد ويتم التوافق على تعيين لجنة انتخابات جديدة ويجري الإعداد للانتخابات البرلمانية وانتخاب رئيس للدولة، وفق النظام البرلماني، لاوفق النظام الرئاسي، الذي يوفر شروط الاستئثار بالسلطة والثروة وإفساد الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية. 

إلى جانب المهام السابقة، وبالتوازي معها، يوضع برنامج محدد ومزمَّن للمهام الإجرائية الأخرى، التي يجب أن تُنجز خلال المرحلة الإنتقالية:

إنسحاب جميع المليشيات المسلحة من كافة المدن والمحافظات، وتسليم المهام الأمنية إلى أجهزة الأمن المختصة، مع توفير مستلزمات نجاحها ـ إنسحاب اللجان الثورية من مؤسسات الدولة وتسليمها للأجهزة الإدارية المختصة ـ مباشرة إعادة بناء القوات المسلحة بناءً وطنياً جديداً، لايستثني منطقة ولا مكوناً إجتماعياً، مع وضع الأسس الضامنة لمهنيته وحياديته وعدم ولائه لأشخاص أو لمكونات إجتماعية أو سياسية، بل لليمن كل اليمن، ليكون مؤسسة وطنية كافلة لأمن اليمن واليمنيين جميعهم، دون تمييز ـ تسليم كل المليشيات السياسية والقبلية جميع أسلحتها الثقيلة والمتوسطة للقوات المسلحة الجديدة الضامنة لأمن الجميع. ويمكن في وقت لاحق تسليم الجميع، بمن فيهم المواطنون العاديون، تسليم أسلحتهم الخفيفة أيضاً، بعد أن يأمن الناس على أنفسهم، وتحوز القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والسلطة القضائية على ثقتهم، ويتأكدوا من حياديتها ومهنيتها ومن طابعها الوطني (أي من بنيتها الوطنية المجسدة للوطن اليمني كله، لامنطقة بعينها ولا أسرة ولا عشيرة ولا طائفة بمفردها) ويسود الأمن بوجودها جميع مناطق البلاد، بحيث تنتفي دواعي حمل السلاح بمختلف أحجامه.

 وضع ميثاق شرف تلتزم به جميع المكونات السياسية، يتضمن أهم المبادئ، التي يقوم عليها النظام السياسي والحياة السياسية في اليمن، وعلى رأسها الشراكة الوطنية والتبادل السلمي للسلطة عبر صناديق الإنتخابات ورفض العنف بكل أشكاله والمواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص أمام أبناء اليمن جميعهم وتأكيد الولاء للوطن وتجريم الولاء للخارج. كل هذا يُبنى على مخرجات الحوار الوطني، التي وضعها اليمنيون بأنفسهم، خارطة لمستقبلهم."

كان هذا هو نص مبادرة التجمع. ولكثرة المبادرات في الآونة الأخيرة، فقد الناس الإهتمام بها، لاسيما أنها صدرت جميعها عن مكونات وتجمعات لاحول لها ولا قوة، ولا يُسمع صوتها وسط ضجيح آلات القتل والتدمير. فما تقوله وماتكتبه يبدو، كما ذكرت في مقال سابق "أشبه بالمواعظ، التي يلقيها خطباء المساجد، وينتهي تأثيرها لدى المصلين، قبل أن يغادروا المسجد". ولهذا فإن المشروع المشترك، الذي وضعه الحزب الإشتراكي والتنظيم الوحدوي الناصري ووقَّعت عليه بعض المكونات السياسية، يشكل خطوة على الطريق الصحيح، باتجاه تكوين تحالف مدني عريض، يمكن سماع صوته، يضم مكونات سياسية واجتماعية لايمتلك أي منها مليشيات ولا أذرعاً عسكرية، مما يؤهله للعب دور مهم ومقبول من جميع الأطراف المسلحة، في إيقاف العمليات العسكرية والعودة إلى طاولة الحوار والتمسك بالخيار السلمي، لإنهاء المحنة والشروع في بناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة. وهذا هو المغزى من وراء إنشاء هذا التحالف.

 ولعل آلية التنفيذ هي أبرز مايميز هذا المشروع عن غيره من المبادرات. فهناك اتفاق عام في كل المبادرات على ضرورة وقف الحرب الداخلية والحرب التي يشنها الخارج، ورفع الحصار المضروب على اليمن وانسحاب جميع المليشيات من المدن والمناطق المختلفة وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة. ولكن السؤال، الذي ما انفك يُطرح، هو: لمن يُسلَّم السلاح؟ فلا أحد سيطمئن لتسليم سلاحه لخصمه. وقد أجاب المشروع عن هذا السؤال، فحدد الجهة التي يمكن أن تتولى هذه المهمة، وهي: لجنة عسكرية أمنية، عربية ـ يمنية مشتركة، مشكلة من دول عربية محايدة وشخصيات عسكرية وطنية لم تكن طرفاً في الحرب، تعمل تحت إشراف الأمم المتحدة ومجلس الأمن والجامعة العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربي. وبالطبع لابد أن يؤول السلاح، الذي سينزع من كل الأطراف المتقاتلة، لابد أن يؤول إلى الجيش اليمني، بعد إعادة بنائه، بحيث يغدو جيشاً وطنياً محترفاً، يمثل اليمن كله، ويعلو فوق الصراعات السياسية والمناطقية والقبلية والفئوية والطائفية.

ولا شك في أن المجال سيبقى متاحاً للمكونات التي تتقاتل الآن، لتأخذ مكانها الطبيعي في الحراك السياسي كأحزاب مدنية، بعد تخلصها من أسلحتها ومن بنيتها ذات الطابع العسكري، فتتنافس ديمقراطياً وتتعارك بلغة السياسة بدلاً من لغة الرصاص. وسيكون هذا مفيداً للوطن كله. لأن بناء الدولة المدنية لايشترط اختفاء هذه المكونات أو إقصاءها، بل يشترط تحول بنيتها ومنهجها، من بنية مليشاوية ومنهج قتالي، إلى بنية حزبية مدنية ومنهج سياسي ديمقراطي سلمي. لتختفي بذلك كل المليشيات المسلحة، سواءً التابعة لمكونات سياسية أو التابعة لكيانات قبلية، وتحل محلها أحزاب سياسية مدنية. ويصبح المالك الوحيد للسلاح في اليمن هو الدولة، ممثلة بالقوات المسلحة والأمن العام. وبهذه الصورة يغدو المجتمع بمجموعه، ممثلاً بهاتين المؤسستين، هو المالك الحقيقي للسلاح. هنا سيشعر المواطن بأن الدولة بأجهزتها المختلفة هي الضامن القوي لأمن وسلامة الجميع. فيطمئن كلٌ على حياته وماله وكافة حقوقه. وتنتفي الحاجة إلى الملكية الخاصة للسلاح، بمختلف أحجامه، الثقيل والمتوسط، وحتى الخفيف.

الحلول إذاً ممكنة، إذا حَسُنت النوايا واتجه الجميع إلى الخيارات السلمية، واضعين سلامة اليمن وشعبه فوق كل اعتبار.   

قراءة 2517 مرات

من أحدث د. أحمد قايد الصايدي