طباعة

فقر الخيال الرئاسي

  • الاشتراكي نت/ تقرير وسام محمد

الأربعاء, 06 كانون2/يناير 2016 19:21
قيم الموضوع
(0 أصوات)

يقيم الرئيس عبدربه منصور هادي في مكان ما من مدينة عدن المضطربة، وما بين وقت وآخر يقوم ببعض الواجبات الضرورية كزيارة خاطفة لشارع ملتهب أو تقليد احدهم وساما، ولا أحد يعرف ان كان هو من يأمر بتحرير التعازي لأسر قيادات الدولة الذين يتساقطون يوميا أم أن مكتبه لا يزال يفطن لمثل هذه الأمور.

أمام الرئيس ما هو أكثر ليقوم به، فهو أصبح مطالبا بتوسيع مجال الرؤية لديه، والبدء بالاستعداد لما بعد فشل المفاوضات القائمة بين حكومته وتحالف الحوثي وصالح الانقلابي.

نتائج الجولتين السابقتين من المفاوضات، لم تقدما أي سبب يدعونا للتفاؤل أو الاعتقاد أن الحرب ستتوقف عما قريب بسبب نجاح هذه المفاوضات.

كان اهتمام اليمنيين الواسع بجولة المفاوضات الثانية والتي عقدت في سويسريا منتصف ديسمبر الماضي، قد مثل رغبة وأمل حقيقين في ان تضع الحرب أوزارها وايجاد طريقة لحل الاشكاليات القائمة، إلا ان الفشل المرير والذي كان سببه تصلب الانقلابين وضعف أداء وفد الشرعية، كان قد اصاب الجميع بخيبة أمل ستجعلهم لا يعولون على الجولة الثالثة التي تحدد موعدها منتصف هذا الشهر.

عدم اكتراث الشارع اليمني بجولة المفاوضات القادمة، سيكون قد تضاعف عقب خروج زعيم الحرب "صالح" ليصرح بأنه لن يذهب للحوار في أديس بابا (المكان الذي حددته الأمم المتحدة لانعقاد المفاوضات)، كما أنه لن يتفاوض مع السلطة الشرعية ممثلة بهادي، لأن الحوار الوحيد الذي سيذهب إليه سيكون مع المملكة العربية السعودية. بحسب تصريحه.

 وفيما يسعى صالح لإعادة تثبيت اقدامه في السلطة مستفيدا من عدم خبرة حليفه الحربي في ادارة الدولة وأيضا ضعف السلطة الشرعية وعدم قدرتها على التواجد الفعلي في ارض الواقع، هو أيضا كان قد حدد الجهة التي ستمنحه الشرعية ليصبح اللاعب الداخلي الأبرز.

وبغض النظر عن مدى قدرته على تحقيق هذه الرغبة من عدمها، فإن الرجل كان قد توصل الى نتيجة مفادها ان استمرار الحوار مع شرعية هادي لن يحقق له الأهداف المرجوة والتي يأتي في مقدمتها الغاء العقوبات الأممية بحقه وبحق نجله، وأمام هذا أراد البحث عن مسار بديل، بدأ فعلا في مغازلته.

 في المقابل تعرف السلطة الشرعية أن التفاوض مع الانقلابين لن يجدي سواء في الجولة الثالثة أو العاشرة، وهو الأمر الذي اصبح مسلما به في الشارع اليمني أيضا، ومع هذا لا يبدو أن الشرعية تعرف اين تضع خطوتها القادمة.

مهما استعرت الحرب فإن الجهود السياسية يجب ان تظل مرافقة، على الأقل لكي تبعث للشعب برسائل تعزز من ثقته بالشرعية. لكن هادي كان قد عزم خلال الأشهر الماضية على عدم التعامل مع اطراف العملية السياسية، وعندما وجد نفسه مجبرا، فضل التعامل مع اشخاص وقيادات في احزاب، لبحث أمور تتعلق بتسيير المعارك وليس للنقاش حول أمور سياسية. 

 انتقام أم أزمة شرعية؟

هادي ينتقم لكرامته التي جرحت في صنعاء بطريقته الخاصة ليس من الانقلابين ولكن من  أطراف العملية السياسية (شركاءه في السلطة)، ربما لأنها قبلت الدخول في حوار مع سلطة الانقلاب اثناء ما كان في منزله رهن الاقامة الجبرية، كما انه لا يريدهم ان يرثوا سلطته وقبض ثمن اجتراح تلك الكرامة. كل التفسيرات مهما بلغت درجة غرائبيتها أصبحت تمتلك قدر من الوجاهة. فهادي يحرص على تعزيز جو من عدم الانسجام بين اطراف العملية السياسية التي لم تتخلى عنه تماما لكنها لم تجد الدافع الذي سيحملها على مساندته بقوة، خصوصا وان الرئيس لا يزال يمارس نفس السياسات التي مارسها في الاشهر السابقة على سقوط صنعاء.

 ربما لأن هادي لم يخبر أمور السلطة بما يكفي، بدلا من اصلاح الأخطاء، سنجد أن الفرصة قد سنحت له مجددا لكي يغلب أمزجته الشخصية المتحررة من أي تبعات، وهو ما ظهر من خلال اصداره لقرارات وتعينات لا تساعد على فهم المقاصد بقدر ما تساعد على تعزيز الجو التنافري بين الفرقاء السياسيين.

 وحتى الآن لا يزال الرئيس هادي يبرع في اظهار مدى قدرته على عدم تقدير المخاطر وبقاءه ساكنا في قلب العاصفة. فمطلع هذا الأسبوع تقدمت مليشيا تحالف الانقلاب في جبهة الشريجة، وهي الجبهة التي تعد بمثابة بوابة لتحرير باقي الأراضي اليمنية، لكنها ظلت حتى هذه اللحظة بوابة الانقلابين لإعادة الكرة واحتلال عدن التي تقع على بعد بضع كيلو مترات.

 هناك ازمة ثقة توضحها السياسة التي تتبناها الشرعية وهي سياسة محاطة بكثير من التشكك والحذر، وأصبحت بدورها تنعكس كأزمة في الشرعية. أما السبب فيرجع إلى افتقاد هادي للمرونة الكافية في التعاطي مع الظروف الصعبة التي تمر بها البلد.

منذ عودته الى عدن قبل اكثر من شهرين لم يحدث تبدل ملموس يساعد على فهم المجرى الذي ستتخذه الأحداث في قادم الأيام، لم تجري الأمور بحسب ما كان يتوقع لها، ولم يتم اعادة بناء مؤسسات سيادية مثلا وسحب البساط بالتدريج من تحت يد سلطة الانقلاب، أما المحاولات الشحيحة في هذا الصدد فتظل أسيرة لبيروقراطية مفرطة في التعقيد، وتكمن الخشية أننا اصبحنا على بعد خطوة من مواجهة فراغ شبه كلي في السلطة. 

نحو مسار تفاوضي موزاي

 اما أن يكون هادي منتقما واما ان خياله الرئاسي بات بهذه الحدود الضيقة، على أن الارادة الاقليمية غير الخبيرة بتفاصيل الشأن اليمني لن تكون بمنأى عن الاتهام فأجندتها هي الأخرى لم تعد مفهومة ولم تعد مصالحها تتقاطع كثيرا مع مصالح الشعب اليمني، لذا سيكون على الرئيس هادي في هذه الحالة ان يجلب باقي القوى السياسية الى مجال الرؤية واشراكها في عملية تقرير مصير البلد.

ان الفشل المتتالي في القيام بأبسط مهام السلطة يؤدي الى تأكل الشرعية، بينما يمكن ترميم هذا التأكل ـ وهو الأمر الوحيد المتبقي ـ من خلال احتواء أطراف العملية السياسية والدخول معها في حوار مباشر من أجل تبني رؤية موحدة لمواجهة مختلف الاحتمالات. لدينا مثل هذا الأمل الشحيح وعلينا التمسك به.

 هذه الرؤية والتي نتوقع لها الفاعلية في مواجهة الانقلابين لأنها ستحشرهم في الزاوية، هي ايضا ستكتسب دور متعاظم في توحيد جهود المقاومة الشعبية على الأرض.

ان الاحزاب السياسية بوصفها مصدرا للشرعية التوافقية، معنية الى حد كبير في تحديد الخيارات والبدائل في حال وصل الحوار مع سلطة الانقلاب الى أفق مسدود. شرعية هادي وقد اصبحت فعلية لا تكفي وحدها لمواجهة الأخطار المحدقة، كما يظل من المفيد ألا تحثه أي اعتبارات ملتبسة على التعامل مع المقاومة الشعبية كجزر معزولة وفصلها عن اللاعبين السياسيين. 

بدون ذلك سيكون على اطراف العمل السياسي والقوى الحية ان تبادر الى لملمة شتاتها واقامة سلطة موازية داعمة لخيار المقاومة وجاهزة لمسك زمام البلد بدلا من تركها تتسرب أمام اعينها.

قناة الاشتراكي نت على التليجرام

https://telegram.me/aleshterakiNet

 
قراءة 3901 مرات آخر تعديل على الأحد, 10 كانون2/يناير 2016 21:21

من أحدث