طباعة

داخل ذهنية الربيب المنبوذ

  • الاشتراكي نت/ خالد عبدالهادي

الخميس, 14 كانون2/يناير 2016 18:24
قيم الموضوع
(0 أصوات)

لكم كان لاذعاً سماع الرئيس المعزول علي عبدالله صالح  يمرن لسانه على أن ينطلق في ذم آل سعود فيعود هذا اللسان الذي لهج بتعظيمهم ردحاً طويلاً إلى غريزته, ناطقاً ألاً "خلاف مع النظام السعودي".

ربما يكون هذا الملمح كفؤاً على نحو خاص في تصوير اقتحام الرئيس السابق لساحة معارضي الأسرة السعودية الحاكمة, إذ مهما أرعد في تحديها وتصوير نفسه قطباً وطنياً جديداً في مجابهة نفوذها فلا يزيد الأمر برمته عن انقلاب زائف من ربيب المملكة السابق.

فلكي يعتلي صالح منصة مناهضة التدخل السعودي التاريخي في الشأن اليمني, يتعين عليه أولاً أن يطالع في اللوح المشتمل على أسماء الذين أسكتهم نظامه إلى الأبد حين كانوا يرفعون أصواتهم بالمعارضة للسعودية وكان هو رجل المملكة الخليص في بلاده.

أما أن يطل الرجل أسبوعياً للتبشير بأنه يحرز تقدماً في تعلم الجرأة على مهاجمة رعاة نظامه السابق فلا يبعث إلا على غير مزيد من التشكيك في ادعائه ثم تحديه أن يقبل, جاداً, على نزع جلد العميل الذي يلتصق بعظامه, لكنه يحتاج إلى معجزة كي لا يتعثر بماضيه في منقلبه الجديد.

وهو لا يهتم للصورة التي سيبدو عليها في الداخل كمعارض للسعودية بعدما تجاوز عامه السبعين, إذ منتهى غايته في خطابيه الأخيرين أن يغوي الأمراء السعوديين ويثنيهم عن أن يضعوه في خانة واحدة مع حليفه عبدالملك الحوثي.

"نحن زيدية سنة ولسنا شيعة, إفهموا" هكذا هي محاولة واضحة منه للتمايز عن الجماعة الحوثية وزعيمها عبر إثارة المسألة الطائفية التي يظن أن السعوديين سينطربون لها, وهو ظن في غير محله, فالنظام السعودي الذي يبدو شغوفاً بالطائفية مستعد لدعم أشد خصومه الطائفيين حين يقترب الصراع من ملكه ومصالحه ولعل دعمه لأسلاف الحوثيين الذين أطاحتهم ثورة سبتمبر في 1962 برهان كاف.

صالح في هذا الإيضاح الذي اشتمل عليه خطابه الأخير يوم الجمعة الماضي يقدم نفسه للسعوديين كممثل للقبيلة ومتحدث باسمها مستخدماً الضمير "نحن" ويقدم الحوثيين على أنهم طائفة؛ وهذه الطائفة هي التي تشيعت, أما القبيلة فهي "زيدية, سنة" وعليكم أيها السعوديون ألا تخلطوا.

وحدود القبيلة هي الوطن الذي تعهد بأن خصومه الذين في عدن وبقية المحافظات المستعادة لن يعودوا إليه. ولطالما شكلت تلك الحدود وطن الرئيس السابق الذي حكم باسمه وفاخر به في مناسبات عدة.

كان "وطن" علي صالح المرسوم في خطابه الأخير واحدة من تدخلات اللاوعي الذي ضخ إلى الخطاب مخاوفه وهواجسه بجموح.

فهو يذكر السعوديين بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي دعموه ثم عادوا ليقتلوه وفق تعبيره, وما تمثيله بمصير صدام إلا هاجس مرعب مستقر في وعيه الباطني جراء اعتقاده أن حلفاءه السابقين يبيتون له مصيراً مشابهاً.

وما يزال صالح ملازماً لتناقضاته الصارخة التي بدأها في ديسمبر الماضي, فها هو يجدد استجداء النظام السعودي بشدق ويطلق من شدقه الآخر تحدياً مكابرا.

كلما تقلصت مساحة الجغرافيا الخاضعة لسلطة صنعاء المشتركة بين صالح والحوثي, يتفاقم المأزق النفسي عند الأول وتبدو أسوأ مخاوفه ممكنة التحقق فلا يتيح له هذا الوضع سوى الهرب إلى المايكرفون ليشارك أنصاره مخاوفه ويستمد من صيحاتهم التحميسية بعضاً من التماسك.

لكن في الوقت الذي يسترسل في بجاحة الوعيد ضد خصومه في عدن والرياض, يفصح ضمناً عن تصوره هو نفسه لحجم الدور الذي مازال في وسعه الإسهام به في مسار الصراع.

فقد نطقها مقلوبة هكذا "الشهادة أو النصر". ولعلها المرة الأولى التي يسمع فيها الناس من فم علي صالح هذه الجملة التقليدية التي لم ترد على مدى تاريخ الصراعات الحديثة إلا على ألسنة منظمات أو جماعات أو شخصيات تخوض صراعاً غير متكافئ ضد دول أو أحلاف قوية.

ولربما غدا هذا المصير يتراءى لصالح أكثر من أي وقت مضى, فيقض راحته ويطيش صوابه على ذلك النحو الذي بدا عليه أخيرا.

لذا, شرع الرجل في تهيئة نفسه لتقبل حقيقة أنه مقبل على قيادة القوة الأضعف في الصراع وأولى خطوات هذه التهيئة, رفع شعار "النصر أو الشهادة" مع فارق أن غالبية الحركات التي رفعته قاتلت خلف قضايا عادلة واهتدت بقيم لا سبيل البتة إلى مقارنتها بقيم شبكته.

في الواقع, لولا أن خطابات علي صالح الأخيرة بمنزلة مجس لحال نظام صنعاء لكان الخوض فيها تهافتاً عقلياً أو ضرباً من اللهو مع هيسيتريا بدرت من رجل جدير بالازدراء فقط  وبدت في لحظة ما مميزة, لأن منظومة إعلامية يملكها تولت الترويج لها.

إذن, ما الذي انحدر بالأمور إلى هذا الحد من الحرج عند نظام صنعاء كما تبدو في خطاب الرئيس السابق؟

راهن نظام صنعاء على الوقت ليتدبر لنفسه مخرجاً من الحرب التي أشعلها بقدر معقول من المكاسب التي كان حققها مطلع 2015 لكن لسوء حظه أن خصومه بنوا استراتيجيتهم في الحرب ضده على عامل الوقت أيضا.

وحين أخذ الرئيس المعزول يحس بانقلاب الوقت ضد خطته شرع في مخاطبة المملكة السعودية, ناثراً في ثنايا خطاباته مفردات مفتاحية لما يراها عروضاً سيقايض بها النظام السعودي مقابل وقف حملته العسكرية التي يروم منها القضاء على نظام صنعاء.

ضمن هذا السياق جاء خطابه الأخير بعد أقل من أسبوعين على خطاب له بمضمون مماثل.

وبدلاً من أن يتكفل مرور الوقت بخلق مخرج ملائم للنظام الانقلابي, غمسه عميقاً في وحل الحرب التي أضرم نارها كي يقضي على المنغصات التي حالت دون استوائه المريح على كرسي الحكم.

حركة الوقت تعمل في اتجاه عكسي لما انتظره الحاكمان في صنعاء, فكلما مضت إلى الأمام يفقدان مزيداً من الأرض والميزات التي ظلت تثبت أقدام مقاتليهما على الأرض منذ صيف 2014.

ففي نهاية الأسبوع الماضي انتزعت قوات الرئيس عبدربه منصور هادي المدعومة من الحلفاء العرب ميناء ميدي بعد معركة ضارية, كابدت فيها قوات نظام 21 سبتمبر خسائر بشرية كبيرة وفق روايات متعددة.

وفوق ما يشكله هذا الميناء الصغير من اتصال نادر للبر بالبحر في أقصى الشمال الغربي, فله ارتباط حميم بالحركة الحوثية التي اتخذته منفذاً رئيساً لتهريب السلاح إلى معقلها في صعدة وحازت مزيداً من العقارات والأراضي بالقرب منه.

سيجد الحوثيون الميناء خارج سيطرتهم لأول مرة منذ نمت قوتهم وتراجعت سيطرة الحكومة المركزية عليه قبل أعوام, مما سيدفعهم إلى القتال باستماتة من أجل استعادة السيطرة عليه. وهنا بالضبط تكون بؤرة استنزاف جديدة قد بدأت عملها.

وفي جبهة الشرق, أحرزت القوات الحكومية تقدماً في خطتها للسيطرة على جبال هيلان ذات الأهمية الكبيرة في التأثير على إيقاع المعارك في محاور قتال عدة في محافظتي مارب وصنعاء.

علاوة على أن اكتساب القوات الحكومية مواقع ثابتة في عمق معقل سلطة صنعاء يؤثر في قناعات كثيرين ينتظرون رجحان كفة إحدى قوتي الصراع لموالاتها فهي كذلك تشكل بؤر استنزاف دامية لقوات صالح والحوثي.

وإضافة إلى بؤرة ميدي الحديثة, هناك في منطقة نهم بؤرة استنزاف ملتهبة منذ ثلاثة أسابيع وثانية في حرض وأخرى هي الكبرى في مناطق الجوف.

كذلك احتدم القتال هذا الأسبوع في محافظة البيضاء بمشاركة عشرات المجندين الذين تلقوا تدريباً في معسكرات تابعة لقوات الحكومة.

وهذه المرة الأولى التي تشترك فيها القوات الحكومية في القتال ضد قوات حلف صنعاء في مناطق البيضاء التي بادر أهاليها إلى المقاومة المسلحة في خريف العام الماضي. ومن شأن هذا التطور أن يؤطر القتال هناك في عمل عسكري  منظم سيضاعف من وتيرة استنزاف قوات نظام 21 سبتمبر.

ومهما بدا تأثير تلك البؤر لا يرقى إلى تدمير قوة صالح والحوثي بضربة واحدة, غير أن استمراره كفيل باستنزافها وتشتيتها إلى حد كبير.

وهي لن تقتصر على وظيفة الاستنزاف, فمع تقادم الصراع سيكون في وسعها توسيع محيط سيطرتها, تدريجاً, حتى تتلاقى خطوط قتالها فتستعيد بذلك كامل الجغرافيا التي تنتشر في نقاط محدودة منها حاليا.

نقل العمليات العسكرية إلى الجغرافيا التي تشكل معقلاً تاريخياً وعملياً لصالح والحوثي يصيب معنوياتهما بالتداعي واليأس ويربك خططهما بما يعنيه من أن الحرب التي أرادا تسليطها على معارضيهما في مناطقهم قد ارتدت إلى الديار.

لهذا, لم يستنكفا إرسال وفديهما إلى محادثات جنيف الثانية منتصف ديسمبر الماضي لمًا كانت قواتهما تقاتل مهاجمة خارج الجغرافيا التي يحسبانها ضمن خصوصياتهما بكل ما عليها من تاريخ ومورد بشري وثروة.

لكن حين اجتازت القوات الحكومية والمقاومة الشعبية الحدود المرسومة داخل ذهنيتي صالح والحوثي بوصفها أرضاً محرمة, وشرعت في القتال داخلها ها إنهما عطلا الجولة الثالثة من محادثات السلام التي كان مقرراً انعقادها منتصف يناير الجاري.

ومذاك, بدأ عزف الرئيس المعزول على نغمة الحوار الحصري مع السعودية ورفضه مع قوى الداخل سعياً منه لكسر حلقة التوغل داخل معقله وحليفه الحوثي.

كان واضحاً من خطابيهما قبل ثلاثة أسابيع أن جولة المحادثات الثالثة صارت على المحك.

وليس مستبعداً أن يكون الوسيط الأممي إسماعيل ولد الشيخ الذي زار صنعاء مطلع الأسبوع قد سمع من مسؤولي نظام صنعاء الذين التقاهم مخاوف صالح وهواجسه ذاتها, لكن بلهجة مهذبة.

نقلا عن الثوري

للاشتراك في قناة الاشتراكي نت على التليجرام اضغط على الرابط التالي

https://telegram.me/aleshterakiNet

 
قراءة 4826 مرات آخر تعديل على السبت, 16 كانون2/يناير 2016 20:03

من أحدث