طباعة

لماذا 11 فبراير هو يوم انطلاق الثورة؟.. مقدمات الثورة وأسبوعها الأول

  • الاشتراكي نت/ تتبع ميداني: وسام محمد

الخميس, 11 شباط/فبراير 2016 18:49
قيم الموضوع
(0 أصوات)

مساء الجمعة 11 فبراير 2011، تحقق انتصار تاريخي آخر بتنحي مبارك عن السلطة بفعل ضغوط الثورة المصرية وبعد اسابيع من هروب رئيس تونس بن علي.

كان الخبر الذي اصغى له العالم، وابتهجت له شعوب كل البلدان العربية، لكنه ايضا الخبر الذي جعله اليمنيون فور سماعه، موعدا لانطلاق ثورتهم.

شهدت كل المدن اليمنية احتفالات ارتجالية، هتفت الجماهير لأجل مصر، ثم أخذت بدورها تهتف بتلك الصرخة التي زلزلت عروش المستبدين "الشعب يريد اسقاط النظام".

بعد عقود من الاستبداد والفقر وحياة هي بالنسبة لغالبية اليمنيين اشبه بالجحيم، جاء الموعد الذي سيقولون فيه كلمتهم ثم لن تتوقف ثور فبراير حتى بعد خمس سنوات من الازمات والحرب.

في الذكرى الخامسة لا تزال الثورة حاضرة في النفوس وخلف المتارس.

الخروج للشارع.. الخطوة الأبرز

العشرات من طلاب جامعة صنعاء، وناشطين من مختلف الاحزاب السياسية المعارضة، هؤلاء هم من يحق لنا القول انهم نواة ثورة فبراير.

في البداية كان خروجهم من أجل إقامة فعاليات مساندة لثورة تونس (ثورة الياسمين) وتسيير مظاهرات إلى أمام السفارة التونسية.

وخلال ايام تعرض عدد كبير المشاركين الذين يتقدمون المظاهرات اليومية للضرب والاعتقال.

لم تثنيهم الاعتداءات التي كان يقوم بها "بلاطجة" النظام واستمر هذا الخروج واتسع في وجه كل أساليب القمع وإثارة المناطقية كون اغلب من خرجوا هم من محافظات غير صنعاء.

سمع الجيل الشاب لأول مرة كلمة "برا غلة" تتردد على ألسنة أولئك الذين كانوا ينتظرونهم كل صباح، ترددت بشكل واضح وكانت بمثابة بسملة تقال قبل الشروع في كل اعتداء.

لكننا سمعنا ايضا عن بيان الثورة الأول الذي صدر عقب هروب الرئيس التونسي، وشعار "أرحلوا قبل ان ترحلوا". ذلك البيان اصدره القطاع الطلابي للحزب الاشتراكي في جامعة صنعاء.

في تعز كان مجموعة من الشباب قد بادروا لتأسيس حركة شبابية من أجل تنسيق الجهود قبل الخروج للشارع ضمت ناشطين حقوقيين، صحفيين، محامين وشباب وسميت الحركة بـ(شباب نحو التغيير "ارحل") كان أول خروج لها في  28 يناير 2011 إلى أمام مبنى المحافظة وهناك رددت الشعارات المؤيدة لثورة مصر وتونس وندد المشاركون فيها بسياسات نظام صالح وطالبوه بالرحيل.

في يوم 3 فبراير كان هناك مهرجان (هبة شعبية دعت لها احزاب اللقاء المشترك) في كل المحافظات الشعبية، وكان مسرح الهبة في تعز نفس المكان الذي سيعرف فيما بعد بساحة الحرية وكان شباب الحركة قد اتفقوا على المشاركة الفاعلة في هذا المهرجان والسعي إلى تحويله بعد ذلك إلى مظاهرة صوب مبنى المحافظة.

لكن المنظمين للمهرجان استشعروا ذلك المسعى فأعلنوا للجماهير المحتشدة أن التصريح الذي حصلوا عليه كان لاقامة مهرجان وليس لمظاهرة وأن عليهم التفرق دون الاستماع للأصوات التي تنادي بتحويل المهرجان إلى تظاهرة وكان عدد المطالبين بالتظاهر قد تزايد وتضاعف ولم يعد مطلب شباب الحركة فقط الذين حملوا صورة جيفارا ومكبر صوت.

بدلاً من خروج مظاهرة، خرجت عدة تظاهرت توزعت بحسب الأماكن التي تفرقت إليها الجماهير بينما شباب الحركة وهم بالعشرات اتجهوا نحو مبنى المحافظة بحسب ما كانوا قد خططوا في السابق.

على مقربة من مبنى محافظة تعز في منطقة حوض الأشراف، اعترض المتظاهرين أطفال يحملون صور صالح، وبدأوا يرشقون الجميع بالحجارة. كان عدد الأطفال يقارب عدد المتظاهرين، وأنظم اليهم سائقي للدرجات النارية يرفعون ذات الصور ويحاولون التحرش بالناشطات.

نجح هؤلاء في تفريق أول مظاهرة منظمة في مدينة الثورة "تعز"، لكن المشاركين فيها سيسمعون فيما بعد ان سائقي الدرجات النارية تظاهروا في نفس المكان مطالبين بالمستحقات التي وعدوا بها مقابل افشالهم للمظاهرة. وكانت المفارقة ان هؤلاء رددوا شعار "الشعب يريد اسقاط النظام" في وجه جنود الأمن الذين تم استدعوا لتفريقهم.

استمرت المظاهرات في صنعاء، وكانت الهبة الشعبية هناك والتي دعت لها احزاب المعارضة قد شهدت تجاوبا واسعا وخرجت مظاهرات حاشدة كانت بمثابة انذار لنظام صالح، أو لنقل مؤشر على أن الثورة قادمة لا محالة.

في 11 فبراير فور إعلان تنحي مبارك خرجت الجماهير في أكثر من مدينة يمنية، كانت الساعة تشير الى التاسعة مساء، بينما القنوات الفضائية آخذت تتحدث عن خروج اعداد حاشدة من اليمنيين ابتهاجا بأول انتصار حققته ثورة مصر.

في صنعاء، كان الاحتفاء بهذا المنجز العظيم (اجبار مبارك على التنحي) قد جرى في ميدان التحرير، وهو الميدان الذي سيتحول فيما بعد الى ساحة لتجمع انصار النظام، حيث سيتم نصب خيام هي بمثابة غرفة عمليات لتوجيه من أصبح يطلق عليهم بـ"البلاطجة" وستكون مهمتهم على مدى اشهر الاعتداء على المظاهرات التي تخرج من ساحة الثورة جوار جامعة صنعاء "ساحة التغيير".

في تعز ليلتها خرج المئات الى شارع جمال (وسط المدينة) وهناك اطلقت الألعاب النارية ابتهاجا بسقوط مبارك، ورددت الهتافات الثورية التي آخذت تطالب بإسقاط نظام صالح. واتجه ألاف المتظاهرين الى مبنى المحافظة وظلوا هناك قرابة ساعة يهتفون "الشعب يريد اسقاط النظام".

كانت الحادية عشر قبل منتصف الليل، الجماهير لا تزال تغطي الساحة امام مبنى المحافظة على بعد خطوات من بوابة المبنى. الهتافات تتصاعد، والمدينة لم تنم بعد، لكن فجأة انقطعت الكهرباء، ثم انهالت على المتظاهرين أحجار من اتجاهات متعددة.

فضلت الجماهير العودة الى مكان انطلاقها، لأن الظلام لا يسمح بالتصادم ولا أحد يدري كم عدد الذين جرى حشدهم طوال ساعة للاعتداء على المظاهرة التي لابد أنها ارعبت كل من يقف في صف صالح وليس فقط المسؤولين في مبنى المحافظة.

لم يكن انسحابا متفرقا، ولكن مظاهرة أخرى تردد نفس الشعارات في حماس منقطع النظير.

  لماذا 11 فبراير هو يوم انطلاق الثورة؟

لم يقتصر ليلتها خروج الجماهير في تعز وحدها، لكن ما يميز تعز ويجعل يوم 11 فبراير هو يوم انطلاق الثورة، أن مئات الجماهير ظلت مرابطة في الشارع تردد الشعارات الثورية حتى ساعات الصباح الأولى، ثم بقى نحو 80 شابا رفضوا ان يعودوا الى منازلهم، لأنهم ارادوا ان يتواصل الزخم الثوري الى اليوم الثاني.

عند التاسعة من صباح يوم 12 فبراير، أنطلق هؤلاء الشباب الذين لم يذوقوا طعم النوم طوال الليل في مظاهرة بدأت من المكان الذي ظلوا فيه "ديلوكس" وسط شارع جمال، في اتجاه مبنى المحافظة، ومع كل خطوة كان عدد المتظاهرين يتزايد.

مبنى المحافظة هو رمزية النظام الذي تطالب الجماهير بإسقاطه، غير أن انضمام اعداد كبيرة خلال مسافة قصيرة كان مغريا لمن ارادوها ثورة، وكان لابد أنهم قد تعلموا الدرس الأول ليلة البارحة: اذا حدث اعتداء فان الجماهير ستتفرق ولن تتواصل الثورة.

انعطفت المظاهرة من أمام مدرسة الشعب في اتجاه ما سيعرف بعد يومين بـ"ساحة الحرية". توقفت المظاهرة في تلك الساحة لبعض الوقت، وكأنها تبرم علاقة صداقة مع هذا المكان الذي سيكون ملتقى الثورة الواسع والذي سيزلزل نظام صالح، لدرجة ان الحقد عليه ستجعله يأمر قواته بإحراقه وقتل من فيه بعد قرابة اربعة اشهر من الثورة.

استأنفت المظاهرة مسيرتها في اتجاه شارع المغتربين، وعندما وصلت الى المكان الذي انطلقت منه قبل ثلاث ساعات، كانت الجماهير قد أصبحت أكبر من أي قدر يمكن تخيله بالنسبة لمن خططوا للأمر وأصروا عليه.

اصبح شارع التحرير هو المكان الذي سيقرر المتظاهرين الاعتصام فيه ليبقى نقطة انطلاق لمظاهرة اخرى لابد أنها ستنطلق في الغد. وهناك نصبت أول منصة للثورة، وأقيمت أول صلاة في شارع عام، وحضرت وسائل الاعلام المختلفة لتغطية الحدث.

في اليوم الثالث خرجت مظاهرة شبيهة بتلك التي خرجت في اليوم السابق، وعاد المتظاهرين للاعتصام في ذات المكان.

بالطبع تواصلت مظاهرات صباحية العاصمة صنعاء كما تواصلت الاعتداءات، لكن الثورة في تعز كانت تواصلت هي الاخرى منذ ليلة 11 فبراير.

خلال الساعات الاولى من  فجر 13 فبراير داهمت قوات الأمن مكان الاعتصام في شارع التحرير واعتقلت قرابة 100 شاب، واصبحت التهمة الموجهة لهم هي عرقلة مصالح الناس.

لكن مظاهرة شبيهة بمظاهرة اليوم السابق خرجت وعاد المشاركون فيها وقت الظهيرة للاعتصام في نفس المكان. وبعد وقت قصير اطلق سراح من كان قد تم اعتقالهم.

 كان الأمن يدرك ان اعتقال مائة شاب لن يغير شيء في حقيقة ان الثورة قد انطلقت، وهو ما ادركه في هذه اليوم، غير ان الأمن عاد صباح يوم 14 فبراير، واعتقل قرابة 200 شخص، اثناء ما كانت تجري الاستعدادات لانطلاق المظاهرة اليومية.

أكثر من ثلث من اعتقلوا كانوا من المارة وممن توقفوا ليشاهدوا انطلاق المظاهرة. استطاع الأمن ان يفشل الخروج يومها، لكن الساحة التي امام مبنى المحافظة اصبحت مكانا اخر لتوافد الجماهير المطالبة بإطلاق سراح الشباب، وهناك تجمع كبير مماثل عسكر أمام مبنى ادارة الأمن حيث يُحتجز المعتقلين.

عقد الاتفاق مع ادارة الأمن بأن الشباب سينتقلون الى الاعتصام في مكان آخر بحيث لا يتضرر أحد، مقابل اطلاق صراح المعتقلين. أفرج عن الشباب بعد ظهر ذلك اليوم. وفيما اصر البعض على العودة الى وسط شارع جمال او شارع التحرير للاعتصام، فضل البعض ان تكون الساحة التي بجوار "المعهد الوطني" هي المكان الذي سيذهبون اليه للاعتصام والتجمع لاستمرار الثورة.

عند الرابعة من عصر 14 فبراير، أنطلق عشرات الشباب من وسط شارع جمال باتجاه أول ساحة ثورية في اليمن. اعلنوا ان مكان الاعتصام قد تغير مراعاة لمصالح اصحاب المحلات التجارية، لأن الثورة لا تريد الضرر لأحد. لكن خطوات فقط واذا بأطقم أمنية تباغت المظاهرة الصغيرة من شوارع فرعية، طوق الشباب واخذ الجنود يعتدون عليهم.

تفرق الجمع وأعتقل خمسة شباب تقريبا. كان الأمن يتردد ما بين الحذر واللطف مع المتظاهرين وما بين الرغبة في قمعهم بشدة، وبعد ساعة كان المشاركين في المظاهرة قد وصلوا للساحة بشكل انفرادي،

ثم اطلق سراح من تم اعتقالهم ليصلوا بدورهم.

في وسط الساحة وتحت شجرة كبيرة، نصبت اول خيمة للثورة تتسع لثلاثة اشخاص، لكن الظلام لم يهبط إلا وقد توافد المئات من المعتصمين، وكل آخذ يفكر بالمكان الذي سينصب فيه خيمته.

بعد اربعة ايام من تأسيس الساحة، 18 فبراير اقيمت اول صلاة جمعة في ساحة ثورية، أطلق عليها "جمعة البداية" وبعد الصلاة مباشرة، سقط أول شهيد للثورة في تعز "مازن البذيجي" وسقط عشرات الجرحى بفعل قنبلة يدوية القى بها "بلاطجة" محسوبون على صالح واقرباء لقيادات كبيرة في حزبه.

هذه الحادثة جعلت وقت الغروب يأتي وقد اصبح عدد من في الساحة اضعاف من حضروا لتأدية صلاة الجمعة.

في اليوم السابق 17 فبراير، كانت قد تأسست في العاصمة صنعاء، ثاني ساحة ثورية في اليمن، جوار مبنى الجامعة، بعد مظاهرات ظلت تخرج كل صباح ويتعرض المشاركين فيها لشتى اشكال الاعتداءات.

الاشتراكي نت تليجرام
قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية
للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
https://telegram.me/aleshterakiNet

قراءة 4789 مرات آخر تعديل على السبت, 13 شباط/فبراير 2016 20:15

من أحدث